|
البكاء السياسي .
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6599 - 2020 / 6 / 22 - 14:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بُكاء السياسيين في تونس قديم ، ولكن الجديد هو كثرته هذه الأيام ، فوزير يبكي يتلوه وزير ، بورقيبة أيضا كان يبكي عندما يتذكر طفولته البائسة وحذاءه المثقوب، وهو المُولع بالمسرح ، كان سبب بكائه نائما في شخصه ، وقد وجد في الماجدة وسيلة عطف الزوجة والأم ، قبل أن يطلقها في آخر العمر ، لكي تحل محلها سعيدة ساسي ابنة أخته ، التي كانت رصاصة رحمته.
بن على خليفته المنقلب عليه لم يبك ، لا لأنه قوي وعسكري ، وانما على الأرجح لأنه جاء الى السياسة بلا تاريخ و دون تجارب ، هو لم يواجه وضعا عصيبا على مدى طويل من زمن حكمه ، وفي آخره عندما جاءت الصعوبة القاتلة لا يُعرف ما إن بكى وهو في الطائرة التي أقلته الى الربع الخالي ، هناك حيث لاذ بالصمت ، ربما ضحك ، ربما بكى، وهو يتابع قبل موته ما آلت اليه تونس من بعده ، لا أحد يعرف غير زوجته التي يعتبرها كثيرون سبب بلائه.
بعد هروبه أو تهريبه تولى الرئاسة لساعات وزيره الأول محمد الغنوشي ، الذي بكى وهو يشاهد صرح سلطته وقد هوى، و في نفس الوقت كان غنوشي آخر( راشد) يبكي على الهواء في قناة اخوانية تبث من لندن ، وهو يشاهد اليساري عبد الناصر العويني يهتف وحيدا في شارع بورقيبة : بن على هرب فيا أيها التونسيون تنفسوا الحرية . والمفارقة أن الباكي أصبح حاكما ، بينما ظل من أبكاه محكوما ، وهو هذه الأيام معتصم بعد اقتحام الشرطة عليه بيته .
أما منصف المرزوقي وهو رئيس نزل بالمظلة من الجو ليسكن قصر قرطاج لبعض السنوات ، فلم يبك بسبب حدث تونسي وانما بكى وانتحب على قناة الجزيرة لأن الاخواني المصري محمود مرسي كان قد مات ، فبعد ان شتم الحداثيين والعلمانيين التابعين الحقيرين يومها انفجر عويلا عمن سماه الرئيس الشهيد ، ربما بكى وقتها حلمه المجهض بعد خروجه من قصرقرطاج مهزوما وصفة الطرطور تلاحقه . الباجي قائد السبسي انهمرت دموعه ايضا قائلا ان قلبه يبكي لان امرأة أبلغته انها لم تأكل اللحم منذ اشهر ثلاث ، وان ذلك غير معقول ، وواقع تونس مر وهو ما لا يجب ان يستمر ، وكان وقتها يطلب الأصوات خلال حملة انتخابية في حي شعبي من أحياء تونس العتيقة .
ومع كورونا استغرب التونسيون بكاء وزير صحتهم ،فأعداد المصابين والموتى لم تكن كبيرة ، وفهم كثيرون أن الامر دعاية ، فعين الوزير على الرئاسة القادمة ، حتى أنه نظم لنفسه استقبالا صاخبا في مستشفى ، وفي عز الحجر الصحي و" التباعد الاجتماعي " ، ثم لجق به في القائمة البكائية وزير الشؤون المحلية الذى راعه كما قال تدافع آلاف التونسيات والتونسيين للحصول على منحة زهيدة ، بسبب ما حل بهم من فقر جراء الوباء ، وكان آخر البكائين وزير المالية فالميزانية منهارة والموارد شحيحة .
يبكي الناس غالبا لألم وغم وكمد ومصيبة ، وقليلا لفرح وسرور وبهجة . ويبدو أن البكاء السياسي لا علاقة له بمثل تلك الحالات، وإنما هو وسيلة لتحقيق غاية ، وهي المقبولية الشعبية وكلما بكى سياسي فصدقه الناس نسج منافسه على منواله وبكى مثله لحصد الرضى ، لذلك ينحدر البكاؤون من أحزاب متنافسة ، فالأمر يتعلق ببكاء " مُتلفز " ، تنشره القنوات التي تسكن البيوت ، لذلك كثيرا ما يُقارنُ أصحابه بالتماسيح التي تنزل دموعها مدرارا وهى تلتهم فرائسها ، إنه بكاء لمخاتلة الضحايا قبل وبعد وأثناء الفتك بها ، وفي تونس اليوم فإن وسادة السلطة مُبللة بتلك الدموع التي لا نفع فيها للشعب ، فهي لا تُخمد نيران الفقر والمرض والفساد والبطالة ، ومثلما يُنصح بعدم اتخاذ التمساح صديقا لأن عيناه دامعة ، يُنصح بالحذر من السياسيين البكائين ، فالأوطان لا تحتاج بكاء وعويلا ولطم خدود ، وانما تدبيرا وعلما وعملا واقداما وشجاعة ، لقد أمسى البكاء السياسي مُبتذلاً، بل إن الدموع صارت تستحي من نفسها ،وعندما يُصبح الشعب واعيا بذاته فإن السياسي البكاء لن يجد من ينظر الى دموعه ويُصغي الى نحيبه .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس : من هو الرئيس ؟
-
الرّجال الحمر
-
تونس : ست ملاحظات حول اللقاء التلفزيوني مع رئيس الحكومة
-
كورونا كمفارقة
-
هلع البرجوازية الكمبرادورية .
-
العريضة الوطنية لمجابهة كورونا .
-
كورونا لسان الكون .
-
عريضة تونس حول سوريا .
-
حقائق الكورونا وأساطيرها.
-
تونس : حكومة الوضوح وإعادة الثقة .
-
الحرب بين قرطاج وباردو هل تقع ؟
-
تونس والدستور الثالث.
-
خطة أردوغان العربية
-
ماذا يريد أردوغان ؟
-
تونس : حكومة المخاتلة .
-
تونس : حكومة مرتقبة .
-
تونسوخطر الحرب الأهلية .
-
التونسيون ومدرسة التاريخ.
-
تونس : اشتدي أزمة تنفرجي.
-
وادي الدمُوع وقصر القُبل .
المزيد.....
-
طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ
...
-
تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال
...
-
رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
-
زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
-
جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ
...
-
غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف
...
-
طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا
...
-
وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
-
هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
-
في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|