أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الدين رائف - ليسيا أوكراينكا.. أيقونة الأدب الأوكراني















المزيد.....

ليسيا أوكراينكا.. أيقونة الأدب الأوكراني


عماد الدين رائف

الحوار المتمدن-العدد: 6548 - 2020 / 4 / 27 - 23:39
المحور: الادب والفن
    


كانت ليسيا أوكراينكا (1871 – 1913) مبدعة من الطراز الأول. تركت وراءها للناطقين بالأوكرانية تراثا أدبيا عظيمًا، فخلال حياتها القصيرة نظمت العديد من الدواوين الشعرية، وعملت على الدراما الفلسفية والنقد الأدبي، وكتبت في فن القصة، وأعادت كتابة الفلكلور، وترجمت جملة من الأعمال الأجنبية. دخلت ليسيا أوكرينكا الساحة الأدبية كشاعرة ومترجمة في البداية، ثم حازت على مجد الكتابة المسرحية، وحققت في الوقت نفسه نجاحًا كبيرة في الأعمال النثرية، ما كشف عن تعدد أوجه موهبتها. تدخل أعمال ليسيا أوكراينكا النثرية في سياق الأدب الأوكراني أواخر القرن التاسع عشر، ونلاحظ فيها توليفة من الواقعية والحداثة، وتحديثًا في الأنواع، من النصوص الصغيرة المجزأة ("الفراشة مثلا)، إلى القصة الطويلة ("الأسف"، و"المودة"). إلا أن عملها على توسيع الفضاء الموضوعي للقصة الأوكرانية عبر إضافة البعد الملحمي إليه لم يحظ من معاصريها بالاهتمامهم اللازم.
في مقاله "ليسيا أوكراينكا" (1898)، يعطي الكاتب الأوكراني الكبير إيفان فرانكو توصيفًا عميقًا للإرث الشعري لدى اليسيا، إلا أنه تعمد عدم المس بالتراث النثري مع أن عقدًا من الزمن كان قد مرّ على بداية نشرها قصصها (ومنها "هو ذا قدرها"، "في المحنة عبرة"، وكذلك القصة الطويلة التي كان قد سبق له أن قدم فيها رأيًا نقديًا إيجابيًا جدًا "الأسف")، كما أنه لم يركز على ترجماتها في مقاله التحليلي: "... قوتها ليست في الرواية، بل في الترجمة، على الرغم من أن بعضها جيد جدًا، لكنه لن يضيف أوراقا جديدة إلى إكليل الغار. موهبتها غنائية، لكنها ليست ذاتية ضيقة. تلائمها الأنواع الملحمية والدرامية، لكن فقط عندما تتشكل في قوالب منظومة قوية. الملحمة البحتة والدراما النقية لا تدخلان، على ما يبدو، في نطاق موهبتها". لا بد وأن حكم إيفان فرانكو لم يكن مبرمًا، وهو من هو في عالم الأدب الأوكراني (انطر كتابنا: الأوراق الذابلة – دراما إيفان فرانكو الغنائية. كييف: دار دوليبي، 2017). ركز فرانكو كل اهتمامه على القصائد، مشيرًا إلى الشعر الغنائي، الذي لم يكن سمة مهمة في الأسلوب الشعري لدى ليسيا أوكراينكا فحسب، بل كان إطارًا من أطر نظرتها الخاصة نحو العالم. ومع ذلك، أثبتت ليسيا قدرتها على اختراق أجناس أدبية أخرى، بينها القصائد الملحمية، والدراما المسرحية، لكن غلبت على إنتاجها الأعمال الشعرية الصغيرة والمتوسطة الحجم.
شكلت القصيدة بداية مسار ليسيا أوكرينكا الإبداعي بعد عمليات البحث المرهقة، ثم تحولت إلى النثر أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، بعدما تمكنت من احتلال مكانة في الساحة الأدبية بواسطة الشعر الغنائي. كانت الشاعرة قد تآلفت مع الكتابة الأدبية في وقت مبكر، لم يكن سلوك هذا المسار صعبًا عليها، إذ نشأت وترعرعت في عائلة رفيعة التعليم، وكانت هذه العائلة تقع في حلقات من الأقارب والأصدقاء الذين يعتبرون من الطليعة الأوكرانية المثقفة آنذاك، ومنهم، آل ستاريتسكي، ليسينكو، دراهومانوف، كوفاليفسكي، وغيرهم. تقول ليسيا أوكرينكا في إحدى رسائلها إلى أولها كوبيليانسكا (1863 – 1942): "كان يسيرًا عليّ أن ألج درب الأدب، إذ إني ولدت في أسرة أدبية، لكن ذلك لم يعفني من وخزات أشواك الشعر، فلم أؤمن بموهبتي، وخضت بحثًا مريرًا عن الطريق الصحيح بين آلاف الطرق الأخرى".
إذا كانت القضايا الفلسفية والسياسية والأخلاقية المعاصرة قد عالجتها الكاتبة عبر قالب الدراما المنظومة الذي يعود إلى العصور الغابرة (أثنيا الإغريق وروما القديمة، وإسبانيا العصور الوسطى)، إلا أنها تعاملت في النثر بشكل مختلف فقد قامت بإعادة إنتاج سماته النموذجية، بما يعالج القضايا الحياتية مجتمعة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدون أن يدخل نثرها في أي تعقيدات وبواقعية، وبدون رحلات إلى الماضي. فأتى أبطال أعمالها النثرية حاملين بصمات الوقت الحاضر، عاكسين الجو السياسي والثقافي والنفسي الراهن. في أعمال ليسيا أوكراينكا يتطور صراع الشخصيات ليغدو الصراع النموذجي للعصر، فيعكس نضال المواطن الأوكراني وتناقضاته.
في دائرة الأصدقاء، من الواضح أن طبيعة نثر ليسيا أوكراينكا قد عولجت غير مرة، فساد الاعتقاد أن الشاعرة تكتب القصص بسهولة. في رسالة إلى والدتها، بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير 1894، حول مسألة انتهائها من قصتها الطويلة "الوحيد" (قصة طويلة لم تنهها الكاتبة): "الآن على الأقل، لا أحد يؤرق دماغي! يعتقدون أنه يسهل علي كتابة قصة، فليجربوا ذلك بأنفسهم...". يدلنا ذلك على أن ليسيا كانت تعمل على النثر بالجهد نفسه كما كانت الحال في أعمالها الدرامية والغنائية. وكانت كلماتها في أعمالها النثرية كذلك بالإلهام والقوة عينهما، وكانت سلاحًا موثوقًا به في عملية الصراع نحو مستقبل أفضل.
بدأت ليسيا أوكراينكا حياتها كقاصة عبر فني القصة القصيرة والأقصوصة، ولم يكن هذان الشكلان من القصة مسيطرين أدبيا في ذلك الوقت، لكنها كانت معجبة بهما. وكتبت في إحدى رسائلها إلى إيفان فرانكو: "لا أحب القصة الطويلة أو الرواية الممتدة إلى أجزاء إلا نادرًا، ربما لأن لدي طبيعة شعرية للغاية. أنا لا أحاول إطلاقًا أن أبدي تفضيلاتي على المبادئ، وهي ليست مبادئ هنا أيضًا، فكل المسألة تكمن في النوع المختار". كما أن علاقتها من النقد، ونظرتها الشخصية تجاه أعمالها النثرية كانت متغيرة، فهي لم تسع يومًا إلى أن تكون قصصها مثالية ولم تعتبرها كاملة، لكنها في الوقت نفسه طالبت بالنظر إليها على أن هذه القصص "أطفالها الأصليين"، وليست شيئًا عابرًا أو ثانويًا. ولم تكن تلك القصص ناتجة عن تنامي نشاطها الإبداعي فحسب، بل عن التطور الداخلي والنموالروحي نتيجة انعكاسات مشاكل الحياة البشرية على شخصيتها بشكل مؤلم ومكثف.
تتميز أعمال ليسيا أوكراينكا النثرية بتكوين نماذج خاصة في التصوير والتعبير، فلم تكن موهبة في الصياغة فحسب، بل أخذت بعين الاعتبار كيفية تصور القارئ للنص. لذلك في إحدى رسائلها إلى شقيقها ميكولا بيتروفيتش كوساتش، تقول بطريقة مقنعة إن "لوحات البوتريه لها قيمة في الأدب، وذلك أمر لا تملكه الصور الفوتوغرافية.. فيدون خيال لا يوجد أدب. ففي الحقيقة سنتمكن من وصفه بشكل واقعي فقط إن وضعنا نقطة مشرقة معبرة أمام عيني القارئ". لذلك نجد أن معظم أعمالها النثرية تنتمي إلى فني القصة القصيرة والأقصوصة، أي ما يسمى بالأنواع القصيرة، والتي لطالما تميزت بدينامية خاصة، فقد سمحت للكاتبة بأن تلتقط فورًا "تغيرات حركتها النفسية"، ومشاعرها، تجاربها الشخصية وتفاعلها مع الأحداث الاجتماعية والسياسية، من جهة، والاستجابة السريعة لتلك المشاعر والتجارب والأحداث من جهة أخرى.

بطاقة
ولدت ليسيا أوكراينكا (اسمها الحقيقي لاريسا بيتروفنا كوساتش – كفيتكا)، في 13 شباط/ فبراير (25 منه) سنة 1871، في مدينة نوفهراد فولينسكي (الآن منطقة جيتومير)، وتوفيت في 19 تموز/ يوليو (1 آب/ أغسطس) سنة 1913 في قرية سورامي في جورجيا. شاعرة أوكرانية عظيمة، مترجمة، ناشطة ثقافية. ولدت ليسيا ضعيفة، كانت مريضة دائمًا تقريبًا، توفيت وهي في الثانية والأربعين من عمرها. أصبحت رمزًا لأصالة أوكرانيا واستقلالها، على قدم المساواة مع كبار الأدباء والفنانين، مثل تاراس شيفتشينكو، وهريهوري سكوروفودا، وإيفان فرانكو.



#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراما ليسيا التي غيّرت الثقافة الأوكرانية
- أعمال إيفان فرانكو وأغاتانغل كريمسكي مترجمة إلى العربية 2-2
- أعمال إيفان فرانكو وأغاتانغل كريمسكي مترجمة إلى العربية 1-2
- الدوافع الشرقية في ديواني إيفان فرانكو -إزماراغدي- و-القديم ...
- قراءة في البعد الاجتماعي للقصة المدينيّة: -حكايات منسيّة- لص ...
- عملية -بنك أوف أميركا- مرويّة
- عن ملاك التي تسابق صخرة
- أفندار.. حكاية عاشق لم يقو على قتل ليلى الايزيديّة
- حيٌّ ما دام الناس يذكرونه
- أيتماتوف يجمع الكتّاب في ملتقى حوار الثقافات
- قرغيزيا جنكيز أيتماتوف: الماضي الحاضر أبدًا
- في حضرة ماناس برفقة جنكيز أيتماتوف (1)
- حبيبات إيفان فرانكو.. بين حياته وأشعاره الحميمة – 2 –
- ميخايلو هورلوفي ينحت لبنان حبًّا وشعرًا
- صرخة امرأة.. أرقى ما نظمت مارينا وما غنّت تمارا
- حبيبات إيفان فرانكو.. بين حياته وأشعاره الحميمة - 1 -
- صخر عرب مجسّدًا صراع الأجيال والقيم في روايته -نسيم الشمال-
- لا تقترب من -هاوية- زينب مرعي قبل النوم!
- أوديسا، كييف، موسكو... رحلة الستين عامًا
- أتأبّطُ تمساحًا برتقاليًّا وأعانقُ أغنية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الدين رائف - ليسيا أوكراينكا.. أيقونة الأدب الأوكراني