أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - العرب في اسرائيل ولعنة التطبيع















المزيد.....

العرب في اسرائيل ولعنة التطبيع


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6454 - 2020 / 1 / 3 - 05:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتشرت في بعض القرى والمدن العربية في السنوات الأخيرة ظاهرة إقامة أسواق عيد الميلاد (كريسماس ماركت) قد تكون أبرزها، منذ سنتين، تلك السوق التي بادر إليها ورعاها المجلس المحلي في قرية كفر ياسيف الجليلية.

ولقد شهدت مسارح السوق مشاركة عشرات الفنانين والفنانات العرب المحليين، إلى جانب عدة فرق استعراض مسرحية شهيرة، فتنوعت العروض واستهدفت جميع فئات الأعمار من أطفال وشباب وبالغين.

وعاشت البلدة حالة من الفرح الراقي، خاصة بعد أن استقطبت فعاليات سوقها آلافًا من أهلها ومن أهل القرى المجاورة، على جميع انتماءاتهم الطائفية وشرائحهم الاجتماعية، ومثلهم عشرات آلاف الوافدين إليها من كل حدب وصوب.

نجحت هذه الأسواق، رغم حداثتها، بخلق حالة من التفاعل الاجتماعي العريض المحمود، وتحوّلت إلى مشهد ثقافي حضاري جاذب ومعاكس لحالة السبات والنكوص التي سادت غالبية تلك البلدات؛ كما وشكلت روافع اقتصادية هامة للمشاركين المباشرين فيها ولكافة مرافق البلدة على حد سواء. مع ذلك ورغم إيجابياتها الواضحة، واجهت هذه الأنشطة، كما كان متوقعًا، تضييقات وتهجّمات مختلفة، وقفت وراءها قوى عديدة، مختلفة الدوافع والمآرب؛ فرفض بعضهم الفكرة من أصلها وهاجمها لأسباب عقائدية وسياسية مبطنة؛ في حين انتقدها آخرون أو هاجموا بعض محطاتها بحجج واهية، استفزت منظّمي الحدث، ولم تحظَ بقبول الناس.

هذا ما حدث، هذا العام، عندما أصدرت لجنة تسمى "اللجنة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل من الداخل" ( BDS 48) بيانًا هاجمت فيه، في الثامن عشر من ديسمبر المنصرم، مشاركة الفنان الأردني/ الفلسطيني عزيز مرقة، لأنه "أصرّ على المشاركة في مهرجان "كريسماس ماركت" الذي أقيم في بلدة كفر ياسيف الواقعة في أراضي 1948 في الفترة الوقعة بين 12-16 ديسمبر 2019 ، حيث تمثل هذه المشاركة خرقًا لمعايير المقاطعة الثقافية ومعايير زيارة الفنانين/ات والمثقفين/ات العرب، كون المهرجان ينظم برعاية جهات إسرائيلية رسمية كوزارة الثقافة والرياضة وشركات وبنوك متورطة في الجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني مثل بنك "مركنتيل" الإسرائيلي المتورط في بناء المستوطنات ودعمها"، كما جاء في بيانها المعلن.

ولقد أثار هذا البيان موجة ردود فعل غاضبة، لا سيّما بعد أن تبيّن أنّ مصدريه لم يتوخوا الدقة فيما نشروا؛ فقد قام بعضهم بتزوير القرائن التي أرفقوها لدعم موقفهم المذكور، مثل فبركتهم المغرضة لصورة الفنان على ملصق دعاية مزيف ؛ إذ تبيّن لاحقا أن أمسية عزيز مرقة قد نظمت بتمويل حصري من المجلس المحلي في كفر ياسيف، وهو مؤسسة عريقة يقف اليوم على رأسها المحامي شادي شويري وهو شخصية وطنية مشهود لها، ومن دون دعم رعاة إضافيين؛ فالحفل لم يدرج ضمن البرنامج الأصلي المعلن على الملأ والذي استمر من 12 إلى 15 كانون الأول/ديسمبر، وذلك "مراعاة من المنظمين للوضعية الخاصة للفنان" كما جاء في بيان خاص أصدره رئيس المجلس ردًّا على بيان لجنة المقاطعة.

على جميع الأحوال، وبدون تفنيد التفاصيل ولا التدقيق بمن يقف وراء تلك الحملة ومدى مصداقيتها، فإننا نواجه، مرة أخرى، فصلًا ملتبسًا من رواية مختلف عليها وحولها، حيث تحاول مجموعة صغيرة فرض أجندتها الخاصة على مجتمع كامل، وتسمح لنفسها، باسم وطنية سائلة، بملاحقة فنانين وأدباء ومثقفين بحجة محاربة التطبيع الثقافي مع دولة الاحتلال، وذلك بوسائل قد تصل في بعض الأحيان، بسبب ظروف معيشة هؤلاء الفنانين في دولهم العربية، إلى حد تخويف هؤلاء الفنانين بأساليب تقترب من الابتزاز .

وقبل أن أمضي في مناقشة هذه المسألة عينيًا، وجب عليّ التوضيح والتأكيد على أنني أتطرق في هذه المقالة لقضية ما يسمى "محاربة التطبيع الثقافي" الذي يتعلق بنشاطاتنا نحن المواطنين العرب في إسرائيل فقط؛ ولا شأن لها بحملات المقاطعة العالمية أو بما يجري داخل الأراضي الفلسطيننية المحتلة عام 1967.

ولقد ناديت وكثيرون مثلي في الماضي، كما ندعو اليوم، إلى مناقشة هذه القضية بشكل جذري شامل مسؤول؛ لأن التسليم بها، كواقع واضح المضامين والمآلات، لا يخدم مصالحنا العليا كمواطنين في إسرائيل ولا يضر بمصالح إسرائيل، كما يدّعي أصحاب هذه الدعوات، بل ينفعها ويصبّ في صالحها وصالح دعايتها في كثير من الحالات.

لم تغب تلك الإشكالية عن بال من بادروا إلى الإعلان عن تشكيل تلك اللجنة، بل أشاروا لها في وثيقتهم التأسيسية حينما طرحوا تساؤلا مفاده أن "أول ما يتبادر إلى الذهن لدى قراءة عنوان هذه الوثيقة أنّ تطبيقها في داخل دولة إسرائيل أمر مستحيل، فكيف يستطيع الفلسطينيون/ات مواطنو/ات الدولة أن يقاطعوا/يقاطعن ما يدور حولهم/ن من حياة تجارية واقتصادية وثقافية وحياتية يومية؟" ثم يجيبون على تساؤلهم فيقولون: "ليس الأمر كذلك، لأن معايير المقاطعة الخاصة بفلسطينيي الداخل(48) تختلف عنها في أماكن وجود الأجزاء الأخرى من الشعب الفلسطيني (67 والشتات)".

لا أعرف الكثير عن هذه اللجنة ولا عن ظروف تأسيسها أو عمّن ينشط في صفوفها وما هي خلفيّاتهم أو حدود تجاربهم؛ ولكن على جميع الأحوال، لا يستطيع أحد أن ينكر حق المبادرين للإعلان عن إقامة لجنتهم وحقهم في انتقاء المعايير بالشكل الذي فعلوه؛ بيد أن صمت وتقاعس وكسل ورياء معظم التيارات السياسية والمؤسسات والجمعيات واللجان والنخب السياسية والثقافية القائمة والناشطة بين المواطنين العرب في إسرائيل، تبقى هي المشكلة الحارقة والمستفزة؛ فلولا هذا الصمت/العجز لما تركت نداءات "اللجنة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل من الداخل" العصا الغليظة الوحيدة المرفوعة في وجه من لا يتساوق، صاغرًا، مع مواقفهم؛ أو من لا يقبل تفسيرهم/تقييمهم لأي نشاط ثقافي قرروا معارضته لأنه لا يتوافق، على الأغلب، مع مبادئهم السياسية الفئوية؛ أو من يرفض ذرائعهم الأيديولوجية، الكيديّة في بعض الأحيان أو المدفوعة بوقود "أولترا-راديكالي" في أحيان أخرى.

لقد أعلنت اللجنة في وثيقتها المذكورة بأنها "وانطلاقًا من خصوصية وضع فلسطينيي 48 ، تميّز حركة المقاطعة، على سبيل المثال، بين مفهومي حقوق المواطن/ة والتطبيع". ثم جاءت على ذكر ثلاثة تصاريح فقط، يُحدّد بحسبها عرّابو هذه الوثيقة هوامش عمل المواطنين العرب في إسرائيل؛ فلا مانع مثلا "من الحصول على ميزانيات ثقافية وفنية وصحية وغيرها، من الوزارات الحكومية كحق طبيعي للمواطنين كدافعي ضرائب".

ثم نقرأ ما يذكّرنا بنصوص "المطوّعين" القوميين عن وجود أذون لنا بالإبقاء على علاقاتنا اليومية المعتادة، كفلسطينيين من 48، مع اليهود - الإسرائيليين، شريطة أن تبقى تلك العلاقات محصورة في أماكن العمل والدراسة والمشافي والمؤسسات وغيرها؛ فهذه العلاقات، في هذه الأماكن، لا تشكل تطبيعًا؛ كما لا يشكل النضال المشترك مع القوى الإسرائيلية المعادية للصهيونية ضد الاحتلال والابرتهايد تطبيعًا !

تثير قائمة التصاريح الضامرة التي أجازتها هذه الوثيقة جملة من التساؤلات؛ فعلاوة على أسلوبها المدّعي المتعالي، فإنها تبث نوعًا من الاستسخاف بحقوق المواطنين العرب في إسرائيل وقياداتهم ورموزهم السياسية والثقافية، وعدم احترام ارثهم وهويتهم الوطنية وتاريخ نضالاتهم وصمودهم، منذ النكبة وحتى يومنا هذا، في وطنهم.

علاوة على ذلك، وإذا دققنا في نصوص هذه الوثيقة، سنجد فيها غموضا وتناقضات واضحة، وأنها تتيح فرصا تسمح بتأويلها كيفما اتفق. فعلى سبيل المثال إذا كان استلام الميزانيات الثقافية من الوزارات الحكومية الإسرائيلية مسموحًا، كما جاء في الوثيقة، فلماذا يدعو أصحابها إلى مقاطعة من يشارك في نشاطات ثقافية سبق و"أجازوا" تمويلها من وزارات حكومية كما تقدّم؛ خاصة إذا لم يكن هنالك خلاف حول فوائد هذه النشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية، بل كانت محط إجماع واسع بين المواطنين العرب وبين مؤسساتهم الرائدة في إسرائيل.

ثم إذا كانت العلاقات بين العرب واليهود مسموحة في أماكن العمل والدراسة والمشافي والمؤسسات الإسرائيلية، فما مصير العلاقات في جميع المواقع الأخرى التي تمليها ظروف الحياة المعيشية والضرورات الطبيعية اليومية في إسرائيل؟ هل سيكون الحل في ثنايا كلمة "وغيرها" التي جاءت بعد أسماء المواقع التي أجيزت فيها تلك العلاقات العربية اليهودية ؟

وأخيرًا، إذا أجيز النضال اليهودي العربي المشترك ضد الاحتلال، وكان هدف هذه الإجازة الأول والأخير هو مقاومة الاحتلال وكنسه، فلماذا استثنيت منه تلك القوى اليهودية التي تعرف نفسها أنها صهيونية بينما تعلن، في الوقت ذاته، عن وقوفها بشكل حازم ضد الاحتلال وضد سياسة الابرتهايد ؟!

لا يمكن اعتبار هذه الوثيقة "ألواح الوصايا العشر" فمن الواضح أن الذين رتقوا تفاصيلها قصدوا تفصيلها على مقاساتهم فقط، وتعمدوا توشيتها بخيوط عقائدية لا تجمع الناس تحت سقف القواسم العريضة المشتركة، بل على العكس من ذلك تماما.

تساءل دعاة المقاطعة في وثيقتهم، كيف، إذن، يمكن الإسهام في حملة المقاطعة داخل الدولة ؟

لقد حاولوا الإجابة بنفس الغموض والتحيّز، وعن ذلك سأكتب لاحقا، لكنني إلى أن أفعل، الأسبوع القادم، أجزم منذ اليوم بان مطالبة الفنان عزيز مرقة بمقاطعة احتفالات كفر ياسيف كانت مخطئة ومن غير وجه حق؛ ولو استجاب لها عزيز، لكانت إسرائيل، بلا أدنى شك، الرابح الأوحد؛

وعن ذلك وغيره سيتبع ..



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خدوش على صفحة هوية ملتبسة
- جامعة بير زيت، تبدد الحلم
- التعليم العربي: بين برج بابل وبرج بيزا
- سامي ابو دياك، وموت أمنية فلسطينية
- القدس مدينة الحجارة الباكية
- مواطنون بين صاروخين
- خيمة الاصرار والامل
- انتهت معركة -المطّلع- وبقيت القدس عليلة
- لنصلي من أجل لبنان وفلسطين
- بسام الشكعه..العظماء لا يموتون
- ليل هبة البارد والطويل
- خوف ورياء وقتل
- العرب في اسرائيل بين نارين
- خلاصات أولية من معركة لم تحسم
- الانتخابات في اسرائيل، يوم الحسم، نداء الواجب
- انتخابات الكنيست، خطاب العقل
- القائمة المشتركة، خطاب التفاؤل
- تقول الحياة: يبقى الغناء أدوم وأنبل
- حين وقف مرسيل ومحمود على مسرح جرش
- غصّات، غصة الموت، غصة أطفال العيساوية


المزيد.....




- بريطانيا: فرض عقوبات على إسرائيليين متشددين بسبب أعمال عنف ف ...
- السعودية.. وفاة و20 حالة في العناية المركزة بتسمم غذائي بمطع ...
- السعودية تكشف جنسية وافد عربي ابتز فتاة ودردشتهما -مموهة-
- الأردن.. الملكة رانيا تكشف عن نصيحة الملك الحسين لها عندما ت ...
- من هو المرشح الرئاسي الذي قد يستحوذ على دعم الشباب في تشاد؟ ...
- المشروب الكحولي الأقل ضررا للكبد
- المشكلات الصحية التي تشير إليها الرغبة الشديدة في تناول الحل ...
- أنطونوف: اتهامات واشنطن بتورط روسيا في هجمات إلكترونية على أ ...
- انجراف التربة نتيجة الأمطار الغزيرة في هايتي يودي بحياة 12 ش ...
- الجزائر تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن المقابر الجم ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - العرب في اسرائيل ولعنة التطبيع