أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - حجرُ النهاية















المزيد.....

حجرُ النهاية


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6522 - 2020 / 3 / 24 - 14:46
المحور: الادب والفن
    


نص من رواية حرب البنفسج

هذا الليل الطويل مع هذه العزلة السحيقة التي تجتاحه سيضع لها حداً الآن حين يضع أمام الأعور كل ما يملك من أوراق وخرائطَ ورسومٍ ويختمها بتسليمه الحجر السري وهي القطعة الزهرية اللون التي صممها لتكون مفتاح أسرار الكنز، وضع فيها سحره الذي لم يتوصل له معماري قبله، فهذه القطعة الصغيرة بإمكانها لو نُزِعَت من مكانها ثلاث مرات ينهار بناء القصر، وقد صُمِمَت بهذا الرقم السري ليصبح القصرَ بيد من يملك هذه القطعة واستأثر بسرها، فلو أراد الأعور بوقتٍ عسير أو بوضعٍ غامض هدم القصر فوق رأس من فيه ليس عليه سوى وضع الحجر ونزعه ثلاث مرات في مكان ما من البناء لا يعرفه سواه. كانت تلك خطة الملك الأعور منذ البداية وقد حققها له الإخباري رغماً عنه، ولم يستطع إفشاء الأمر منذ البداية للأميرة أفيين وإلا خان الملك، لكن الوقتَ وسير الأحداث والعشق ما دفعه للبوح لها بالمفتاح، لكنه لا يملك إفشاء المكان والطريقة والرقم السري الذي يتحكم في بناء القصر. هذا الليل المرهق الكئيب سببَ حرقة المعدة وإحساساً بالوحدة وعزوفاً في الحياة، ودَّ لو يغادر المملكة حالاً ويترك وراءه كل هذه القيود التي تكبِّله، قيود الحب والخوف والرغبة في الفرار من هذه الحرب الدامية. دارت كلُّ هذه الأفكار واختلطت بالمشاعر في رأسه وهو متجه حزيناً للملك، وفوق ظهره الواهن هذا الجبل العاتي من القيود، جبهتُه محتقنة وحرارته مرتفعة وحرقة المعدة تضغط عليه، وحلم يراوده لو يتمكن فقط بدل هذا الجبل الهروبَ مع عشيقته أفيين المرأة المثيرة العاشقة وليست الأميرة الجائرة، بدا عازفاً في الحياة برمتها رغم رغبته الملحة بالحياة ذاتها، فهو يخشى الموت ويخشى الفقر والجوع والهروب، ولكنه في هذا الساعة التي ينتظره الأعور في ديوانه لا شيء يدور برأسه سوى الخلاص.
"من أنا؟ أين أتجه؟ ماذا أريد؟" كومةٌ أشبه بنفايات من الأفكار المعتمة منثورةً في طريقه لا خلاص منها، بدا الأمرُ كليلٍ طويل شاق لا مناص منه، رغم ضوء النهار، ليس بالضرورة أن يكون الليلَ في الظلام، هذا الليل الطويل الذي يعيشه الآن امتلأ بضوء الشمس ولكنه ليلٌ قاتم، والشمس تحولت لقمر أخرس، والحب أضحى شقاء والقصر الملكي الذي صممه ويعيش فيه غدا سجنا مظلماً، كل البهاءِ والبهجة التي كانت حوله ضاعت وسط بركة الدم والأشلاء والمستقبل المجهول الذي ينتظره.
ظلَّ يسير عبر الرواق الملكي المبهرج بالشموع والمشاعل واللوحات الخرافية، يتقدمه الحاجب القصير القامة السريع الخطوات يحمل الصندوق السري وفيه حجر الحياة والموت، حجر الخوفِ والهلع، فيما تأبط هو الخرائطَ والرسوم بانتظار ساعة الملك التي تحمل الرضى والإعجاب والتفاني، لم يفكر بالمكافأة السخية التي وعده السائح بها، لأنه شُغِل بالسفر وهجران الأميرة العاشقة، بدت له المكافأة مهما كانت من ذهب وأموال ومناصب، لا شيء مقابل ساعة من الحب مع أميرته، فقد طعم النشوة بالمكافأة بسبب هذه الحرب التي لا يبدو لها أولُ ولا آخر. سار بخطواتٍ أسرع ليلحق بالحاجب العجول دائماً والصامت أبداً الذي لا تربطه معه أيُّ رابطةٍ سوى السير معه أو خلفه كلما طلبه الملك، لا يعرف عنه شيئاً، إن كان متزوجاً وله عائلة؟ أم عازباً وله خليلة، لا يعلم إن كان حزيناً أو خائفاً من المجهول مثله، أو مُحْبَطاً بسبب الثورة المستمرة بلا أفق للنهاية، كل ما أدركه عنه سوى هذا الصمت وهذه العجلة من أمره، وألوان الثياب الغريبة التي يرتديها طوال الوقت وهي تبدو مضحكة بعض الشيء، ربما أُجْبر على ارتدائها بصفته حاجب الملك.
"أخيراً أشرق سنمار لصُّ القمر"
قال الأعور عبارته وهو يقهقه وبدا ودوداً بعكس ما دار في خلده قبل المجيء إليه ليقينه بأن الحرب المستعرة في البلاد لم تترك خياراً لابتسامة على وجه أي فرد فما بالك بالملك ذاته، خطر في باله ذلك وهو ينصت للأعور الذي جلس وبجانبه وزيرُه الصفد وثلاثة من قادة الحرس مع مدفأة النار المتقدة في زاوية من الديوان، وقد خُيل له واسعاً أكثر مما توقعه حين صممه، كانت الكنبات الحمراء والسوداء على جانبي المكان، فيما انعكست أضواءُ المشاعل على الحيطان وعسكت أضواؤها بدورها حركاتِ الأفراد كظلال، ما أثار قهقهة الملك حين قال له مازحاً.
"عالجت كل شيء وأبدعت في كل شيء يا إخباري لكنك لم تتوقع هذه الظلال المضحكة التي تعكسها أضواء المشاعل، فنبدو كمغفلين حين نتحرك خلالها"
لمح الإخباري ابتسامة مهدورة وكأنها تجهش بالبكاء على وجه الوزير صفد المتورم، فيما استطرد الأعور بنبرة مفعمة بالود.
"عاجزٌ عن شكرك يا سنمار على كل ما قدمته لي وللأميرة أفيين من ولاء وخدمة وإبداع، ولا أعرف أي مكافأة تستحقها، فأنت أكبر من أي شيء أُفكر فيه تستحقه"
"يسعدني رضاك سيدي السائح ويكفيني رعايتك لي طوال هذه السنين"
التفت الملك نحو وزيره وقال متسائلاً.
"ما رأيك صفد؟ ما هي مكافأة السنمار؟"
"اقترح سيدي السائح أن توليه وزارة الأعمار"
رد الوزير صفد لكن الملك سارع بالقول مقهقهاً.
"السنمار يا صفد لا يطمع في مناصب بالدولة، إنه مغرم بالنساء والقراءة والنبيذ والرسم والموسيقى، لو رغب في منصب بالدولة فأنسب مكان له وزيراً للترفيه"
حينها ألمح الملك للوزير والحارسين بالمغادرة ليختلي بالسنمار لاستلام الخرائط ومفتاح القصر السري، خرج الثلاثة والتفت الأعور وقال متسائلاً بنبرةٍ عاطفية.
"لم أسألك سنمار طوَالَ الوقتِ الذي قضيته معنا لماذا لُقِّبت بلص القمر؟"
"إنها معنى السنمار، هكذا وجدت اسمي سيدي، ولا أعرف سرَّ تسميتي ولكن بعد سنواتٍ من الضيق أعترف أني تقبلت اللقب وتأقلمت معه"
أنصتَ الملك الأعور طوال ساعة زمن لشرح الإخباري له تفاصيل القصر وأسراره ودهاليزه، وأعطاه خرائط سرية توضح بعض السراديب والأنفاق الأمنية ذات السرية الفائقة وحذره من أن تقع هذه الرسوم في أيدٍ غير أمينة. أنفق السنمار وقتاً أغفا فيه السائح بين فينة وأخرى، لكن الآخر دُهش من أنه كان واعياً ولم يفته شيء. حين انتهى المعماري من تسليمه كل ما جاء به من أوراق قدم له في النهاية صندوق المفتاح السري قائلاً.
"عليك أن ترافقني وحدك سيدي السائح لأدلك على مكان الحجر"
سرح الملك وكأنما غاب لوهلة في مكان مبهم، وانتهى به المقام في جزيرة نائية لم يفق منها إلا حين عطس وقال بنبرة مستفسرة.
"ماذا لو وقع هذه الحجر بيد شخص آخر؟"
"لن يستفيد منه طالما لا يعرف سر الرقم ثلاثة ولا مكان الحجر"



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم يتضامن في وجه الحرب العالمية على كورونا
- في الحجر الثقافي...!
- الفرق بين الله والشيطان أن الله يسأل والشيطان يجيب...
- عربيًا فقط - موت الرواية؟ أم نهاية القارئ؟
- لص القمر سنمار الإخباري
- انتحار الرواية!
- فاسفود ثقافي!
- احذروا أيها القراء .. كتابة رواية كالسفر إلى مجرة
- من رواية -ليلة الفلفل في لوغانو-
- لقاح ضد الكورونا الثقافية!
- نبض الكيبورد في حديقة الكتابة
- رواية يسرا البريطانية - صدرت عن دار الفارابي
- زمن الرواية - الحجّ الأدبي
- فساد ثقافي -تلوين الثعابين الثقافية في حفلات الزار الراقصة** ...


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - حجرُ النهاية