أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الكتابة عن الملك فاروق بين الموضوعية والأيديولوجية















المزيد.....


الكتابة عن الملك فاروق بين الموضوعية والأيديولوجية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 6466 - 2020 / 1 / 16 - 14:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صدرعن الملك فاروق (11 فبراير1920- 18 مارس 1965) عدة كتب بعد يوليو1952، وبصفة حاصة بعد وفاته عام 1965..وقد لاحظتُ أنّ معظم الكتب التى كتبها مثقفون مصريون، ركــّـزتْ على الجوانب السلبية فى حياة فارق، مع تجاهل لأية جوانب إيجابية..وقليلة هى الكتب التى حاول مؤلفوها الإشارة إلى بعض حوانبه الإيجابية..وأعتقد أنّ السبب فى ظاهرة الذم وظاهرة المديح، يرجع إلى الفرق بين الكتابة التى تــُـراعى الموضوعية (ولوفى حدها الأدنى) وبين الكتابة ذات المرجعية الأيديولوجية.
فاروق تولى حكم مصرعقب وفاة والده الملك فؤاد سنة 1936..ويعتبرفاروق آخرسلالة أسرة محمد على..واستمرحكم فارق 16 سنة، عندما تنازل عن حكم مصر يوم 26 يوليو1952وكان تنازله لابنه الطفل أحمد فؤاد تحت (مجلس وصاية) وبعد تنازله عن الحكم عاش فى روما بإيطاليا..ومات قى روما، وتـمّ دفنه فى البداية فى مقابرإبراهيم باشا، فى منطقة الإمام الشافعى، ثـمّ تـمّ نقل رفاته فى عهد السادات إلى المقبرة الملكية (بمسجد الرفاعى) بالقاهرة تنفيذًا لوصية فاروق.
الملك فاروق له أربع شقيقات: فوزية، فايزة، فايقة وفتحية، بخلاف أخوة غير أشقاء من زوجة أبيه الأميرة شويكار، التى طلقها الملك فؤاد، وهما الأميرإسماعيل والأميرة فوقية.
فاروق أكمل تعليمه فى الأكاديمية العسكرية ببريطانيا، وعندما تولى حكم مصر ذهب إلى محطة الإذاعة المصرية..ووجــًـه خطابـًـا إلى الشعب..ونتيجة هذا الخطاب، تجاهل المصريون سيئات والده، وتعاطفوا مع الملك الشاب ابن الستة عشرعامًـا..وقــُـرب نهاية حكمه تغـيـّـرتْ مشاعرالمصريين تجاههه: من الحب الجارف إلى الاتهام بالعمالة، بسبب كراهيته لأعضاء حزب الوفد وفى مقدمتهم رئيس الحزب (مصطفى باشا النحاس)
ويعتقد بعض من أرّخوا لحياته أنّ تعدد زيجاته، وتعدد عشيقاته، وتعدد سهراته داخل صالات القمار، فإنّ كل ذلك أثــّـرعلى شعبيته، بينما يرى آخرون أنّ شعبيته اهتزتْ بسبب الأحوال المعيشية الصعبة، التى عانى منها الفقراء، وبصفة خاصة العمال الذين انضـموا للطلبة فى أحداث فبراير/ مارس 1946، والتى أمرضباط جيش الاحتلال البريطانى جنودهم بفتح كوبرى عباس على شباب المتظاهرين، فكانت النتيجة سقوط ضحايا كثيرين، خاصة الذين لايعرفون السباحة فى المياه أسفل الكوبرى، فكتب كثيرون من الصحفيين والأدباء أمثال الأديب توفيق الحكيم والناقد محمد مندورإلخ عن أنّ موقف فاروق كان سلبيـًـا (بعد الحادث) حيث لم يتخذ أى موقف تجاه هذه المجزرة للطلبة المصريين، وانتقدوا فاروق بشدة، ووصفوه بأنه التابع الذليل لجيش الاحتلال البريطانى.
ومن بين هبوط شعبيته، وخضوعه لأصحاب الكهنوت الدينى، الذين تملــّـقوه لدرجة أنْ طالبوه بأنْ يكون (خليفة المسلمين) وفى هذا الشأن ذكرالصحفى الأستاذ رجب البنا فى كتابه (حياة الملك فاروق: البداية والنهاية) الصادرعن المكتبة الأكاديمية عام 2019، أنّ فاروق كان فى السنوات الأولى من حكمه هو(الملك المؤمن) بعد أنْ كان (الملك المحبوب) وفى أعقاب حادث القصاصين يوم 15 فبراير1943، قام حسن البنا (مرشد الإخوان المسلمين) بحشد أتباعه للقيام بمظاهرات تعبيرًا عن الفرحة بنجاة (الملك المؤمن) وذهب حسن البنا بنفسه على رأس وفد من أتباعه إلى قصرعابدين للتعبيرعن الفرحة بسلامة الملك..وأمرحسن البنا رؤساء فروع الإخوان فى كل مدينة من محافظات مصر، بتنظيم مظاهرات، تتـقـدّمها (فرق الجوالة) التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، تعبيرًا عن ولاء وإخلاص الإخوان لجلالة الملك المؤمن، حتى أحمد حسين (زعيم حزب مصرالفتاة – ذات التوجه الدينى– فى منافسة للإخوان المسلمين) أضفى على الملك الشاب (صفة القداسة)
وكتبت د.لطيفة سالم (أستاذ التاريخ الحديث) فى كتابها عن الملك فاروق، أنّ أحمد حسين أعلن أكثرمن مرة، أنّ الملك فاروق هو((خليفة الله على الأرض)) وأنّ الله اختاره لصلاحه وعدله..وأنه ملك يحكم باسم الله..ويتصرّف ((وفق إرادة الله)) وتمادى أحمد حسين فى حديثه عن الملك الصالح، لدرجة النشرفى الصحف أنّ الملك ((يــُـصلى صلاة الجمعة فى مساجد صغيرة، فى الأحياء الشعبية..وفى أزقة ضيقة لاتصلها السيارات الملكية الفارهة)) وأضاف: وبينما كان الناس قبل ذلك لا يرون وجه مأمورالقسم، فإذا بهم يشاهدون الملك يسعى إليهم، وذلك اقتداءً بالأولياء الصالحين)) وإذن فنحن إزاء درجة من درجات النفاق والتملق، وهوالنفاق الذى سيتصاعد قرب نهاية عام 1951، وبالتالى تصاعدتْ كراهية الشعب له، فى متوالية متوازنة، بين النفاق من ناحية، وسخط الجماهيربسبب حالتهم المعيشية المتردية، من ناحية أخرى.
و ذكرتْ د.لطيفة سالم (فى كتابها عن فاروق) أنّ حزب مصرالفتاة أصبح– مع بداية حكم فاروق– من العناصرالرئيسية التى ساعدتْ على (صناعة الدعاية والترويج لنظام ملكى إسلامى) وركزأحمد حسين وأتباعه على ((تعانق الإسلام والملكية..وأنّ الولاء للعرش وللإسلام ضروريان للحياة الصالحة لمصر..وأنّ مشروع الامبراطورية المصرية، قائم على أنْ يــُـصبح الملك فاروق ((على رأس الخلافة الإسلامية)) وهكذا دعا أحمد حسين إلى إنشاء حزب الخلافة بزعامة الملك فاروق..وفى عام 1944بدأ أحمد حسين يكتب سلسلة مقالات شبــّــه فيها فاروق بملوك مصرالقديمة العظام.
ولم يقتصرالأمرعلى نفاق أحمد حسين، وإنما كان من بين (جوقة المنافقين) شيخ الأزهر(مصطفى المراغى) الذى تولى الدعاية إلى أنْ تكون لمصرالزعامة على العالم بقيادة الملك الصالح فاروق..وهكذا– بفضل قادة النفاق- فإنّ فاروق امتلك السلطتيْن الدينية والدنيوية..وبالتالى– كما كتبتْ د.لطيفة سالم– ظهرتْ فى مصر– لأول مرة– (ظاهرة التفويض الإلهى) وبالتالى حرص فاروق على الإعلان عن تبرعاته لبناء وتجديد المساجد..ومنح شيوخ الأزهرالمزيد من المزايا المادية (حتى يستمروا فى مديحه والثناء عليه) وقال أحمد حسين أنّ فاروق بلغ به تواضعه أنْ رفض ((فرش سجادة خاصة به ليصلى عليها)) كما حرص (فاروق) على المشاركة فى احتفالات المناسبات الدينية..وعلى استقبال الفرق الصوفية وفى مناسبة الاحتفال بمولد النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) والاستماع إلى السيرة النبوية بساحة المولد بالعباسية، كما شارك فى ليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وليلة القدر ورأس السنة الهجرية والعيديْن..وقال أحمد حسين أنّ الملك كان يتخفى عند ذهابه إلى بعض المساجد..كما حدث فى الاحتفال المُـقام فى (مسجد أبى العلاء ببولاق) وأنه (أحمد حسين) كان بصحبة الملك فى هذه المناسبة..وأنّ أسلوب (التخفى) لم ينجح حيث سرعان ما عرفه المشاركون فى الاحتفال..والتفوا حول الملك..وبعد ذلك شاع الخبر..وفى شهرالصيام كان الملك يأمربمدْ موائد الطعام الملكية لأفراد من الشعب (على طريقة موائد الرحمن العصرية) وأنّ الملك كان يحضرهذه الموائد لمشاركة الصائمين فى إفطارهم..وفى المساء يحضرالدروس الدينية التى يلقيها شيخ الأزهر..وكان فاروق يحرص فى أحاديثه الإذاعية ، على أنْ تتضمّـن كلماته عن التقوى والفضيلة..وتظهرصوره باستمرارفى الصحف والمجلات، مع التركيزعلى لفت نظرالقارىء إلى المصحف الذى يبرزمن جيبه أوعلى المائدة أوالمكتب أمامه.. كما كان يطلب من المستشارين (عند توظيفهم) أنْ يضعوا أيديهم على المصحف وحلف اليمين..ويظهرالملك فى صورالمجلات والصحف..والسبحة فى يده..وقد أطلق لحيته لتكون (مناسبة لسبك الدور)
كما حرص فاروق على التبرع (من خزينة الدولة) للمساجد والجمعيات الخيرية، والفقراء ومصابى الحوادث والكوارث..وهذه الأفعال أدّتْ الدورفى المخطط الذى رسمه الثنائى (على ماهروالشيخ المراغى) وظــّـلتْ الدعوات له على منابر المساجد بأنْ يحفظه الله..ويرعاه ويجعله ذخرًا للإسلام ولمصر..وكان الشيخ المراغى– فى هذه المرحلة– يتحدث كثيرًا عن غيرة الملك على الإسلام..وأنّ اسمه (فاروق) على اسم عمربن الخطاب..وأنه مثل عمرفى صفاته: العدل والديمقراطية والسماحة، وكان من مهام الشيخ المراغى، تحريك طلبة الأزهرلتأييد الملك ضد معارضيه، وبصفة خاصة النحاس باشا وأقطاب حزب الوفد.
ووصل تملق بعض الصحف أنْ نشرتْ أخبارًا عن مثول زعيم مسلمى الصين بين يدى الفاروق..وعن عطف جلالته على أبناء المسلمين فى كافة بقاع الكرة الأرضية..وذكرتْ د.لطيفة سالم فى كتابها عن الملك فاروق، محاولات عديدة لإحياء (مشروع الخلافة الإسلامية) على يد أميرالمؤمنين فاروق الأول..وأنّ مصطفى المراغى (شيخ الأزهر) كتب نداءً بضرورة أنْ يكون فاروق ((الملك المؤمن خليفة المسلمين)) ونشرتْ مجلة المصورسلسلة مقالات وتحقيقات عن نجاح مصرفى كفاحها السياسى بتوقيع معاهدة سنة 1936..وأصبح واجبـًا على مصرأنْ تــُـحقق زعامتها لدول الشرق الإسلامى، وأفاضتْ المجلة فى الحديث عن تاريخ الخلافة الإسلامية..وآراء رجال الدين المؤيدين للملك، الذين أطلقوا عليه لقب ((صاحب الجلالة فاروق الأول خليفة المسلمين)) ونشرتْ المجلة أنّ كثيرين من المسلمين خارج مصرأعلنوا عن ولائهم لجلالة الملك فاروق..وعن (قيام جمعة الخلافة) التى يرأسها السيد أبوالعزايم، بدعوة (جمعية الخلافة) بالهند وجاوة وغيرهما من الدول الإسلامية (وهنا تظهرمغالطة فاضحة بمراعاة أنّ الهند ليست دولة إسلامية..وإنما تعيش فيها أقلية مسلمة) وأضافتْ المجلة: وذلك لحضورمؤتمر فى القاهرة يوم 2 أكتوبر1937 للنظرفى مسألة الخلافة..وذكرتْ مجلة المصورأنّ ردود التأييد تتوالى..وأنّ (البيعة) لاتأتى عن طرق الحكومات، وإنما الأمرمتروك لاختيارالشعوب الإسلامية.
وذكرالأستاذ رجب البنا فى كتابه المنوه عنه بعاليه، أنّ حزب الوفد كان يرفض باستمرارخلط الدين بالسياسة، ويــُـقاوم محاولات الجمع بين السلطة المدنية والسلطة الدينية، لذلك وقف النحاس– وهورئيس الوزراء– بكل قوة ضد هذه المحاولات.. وظلّ يــُـعلن أنّ زمن الخلافة ولىّ وانتهى..ولذلك فسرعان ما أقال الملك النحاس باشا، ولما جاءتْ الوزارة الجديدة، تبنــّــتْ أسلوب النفاق بإعلان المظاهرالإسلامية لفاروق، وحتى عندما تزوّجتْ الأميرة فوزية– شقيقة فاروق– وهى (سنية المذهب الإسلامى) من ولى عهد إيران محمد رضا بهلوى (وهوشيعى المذهب الإسلامى) خرجتْ جوقة الإعلام، تــُـردّد أنّ هذه الزيجة (ستــُـعيد توحيد الأمة الإسلامية بين السنة والشيعة، تحت راية وتنصيب فاروق خليفة للمسلمين جميعا))
وكانت الهتافات فى حضورفاروق فى صلاة الجمعة فى الأزهر((يحيا الملك الصالح..زعيم المؤمنين وخليفة المسلمين) وكان من بين التعليقات المُـهمة وذات المغزى أنّ بعض العقلاء قالوا: إنّ فاروق يلعب مع شيخ الأزهرلعبة سياسية، لمحاربة حزب الوفد..وواصلتْ مجلة آخرساعة رسالة النفاق فنشرتْ الكثيرمن مقالات المُـتملقين عن ((ضرورة قيام الخلافة الإسلامية..وأنّ إيران وأفغانستان وسوريا والعراق، تؤيد أنْ يكون فاروق خليفة للمسلمين..ويؤيده– كذلك– أمراء الهند..وعندما تظهرصورة الملك (على شاشة السينما فى شريط الأنباء قبل عرض الفيلم المصرى) تكون صورته وهويصلى أويستعرض الجيش..وهذا ما رآه العقلانيون من المثقفين والنحاس باشا، أنّ هذه السياسة ((ستؤدى إلى إثارة التعصب الدينى فى مصر))
وفى يوليو1940 طالب شيخ الأزهرفى خطبته أمام الملك إعلان القاهرة مدينة (مقـدّسة) وكان تعليق الأستاذ رجب البنا ((وهكذا كان استغلال الدين فى السياسة. وكم من جرائم تــُـرتكب باسم الإسلام وبشعاراته)) وأنّ التملق وصل لدرجة إرجاع نسل فاروق إلى سلالة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) وفعلا أصدر(نقيب الأشراف) محمد الببلاوى بيانــًـا بأنّ جد فاروق الأكبرلأمه الملكة نازلى ((من نسل الرسول)) (كتاب رجب البنا– مصدرسابق– من ص 18- 21)
هذا الجانب– نفاق النخبة سواء من أعضاء الكهنوت الدينى، أومن الصحفيين- من الجوانب التى لم يذكرها كثيرون فى كتبهم عن فاروق، وركــّـزوا على فساده ومبذاله واستغلاله للسلطة فقط..وبالتالى اختفتْ الموضوعية وظهرتْ الأيديولوجية.
000
ومن المعلومات المهمة التى أورها أ.رجب البنا نقلا عن صلاح الشاهد فى كتابه (ذكراتى عن عهديْن) أنه نتيجة مباذل فاروق ومجونه، رأى النحاس باشا وكبار الوفديين ((عزل الملك عن عرش مصر)) وبالفعل أعـدّ نجيب باشا الهلالى صيغة بيان التنازل..ومبررات خلع الملك، ووقــّـع على البيان كل وزراء حزب الوفد، كقرارصادرمن مجلس الوزراء..وكان ذلك فى سنة 1943 (ص 26) وللأسف فإنّ صلاح الشاهد لم يذكرما حدث بعد ذلك بجملة غامضة مؤداها أنّ هذا لوحدث، سيـُــشجـّع على حرق القاهرة.
وذكرصلاح الشاهد إنه فى وزارة نجيب الهلالى، تـمّ تعيين إسماعيل شيرين لوزارة الحربية..وأثناء حلف اليمين أمام الملك، رفض أنْ يحلف اليمين، وحاول أنْ يــُـقبل يد الملك، وقال والدموع فى عينيه: يا مولاى أنا خادم العرش، وقال إنّ العرش فى خطر..ولن يــُـنقذ العرش إلاّشخص واحد هوالنحاس، وأجفل الملك واندهش، ولكن إسماعيل شيرين استمرّ يقول: يا مولاى– نحن أمام بوادرانقلاب سيقوم به الجيش، وسوف يطيح بالعرش، وأنا مخلص لجلالتكم..وأطالبكم بإنقاذ العرش..وبعد أنْ وافق الملك دخل حافظ عفيفى– رئيس الديوان الداهية– وقال إنّ إسماعيل شيرين قليل الخبرة فى السياسة، ولوتولى النحاس الرئاسة فسوف يــُـشارك فى خلع الملك..وأضاف صلاح الشاهد أنّ السفيرالأمريكى (جيفرسون كافرى) حضرأحداث 23 يوليو1952..وهوالسفيرالوحيد الذى حضروداع فاروق..وفى حفلة نادى الروتارى فى سبتمبر1953 قال بأنه ما وضع قدميه فى بلد إلاّوكان وراءه انقلاب عسكرى..مثلما فعل فى ثلاث دول من أمريكا اللاتينية (من ص 58- 60) وكان تعقيب البنا ((كلام له دلالة..وهذه بعض حكايات صلاح الشاهد الذى عايش عصرفاروق وعصرثورة يوليو1952))
وبالرغم من مساوىء فاروق، ومن مساوىء إسماعيل صدقى (رئيس الوزراء أكثرمن مرة) فإنّ صدقى فى وزارة سنة 1946، فوجىء بقرارالملك بتعيين صديقه (كريم ثابت) مستشارًا صحفيـًـا للملك، فرأى صدقى أنّ من واجبه أنْ يــُـخبرالملك بأنّ كريم ثابت (رئيس تحريرجريدة المقطم) الموالية للإنجليزكان يقبض من الحكومة مبلغــًـا شهريـًـا (من المصروفات السرية) وأنّ كرامة منصبه الجديد تقتضى التوقف عن الاستمرارفى قبض هذا المبلغ..ولكن فاروق لم يستجب لنصيحة إسماعيل صدقى..وفى واقعة أخرى حدثتْ عام 1950، أنّ محمود محمد محمود رئيس ديوان المحاسبة (الذى تحوّل اسمه بعد يوليو52 إلى الجهازالمركزى للمحاسبات) سجــّـل فى تقريره السنوى ملاحظاته عن الذخيرة الفاسدة التى قام عملاء الملك بتوريدها للجيش المصرى، أثناء حرب فلسطين عام 1948، وحصول كريم ثابت على أموال من التبرعات لمستشفى المواساة بالإسكندرية (ص79، 80) وهذا بخلاف رفض البرلمان طلب الملك بزيادة مخصصات القصرالملكى، أكثرمن مرة خاصة عندما طلب مبلغــًـا لصيانة الباخرة المحروسة..وذكر رجب البنا أنّ أعظم مساوى فاروق، العداء للديمقراطية فكان يــُـقيل وزارة الوفد كثيرُا، كما فعل فى ديسمبر 1937، وكان هذا تأكيدًا لسقوط الديمقراطية، ومسمارآخريــُـدق فى نعش حكم فاروق (ص82)
يؤكد ما سبق ما ذكره أحد أعضاء (تنظيم الحرس الحديدى) المُـوالى للملك أنّ النحاس باشا تعرّض لمحاولة إغتياله أكثرمن مرة بواسطة أعضاء الحرس الحديدى (ورد ذلك فى كتاب: الحرس الحديدى وكيفية التخلص من خصوم الملك- تأليف سيد جاد– الدارالمصرية اللبنانية– عام1993- ص23، 51، 143) وذكرالمؤلف أنّ فاروق كان يــُـدعــّـم نشاط الفدائيين ضد الإنجليزبالمال (ص33) وتبدومصداقية المؤلف حيث اعترف بالولاء لفاروق، وأنّ هذا الولاء مرتبط (من وجهة نظره بالولاء لمصر) وأنه لايستطيع التحلل من الولاء للملك (ص68، 80، 87) ولأنّ المؤلف عضوفى الحرس الحديدى، لذلك أصرّعلى نفى مسئولية الملك عن حريق القاهرة يوم26 يناير1952(ص98) ولكنه اعترف بمحاولة المُـنظمات اليسارية لاغتيال الملك..وأكثرمن ذلك ما ذكره عن المظاهرات الشعبية، التى سارتْ فى شوارع القاهرة، تهتف بحياة الملك، بجانب مظاهرات أخرى تطالب بقتله (ص117) وذكرأنّ الفلاحين خرجوا يطالبون بسقوط الملك، الذى بدأ يستعد للهرب (ص135) واعترف بأنّ أنورالسادات وحسن التهامى كانا ضمن عناصرالحرس الحديدى..وأنّ فؤاد باشا سراج الدين كان يــُـساعد الفدائيين المصريين بالمال من ((جيبه الخاص)) (ص148، 154) بخلاف أنه بعد أنْ ألغى النحاس معاهدة1936 فى8 أكتوبر1951 فإنّ سراج الدين الذى كان يشغل منصب وزيرالداخلية، فتح مخازن السلاح للفدائيين المُـتوجهين لمدن القنال.
وعن حادث4فبراير1942 ذكرالمؤرّخ جمال حماد أنّ وزارة النحاس كانت (وفدية صرفة) بينما وزارة حسن صبرى تضم عشرة وزراء من أحزاب الأقلية. وقد واجه النحاس زعماء أحزاب الأقلية..وقال لهم أثناء الاجتماع فى قصرعابدين عقب تلقيه الإنذارالبريطانى، عندما أخذوا يلحون عليه لقبول تشكيل (وزارة قومية) برئاسته تضم ممثلين عن الأحزاب، فقال النحاس: كيف تعتبرون دخول الأحزاب الأخرى معى، رفضــًـا للإنذارالبريطانى وعدم استسلام منى، بينما تأليف وزارة وفدية يــُـتعبراستسلاما؟ وفى العاشرة من صباح 4فبرايرعقد (مجلس الحرب فى مصر) اجتماعــًـا بالسفارة البريطانية، حضره أوليفرليتلون وزيرالدولة المقيم بالشرق الأوسط..وقرّرالمجلس توجيه الإنذارالأخيرلفاروق..وبعد تلقى فاروق الإنذاراجتمع مع رؤساء الأحزاب..وترك لهم حرية التشاور..وحاول الزعماء إقناع النحاس بالموافقة على تأليف حكومة انتقالية، تــُـمهــّـد لوزارة وفدية..وعندما أصرّالنحاس على ألاّيشكل الوزارة، اتفقوا جميعــًـا على تقديم احتجاج على الإنذارالبريطانى باعتباره اعتداءً على استقلال مصر..ومع تطورالأحداث وإصرارالإنجليزعلى تكليف النحاس بتشكيل الوزارة، لم يكن أمام الملك إلاّ اختيارين: إما التنازل عن العرش أوالموافقة على تشكيل وزارة وفدية.
وفى رأى المؤرّخ جمال حمّـاد أنّ الدبابات البريطانية عندما حاصرتْ قصر عابدين، لم يكن هدف السفيرالبريطانى من ذلك هوفرض النحاس على فاروق، وإنما كان هدفه ((هواسقاط فاروق عن العرش)) وأضاف أنّ الملك قال للنحاس: أنا أعهد إليك بتأليف الوزارة..ووطنيتك تقضى أنْ تستعمل الحكمة فيها..وبعد ذلك جرى جدال شديد بين الملك والنحاس، الذى ذكر- وفقــًـا لشهادته أمام محكمة الجنايات عام1946فى قضية اغتيال أمين عثمان- أنه رفض تشكيل الوزارة بناءً على التعهد الذى اتفق عليه مع رؤساء الأحزاب ورفض تشكيل الوزارة إذا دُعى لتأليفها.. بينما الملك يلح عليه إلحاحــًـا شديدًا (مستخدمـًـا صيغة الأمر) لحمله على القبول..وقال أحمد ماهر(زعيم الحزب السعدى) إنْ قبل النحاس تشكيل الوزارة، فإنّ ذلك ((سيكون على أسنة رماح الإنجليز)) فقال له النحاس: أنتم الذين جئتم على أسنة رماح الإنجليز..وتدخل الملك وأمرالنحاس بقبول تشكيل الوزارة، فرجاه أنْ يــُـمهله للغد، فقال له الملك: انزل من هنا على السفيرالبريطانى..وفهم النحاس أنّ حديثــًـا داربين الملك والسفير..ومطلوب منه طمأنة السفير، حتى يظهرالنحاس بصورة المُـتواطىء أمام المصريين والأحزاب..وعندما تقابل مع السفير..وجد عنده وزيرالدولة أوليفرليلتون الذى مـدّ يده بالسلام، فقال له النحاس: لا أسلم عليك لأنك أسأت إلىّ فى غيابى، فسأله السفيرالبريطانى عن السبيل لترضيته، فقال النحاس: سحب الإنذار، وإننى لن أشكل الوزارة إلاّبعد سحب الإنذار..ووفقــًـا لما ذكره جمال حماد أنّ السفيروافق على سحب الإنذار..وتـمّ الاتفاق بينه وبين النحاس على تبادل خطابيْن بينهما بهذا المعنى..وعلى إثرذلك صدرالمرسوم الملكى يوم6فبراير42 بتأليف وزارة النحاس الخامسة (ص236) وبالتالى يكون قبول النحاس تشكيل الوزارة- وفقــًـا لما ذكره المؤرّخ جمال حماد- لم يكن على أسنة دبابات الإنجليزكما هوشائع.
وفى هذا الشأن ذكرد. يونان لبيب رزق أنه بينما تدخل الإنجليزضد الملك غيرالمحبوب (فؤاد) من أجل إسقاط وزارة إسماعيل صدقى..وتقبل الرأى العام لعودة حزب الوفد، فإنّ الرأى العام فى فبراير42كان مع الملك المحبوب (فاروق) وضد الإنجليز..وفى نفس الوقت استغلّ أعداء الوفد حادث4فبراير42، لتأليب الرأى العام ضد النحاس..والترويج لمقولة كيف أجبرالإنجليزالملك على الاختياربين النحاس كرئيس للوزراء أوالنفى..ولكن الملك أجاب بشجاعة: أنه ما كان مهتـمًـا بالعرش..ولكنه لم يكن يريد أنْ يرى الدم المصرى مسفوحــًـا فى هذه الظروف.
وأضاف د. يونان: وقد استمرّهذا النوع من الدعاية طيلة الأعوام التالية..ولكن أهم نتيجة للحادث كانت انفصال مكرم عبيد عن الوفد..وقال للنحاس: لقد ((جعلت من نفسك أضحوكة بذهابك للسفارة..وثبت أنّ السفيرهوالذى عينك))
ولكن د. يونان (بصفته الأكاديمية وقراءته العميقة لتاريخ مصرالحديث) طرح سؤالا تغافل عنه كثيرون فكتب: هل يمكننا القول بأنّ مكرم لم يعترض على التعاون البريطانى الوفدى..وكان يعترض (فقط) على الشكل وليس على المضمون..وكان مكرم يستهدف أنْ يحل محل النحاس لزعامة الوفد (نقلا عن كتاب: مصطفى النحاس- تأليف د.علاء الحديدى- كتاب الهلال- عدد يناير1993- ص238، 239)
ربط كثيرون من الذين هاجموا الملك فاروق، بين فساده والهجوم على التجربة الليبرالية المصرية..وفى هذا الشأن كتبتْ د0هويدا عدلى ((كان الوفد أكثرالتزامًا بما تطرحه الثقافة الدافعة للمجاراة من قيم ومعايير..ومن ناحية ثانية لم يكن الوفد تعبيرًا عن بورجوازية ذات نشأة طبيعية وليبرالية تجذّرتْ نتيجة تطورتاريخى اقتصادى واجتماعى وسياسى طبيعى، كما حدث فى التجربة الغربية، بل هوتعبيرعن بورجوازية مشوهة وليبرالية مجتزئة)) (كتابها: التسامح السياسى والمقومات الثقافية للمجتمع المدنى المصرى- رسالة دكتوراة- نشرها مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان عام2000- ص283)
كان المفكرون المصريون يسعون لتشييد قواعد دولة عصرية..وبفضل دورالليبراليين المصريين قبل يوليو1952، كانت مصر(بالفعل) مؤهلة لأنْ تكون دولة عظمى فى منطقة الشرق الأوسط على الأقل، وعن دورالليبراليين المصريين قبل يوليو 1952 لاأجد أفضل من شهادة د0 لطيفة الزيات وهى تصف لحظة وداع عميد الثقافة المصرية (طه حسين) حيث كتبتْ ((وأنا أشيع جنازة طه حسين، شعرتُ أننى أشيع عصرًا لارجلا. عصرالعلمانيين الذين جرؤوا على مساءلة كل شىء. عصرالمفكرين الذين عاشوا ما يقولون..وأملوا إرادة الإنسان حرة، على إرادة كل ألوان القهر)) (حملة تفتيش فى أوراق شخصية- كتاب الهلال- أكتوبر1992- ص95، وهيئة الكتاب المصرية- عام2000- ص100)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمين هويدى يفتح حافظة ذاكرته
- ابن خلدون و(خُدام) الحُكام)
- جرائم الأحزاب الدينية
- لماذا يصمت المغاربة على الاحتلال الإسبانى؟
- أسماء المواطنين والاعتزاز القومى
- مسلسل إهداركرامة شعبنا المصرى
- آفة أنظمة الاستبداد الشمولية
- الكهنوت الدينى والعداء للقومية
- صحوة شيوخ التجديد وتجاهل كتب التراث
- الانتحار بين أحادية التوصيف وتعدد الدوافع
- أحرارالعالم يحتفلون بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان
- لماذا يتمسك الأصوليون بتخاريفهم؟
- الاحتلال الفرنسى والعربى والإيرانى للبنان
- المسكوت عنه عربيا عن جرائم الخلافة الإسلامية
- جائزة ابن رشد للأصولى الغنوشى وأكذوبة التنوير
- مأزق الشعب اللبنانى مع الحزب الإيرانى
- أعداء طه حسين والهدف من تشويهه
- لغز تجاور استغلال الشعوب والديمقراطية
- رد الغعل العربى على انحيازأمريكا لإسرائيل
- سقطت العروبة والعروبيون يحاولون إسعافها


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الكتابة عن الملك فاروق بين الموضوعية والأيديولوجية