نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 05:50
المحور:
الادب والفن
لا شيء ثقافي في المشهد الادبي الذي نحياه منذ بضع سنوات على الاقل . وحسب تشخيصات يجمع عليها عدد من الزملاء , الذين يعيشون ويعانون من "شلل الاطفال" الذي حل بثقافتنا , نحن اصبحنا مجتمعاً عاجزاً عن الاستهلاك الثقافي الروحي , وابرز ما في " ثقافتنا " اذا صح مجازاً استعمال هذا التعبير (ثقافة) هو اسماء ادبية تريد ان تواصل العيش على حساب زمن ادبي تلاشى , وعلى حساب تاريخ حزب , صنع نهضة ثقافية , واعطانا اسماء ادبية احيانا بلا ابداع يستحق صفة الادب … ثم تهاوى بنيانه الثقافي والسياسي , لاسباب لا اريد الخوض فيها الان , واثر هذا سلبياً على واقعنا الثقافي والسياسي , لان الثقافة الحقيقة لا تقع خارج حدود الزمان والمكان ولا خارج حدود المجتمع , او فوق السياسة , انما هي فعل سياسي اجتماعي تاريخي مندمج في الزمان والمكان. وما عدا ذلك غيبيات لغوية وهرطقات نصية وصياغات عقلية مراهقة , وكتابة استمنائية , وبأحسن الاحوال كتابة على هامش الادب مما يجعل المشهد الادبي مشهداً بائساً – يفتقد للأنسجام ويذهب الصالح والمبشر بالامل ضحية الطالح والفارغ.
المثقف-الاديب الحقيقي لا يستطيع ان يكون خارج احداث عصره , وخارج الفعل السياسي والاجتماعي لشعبه , ومن يتوهم غير ذلك لديه مشكلة حقيقية , لانه اساساً لا يشكل اية أضافة ثقافية مهما انتج وروج لنفسه.
هذا الواقع في ثقافتنا المحلية يترجم نفسه في الانقطاع شبه الكامل بين المبدع والقاريء , والاخطر هو الانقطاع الكامل تقريباً بين الادباء انفسهم , تقريبا لا أديب يقرأ لاديب أخر . واستطيع ان اقول اننا امام ظاهرة "أدباء أميون" بمفهوم ان ابداع غيرهم لا يعنيهم, من هنا ازمة ثقافتنا ليست أزمة الكتاب المحلي فقط , أو أزمة تسويق…أنما أزمة قراءة بجوهرها.
ان انتاج ونشر عمل ادبي جديد لاحد الادباء المحلين يمر دون ان يثير انتباه احد , وحتى الخبر الثقافي الذي تنشره الملاحق الادبية لا يتعدى مساحة اعلانات النعي .
نشر قصة جميلة او قصيدة جميلة يمر دون اشارة او انتباه , غنيك عن القول ان اكثرية ما ينشر لا يستحق النشر وللاسف لا نجد الغيورين على ادبنا لقول كلمة حق وصدق.حتى صار الابداع يماثل لغواً لا اطار له ولا معنى له , ولا يثير ادنى رغبة في قراءة ما بعد السطرين الاوليين.
ربما يجب ان اقول اننا مجتمع لا ثقافي , واعرف ان هذه التهمة بالغة الخطورة , ويبدو ان الشق الثاني لهذة التهمة هو اننا نتحول الى مجتمع بلا مثقفين قادرين على صنع حياة ثقافية , بلا مثقفين قادرين على احداث نهضة ثقافية , لدينا اسماء ادبية بالمئات والالأف … من يشعر باصحابها وادبهم؟ من يعرف انتاجهم ومشاكلهم ؟ من يقرأ كتبهم ؟ من يسمع عن نشاطهم ومواقفهم من القضايا المختلفه, الثقافية او الاجتماعية او السياسية؟
الثقافة تعني مجمل اشكال النشاط الابداعي للانسان والمجتمع وانتاج هذا النشاط فاين هي ثقافتنا؟!
واين هم مثقفونا؟!
لا يمكن ابداع ادبي في ظل غياب حركة ثقافية , واذا وجد مثل هذا الابداع يبقى هامشيا في المشهد الثقافي المتهاوي , وهذا واقع لا يقل مأساوية عن التراجيديات الاغريقية.
الابداع الثقافي ليس نصوصاً ادبية , انما نشاط اجتماعي وفكري , كتابه وحوار وندوات ومواقف وتشكيل قوة ضغط ثقافية , تعتمد على حركة ثقافية , وجمهور المثقفين, وتفرض نفسها ورؤيتها الحضارية على المؤسسات الاجتماعية والسياسية والتربوية .
للأسف ما يجري في ثقافتنا هو النقيض الكامل لما ذكرت ,ما نشهده هو احتلال البعض لدور "الفقهاء الادبيين " متوهمين وموهمين بعض التافهين والهامشين انهم يمثلون خلاصة ثقافتنا , وباتوا في المشهد الثقافي الحالي يمثلون اهانة للعقل وتسخيفا للثقافة وتصحيرا للحياة والنشاط الثقافي , وباطلا اجتماعيا متحجرا , لا يختلفون عن فكر الاصولية الدينيه في الفعل والنتائج ,وكل ما يقدموه لثقافتنا يمكن حصره تحت عنوان اساسي " فهلوة ثقافية" وادعاء " الزعامة الادبية " … ومنصات التهريج متوفرة لمن يريد ابقاء الحال على هذا المنوال , واقول بوضوح ان اؤلئك " المهرجين" عدا انهم اهانة للعقل الثقافي الواعي , ولمسيرتنا الثقافية , المصابة بالامساك حالياً فهم يشكلون بؤرة يجب اجتثاثها اذا اردنا لثقافتنا طريقا يعيد لها مجدها ويخلصنا من البلادة والفقهاء (الادبين) , ربما ينجح اؤلئك في ان يقوموا ببعض الادوار البهلوانية في "سيرك" ثقافي ليس الا , ولكن اطلاقا لا مكان لهم في مجتمع ينشد التطور والرقي واللحاق بركب الحضارة الانسانية , عبر مواجهة تشكيلية ليست سهلة من التحديات المختلفة.
ربما اكون حادا وعنيفاً فيما اقوله , ولكن ما يشفع لي ان السيل بلغ الزبى , والغرق اصبح احتمالاً رهيباً لمجتمعنا وثقافتنا فهل نجدد انطلاقتنا الثقافية التي انقطعت , بلا مقعدين واوصياء وفقهاء ادبيين؟.
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟