أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - الترابي ليس مرتداً















المزيد.....


الترابي ليس مرتداً


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1533 - 2006 / 4 / 27 - 10:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من هو حسن الترابي؟ الدكتور حسن الترابي رجل تخطى السبعين من العمر وقد تخرج في جامعة الخرطوم، كلية القانون والشريعة ثم نال درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس وصار فيما بعد عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم. وهو يجيد اللغة العربية والإنكليزية والفرنسية. وقد انضم الترابي إلى تنظيم الأخوان المسلمين عندما كان طالباً وظل يتدرج في التنظيم إلى أن أصبح زعيم الجماعة بالسودان. فالرجل متشبع بالإسلام منذ صغره ومتبحر في القانون الشرعي والمدني. وعندما يتحدث رجل مثل الترابي، قضى جل عمره في دراسة وتدريس الإسلام، عن الإسلام، يجب أن تناقشه العقول نقاشاً فكرياً بدل رميه بتهمة الزندقة التي رموا بها المعتزلة والقدرية وغيرهم من المفكرين مثل الراوندي والجعد بن جهم قبل آلاف السنين. ولكن للأسف فهناك عقول تحجب العمائم عنها ضوء العلم كما تحجب أشعة الشمس عن الوصول إلى تلك الرؤوس الخاوية. هذه العمائم التي تسمي نفسها "الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان" بقيادة الشيخ الأمين الحاج محمد، صاحب موقع "الدين النصيحة" http://www.islamadvice.com والذي عمل بالسعودية مدرساً في اللغة العربية لمدة أربع وعشرين سنةً، رفعت عريضة لرئيس الجمهورية بالسودان تطالبه بتطبيق حد الردة على د. الترابي إن لم يتب عما قال. وذكرت هذه المجموعة في بيانها للناس الأسباب التي دعتهم إلى الحكم بردة الترابي، وقالت في أول البيان (وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الذي حذر من الدجاجلة وأخبر بخروجهم، فقال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً دجالاً") انتهى. والمنجد يقول عن الدجّال: ( هو ماء الذهب وجمعها دجالون ودجاجلة: الكذاب تشبيهاً بماء الذهب لأنه يُظهر خلاف ما يُبطن) انتهى. ود. الترابي لا ينطبق عليه هذا الوصف إذ أنه أعلن ما أغضب هذه الجماعة ولم يبطنه، وظل يقول به منذ الستينات، كما تقول المجموعة نفسها في عريضتها: (ما فتئ د. الترابي منذ الستينات يردد ويجتر أقوالاً شاذة، وأفكاراً ضالة، يفتري فيها الكذب على الله، ورسوله، ودينه، يلبس ويدلس بها على الناس، تصب كلها في معين واحد، وهو السعي إلى تبديل الدين وتطويعه حتى يساير ما عليه الكفار اليوم. عندما نبذه قومه، وعزل من السلطة وهو من هواتها، جن جنونه، ففجر في خصومته، ورفع عقيرته، وأبدى ما كان يخفيه من قبل، تزلفاً للكفار، وخطباً لود الأسياد، فكانت النتيجة هذيانه في ندوة بورتسودان، وفي مقابلة قناة العربية، وندوة حزب الأمة الإصلاح، وما تطفح به صحيفة "رأي الشعب" من الضلال المبين والقول المشين) انتهى. فالمجموعة تقول إنه ظل يقول بهذه الأقوال منذ الستينات، فكيف يكون دجالاً يُظهر شيئاً ويبطن غيره؟ هذه المجموعة التي لا تعي ما تقول تريد أن تحكم بردة د. الترابي.
واستمرت هذه المجموعة في تخبطها وعدم فهمها اللغة العربية، فقالت: (لهذا وغيره تعين على أهل العلم في هذا البلد خاصة، وفي غيره من دار الإسلام، أن يبينوا حكم الشرع فيما صدر منه، عملاً بالميثاق الذي أخذ عليهم: "وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ" ) انتهى. وواضح من الآية أن الله كان يخاطب النبيين وأخذ ميثاقهم على أن يؤمنوا بمن جاء بعدهم من الأنبياء، والآية لا تخاطب عامة المسلمين كما تزعم هذه المجموعة. يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: (قيل أخذ الله تعالى ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً ويأمر بعضهم بالإيمان بعضاً، فذلك معنى النصرة بالتصديق. وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة وطاوس والسدي والحسن. وهو ظاهر الآية. قال طاوس: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر) انتهى.
وتستمر العريضة فتقول: (وخشية من الوعيد الصادر من الصادق الحبيب صلى الله عليه وسلم: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" ) انتهى. ولم تقل لنا المجموعة من الذي سألهم عن العلم وخافوا أن يكتموه فيلجمهم الله بلجام من نار. وأين هو هذا العلم الذي تخاف المجموعة من كتمانه؟
ثم تقفز المجموعة إلى إصدار الحكم على د. الترابي دون الاستماع إلى أقواله ودون مناقشته فيما قال، وبذا تكون المجموعة قد كونت من نفسها محكمة حكمت على الترابي غيابياً، فقالت: (وحيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فقد صدر هذا البيان، وحرر هذا الحكم، تبرئة للذمة، ونصحاً للأمة، "أن الترابي كافر مرتد"، ما لم يتب عن جميع تلك الأقوال، ويعلن توبته على الملأ مفصلة، يتنصل فيها ويتبرأ عن كل ما صدر منه أمام طائفة من أهل العلم، بحكم قوله تعالى: "إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ"، فأهل الأهواء لا تقبل لهم توبة إلا إذا أعلنوها وأشهدوا عليها، وإن كان الزنديق لا تقبل له توبة في الدنيا في أرجح قولي العلماء) انتهى. ويبدو أن هؤلاء العلماء الذين يخافون الله لا يريدون أن يتأخر إعلانهم بالحكم على الترابي فتبرأ ذمتهم بهذه العجلة في الحكم. فقد دفعهم حبهم لله أن يتولوا عنه مشيئته، فقالوا إن الزنديق لا تقبل توبته، رغم أن الله يقول في القرآن: "ولله ما في السموات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم" (آل عمران، 129). وقال كذلك: "إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" (النساء 48). والترابي لم يشرك بالله إنما اجتهد في تفسير بعض آيات القرآن، فكيف يحرمونه من التوبة والغفران والله يقول إنه يغفر كل شيء ما عدا الشرك؟
ثم ادعت المجموعة أن الترابي قد أنكر ما هو معروف من الدين بالضرورة ولذلك ارتد عن الإسلام، فقالت: (ومنكِرُ ما هو معلوم من الدين ضرورة كفره لا يختلف فيه اثنان، إذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع، كحال الترابي، فهو بالغ، عاقل، عالم بما يقول، بل مدعٍ للاجتهاد وكاسر لبابه) انتهى. فإن الذي يجتهد يكون قد كسر باب الاجتهاد الذي أوصده فقهاء البصرة في القرن الثاني عشر الميلادي، حسب ما تقول هذه المجموعة. والأسباب التي أدت إلى الحكم بالردة هي:
1- إباحته للردة، وزعمه أن سلمان رشدي ليس كافراً، رداً لقوله تعالى: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينه فاقتلوه"، ولقوله: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث"، وذكر منها: "التارك لدينه المفارق للجماعة"، ولإجماع الأمة.
فإذا سألنا هذه المجموعة التي ربما لم يقرأ واحد منهم كتاب سلمان رشدي: بأي شيء كفر سلمان رشدي؟ هل أنكر الشهادة أو أشرك بالله؟ كونه كتب رواية وملأها بما احتوته كتب السيرة لا يجعله كافراً. ثم حتى لو أقررنا بأن هناك شيئاً في كتابه قد يبرر قول بعضهم بردته، فهل إذا أختلف معهم الترابي وقال إنه لم يرتد، يصبح الترابي مرتداً بقوله هذا؟ أما الآية التي ذكروها من سورة البقرة فلا تدل على أن الترابي قد ارتد ولا حتى سلمان رشدي إذ أن سلمان رشدي لم يعلن أنه ارتد عن الإسلام وما عقدت له محكمة أدانته بالردة. كل ما في الأمر أن الخميني أفتى بردته دون أن يقرأ الكتاب ليتأكد بنفسه. أما الحديثين المذكورين فهما حديثان متفق عليهما وليسا مرفوعين. ثم أن الحديثين يقولان اقتلوا من ارتد بينما يقول القرآن صراحةً: "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين" ( المائدة 54). ويقول كذلك: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون" (المائدة 105). ويقول: " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم" ( آل عمران 176). وأخيراً يقول: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا" ( النساء). فالقرآن هنا لا يذكر شيئاً عن قتل المرتد، فأي فقيه هذا الذي ينسخ القرآن بأحاديث معنعنة ومتفق عليها فقط. والقاعدة في علم الحديث أن الحديث إذا تعارض مع صريح القرآن لا يُعتمد.

2- . رفعه الكفر عن اليهود والنصارى الحاليين، رداً لقوله: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ"، ولقوله: "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ"، ولقوله: "لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ".
ونرد على هؤلاء بأن نذكرهم بقول الله: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين" ( آل عمران 114). وكذلك: " إن من أهل الكتاب من يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب" ( آل عمران 199). وكذلك: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" ( الأعراف 159). ثم قال: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة 62). وكرر نفس الآية في سورة الحج. فأهل الكتاب يومنون بالله ويعملون صالحاً اكثر مما يعمل أعضاء هذه الجماعة الذين حكموا بردة الترابي. فأهل الكتاب هم الذين يهبون إلى مساعدة المنكوبين في الكوارث الطبيعية وهم الذين يطعمون الجائع. ألم يطعم الرئيس الأمريكي ريغان أهل السودان في الثمانينات عندما كادت أن تهلكهم المجاعات؟ ألم يضحي المغني الإنكليزي بوب جلدوف بوقته وماله لإحياء حفلات غنائية لجمع التبرعات لمنكوبي المجاعة في إريتريا والصومال والحبشة عندما سدت مجموعتهم آذاها عن صياح الجوعى؟ أليس من حق الترابي أن يرفع الكفر عنهم وقد رفعه الله في صريح كتابه؟ وعندما قال القرآن " إن الذين كفروا من أهل الكتاب" قصد بهم اليهود الذين عاصروا ظهور عيسى بن مريم الذي جاء ليكمل لهم رسالتهم وكفروا به.

3- . انتقاصه للرسل والأنبياء، والنيل منهم، نحو زعمه:
‌أ. أن إبراهيم عليه السلام كان شاكاً، وكان يعبد الكواكب قبل البعثة.
‌ب. يردد كثيراً: (ضلال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم).
‌ج. وأن يونس عليه السلام شرد، وأنه كان مغاضباً لربه.
رداً لكثير من الآيات والأحاديث التي حضت على تعظيم الأنبياء، كقوله تعالى: "وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ"، "وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ".

وربما نسي هؤلاء أو تناسوا أن إبراهيم قال لله: "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" (البقرة 260). فإبراهيم نفسه يقول إن قلبه لم يكن مطمئناً ولذلك طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى. ثم أن الله نفسه يقول للنبي محمد: "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" (البقرة 147) والممترون هم الشاكون. وكرر الله الوصية لنبيه كذلك في آل عمران 60 وفي الأنعام 114. فإذاً كل الأنبياء يداخلهم الشك ويطمئنهم ربهم. فهل في هذا القول ارتداد؟ أما عن ضلال الرسول محمد فقد عاتبه الله عندما عبس وتولى عن ابن أم مكتوم الأعمى، فإذا عاتبه الله فلا بد أن يكون قد ضل. وماذا عن أول الأنبياء آدم عندما قال الله عنه: "وعصى آدم ربه فغوى" (طه 121). والرسول محمد بشر يخطئ كما يخطئ بقية البشر، وقد كرر القرآن مراراً أن الأنبياء بما فيهم محمد، بشر مثلنا. وأما قصة يونس قد حكتها التوراة وقالت إنه هرب في المركب عندما طلب منه الله أن يذهب إلى مدينة بعينها، ولذلك أغرقه الله وجعل الحوت يبتلعه. أما الآية التي أوردوها عن التوقير فآية ناقصة وقد أخرجوها عن سياقها. فالآية تكمل ما قبلها حيث تقول الآية 8 من سورة الفتح: "إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا" ثم الآية 9 تقول: "لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرةً وأصيلاً" فالآيات هنا تخاطب الرسول وتقول له إنا أرسلناك لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروا الله وتوقروه وتسبحوا له، ولم تقل لتوقروا النبي.

4-. زعمه أن حواء أول الخلق وليس آدم عليهما السلام، منافقة للنساء، ورداً لقوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا"
والآيتين من سورة البقرة لا يدلان على أن آدم خُلق أولاً. فقوله" إني جاعل في الأرض خليفة" لا تعني أن الخليفةً بالضرورة رجل، فقد يكون الخليفة امرأةً. فكون الترابي اجتهد في تفسير الآية لا يعني أنه ارتد عن الإسلام.ً
5- . أن أصل الإنسان قرد، رداً لما عليه أهل الإسلام.
وأحب أن أؤكد للسادة المشايخ أن الإنسان أصله قرد وأن العلم الحديث أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن جينات القرد الشمبانزي وجينات الإسان تتطابق في ما لا يقل عن 98 بالمائة منها. وكل الحفريات أظهرت هياكل الإنسان الأول الذي عاش قبل مئات الآلاف من السنين قبل أن يخلق الله آدم قبل خمسة آلاف سنة كما يقولون ، كل هذه الهياكل اثبتت أن الإنسان كان يمشي على أربعة ثم صار كالقرد له ذراعان طويلان ثم استقام وأصبح إنساناً. فالترابي، لأنه لم يحصر نفسه في دراسة الفقه والقرآن فقط، اقتنع أن الإنسان أصله من القرد. والاعتراف بالحقيقة ليس ارتداداً.
6- . إنكاره لنزول عيسى عليه السلام، رداً لقوله تعالى: "وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا"15، وللعديد من الأحاديث التي تواترت تواتراً معنوياً

ويبدو أن هذه المجموعة من الشيوخ تُخفي الآيات القرآنية التي لا توافق ما ذهبوا إليه. فماذا يقولون عن الآية: " إذ قال يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة" ( آل عمران 55). ألم يقل الله لعيسى إنه متوفيه قبل أن يرفعه إليه. وماذا عن الآية التي يخاطب فيها عيسى بن مريم الله فيقول: " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" (المائدة 117). فواضح أن الله قد توفاه فإذا اختلف الناس في تفسير الآيات لا يعني هذا أنهم ارتدوا عن الإسلام. فإذا كانت آيات القرآن نفسها مليئة بالمتناقضات، فليس على الناس ذنب في الاختلاف في تفاسيرها.
7- . رده لكثير من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، نحو حديث الذباب، حيث قال: (إنه يأخذ فيه برأي الطبيب الكافر، ولا يأخذ فيه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل عنه عالم الدين)، تكذيباً للرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر

والترابي محق فيما ذهب إليه إذ أن الذباب لا يحمل إلا القاذورات والأمراض وليس به أي نفع كما أثبت العلم الحديث. وقد نفهم أن يؤلهوا النبي ولا يقبلوا تكذيبه، أما أن يؤلهوا أبا هريرة ورواة الحديث الآخرين فأمر شاذ. والترابي هنا لم يكذب الرسول وإنما كذّب الذين نقلوا عنه مثل هذا الحديث الذي يطير في وجه الحقائق العلمية. إفتحوا عيونكم إن كانت عقولكم محجوبة، وانظروا أين يحط الذباب قبل أن يقع في شرابكم.

8- . إنكاره لفضل الذكر على الأنثى، رداً لقوله تعالى: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "كمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع"، وزعمه أن المرأة مساوية للرجل، بل هي أفضل من الرجل لأنها تحمل.
مرة أخرى يتلاعب الشيوخ بالنص القرآني لخداع الناس أن الله قال "وليس الذكر كالأنثى" وهذا القول خاطئ، فجملة "ليس الذكر كالأنثى" جملة اعتراضية قالتها أم مريم عندما وضعتها وكانت قد نذرت ولدها لخدمة الله. والجملة ليست من قول الله. يقول القرطبي في تفسيره: (وهذه الصالحة إنما قصدت بكلامها ما تشهد له به بينة حالها وقطع كلامها، فإنها نذرت خدمة المسجد في ولدها فلما رأته أنصى لا تصلح وأنها عورة، اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها). والطبري أكثر أيضاحاً هنا إذ بقول: ( فتأويل الكلام إذاً: والله أعلم من كل خلقه بما وضعت. ثم رجع جل ذكره إلى الخبر عن قولها وأنها قالت اعتذاراً إلى ربها مما كانت نذرت في حملها فحررته لخدمة ربها " وليس الذكر كالأنثى" لأن الذكر أقوى على الخدمة) انتهى. فإذاً شبه الجملة التي أوردوها " وليس الذكر كالأنثى" هي من كلام زوجة عمران. وسبب قولها هو أن الذكر أقوى جسدأ وأصلح للخدمة. وهذا لا يعني أن المرأة والرجل غير متساويين في الأشياء الأخرى غير الجسدية.
9- إباحته للمرأة أن تلي الإمامة الكبرى والقضاء، والوزارة، ونحوها، وأن تؤم الرجال في الصلاة، رداً لقوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"

والشيوخ لا شك يعرفون أن قوامة الرجل على المرأة تعني الإنفاق عليها لأنها تشتغل بتربية الأطفال ولا تستطيع دائماً الكسب من العمل لتعول نفسها، ولا تعني أنهم أحسن من النساء، إنما القوامة أعطيت لهم بما أنفقوا من أموالهم، كما تقل الآية. أما إمامة المرأة للرجال فأمر مختلف عليه ومن حق الترابي أن يختار أي رأي مما قال به أهل التفسير. فالإمام ابن رشد القرطبي يقول: (اختلفوا في إمامة المرأة، فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال واختلفوا في إمامتها النساء، فأجاز ذلك الشافعي، ومنع ذلك مالك وشذ أبو ثور والطبري، فأجازا إمامتها على الإطلاق، وإنما اتفق الجمهور على منعها أن تؤم الرجال، لأنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الأول، ولأنه أيضا لما كانت سنتهن في الصلاة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهن التقدم عليهم، لقوله عليه الصلاة والسلام "أخروهن حيث أخرهن الله" ولذلك أجاز بعضهم إمامتها النساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلاة، مع أنه أيضا نقل ذلك عن بعض الصدر الأول، ومن أجاز إمامتها فإنما ذهب إلى ما رواه أبو داود من حديث أم ورقة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها" وفي هذا الباب مسائل كثيرة أعني من اختلافهم في الصفات المشترطة في الإمام تركنا ذكرها لكونها مسكوتا عنها في الشرع. قال القاضي: وقصدنا في هذا الكتاب إنما هو ذكر المسائل المسموعة أو ماله تعلق قريب بالمسموع.) (بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج1، ص 104). فإذا كان الترابي قد ارتد بهذا القول، فقد أرتد أبو ثور وارتد الإمام الطبري كذلك. فهل يحكم الشيوخ بردتهم؟ ثم ماذا عن الإمام ابن الجوزي الذي قال في كتابه "أحكام النساء": (وتصح إمامة المرأة للرجال في موضع واحد، وهو صلاة التراويح إذا كانت المرأة تحفظ القرآن، إلا أنها تقف وراءهم) (ص133). فهل ارتد ابن الجوزي؟ وإذا اأباح لها ابن الجوزي أن تؤمهم في التراويح، أليس من حق الآخرين أن يجتهدوا كما اجتهد هو؟

10- . أجاز للكافر أن يتزوج المسلمة، رداً لقوله تعالى: "لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ"، ورداً لإجماع الأمة.
ومرة أخرى تقاضى الشيوخ عن الآية التي يقول: " ولا تَنْكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمًةٌٌ مؤمنة خيرُ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تُنْكِحوا المشركين حتى يؤمنوا" (البقرة 221). فأهل الكتاب الذين عناهم الترابي ليسوا مشركين، فهم يؤمنون بالله الواحد. وإذا كانوا مشركين فلا يجوز للمسلم زواج نسائهم كما تقول الآية. فإذا أجاز الشيوخ زواج أنفسهم من الكتابيات فالواجب أن يجيزوا زواج رجال أهل الكتاب من المسلمات، ويجب عليهم ألا يكيلوا بمكيالين. فالذي يفسر هذه الآية بظاهر لفظها ليس مرتداً أيها الشيوخ.
11- . زعمه أن شهادة المرأة تعدل شهادة الرجل، رداً لقوله تعالى: "فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ"
وليس هناك أي سبب يجعل شهادة المرأة أقل من شهادة الرجل، وقد أخذ القدماء بشهادة امرأة واحدة في سبب نزول بعض الآيات. فقد قال الإمام جلال الدين السيوطي في كتاب "الإتقان" ما يلي: (ومنها أول المائدة أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد أنها نزلت بمنى وأخرج في الدلائل عن أم عمرو عن عمها أنها نزلت في مسير له( (ص 28). فإذا أخرجوا أحاديث وأسباب نزول الآيات بشادة امرأة واحدة، فلماذا لا تكون شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل؟ وهل يُكفّر هؤلاء الشيوخ كل أهل تونس والمغرب الذين جعلوا المرأة مساوية للرجل في كل شيء؟ أفيقوا من سباتكم أيها الشيوخ فالوقت لا ينتظركم.
12- وصفه للحجاب بأنه عادة عربية، رداً لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ
أما هذه الآية التي أتى بها الشيوخ فلا تتحدث عن الحجاب إذ ليس الجلباب كالحجاب. الجلباب يُضم على الجسم والصدر بينما الحجاب على الرأس والوجه. وآية الحجاب نزلت في نساء النبي تحت إلحاح عمر بن الخطاب الذي طلب من النبي أن يحجب نساءه عن الرجال الذين كانوا يدخلون منزله دون إذن. والترابي ليس أول من قال إن الحجاب ليس إسلامياً وإنما لباس عربي قديم سبق الإسلام. فهل ارتد كل الذين قالوا بهذا، وهل نقتلهم بردتهم؟
13- انتقاصه للعلماء، والإزراء بهم، ووصفهم بأوصاف يندي لها الجبين، والعلماء هم الأولياء، وقد توعد الله من عادى له ولياً: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"
وأنا لم أر فيما قرأت ما يدل على أن هؤلاء الشيوخ علماء حتى يقولوا إن الترابي قد أزرى بهم. ثم أن القرآن لا يقول بذلك والحديث الذي أوردوه عن البخاري ليس ملزماً لكل مسلم. وخلاصة القول إن الذين حكموا بردة الترابي ليسوا أهلاً لمثل هذا الحكم. وقد فعلوا نفس الشي عندما طالبوا بمحاكمة الشيخ محمود محمد طه الذي حاكمه الجنرال النميري وحكمت المحكمة الشرعية بردته وقتله، وفيما بعد حكمت المحكمة العليا بخطأ الحكم الأول لأن القانون السوداني وقتها لم تكن به مادة تنص على جريمة الردة (الوطن القطرية 30 أكتوبر 2003). ولكن مع ذلك قتلوا محمود محمد طه. فهل يقتل الجنرال البشير عرّاف ثورة الإنقاذ الذي أتى به إلى الحكم وكان أستاذه على مدى عدة أعوام إلى أن أفسدت السلطة كليهما؟



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب…الإسلام…والإرهاب


المزيد.....




- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - الترابي ليس مرتداً