أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماريو أنور - الأخطاء فى زمن المحتالين















المزيد.....

الأخطاء فى زمن المحتالين


ماريو أنور

الحوار المتمدن-العدد: 1571 - 2006 / 6 / 4 - 08:27
المحور: الادب والفن
    


- ها هو بيكويك , راكع امام قطعة حجر تبرز من الأرض قرب احد البيوت . لقد صرخ إلهى !! ثم نظف بمنديله الحجر من الغبار فتبينت بعض الأحرف على صفحته , وعلم بحدسه السريع الدقيق انه إزاء قطعة اثرية من العصر القديم . فاشترا الحجر من صاحب البيت بعشرة قروش , وحملها كذخيرة ثمينة إلى المطعم الذى كان اصدقائه الثلاثة ينتظرونه فيه . ووضع الحجر على الطاولة فراحت الأنظار تنصب عليه و هى متقدة فرحاً . ثم نقل الحجر بإجلال الى مركز النادى حيث عقدت جمعية عامة خارقة العادة ألقى فيها عدة خطباء كلمات مسهبة بسطوا فيها أبرع التكهنات وادقها حول هذه الكنابة .
أما , السيد الرئيس , بصفته علامة مشهوراً , فقد صنف كتاباً صغيراً عرض فيه سبعة و عشرين تفسيراً ممكناً لهذه الكتابة !! وقد حاز جهده المرموق على مكافأة مناسبة إذ ان ست عشرة مؤسسة علمية و وطنية و أجنبية عينته فيها عضواً شرفاً بفضل هذا الاكتشاف !!!!! .
لكن......... هل نقول الحسد أم السبيل إلى الحقيقة !!؟ حمل شريكه بلوتن على منافسته , فقد ذهب بلوتن إلى المكان الذى اكتشف فيه الحجر و سأل الرجل الذى باع الحجر وعاد إلى النادى و قال (( الحجر بالواقع قديم جداً , ولكن الكتابة حديثة , إذ ان الرجل الذى باع الحجر قد حفرها بنفسه وكان يريد ان يكتب هذا فقط " أسمى بيل ستامب " و يستطيع كل واحد أن يتحقق من ذلك )) ...لكن ردة فعل النادى جاءت سريعة , فقد طردوا بلوتن بتهمة الاغتياب والعجب بالذات , واقترعوا على شراء نظارات ذهبية للرئيس بيكويك استحساناً و تقديراً !!! وطلبوا من الجمعيات الست عشرة ان توجه استنكاراً إلى بلوتن .
لكن , والحق يقال , لم يكن هناك قطعة أثرية بل حجر تافه عادى . لقد ارتكب , الرئيس خطاً فادحاً , وجعل , ولو عن حسن نية , اصدقائه الثلاثة و النادى بأكمله و الجمعيات الست عشرة يرتكبون الخطأ عينه.
إن هذا الأمر يحدث , وخصوصاً لانه يحدث , وحتى يندر حدوثه , كتب الفيلسوف توما الأكوينى , كتاباً صغيراً فى موضوع الأخطاء , وعنوانه (( حول الأخطاء )) , اسمح لى ان اتامل واياك فى بعض نقاطه .
قد يسمى توما الخطأ الذى وقعت فيه , أيها الرئيس " بيكويك "(( استدلالاً زائفاً )) , أى تفكير خاطئاً عن حسن نية . وهذا نجده أيضاً فى ايامنا وخذ مثلاً ما نسمع أحياناً كثيرة عن استدلالات زائفة صادرة عن الذين يحاربون (الإحزاب , القضاة , الشعب , الأرهاب , البدو , القمع , الفقر , اللاستبداد , الفساد , إلخ ....... )) عن حسن النية . ان حبى للحقيقة يجعلنى اتألم , لان كل هؤلاء مغايرين كلياً للصورة التى يقصدونها عنها . لكنى من جهة أخرى اتعزى قليلاً عندما أرى أنهم فى الغالب ليسوا ضد هؤلا بل ضد فكرة معينة مستحوزة عليهم . ان هذه الأخطاءٍ المرتكبة عن حسن نية , و المدعوة استدلالات زائفة , تبدو لنا أنها نتيجة أحكام مسبقة منتشرة بين ذو السلطات بفعل دعاية ترتكز على الشعارات الرنانة , كهذه (( استئصال الارهاب )) , (( الحرية للجميع )) , (( الحقيقة أولاً )) , إلخ ..... . أن هذه الافكار تجعل عدداً كبيراً من الحكام المعاصرين معاديين لهؤلاء , ولكن إن سألناهم ماذا يعنون بهذه العبارات لا يستطيعوا أن يجيبوا بوضوح وعندما نبين لهم أن (( الحرية )) لا قيمة لها دون سد أ وألغاء حاجات عديدة وبنوع خاص (( قانون مرحباً للطوارى )) . لكن هذا لا يمنع الدعاية من متابعة سيرها والأحكام المسبقة من ان تتكون و الاخطاء من ان تتجدد . لكن الله لحسن الحظ , لن يدين الناس يوماً إلا بعد أن يزن رؤوسهم . واملى ان يخلصهم على الرغم من افكارهم الخاطئة التى وقعوا فيها بدون ارادتهم .
غير إن حسن النية لا يتوفر للجميع , كما توفر لك أيها الرئيس بيكويك !! .
عندما يرتكبون الخطأ فى براهينهم . ذلك ان هناك اناساً يتعمدون غش للآخرين بكلامهم . ففى هذه الحال , لا نسمى ذلك (( استدلالاً كاذباً )) بل " سفسطة " تتداخلها أهواء بشرية بشعة .
نذكر أولاً روح النقض الذى يتميز به (( رأس البغلة )) فأذا أكدنا شيئاً , نقضوه واذا نفيناه , اكدوه . تدخل فى حوار معهم , فبينما أنت تتكلم , لا يفكر هو إلا بكيفية معارضتك و نقضك واثبات وجوده .
توقفت بغلة على الطريق , واحجمت عن السير حاولوا جذبها من رسنها , ضربوها بالعصا , فلم تتزحزح من مكانها . وكان هناك اناس على طرفى الطريق يريدون المرور وقد نفذ صبرهم . قال احدهم (( دعونى اتدبر الأمر )) , ثم تقدم و أمسك بذنب البغلة وشدها بقسوة إلى الوراء . وإذ شعرت بأنهم يريدونها ان تتراجع , انطلقت كالسهم إلى الامام واخلت الطريق .
هكذا تكونوا أغلب الأحيان , ايها الرئيس بيكويك , فانتم تتصرفون كهذه البغلة , تعملوا ما لا يريده الناس ان تعمله وتمتنعوا عن عمل ما يبتغوه منكم , فاذا تصرفتم عن هذا النحو لا تكون أفكاركم و أقوالكم هادئة مستقرة و مستقيمة .
هل سمعت أيها الرئيس بيكويك , بالمدعو موهس ؟ أنه احد العلماء , مات سنة 1839 أنه مؤلف (( سلم موهس )) الذى يرتب المعادن ترتيباً تصاعدياً فى عشر درجات , من الأقل صلابة إلى الأكثر , من الطلق حتى ينتهى بالماس . كان عليك , أيها الرئيس , أن تلفت نظر موهس إلى ان بعض الرؤوس هى أشد صلابة من الماس . أنهم لا يستسلمون ابداً , يتشبثون برأيهم المنحرف على الرغم من وضوح الحقيقة , (( اعط المتشبث مسماراً , يغرزه بطرقة فى رأسه )) .
هناك رؤوس أخرى شيمتها النقد , بعضهم يدققون فى الأمور الناقلة , يعترضون دائماً , ولا يعجبهم العجب . والبعض الآخر يظنون ان لهم الحق بأن يعلموا الجميع لأنهم قرأوا بعض المجلات أو سافروا أو قاموا ببعض الاختبارات , فيعتبرون ذبابة أنفهم محور العالم .
قال أحدهم : البلدية ؟ أنا اسستها
البرلمان ؟ أنا ادعمه
الله تعالى ؟ أنا اوجدته .
لقد أتضح ان المتشبثين و المغالين فى النقد يميلون كثيراً إلى السفسطة , بينما عدم الاعتداد بالنفس و الميل إلى سماع رأى الآخرين يحملان على قول الحقيقة . كان موشى , علم الجناس الفلورنتينى , يتصف بهذه الصفات الحسنة . فقد سافر كثيراً , وكان إذا سئل عن باريس مثلاً يقول (( باريس ؟ نعم رأيتها . انها مثل فلورنسا , لكنها أكبر قليلاً )) واّذا سئل عن مساوا يقول (( نعم رأيتها , أنها مثل فلورنسا لكنها أصغر منها , اى بدون البنايات )) , فقد كان متواضعاً للغاية , كما ترى وهذا جيد لأنه
بقدر ما يقل كبرياء الإنسان , تعظم مناعته ضد الكذب و الخطأ .
ومما يزعج أيضا أن الكبرياء الجماعية عن الفردية تولد السفسطة خذ الحزب مثلاً أو الطبقة أو البلاد , فالخطر على الفرد ان يعتنق فكرة معينة , لا لأنه تأكد من صحتها بل لآنها فكرة الجماعة , فكرة الحزب .
أن اخطاء القومية و الحزبيات التى ينتمى إليها ملايين الناس , لها المصدر نفسه , أنها ايضا تسبب سفسطات ناتجة عن الانتهازية .
فاننا نرى الناس يسيرون وراء الآخرين بدافع المصلحة أو الكسل و بدون اية مقاومة كالريشة فى مهب الريح أو كالنفايات يجفرها النهر .
وأنت أيها الرئيس بيكويك , قد انجرفت فى تيار تلك الاجتماعات الانتخابية الشهيرة حيث يتصارع المرشحون و الناخبون الزرق و الصفر فى مدينة (( كل و أشرب )) الصغيرة . فقد نزلت من العربة مع اصدقائك , وإذا بجماعة متحمسة من الزرق تحاوطك و تسألك إذا كنت متعاطفاً مع مرشحهم سلانكى :
- يعيش سلانكى !! هتف الزرق
- يعيش سلانكى !! ردد بيكويك كالصدى , رافعاً قبعته
- فليسقط قيزكين !! هتف الزرق
- فليسقط !! ردد السيد بيكويك
حينئذ تعالى هدير شبيه بزمجرة الحيوانات عندما يدعوهم الفيل إلى تناول الطعام .
فهمس أحدهم : من هو سلانكى ؟
أجاب بيكويك : لا أعلم , لكن اسكت , لا تقاطعنى . الأفضل فى بعض الأحيان أن نجارى الجمهور .
فسأل السيد : واذا كان هناك جمهوران ؟
أجاب بيكويك : فى هذه الحال يجب ان نصرخ مع الجمهور الأكبر .
لقد عبرت ايها الرئيس , بهذه العبارة أكثر مما تستطيعه فى مجلد كبير
لكن . للأسف , عندما نصل غلى حد الصراخ مع من يصرخ بقوة اكبر حينئذ تصبح كل الأخطاء ممكنة الحصول . وهذه الخطاء ليست دائماً قابلة للاصلاح بسهولة . انت تعرف ذلك . يكفى لرمى قلادة ثمينة فى بئر ان يوجد مجنون واحد . لكنه قد لا يكفى وجود عشرين عاملاً لاخراجها . انت تعرف ذلك , وأملنا ان يقتنع جميع الناس بهذا الأمر فلا يتصرف أحد تصرف المجانين .



#ماريو_أنور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوء الحظ……………….Bad luck
- الحسد
- الغيرة
- عام جديد على وجودى
- الخطيئة والتجسد
- أربع لوحات فى القصر القديم
- ما هو الوحى ؟؟
- الإسلام والمسيحية: نقاط تلاقي
- إشكاليّة الاعتراف بالآخر
- الميلاد ومسألة الظهور الإلهي في المسيحية والإسلام
- في مجتمع متعدّد الأديان
- العروبة والإسلام
- هل ظروف العلاقة الزوجيّة اليوم
- -المرأة في الإعلام والإعلان-
- أيهما أهمّ العلمنة أم الإيمان؟ أم الثاني يتبع الأول؟
- الثالوث في الإسلام
- -أمّيّة- محمّد . وهي الأساس الأوّل للإعجاز
- العَيش في عالم مُتعدِّد الأديان
- القرآن كتاب دين ، لا كتاب علم - الكونيات -
- كيف نختار شريك الحياة..؟


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماريو أنور - الأخطاء فى زمن المحتالين