أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - آلهة من صفيح















المزيد.....


آلهة من صفيح


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1557 - 2006 / 5 / 21 - 11:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل مجيء الإسلام كان شيخ القبيلة هو الحاكم وكان الناس يخاطبونه باسمه المجرد. ثم لما جاء الإسلام بدأت قريش تطلق على محمد في بداية الدعوة "ابن أبي كبشة" امتهاناً له لعدم إيمانهم به. ولقبوا عمر بن الخطاب "ابن أبي حنتمة". وفي المدينة كان الأنصار أصحاب محمد ينادونه باسمه المجرد أو ب "أبو القاسم" بدون أي رتوش. ثم مات النبي وخلف بعده أبو بكر فكانوا ينادونه باسمه كذلك أو بلقب "ابن أبي قحافة". وعندما جاء عمر بن الخطاب لقبوه "أمير المؤمنين". وجاءت الخلافة الأموية وظل اللقب كما هو إلى أن جاءت الخلافة العباسية التي اعتمدت على وعاظ السلاطين لتجميل صورة الخلفاء الماجنين، فزادت معها الألقاب التي وزعها وعاظ السلاطين على الخلفاء كما كانوا يوزعون حلوى العيد، فأصبح عبد الله بن محمد "الخليفة أبا جعفر المنصور". ولما تولى ابنه محمد من بعده لقبوه بالمعتصم بالله واستمر بقية خلفاء بني العباس على هذه الألقاب بتشجيع من وعاظ السلاطين ليوهموا العامة بأن سلطة الخليفة هي امتداد لسلطة الله، وبما أن رجال الدين هم الذين يفسرون دين الله، فسلطتهم امتداد لسلطة الخليفة. ولما جاء بنو بويه صار اللقب "معز الدولة" و"عضد الدولة" وما إلى ذلك، فأصبح السلطان هو الدولة. وإذا لم يكن السلطان لم تكن دولة. ولم يكن الفاطميون أقل ألقاباً فلقبوهم "الحاكم بأمر الله" و "المستنصر بالله". وانتهز كتاب السيرة النبوية فرصة الألقاب هذه فأضافوا إلى محمد بن عبد الله، بعد أن مات، ألف لقب، فقالوا ( أمّا مُحَمَّد، فهو اسم مفعول، من حَمِدَ، فهو محمد، إذا كان كثيرَ الخصال التي يُحمد عليها، لذلك كان أبلغَ من محمود، فإن ((محموداً)) من الثلاثي المجرد، ومحمد من المضاعف للمبالغة، فهو الذي يحمد أكثر ممّا يحمد غيره من البشر، ولهذا - واللّه أعلم - سمِي به في التوراة، لكثرة الخصال المحمودة التي وُصِفَ بها هو ودينه وأمته في التوراة، حتى تَمَنَى موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون منهم. وأما إن جعل له مِن كل وصف من أوصافه اسم، تجاوزت أسماؤه المائتين، كالصادق، والمصدوق، والرؤوف الرَّحيم، إلى أمثال ذلك. قال من قال من الناس: إن لله ألفَ اسمٍ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألفَ اسم ) (زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ج1، ص 34). فإذا كان نبي الإسلام محمد يعادل الله في أسمائه وألقابه لدرجة أن موسى تمنى أن يكون من أمته، فكيف برجال الدين الذين هم خلفاء الأنبياء، كما في حديث بركة بن نشيط: " العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم حيتان البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة". فكلما زادت ألقاب السلطان زادت معها ألقاب وعاظ السلاطين حتى صار لقب الواحد منهم، مثل ابن القيم "شيخ الإسلام الإمام العالم العلامة شمس الدين" ثم يأتي اسمه "محمد بن أبي بكر". وزاد وعاظ السلاطين من مدح الحكام وتفخيم ألقابهم حتى أن ابن الجوزي ألف كتاباً في عهد الخليفة المستضيء بالله سماه "المصباح المضيء في خلافة المستضيء" وأهداه إلى الخليفة.

وجاءت الخلافة العثمانية فأضافوا لقب "السلطان" إلى الخليفة. ونشأت في هذه الفترة مشيخات صغيرة في الخليج، كان حكامها يُعرفون بالشيخ فلان. ثم أصبح الشيخ أميراً وأصبح الأمير ملكاً كما في البحرين، وأضافوا إلى الملك ألقاباً أخرى مثل "صاحب الجلالة" و "خادم الحرمين الشريفين"، رغم أن الجلالة لله وحده. والبلاد العربية التي لا يحكمها ملوكُ أو أمراء سيطر عليها صغار العسكر الذين كانوا برتبة عقيد، مثل جعفر النميري بالسودان، ومعمر القذافي بليبيا، وبين ليلة وضحاها يصبح العقيد "مشيراً" وقائداً أوحداً.

وكلما كثر عدد المتسلقين حول الرئيس أو الملك، كلما زاد تسلط الرئيس أو الملك بإيحاء من المتسلقين حتى يصبح إلهاً لا يجوز المساس بسمعته أو حتى سمعة معيته. ويصبح نقد سياسة الدولة مساساً بشخص الرئيس يُعاقب بالسجن أو حتى بالتصفية الجسدية. ولذلك سنت جميع الدول العربية قوانين تُلجم الصحافة حتى لا تتعرض بالنقد للإله. ففي الأردن مثلاً هناك المادة 195 من قانون العقوبات. هذه المادة خاصة بحماية العائلة المالكة، وكل من انتقد تصرف أحد أفراد العائلة المالكة يجد نفسه في الحبس بتهمة "إطالة اللسان" كما حدث للدكتور رياض النوايسة عندما ألقى كلمة في مهرجان عن الفلوجة بمجمع النقابات المهنية بعمان. وقد قال رئيس هيئة تقصي الحقائق في لجنة الحريات بنقابة المحامين، أمجد شموط ( إن تحريك هذه المحاكمة يعتبر أحد القيود الماسة بالحريات العامة، مشيرا إلى أن النوايسة قام بالتعبير عن وجهة نظره السياسية من دون أن يرتكب أي جرم قانوني) (الشرق الأوسط 6 يونيو 2005). وكذلك أمر مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردنية بتوقيف صحافيين لمدة 14 يوماً على ذمة التحقيق بتهمة إطالة اللسان على المراجع العليا. فقد قرر توقيف كل من عمر كلاب وزياد الحر العاملين في صحيفة "الإعلام البديل" 14 يوماً على ذمة التحقيق بعد أن شهد عاملون في الصحيفة انهما أطالا اللسان على المراجع العليا. وتتزامن هذه القضية مع التعديلات على قانون المطبوعات والنشر الذي تعتزم الحكومة الأردنية إجراءها والتي تتضمن عقوبة الحبس للصحافي الذي ينشر مادة مخالفة للقانون. وسبق لمحكمة أمن الدولة أن أصدرت أحكاماً بحق عدد من السياسيين والإعلاميين الذين يثبت عليهم تهمة «إطالة اللسان» على المراجع العليا من بينهم المعارض الأردني المعروف ليث شبيلات والناطق الإعلامي باسم حزب التحرير الإسلامي المحظور عطا أبو الريشة حيث قضت المحكمة بسجن كل منهما 3 سنوات.(الشرق الأوسط 16 مارس 2006). وحتى تكتمل صورة الملك الإله في أذهان العامة وصورة الرسول الذي تساوي أسماؤه أسماء الله، فقد امتد قانون إطالة اللسان الأردني ليشمل أهل بيت النبي. فقد سُجن عدد من الصحافيين وأُغلقت مجلة الهلال الأسبوعية عندما نشرت مقالاً فيه بعض المساس بالسيدة عائشة. وكان من الأفضل للعائلة المالكة لو أن القانون طلب قطع لسان كل من يطيل اللسان عليها، فالأمة العربية يجب أن تكون أمةً مقطوعة اللسان بالمرة بحيث يصبح من المستحيل عليها إطالته. والمرء يتعجب من ملك الأردن الشاب الذي درس ببريطانيا ورأى بأم عينيه كيف يطيل الصحفيون الإنكليز ألسنتهم على العائلة المالكة وعلى رئيس الوزراء وعلى الوزراء وكل السياسيين دون أن يصيب الصحفيين أو العائلة المالكة أي سوء.

وفي الكويت التي تدعي أنها دولة ديمقراطية، فإن حكامها لا يتحملون النقد وقانونها يعاقب الصحافيين والكتاب إذا تجرأ أحدهم بنقد العائلة المالكة، فقد قررت محكمة الجنايات الكويتية برئاسة المستشار وائل العتيقي، حبس الخطيب الديني الشيخ حامد العلي عامين مع وقف التنفيذ لإدانته بالطعن علنا وفي مكان عام في حقوق الأمير وسلطته لسماحه بالمشاركة في حرب تحرير العراق. وكان من التهم التي وجهها الأمن إلى الشيخ: انه عاب علنا وفي مكان عام في حقوق الأمير، عن طريق وصف الحكام العرب بالخونة والفاشلين وذلك في خطبة الجمعة وخلال ندوة عامة. ثم انه أقام ندوة عامة اشتملت على الإساءة لسمعة الدولة وعروبتها والمساس بالدول الشقيقة والصديقة وذلك بمسجد مالك بن عوف من دون الحصول على ترخيص بذلك (الشرق الأوسط 20 يونيو 2004). فكان الواجب على هذا الخطيب طلب تصريح من وزارة الداخلية يخوله أن يقول إن سياسة الأمير الذي هو خليفة الله والحاكم بأمره، كانت خاطئة فيما يختص بالسماح للقوات الأجنبية بغزو العراق من الأراضي الكويتية. وكانت محاكم الكويت قد حكمت على الدكتور أحمد البغدادي المحاضر بجامعة الكويت بالسجن عاما مع وقف التنفيذ في عام 2005 لأنه كتب مقالاً تحت عنوان "أما لهذا التخلف من نهاية" لأن المقال، من وجهة نظر النيابة العامة " قد تجاوز حدود النقد المباح وامتد ليطال الاستهزاء بدروس الدين والربط بين التربية الإسلامية والإرهاب الفكري". وإذا سمحنا للكتاب العرب بنقد الدين فلا بد أن نقدهم سوف يتعدى الدين إلى نقد الشيوخ والأمراء، ولذلك كان لا بد من تلقينهم درساً بسجن د. أحمد البغدادي ليكون هذا الحكم تنبيهاً للآخرين على وزن "إياكِ أعني فاسمعي يا جارة". والجدير بالذكر أن الكويت الديمقراطية عدلت قانون الصحافة والمنشورات حديثاً وأدى هذا التعديل إلى إدخال الصحافي حامد بويابس، رئيس تحرير صحيفة "الشعب" الأسبوعية، السجن على خلفية شكوى ضده من قبل وزير الإعلام السابق أنس الرشيد، بتهمة الإساءة إلى الذات الأميرية، في مقال نشره في صحيفته نقلاً عن صحيفة "الرأي العام" التي كانت قد نشرت مقابلة أجراها السيد جاسم بودي مع أعضاء الكونجرس الأمريكي (إيلاف 15 مايو 2006). ونلاحظ هنا أن التهمة في عام 2004 ضد الخطيب الديني كانت لطعنه في حقوق الأمير، ولكن بعد التعديل الأخير لقانون الصحافة أصبحت التهمة الطعن في "الذات الأميرية". وربما في العام القادم يُعدل القانون مرة أخرى ويصبح الطعن في الذات الأميرية طعناً في "الذات الإلهية".
أما في مصر المحروسة فالرئيس محمد حسني مبارك قد اقترب فعلاً من "الذات الإلهية"، فهو الحاكم بأمر الله الذي يفعل ما يشاء في مصر فيؤيده البرلمان والجامع الأزهر. بل أن البرلمان الذي انتخبه الشعب ليكون سلطتهم التشريعية، يتنازل عن واجباته للسيد الرئيس. فقد أقر البرلمان المصري، في 9 مارس، قانونا جديدا يمدد التفويض الممنوح للرئيس حسني مبارك، لعقد اتفاقيات التسليح دون عرضها على البرلمان لمدة 3 سنوات جديدة حتى عام 2009 (الشرق الأوسط 10 مارس 2006). وهذا التفويض المعمول به منذ عام 1972، منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ولمدة 34 عاما متصلة من دون انقطاع، منها 9 سنوات في عهد السادات، و25 عاما في عهد الرئيس مبارك، يوحي بأن كل الجنرالات في الجيش المصري الذين يحملون على صدورهم نياشين تعجز أجسام رافعي الأثقال عن حملها، لا يعرفون كيف يختارون أسلحة للجيش المصري. فلا بد أن يقوم بهذا الواجب سيد العارفين الرئيس حسني مبارك لأنه كان طياراً يعرف عن الطائرات وأسلحتها الخديثة. و دافع نواب الحزب الحاكم عن استمرار التفويض، استنادا لحالة عدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وإضفاء السرية على عمليات تسليح القوات المسلحة. فلا أحد في مصر يعرف كيف يحفظ السر غير الرئيس مبارك. والطريف أن النائب محمد شردي، من نواب الوفد، قال إن جميع اتفاقات التسلح منشورة على الإنترنت. فليس هناك إذاً أي سبب للرئيس مبارك ليحفظ السر. ولحماية الذات الرئيسية لا بد من تكميم أفواه وأقلام الصحفيين المصريين بقوانين تعسفية تقضي بسجنهم. ورغم أن الرئيس مبارك قد صرح قبل أكثر من ثمانية أشهر بإلغاء حبس الصحفيين، فإن شيئاً من ذلك لم يحدث وحبست محكمة جنوب الجيزة بمصر الصحافية أميرة ملش بجريدة «الفجر» المستقلة سنة مع الشغل بتهمة السب والقذف في حق قاض بمحكمة جنح الإسكندرية. ويأتي الحكم الجديد بحبس الصحافية بعد ثلاثة أيام من تنازل وزير الإسكان المصري السابق محمد إبراهيم سليمان عن دعواه ضد عبد الناصر الزهيري الصحافي بجريدة «المصري» والتي قضت المحكمة بحبسه سنة، إلا أن حملة مضادة نظمها الصحافيون المصريون للتضامن في إطار حملة لوقف عقوبة الحبس في قضايا النشر أدت إلى تنازل الوزير عن 37 قضية رفعها ضد صحافيين (الشرق الأوسط 8 مارس 2006). فإذا كان القانون المصري يحكم بالسجن على صحافية نقلت ما قاله أحد المتهمين في قضية اختلاس من أن القاضي كان شريكاً في العملية، فلا بد أن هذا القانون سوف يزهق روح من يتجرأ ويتهم الرئيس بأي شيء. والجدير بالذكر أن مصر المحروسة تقود العالم العربي في الدعوة إلى الإصلاح من الداخل وعدم فرضه بالقوة من الخارج. ويظهر هذا الإصلاح في بيان وزارة الداخلية المصرية الذي أصدرته لتبرير همجية الأمن المصري في التصدي للمتظاهرين حديثاً في الاعتصامات التي صاحبت اعتصام القضاة المصريين، فقد أصدرت وزارة الداخلية المصرية بيانا قالت فيه إن الهجوم على المتظاهرين (كان بهدف لقيام الشرعية بواجباتها المنوط بها أداؤها وفقا لما أوردته نصوص الدستور ومواد قانون الشرطة والقانون رقم 100 لسنة 1914 بشأن التجمهر والقانون رقم 14 لسنة 1923 بتعزيز الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة وبالمظاهرات في الطرق العمومية). فمصر القرن الحادي والعشرين تحكمها قوانين عام 1914 التي سُنت مع بداية الحرب العالمية الأولى. فإذا كان هذا هو حال الإصلاح من الداخل فسوف ننتظر إن شاء الله مليون سنة لإكمال الإصلاح من الداخل الذي يتقدم خطوة ويتراجع خطوتين. ويبدو أن النساء المصريات قد أصابهن العقم بعد مولد الرئيس الأوحد، فقد صرح الناطق باسم الرئاسة أن الرئيس حسني مبارك مستعد للتنازل عن الحكم إذا وجد من يستطيع أن يتولى مقاليد الحكم عنه. وبما أن الله لا مثيل له، فإله الصفيح كذلك لا مثيل له يستطيع أن يتولى الحكم منه. وقد أثبت ذلك شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي والبابا شنودة كذلك عندما أيدا علناً ترشيح الرئيس حسني مبارك لدورة رئاسية خامسة.
أما في إيران بلاد المتناقضات والجمهورية الإسلامية الوحيدة في العالم، بعد أن تخلى البشير عن أسلمة السودان، وفي انتظار قيام الجمهورية الإسلامية العراقية، فحدث ولا حرج. الإسلام يقول أمرهم شورى بينهم، والجمهورية الإسلامية تعيّن مرشداً لها غير منتخب ولجنة لحماية مصالح النظام، وتعطي الاثنين تفويضاً يلغي قرارات البرلمان المنتخب. وكلمة مرشد الجمهورية الذي هو آية من آيات الله الكبري، مقدسةٌ لذوي الحل والعقد في الجمهورية الإسلامية التي تكتم أنفاس المعارضين وتسجن الصحافيين وتُعطل الصحف بأمر قضاة لا يهمهم إرضاء الله بقدر ما يهمهم إرضاء المرشد الأعلى. فقد حكم قضاة الجمهورية على الصحافي الإيراني المعارض محسن سازيغارا غياباً، بالسجن ست سنوات، بتهم اثارة «البلبلة في صفوف الرأي العام». والعمل ضد «مصلحة الأمن القومي»، بحسب تصريحات محاميه. وسبب الحكم على الصحافي الذي يعيش الآن في واشنطن هو أنه اشترك في مظاهرة ضد النظام (الشرق الأوسط 24 أغسطس 2005). فالذي يتظاهر ضد النظام فقد تظاهر ضد الله وضد آلهة الصفيح الذين يمثلون الله في الأرض. فقد أغلقت هيئة القضاء صحيفتين يوميتين مواليتين للإصلاح، لنشرهما رسالة تنتقد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي في ما يتعلق بانتخابات الرئاسة. وقال صحافيون في صحيفتي «اقبال» و«افتاب يزد» الليبراليتين، ان الصحيفتين أغلقتا بناء على أمر من مكتب المدعي العام في طهران. وقال الصحافي الليبرالي عيسى ساحرخيز، وهو نائب سابق لوزير الثقافة، لرويترز «نشرت الصحيفتان رسالة تنتقد خامنئي». وانتقاد الزعيم الأعلى في البلاد جريمة، وحوكم كثير من الصحافيين وأغلقت عشرات الصحف في إيران لتهم مشابهة في الأعوام الأخيرة) (الشرق الأوسط 21 يونيو 2005). فانتقاد الآلهة لا يجوز في بلاد الشرق التي هي مهد الديانات الثلاث.

وفي الجزائر تم استحداث جنحة الإساءة إلى رئيس الدولة والتشهير بالمؤسّسات في القانون الجزائري في عام 2001. ومنذ ذلك التاريخ، باتت أية إساءة إلى رئيس الجمهورية، أو إلى الجيش أو العدالة، بصورة خاصة، جناية تكّلف صاحبها عقوبة سجن غير قابلة للتخفيف تتراوح بين 3 و12 شهراً إضافة إلى غرامة كبيرة. ففي العام 2005 وحده، تم تسجيل 100 دعوى ضد الصحافة. وحُكم على 18 صحفياً بأحكام سجن تنفيذية بانتظار مراجعة دعاواهم أمام محكمة النقض. وفي قضايا التشهير تحديداً، فإن فترة التقادم (التي لا يجوز رفع دعوى بعد انقضائها) هي 3 سنوات وليس 3 أشهر كالمعتاد. ولا يُشتَرَط أن يكون الضحيّة نفسه هو من يقيم الدعوى. كما أن إقدام المدّعي على سحب شكواه لا يوقّف الملاحقات. ويقول المحامي "بورايو" أنه "ليس هنالك ما يحمي حرية التعبير وممارسة العمل الصحفي في الجزائر". وهو يعتقد أن السلطة الجزائرية لا تعتبر الصحفيين الجزائريين سوى "عدو" ينبغي القضاء عليه (شفاف الشرق 11 مارس 2006). فالصحافي الذي ينتقد الرئيس الأوحد بوتفليقة سوف يُسجن حتى وإن لم يتقدم الرئيس الأوحد بشكوى ضده، فللرئيس أبواقٌ يقومون بذلك بالإنابة.

وفي تونس التي يحكمها الجنرال زين العابدين بن علي منذ عام 1987 بعد أن قاد انقلاباً ضد الرئيس بورقيبة، فإن الصحافي فيها معرض للضرب والسجن والسحل. فقد أذاعت قناة العربية أن قوات الأمن التونسي التي تأتمر بأمر الرئيس قد قامت بالاعتداء على مراسلها في تونس وسحله في الشارع حين كان في طريقه لتغطية مؤتمر صحافي مصرح به من جانب الحكومة كانت دعت إليه "هيئة 18 تشرين الأول (أكتوبر) للحقوق والحريات" (إيلاف 22 فبرائر 206). فيبدو أن آلهة تونس كالإله "يهوى" إله موسى الذي كان سريع الغضب والانتقام من الذين لا يتقبلون تعاليمه.

واليمن السعيد لا يقل تبجيلاً لآلهته الصفيحية، فرغم أن العديد من التقارير المتخصصة لعدد من المنظمات العاملة في مجال الحقوق والحريات الدولية من خلال رصدها للحريات والأوضاع العامة للعام الماضي 2005م أكدت أن اليمن من الدول الفاشلة التي يغيب فيها تطبيق القانون ويسيطر عليها الفقر والجهل والمرض "وهي الثالوث الرهيب الذي قامت ثورة سبتمبر 62م لمكافحتها والقضاء عليها في اليمن", مشيرة إلى أنه تم تصنيفها في عداد الدول المعرضة للانهيار (إيلاف 7 يناير 2006) إلا أن المظاهرات بدأت تجوب شوارع صنعاء مطالبة بترشيح الرئيس علي عبد الله صالح لفترة رئاسية أخرى. فاليمن كمصر قد عقمت نساؤه بعد أن وُلد السيد الرئيس.

وسوريا التي يحكمها قانون الطوارئ منذ عام 1963 وأصبحت تقود دول العالم الثالث في التصفية الجسدية والاعتقال والتعذيب تحت قيادة الإله الصغير الطبيب بشار الأسد الذي تنكر لقيم "أبوقراط" واتبع ما وجد عليه آباءه، فقد ساءت أوضاع حقوق الإنسان فيها أكثر من قبل، ومع ذلك نجد صور الإله ذات الحجم الطبيعي معلقة، ليس في سوريا فقط وفي كل شارع ومكتب ومتجر وشاحنة عسكرية، بل حتى في بقاع لبنان. فالإله الذي يُعبد في سوريا الكبرى لا بد أ يُعبد في لبنان.

والبلاد الإسلامية غير العربية قد تعلمت من البلاد العربية، خاصة الجمهورية الشعبية الليبية، كيف تؤله حكامها، فقد قرر رئيس تركمانستان لمدى الحياة صفرمراد نيازوف، الذي سبق ان طبع صورته على معظم جوانب الحياة في بلاده، نقش عبارات من كتابه «روحنامه» الى جانب الآيات القرآنية على جامع جديد يجري بناؤه. وكان الرئيس الإله قد "أمر بوضع نسخة من كتابه «روحنامه» الى جانب نسخة من القرآن الكريم في جميع المساجد التابعة للدولة. يذكر ان كتاب «روحنامه» هو، كما يراه الرئيس نيازوف، دليل روحي للشعب التركمانستاني ويشكل جزءا اساسيا من مناهج التعليم." (الشرق الأوسط 4 يونيو 2004). فكتاب "روحنامة" لا يقل أهمية عن "الكتاب الأخضر" الذي ألفه الإله الليبي، وكلاهما يجب أن يوضع مع القرآن في جميع المساجد، حتى في الدول الإفريقية الأخرى، مثل مالي.

فما الذي يجعل البلاد الإسلامية تؤله حكامها؟ ليس لدي من شك أن رجال الدين كانوا وما زالوا العامل الرئيسي في ذلك حفاظاً على المكاسب الدنيوية التي تمكنوا من تحقيقها بالإيعاز إلى العامة بأن طاعة ولي الأمر جزء لا يتجزأ عن طاعة الله والرسول. وإذا أرادوا أن يطيعوا الرسول فلا بد لهم أن يطيعوا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء. فدعونا نقرأ هذا التحذير: فقد حذر الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية الشيخ إبراهيم الغيث من مغبة التقليل من شأن ولاة الأمر والعلماء مشيراً الى دور أعداء الإسلام في تفتيت الأمة من خلال هذا المسلك. وأوضح الغيث وهو بدرجة وزير أن تحقيق الأمن يتم بالاهتداء بأهداب الدين مؤكداً على "أهمية بيان حرمة الدماء وأعراض الحكام والولاة والعلماء" واستدل الغيث على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني) مشيراً إلى أن الطاعة المطلوبة واجبة في غير معصية الله. وحذر الغيث "من مغبة التقليل من شأن الولاة والعلماء" مشيراً الى "دور أعداء الإسلام في تفتيت أمة التوحيد من خلال هذا المسلك. وقال "يجب أن نحترم ولاة أمورنا وعلمائنا وأن نسأل الراسخين في العلم وأن لا يكون هناك فاصل بين العلماء والمتعلمين ". ودعا الغيث "الى السمع والطاعة في المنشط والمكره مع معرفة حقوق الولاة والعلماء والرؤساء في العمل" (إيلاف 8 فبراير 2004).
وقد انطلت الحيلة على الجهلاء وصار رجال الدين والحكام يدعم بعضهم بعضاً ويرفع كلٌ منهم من مكانة الآخر حتى صار الحكام آلهة من صفيح وأصبح رجال الدين الكهنة الذين يتحكمون في خزائن الآلهة. ولذلك أصبح رجال الدين، خاصةً في الدول الخليجية من أصحاب الملايين التي يستثمرونها في أمريكا وأوربا لأن بنوك الخليج بنوكٌ ربوية لا يجوز أن يكنزوا فيها الذهب والفضة والملايين من الدولارات التي ينوون إنفاقها في سبيل الله إذا لم تجمدها الحكومة الأمريكية.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للجُبِ من قاع؟
- تعارض الدين مع العلم والمنطق
- قد أخطأ الشيخ العبيكان
- مؤتمر مكة يُثبت أن الإسلام يدور حول الجنس
- احتضار عيد العمال
- الترابي ليس مرتداً
- العرب…الإسلام…والإرهاب


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - آلهة من صفيح