أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نبيل - بكارة فطومة















المزيد.....

بكارة فطومة


محمد نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 1568 - 2006 / 6 / 1 - 11:04
المحور: الادب والفن
    


وبعد أن غابت الشمس مرة أخرى، حاولت أن أخرج من يأسي و كآبة أوراقي.كنت أراقب جسدي كيف يتنقل من مكان إلى مكان.كلمات و عبارات وأفكار عديدة تتزاحم في رأسي الذي أوشك على الانفجار. قررت أن أتأمل حروف كريستوف و يون و صوفيا. أريد أن أترك أحلامهم ولو للحظات قليلة، هم في واد و أنا في بحر من الدموع الجافة. لقد انتهكت نفسي و كان علي أن أواجه ذاتي حتى أنتزع راحتي. ليالي برلين كالصفعة. أنا مشتاق إلى الاطمئنان الذي حرمت منه منذ ساعات، شهور و أعوام. لم أعد أتذكر الكثير من الأشياء الجميلة، أيام كانوا يراقبونني عندما كنت أختلس لحظات متعة مبتورة. كانت آنذاك الحاجة مبروكة تعشق تمرير أصابعها على عنقي. امرأة تهوى الخمر وسجائر كازا* . كانت دائما تردد على مسامعي مقولة لن أنساها أبدا: صاح، صاح، إننا نشرب الشراب في الصباح! آه من شرب الخمر وتدخين سجائر كازا المسمومة. كان رفيقي مجيدو يقول لي باستمرار : إن الفم الذي ينفث دخان كازا يمكن أن يدلي بشهادة الزور!

توقفت عن ممارسة لعبة التذكر القاتلة. وقبل أن أقف قبالة النافدة لأستمتع بحرية الطيور وهي تحلق فوق السطوح،استأنفت أناملي حركتها على الورق كي تكتب بعض المقاطع القديمة. فالكتابة أعتبرها في الكثير من اللحظات علاجا نفسيا لأمراضي التي حملتها معي من هناك، من بلاد الخز و القوادة و لعق الأحذية. حاولت لكني اكتشفت عجزي.لم اعد أستطيع أن أحمل نفسي. نهضت بسرعة و ارتميت خارج بويب شقتي الصغيرة. أعتقدت أني سأتخلص من رائحة كريستوف و يون و صوفيا الذين يطاردونني كل يوم. أمر صعب فأنا ألعب بين أحضانهم…!

ها أنا أسترجع شريط اليوم! لقد حملت حقيبتي التي غزتها لعنة الرطوبة. كنت مشتاقا لأن أكون قدام شارع غوته، خلف شارع كنط، و بمحاذاة مقهى بالزاك التي تقف على جدار شارع شيلر . أريد فقط أن أستحضر تقاسيم الفكر الإنساني بعيدا عن هنية التي تشعل الشموع كل ليلة بضريح لالا عائشة. آه ،عندما تحضر لالا عائشة و أخواتها تغيب البركة التي خطفها أولئك الذين يتاجرون في أهواء و أحلام الناس و يقيمون الليالي و ينتهكون الأجساد الآدمية حتى يخلصوها من هم الزمان. فكرت في الهروب و لو إلى الأمام بعيدا عن هنية التي تتربص بي. وأنا أقبل صورة الراحلة كعادتي لأودعتها في سلام و طمأنينة، رن جرس الهاتف فجأة. رفعت السماعة، سقطت المحفظة الملعونة. سمعت صوتا كصوت العاصفة. طلبت أكثر من مرة:
ـ ألو ،من معي ، ألو …
أجابتني بصوت خافت جدا و كأنها خائفة. كنت متأكدا من أنها هي. صوتها لا يخفى علي بالرغم من أنها لا تتصل إلا مرة كل سنة. كانت هي بنبرتها الملائكية، فطومة ، المتمردة ، صاحبة الصوت المدوي و اللسان الذي لا يترك صغيرة أو كبيرة . الكل يعرفها بالحومة هناك. تصرخ كل صباح حتى يسمعها الجيران الذين يغلقون آذانهم خوفا من سماع الأشياء المسكوت عنها و الحكايات المنسية. ضحكت قبل أن تقول لي أي شيء. سألتها:
ـ هل أنت فطومة الشجية ؟ يقلقني أن أسمع أخبارك فقط مرة كل سنة .
ـ آه، لا تنزعج،لا شيء يستحق الكلام. ما أقوله لك اليوم يتكرر كل ثانية في هذا العالم الغريب. فالحديث عن الهم هو مجرد إطناب وجودي.
ـ و لماذا أسمع هذه النبرة اليائسة من فطومة التي لا يقهرها أحد ؟
ـ انك صديق و جار عزيز، كنت أرى في عيونك علامات تشبه شوك الورد القاتل. أنا لست يائسة. أنا امرأة ملتصقة بالواقع.
ـ لا أدري …لكن هل هناك من أخبار جديدة في حياتك العاطفية ؟ حنانك فياض و طموحك اكبر منك …
ـ دعك من الكلام المعسول، الغرام و الحب يحتاج إلى رجل ليس ككل الرجال.
ـ الرجال في كل مكان…!
ـ لقد انقرضوا و لم يعد سوى الذكور…!
أحسست بعنف شديد في كلام فطومة ، وكأن سهام معانيها تهاجمني…كنت مندهشا،و لا أنتظر من فطومة كل هذه القسوة. طمرت هذا الاستفزاز و كأني لم أسمع شيئا.قلت لها :
ـ وهل مازلت تمارسين فن الرسم ؟
ـ أحيانا، لكن ابتعدت عن تلك الصور التي كثيرا ما رسمتها على الجدران. الآن أنقش على الحجر أشكال جسدي الذي لم يعد قادرا على حملي.
ـ لماذا رائحة التشاؤم تنبعث من فمك ؟ لك نصيب من الجمال و الرشاقة و كل مواصفات المرأة الساحرة !
ـ لقد راح السحر. لقد انتهيت من حكايات ألف رجل و رجل، وبدأت زمناً جديدا.
ـ ماذا وقع. أحس بشيء يخنقك، بدأ الهلع يدب في نفسي، أحكي لي ،أنا أنصت إليك …
ـ بالأمس كانت أولى حلقات الابتعاد عن لا عقي المؤخرات الذين لهم ألف وجه و قفا. الآن، أنا حرة حتى النخاع…
ـ أنتظر دخولك في الموضوع. حروفك و عباراتك تؤرقني منذ كنا نلعب و نحن صغارا.
ـ لقد تلفنت لك اليوم لأ حكي عن قصة الأمس مع غشاء الوهم !
ـ آه من لسانك اللاذع، الذي يخيب ظن الرجال ويستفز كل واحد منهم حتى يسقطهم واحدا تلو الآخر من شدة الضحك. لم يعد أحد يضحك إلا على نفسه. أنا عندي لوعة لسماع حكاياتك.
استعطفتها حتى تحكي لي بالتفصيل الممل كل شيء. فأنا أعشق طريقة سردها الجميل الذي يهز النفس…
ـ تحدثي يا متمردة !
ـ منذ شهور و أنا أفكر و أجاهد في نفسي. لقد تحولت إلى كائن طبيعي يعيش معزولا. لم أعد أطيق وقفة من يهديني وردة ليمتص رحيقي. لقد أصبحوا كرسم كاريكاتوري أتمحص في خطوطه كل يوم. لقد وصلت حيث أرتاح من الرجولة المريضة. لقد قررت أن أزيل غشاء الوهم!
ـ يا فطومة ، الحياة كلها وهم و الإنسان هو الذي يصنع واقعه…
أحسست وكأن رأسها يهتز لتقول شيئا مهما. قالت لي بعدها:
ـ يا صديقي، بالأمس زرت أحد الأطباء بالبلدة المهجورة. لقد أحس بالصدمة. شيء طبيعي، إنه رجل، أليس كذلك ؟
ـ وما علاقة الطبيب بحكاية الأمس؟
ـ زرت الطبيب كي أزيل غشاء بكارتي، لقد أصبح بدون معنى!
ـ وماذا قال لك الطبيب ؟
ـ كان منبهرا، لأنه يسمع حكايتي لأول مرة.في البداية استقبلني في هدوء وقال لي ضاحكا:
ـ أنا لا افهم هذا العالم، أنت تريدين إجراء عملية لإزالة غشاء البكارة في الوقت الذي يأتي فيه المئات من الفتيات اللواتي يرغبن في تركيب غشاء اصطناعي. ربما أصبح هذا العالم خارج رؤوسنا !
اختنقت و أنا أسمع حكاية فطومة و لم أعد قادرا على التنفس. وضعت السماعة بسرعة وشربت كأسا من الحليب ثم عدت فوجدتها تناديني:
ـ هل مازلت على الخط، ؟ لماذا سكتت أيها الرجل ؟أنا أريد فقط التحدث معك !
ـ أنا هنا و هناك يا فطومة …
ـ الرجل يحب المتعة كالطفل المدلل. إنه بعيد عن صوت النساء المغمور.
حاولت الرد بطريقة مغايرة حتى لا أسقط في حبال كلامها :
ـ يا فطومة ، يا عزيزتي ،أكملي حكايتك مع الطبيب …!
ـ نعم لقد خضع الطبيب لطلبي بعد أن طرح سؤالا أغرب منه:
ـ و هل تفكرين في الشرف و الزواج و أشياء أخرى !
أجبته بدون تردد:
ـ أنا لا أتمسك بالأعراض بل أتشبت بالجواهر. أنا لا أريد أن أكون شريفة و أستعمل مؤخرتي عند الحاجة و غشائي عند الحاجة الأخرى. معنى الشرف مفقود !
قلت لفطومة و هي تصرخ بشدة:
ـ لقد أصبت في كلامك لكن حديث المجانين و المولعين لا يسمعه إلا البعض. أنا متعب جدا من كثرة التفكير…المهم هو نهاية الحكاية.
ـ ما سبب تعبك يا صديقي؟
ـ الضياع…لكن أين هي نهاية الحكاية.
ـ لقد انتهيت من لعنة الأغلفة. أمي كانت تقول لي: احفظي شرفك…كنت أرد عليها: وهل للرجل شرف…الشرف لا يتجزأ. لقد خرجت من عند الطبيب وأنا فرحة لأنني أعيش كما أريد و ليس كما يريد الآخرون، البصاصون، المنافقون و أباطرة القوادة ،الموجودون في كل مكان ،يلعقون رباطات عنق أسيادهم نهارا و يلعبون دور البطولة ليلا .
ـ آه يا فطومة من قسوتك، هل تقبلين بأن تكوني جزءا من عمل روائي ما زلت أشكل ملامحه الكبرى…!
ـ اكتب عني و عن كل المغبونات…إذا كنت جائعا فعليك بالكتابة حتى تشبع، فهذا أفضل من أكل لحوم البشر.
ضحكت بل بدأت أقهقه حتى نادتني فطومة التي كانت جادة و منفعلة في كلامها:
ـ لا تضحك، ليس لك الحق في فتح فمك. لا تتفوه ولا تقل أنك حر. إنك عبارة عن بضاعة منسية. إنك ضحية وعي شقي.
ـ يا فطومة ،لماذا تريدين إزعاج نفسك؟ لك الحق في أن تتمردي ضد مجتمع الذئاب. فالمسألة ليست بالهينة، فكل الأشياء واضحة. اضحكي ولو غضبا، تمردا وبكاء على زمننا الشائك. فالحزن و الأسى له نشوته الخاصة كذلك !
ـ لكن لن أبكي بين أيدي رجل. أبكي عندما يغمرني الفرح داخل غرفتي أو أكون وحيدة أمام لوحاتي…
ـ لقد أخرجتني من اغترابي…
ـ أنت مغترب و ستظل كذلك، لأنك بكل بساطة تحولت إلى سلعة لا تباع وتشترى في سوق الآدميين.
ـ حدثيني عن مشاريعك ؟
سأحاول رسم وجوه كل الناس. سأركز على ظهورهم لأنها تشكل مساحة تسمح لي بالإلهام.
ـ أنت تعرفين أنه في حياة كل شخص منطقة مظلمة لا يتحدث عنها…وليس سهلا تحطيم الجدار…!
ـ نعم، لكن أنا أقول كل شيء الآن ولم يعد لي مكان لكبت الأمور المستعصية…
قصدت أن أصمت لحظات، ثم قلت لفطومة :
ـ هل تفكرين في شيء جميل ؟
ـ أفكر في التخلي عن كل شيء و أبحث عن إنسانيتي الضائعة. سأعاني من كل جانب لكن سأنتصر عل نفسي .
ـ لماذا نفسك ؟
ـ أنا أساهم في صنع هذا العالم.يوم سعيد يا صديقي !
لم تترك لي فرصة التساؤل و التعقيب. قالت كلماتها الأخيرة واختفى صوتها. ظننت أنها مازالت على الخط. كنت أود أن أقول لها بأعلى صوتي أشياء كثيرة. بدأت أصرخ وأردد مرات عديدة:
ـ أين أنت يا فطومة ، أنا عاجز على توقيف دموعي الجافة .أنا مازلت في حاجة إلى حكاياتك وكلامك الموزون بالدلالات. فطومة ،أين أنت ؟ في جبال وعرة أم في قمم الجليد. فطومة أنتظرك، أنا الذي أطالب بالحرية و الإنعتاق . فطومة لا ترحلي فكل الذكور هم في حاجة إليك…
فطومة ،لقد عدلت عن فكرة الخروج و قررت إتمام كتابة نصوصي البالية.
* نوع من السجائر المغربية



#محمد_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انهيار
- في ذكرى ميلاد سيغموند فرويد : محنة العالم
- مسابقة لأجمل حمار
- سؤال الهجرة بمغرب اليوم
- رسالة من برلين
- من هو الألماني الصالح ؟
- سؤال الموت
- سؤال الصحافة بمغرب اليوم
- حقيقة مفهوم صراع الحضارات
- سكوت، نحن في تونس !


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نبيل - بكارة فطومة