أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمرو العماد - الحلَّاج الجهور ومأساة صلاح عبد الصَّبور















المزيد.....

الحلَّاج الجهور ومأساة صلاح عبد الصَّبور


عمرو العماد
أديب

(Amr Aleimad)


الحوار المتمدن-العدد: 6484 - 2020 / 2 / 6 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


الحلاجُ الجهور ومأساة صلاح عبد الصبور
تمهيدٌ:
قُبيل أيامٍ كُنت في درسِ اللغةِ العربية وكان الدَّرس عن أدبِ المسرحية. وأخذ الأستاذ إذ ذاكَ يُسهب مفصلًا أجزائها، شارحًا ثناياها، ومُبيَّنًا ما إلتبس منها.. حتي توقفَ عند جزئيَّ"تطور المسرحية الشعرية" وأخذ يسهب عن المسرحيات الشعرية المصرية التي بزرت آنذاك، وتطوراتها، حتي جاء عند مسرحية: مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور، فوقعت المسرحية في نفسى موقعًا حَسِنًا؛حيثُ إلي صباي الزَّاهى؛ حينَ كُنت أبيتُ الليلَ ساهرًا على شعرِ الحلاج مُنقَّبًا عن معانيهِ ومُتمعَّنًا في أعماقهِ المهولة حتى أغفو والكتاب بينَ طيَّات يدي.. فتذَّكرتُ حينها الحلاج الذي أهملتهُ فتراتٍ وأعرضتُ عنه؛ حتي إنتهى الدَّرس فمضيتُ هارعًا إلي منزلى تاركًا الوجود ورائي وباحثًا عن كُتب الحلاج التي أبلاها الغبار.
وقد كُنت قرأت المسرحية في صباي، غير داركًا فحواها متمتعًا بموسيقاها الشعرية.. والآن،بعد تفحيصى وتمحيصي فى المخطوطات، وإدراك المعانى
وتذوق معنى التصوف وقراءتي في سير المتصوفة-وخاصةً معايشة الحلاج-
أخذت أقرأ المسرحية بعد الدرس وأسترجعُ أشعار الحلاج وطَواسينه؛ وقرأتها.. هذه المسرحية البالية التَّالفة التي أسميتها: مأساة صلاح عبد الصبور؛حيث يُجسد فيها نفسه الحلاجية؛ مُظهرًا الحلاج بمظهرٍ بطوليٍ شعريٍ ينفى فحواهُ الإنساني ومعناهُ الصوفي.
فصلاح عبد الصبور، إستخدمَ رمزًا صوفيًا ليُعبر عما في نفسهِ من معانٍ، مُتخفيًا وراء روائهِ، لا الحلاج في حد ذاته ولا مأساته!
فوصف موته بالمآساة عتهٌ وخبل؛ لأن الحلاج قال في أحد قصائده:
أقتلوني ياثقاتي
إن في قلتى حياتى
وحياتي في مماتي
ومماتي في حياتي
.....
سَئمت روحى حياتى
في الرسوم البالياتِ
فأقتلونى وأحقرونى
بعظامى الفانياتِ
لا أري المسرحية إلا عبثٌ موسيقي وتكفرةٌ على شخصيةٍ نورانية ولا يجوز خلقها بصبغةٍ صبورية؛ ولم يقتل الحلاج بسبب زعمهُ حُلول الله، فقد سبقهُ وشطح "أبا يزيد البسطامي" ولكن لنبوغهِ وتفرُّدهِ وبثَّهِ للقلقله في حياةِ العوام قُتِل.
كذا كان العظماء الأُلى حاولوا التغيير بالتعبير والتَّفسير؛كمثلِ سقراط المستنير الذي أعدمهُ الجُهال.. وكذا فعلوا فى إبن سينا السني العبقري وسجنوه بفردجان في نهايات عمرهِ..وكذا إبن رشد الذي فصل بين الحكمة والشَّريعة الدينية وما كان منهم إلا أن لقبوه بالضَّال الملحد وطُرد من المسجد! وغيرهُ الكثير، وغيرهم من المستنيرين الذي حرروا العقل من مرقده وبعثوا فيه الحياة فجهلوا عليهم العوام؛ كذا المبدع طُويلة حياته النَّفيسة، القصيرة بعمرهِ الخالدة بإبداعهِ.
ولذلك الإلتباس الذي وقع على الحلاج- لا لشيءٍ، بل لأنَّهُ غرق في بحرِ اللغة الذي هو لج لا يهدى للمعني- حاولتُ شرحهُ وتفسيره..
وصدقًأ؛ كلما حاولتُ شرح الحلاج وتفسيرهُ بمحوِ إلتباساتهِ حدثتنى نفسي بقولِ النَّفرى: كلما إتسعت الرؤيا ضاقت العبارة.
وفي هذا المقال تكفيرٌ علي الحلاج؛ لأنه كفرَ علي الدين بشرحهِ.. وإيضاح لمعنى التَّصوف.



الحلاجُ بين الحلول والأُفول:
قسَّم النَّحوي الكبير عبد القاهر الجرجاني كلمة الحلول إلي الحلول سريانى/ والحلول جريانى، فأما السريانى: فهو إتحاد جسمين بحيث تكونُ الإشارةُ لأحدهما إشارة للآخرِ: كحلول ماءِ الوردِ في الوردِ
وأما الحلول الجوارى فهو عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر ، كحلول الماء في الكوزِ..
وعندما نصف الله "بالحلول" يعنى أن الله تجلى في الخليقة؛ وهذا فى نظرِ البعضِ كفرٌ وزندقة؛ ولكن أما قيل في القرآن الجسيم"وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" وقيل: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ" وهذا يعني حلول الله؛ أي وجود الله في الكون، وقُربهِ من حيز الخليقة.
وما كانَ الحلاج إتَّحاديًا، ولا من أهل وحدة الوجود؛ وقيل في الآية الكريمة:" فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا"
وهذا حلول روح الله في روحِ الإنسان وقد عبر عنها الحلاج بقولهِ:
مُزجت روحك فى روحى كما
تمزج الخمرُ بالماءِ الزلالِ
فإذا مسَّك شيءُ مسَّنى
فإذا أنتَ أنا فى كل حالِ
وبهذه الأبيات أُتَّهم الحلاج عن السَّواد والعوام بالحلول؛ وهذا ما صح قولهُ؛ حيثُ طرقَ أبا المغيث المنصور الحلاج طريقًا وَعِرًا ما طرقهُ أحد؛ حيث أوغل في الإنكار وإنغمسَ في نفي ذاته حتى ما رأى تباينًا بينهُ وبين الله القائم بذاتهِ:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحنُ روحانِ حللنا بدنا
فــــــإذا أبصرتني أبصرته
وإذا أبصــــــــرته كان أنـــا
وقال:
لي حبيبٌ حبه وسط الحشا
إن شاءَ يمشي علي قلبي مشى
روحُهُ روحي وروحي روحُهُ
إن يشأ شئتُ وإن شئتُ يَشا


**
قال الحلاج:
وفي فنائي فنا فنائي
وفي فنائي وجدتُ أنتا
الحلاجُ، إختلط عليهِ الأمر حتى ما رأى نفسهُ إلا عدمًا، وأن الله وجودًا، فكيف إذًا يجتمع الوجود مع العدم؟ وإن مثلتُ عقل الحلاج بقضيةٍ منطقية:
العدم هو أنا
الوجود هو الله
إذن أنا الله لأن الله وجود وأنا عدم
وقال: ما في الجُبَّةِ إلا الله
فيظن السامع أنهُ يقول بالإتحاد؛ وقد قال الجُنيد عنهُ: لو أدركته لأنقذتهُ بقشة.. حيثُ أن الوجود فان والباقي هو الله"كُلُّ مَنْ عَلَيْها فَان"
تهمةُ الكفر:
قال الحلاج:
كفرتُ بدين اللهِ، والكفر واجبُ
عندى وعند المسلمين قبيحُ
والسَّامع لأول وهلةٍ يظن أن الحلاج شاعرًا كافرًا؛ وهذا ما صحَّ قولهُ؛ تقول الآية الكريمة: "يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" والكُفار ليسوا من أنكروا الله أو لم يؤمنوا، فالكفر في اللغةِ يعني: السَّتر. وفي لسانِ العرب:
كفر الشّيء / كفر على الشّيء
ستَره وغطّاه: كفَر الزّارعُ البذرَ بالتراب .
ويقول الحلاج في هذا البيت: غطَّيتُ علي دينِ الله، وحفظتهُ بالباطن لا بالشرائع الظاهرية وهذا عندى واجب وعند المسلمين مستقبح. أي سترت بالإسلام، والستر واجب عليّ. ومذهبهُ في السَّترِ والكفر ندركهُ من أشعارهِ:
رَأيتُ ربَّى بعينِ قلبي
فقلتُ من أنتَ قال أنتا
وفي فنائي فنا فنائي
وفي فنائي وجدتُ أنتا
**
قال الحلاج:"أفهامُ الخلائقِ لاتتعلَّق بالحقيقة ، والحقيقة لاتتعلَّق بالخليقة . الخواطرُ علائقُ ، وعلائقُ الخلائقِ لاتصل إلى الحقائق . والإدراك إلى علم الحقيقة صعبٌ ، فكيف إلى حَقِّ الحقيقة!"
**
وقال الحلاج وهو مشدودًا علي الصليبِ النبوي قٌبيل مقتله:
نَحَنُ بشَوَاهِدِكَ نلُوذُ
وبِسَنَا عِزَّتِكَ نَسْتَضِئ
لِتُبْدِى لَنا مَا شِئْتَ مِنْ شَأْنِكَ
وأنْتَ الذِى فِى السَّماءِ عَرْشُكَ
وأَنْتَ الذِى فىِ السَّمَاءِ إلَه
وفِى الأرضِ إِلَه..
تَجَلَّى كَمَا تَشَاء
مِثْلَ تَجَلِّيكَ فىِ مَشِيئتِكَ كأَحْسنِ صُورَةٍ
والصُّورَةُ
هِىَ الرُّوحُ النَّاطِقَةُ
الذِى أفْرَدْتَهُ بالعلمِ (والبيَانِ) والقُدرَةِ
وهَؤَلاءَ عِبَادُكَ
قَدْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِى تَعَصُّباً لدِينكَ
وتَقَرُّباً إليْكَ
فاغْفرْ لَهُمْ !
فإنكَ لَوْ كَشَفْتَ لَهُمْ مَا كَشَفْتَ لِى
لما فَعَلُوا ما فَعلُوا
ولَوْ سَتَرْتَ عَنِّى مَا سَترْتَ عَنْهُمْ
لما لَقِيتُ مَا لَقِيتُ
فَلَكَ التَّقْديرُ فِيما تَفْعَلُ
ولَكَ التَّقْدِيرُ فيِما تُرِيدُ

- مقال الحلاج الجهور ومأساة صلاح عبد الصبور- عمرو العماد



#عمرو_العماد (هاشتاغ)       Amr_Aleimad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة صحوة بوذا- الشاعر عمرو العماد
- قصيدة الخلود- عمرو العماد
- قصيدة الضباب للشاعر عمرو العماد
- إلي نيتشه- الشاعر عمرو العماد
- موسيقى الموج- الشاعر عمرو العماد
- قصيدة موسيقي الروح- الشاعر عمرو العماد
- كان الموج أميرًا- شعر- عمرو العماد
- الشاعر عمرو العماد - تراتيل
- قصيدة طائر السحاب- الشاعر عمرو العماد
- موسيقى القيثارة- الشاعر عمرو العماد
- قصيدة الأمل العجوز- عمرو العماد
- الوريقة- للشاعر الإيطالي جياكومو ليوباردي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمرو العماد - الحلَّاج الجهور ومأساة صلاح عبد الصَّبور