|
عيون الليل الحزين
دينا سليم حنحن
الحوار المتمدن-العدد: 1590 - 2006 / 6 / 23 - 11:07
المحور:
الادب والفن
من بين سحب الظلمه برقت عيناه الحادتان ، دمدمة ذبابه تائهة أيقذت نعمة البقاء داخله , أُرجعت روحه مرة اخرى الى يقين الحياة ، رقد ساكنا مصغيا السمع فيما تنتقل لها بحريه تبحث عن منفذ تطرق فيه ابواب الريح . استداراتها المتكرره فوق رأسه تقض مضجعه ، تسحب نظراته الغاضبه عبر الليل الدامس الى عيون تُجاوره ، تحدجه من كل صوب ، يُلاحقها بمجهود المتلهف يلقي نظرة هنا واخرى هناك حتى امتلأت الغرفه بها ، عيون نافرة تتوسط قميصه المعلق على الباب . ترمقه باصرار ، لا تزيغ ولا تغمض ، تتوسط انفاً ، فماً واذنين طويلتين حتى لتصلا اواسط الباب متهدلتين . واخرى تظهر له من بين عقارب ساعة الحائط ، تحظره تعقبها لئلا يكون مصيره الترقب الوئيد ، ثوانيها تحُل مكان دقائقها و الدقائق تهيمن على الساعات فيصبح الليل بطول النهار ويتحول النهار الى دهر ٍ . تنبع من شقوق الجدران عيون غارقه بالدموع ، قطرات ماء منسابه تموج لها متلألئه بنور القمر المتسرق للحظات من بين الغمام المتراكم ، عبر نافذة سابحة ببقايا القطرات المنهمرة . وبغضب تسائله عينان أُخرتان من خلال وجه عجوز شعثاء معلق داخل اطار بالٍ ، كان قد اقتناه من أحد الحوانيت ، في سوق الخرداوات ، لوحة احداهن ، مجهولة الاسم والاقامة لا يذكر سبب اقتنائها ، كل ما يذكره فقط هو ازاحة المارة بمنكبيه عندما غاص بين الجموع ، يعبر الشوارع المزدحمة خلال غوغاء صفارات السيارات . عينان اثنتان ما زالتا قيد البحث ، مفقودتان ، دأب النظر اليهما ، اشعلتا الغرفة نوراً وأججت قلبه نارًا مستعرة سكّنت آلامه وما لبثت ان تحولت النيران الى سكن يُدرئ عنه ذكراها ، لم يعد يذكرهما ، احبهما وقتلهما في آن ٍ ، حنينه الجارف لهما ادى به الى الانهماك في حوار يلازمه ، يتأوه عذاباً في سكون الليل وصمتِهِ ، رأى نفسه بروحين منفردتين ، حدثهما فتحاورانه بشدوهٍ ، فقَدَ احساسه بالواقع واستمع لضجيج نبضاته ، لاجت رأسه افكارًا جهنمية ، لا يعلم الى ماذا تؤول ، جنونه الجامح للحرية والتحليق بعيداً ، تاركاً الوحدة والعزلة ، رحلة البحث عن الذات والملذات دون رقيب ، أراد الانطلاق يعبر جميع العيون المترصدة ، تاق للانفلات وكسر القيود ، رأى نفسه مقيّداً طالما بقيت عيناها حاضرة ، حتى انه استشعر البخور الباهت ينفث منهما . انتشرت العيون من حوله ، جميعها تعودُ اليه ، احساس غريب يداهمه ، الامتلاك والسّيطرة ، سيساعدانه على تحويل العزلة الى حرية مطلقة ، والوحدة مسرة الاختلاء بالنفس ، يلوذ داخل مخدعه كلما شعر بالتعب وهي تحوم حوله وكأنها تمنحه الأمان ، تتراقص امام عينيه فيشعر بنشوة الانتصار ، تهدئ من روعة فينام قرير العين وعندما يصحو تصاحب هواجسه وافكاره ، لكن ان حصل وتعارك معها فستتحول سريعاً الى دوامة خانقة ، تسلبه الهواء فيقترب الى الاختناق وربما ستسعد برؤيته يفارق الحياة . استيقظ لاهثاً واذا به غارقاً في مستنقع من الدمع ، انساب عرقه من بين نسمات شعره الخفيف ليصل صدغيه ، تسري به قشعريرة تجعله يحس بالبرد ، يرتجف تحت الغطاء , والعيون تأبى الاستسلام ، انها لا تنسحب أبداً ، بقيت تحوم وتحوم حتى لاحت الشمس من بين السحب العالية ، معلنةً نهاراً جديداً ينتظر بصمت مهيب هبوط ليل حزين آخر .
#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السماء لا تمطر أقنعة
-
وتر بلا عازف
-
استسلام بكبرياء
-
ناطحة سحاب وبرج حمام
-
وفي قلمها ينطوي العالم الأكبر...!!!
-
ناجي ظاهر بين التفاؤل والحزن والتعلق بالمكان
-
في يوم المرأة العالمي وعيد الأم أناجي أمومتي
-
لماذا نخفي رؤوسنا ونغمض أعيننا أمام الشعارات الزائفة
-
امرأة من زجاج
-
لا تنزع عنكَ أبدا قناع الحرية
-
دموع الشموع
-
* هل جاء (الحلم المزدوج) ليكون للحقيقة لسان ؟
المزيد.....
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|