أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد علم الدين - ثورةُ الأَشجارُ















المزيد.....

ثورةُ الأَشجارُ


سعيد علم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 1556 - 2006 / 5 / 20 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


لا! إنها ليست فقط ثورة أشجار الأرز في لبنان ، بل ثورة كل الأشجار وفي كل مكان. ثورتها المحقة ضد نواميس الطبيعة المجحفة وما فيها من تخبط وفوضى ونقصان. وما يحدث من استبداد وقهرٍ وحرمان ، على هذا الكوكب الغافل السَّهوان. الذي يدور حول النفس والشمس في آن ، دون إرادته ذليلا طائعاً مهان. والناس فوقه في صخب وضجيج وبهتان ، وتقطيع أشجار حتى الإدمان. وهو ولا على بالو سابحا في الفضاء دون قبطان ، كالأطرشِ في زفة العرسان. لا يستطيع الراحة و التوقف لحظة عن الدوران. وإذا اصطدم به جسمٌ فضائي سكران ، أو ضربه بذنبهِ مذنبٌ هائلٌ فلتان ، أو ارتطم به جرم ضائع حيران. فسيبلعه الزمان ، ويعود إلى أصله ذريراتٍ هائمة على وجهها من سحبٍ ودخان.
إنها ليست فقط ثورة أشجار الشربين والسَّرو والزيزفون ، والدلب الصفصاف والسنديان ، بل أيضا ثورة أشجار التين والتفاح والزيتون ، والخوخ والكرز والرمان الجميع شاركوا بثورتهم ضد الطغيان. التي حدثت قبل أن يظهر الحيوان وأخيه الإنسان على هذا الكوكب الملعون ، ويعيثا بنباته الوديع وشجره البديع إجراما وجنون. فالنبات هو الكائن الوحيد الطيب المسالم ، الذي لا يبحث عن غزو وسبايا ومغانم ، وليس له براثن جارحة وأسنان ، وإذا ضُرِبَ على خده الأيمن أدار الأيسر باطمئنان.
ومن هنا فثورة الأشجار هي حلم رائع من الأحلام ، للتحرر والانعتاق من التخلفِ والظلام ، والتغيير إلى الأفضل بسلام ، دون حروب مدمرة ودماء مراقة وشظايا آلام. مسالمة كطبيعة الأشجار. بيضاء نقية بريئة لا حمراء. ولقد شاهدنا أمثلة ناجحة جدا لها في روسيا وألمانيا وتشكوسلوفاكيا وألبانيا وبلغاريا وجورجيا والبرتقالية في اوكراينا وأخيرا وليس آخرا بالتأكيد ثورة الأرز الحضارية المليونية في 14 مارس /آذار في لبنان، حيث لم تقع ضربة كف واحدة لتعكر الأمان.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى أي ثورة أطفال الحجارة البريئة بطفولتها وعنفوانها وبسالتها والتي انطلقت في خريف عام 1987 ضد استمرار احتلال الاراضي الفلسطينية ، هزت أسس الكيان الصهيوني الشرير في إسرائيل وفضحته أخلاقيا أمام العالم. والآن جاء دور الأشجار لتتكلم : تنتفض ، تثور أو تحلم !
الأَشجارُ الممسمرةُ في الأرضِ تَنْدُبُ الحظَّ التعيسَ وتَسأل :
" لِماذا لا نَستطيعُ أن نَخطوَ ونَعْمَل ؟
لِماذا لا نَتَحرَّكُ ونَتَقَدَّم ؟
ونقاومُ هذا الظُّلمِ الأَبْكَم !
أَم أنَّنا وُجِدْنا لِنُقارِعَ الرِّياحَ ونَسْأَم
ولِيأتِيَ أَحَدُهُم عاشِقاً ولْهَاناً مُغْرَم
ذبَّلَهُ الْحُبُّ وهَيَّم
فيَحفُرُ بالسِّكينِ
على الْجِذْعِ ويَرسُم
قِصَّةَ قَلبِهِ الْمُعَذَّبِ الْمُتيَّم
وآخرٌ يشاورُ علينا ويُهَمهِم
حاملاً على كَتِفِهِ فأسَهُ الأَجْهَم
لِيُقَطِّعَنا بهِ ويقْلَعَنا بالْمِعْوَل
دونَ أن يشعُرَ بأَن للأَشجارِ
أرواحاً تَثورُ وتَحلَم
..
وننظرُ كالضُّعفاءِ الْمَساكينِ .. نَنظُرُ ونَتألَّم
كيف نُصلَبُ أَحياءً على قارعَةِ الزمنِ ونُعْدَم
ونَدمَعُ الدَّمعَ الغزيرَ والدَّمْعُ ماءٌ يُهْدَر
الدَّمْعُ ، لا يُؤَخرُ الأَمرَ ولا يُقدِّم
الدَّمْعُ يَهطُلُ من العَينينِ بِصمْتٍ
وإلى السَّماءِ بلا صَوتٍ يتَبَخَّر
..
ونَحنُ الأَشجار صَبايا الزمن الأول !
قد تَسَمَّرْنا إلى الأَبدِ في هذا الكَونِ الْمُظلِم
وتُرِكنا وأَمرَنا .. دون هادٍ أو مُعلِّم
نشْرَبُ كأسَ الْحياةِ مُراً وعَلقَم !
..
نَحن ! نريدُ اخْتراقَ الْحَدِّ الْمُبهَم
نُريدُ أن نَتَحدثَ الكَلامَ ونَفْهَم
فنَحنُ الأَشْجَار
يا أَصْحابَ الأَلغازِ والأَملِ الْمُطَلْسَم !
من أقوى الكائناتِ على الإطلاقِ وأعظَم
نُعمرُ الآلافَ من السِّنينِ ، نَشيخُ ولا نَهْرَم
عندنا الصَّنوبَرُ والشِّربينُ ، والأَرزُ الْمُكَرَّم
عندنا الْبرتقالُ والتينُ ، والْخوخُ الْمُخَضْرَم
ويَحُلُّ علينا الصَّيفُ الناشِفُ الْمُهِين
بِلَظى لَهيِبِهِ الذي لا يَرْحَم
فَنَعْطَشُ ، نَذبلُ ، نَتوهَّم
بأَنَّ الصَّيفَ لن يُلْجَم
..
وحتى الْخريفُ الْخائِفُ من خَيالِهِ
الْمتَدثِّرُ خِفْيَةً . . بِيَمِينِهِ وشِمالِهِ
يَتشَاطَرُ عَلَيْنا نافخا في مِزمَارِهِ
تارةً يَختبئُ خَلْفَ الشَّمْسِ ويُحْجِم
وتارةً يُظهِرُ الْحَماقَةَ وبأسلحتهِ يَهْجُم
فيُعرِّي الأَغصانَ من الأَحبابِ ونتَيتَّم
ويُحولُ سُرورَنا إلى نَحيبٍ ومأتَم
ويَتركُنا للشتاءِ الْعاصِفِ الْمُصَمِّم
الْهائجِ القادمِ كالفارسِ الْمُلثَّم
يَصولُ ويَجولُ بِبردِهِ الْمُؤلِم
يُرعِدُ ويُعَربِدُ بوجْههِ الْمُجْرِم
ونَحنُ الأَشجار
نَقِفُ حيارى كالعُشاقِ الصِّغار
ونَظلُّ ......... نظلُّ
طوالَ الوقتِ بالربيعِ نَحْلَم
..
نَحن لَدينا من الأَسرارِ ما يُلْهِم
ومن الْحُججِ ما يُفحِم
نَحنُ نُريدُ أَن نَقولَ القولَ صَراحَةً
من القلْبِ نَتكَلَّم
ونُعبِّرَ بِحرارَةٍ عَمَّا نَكنُّ ونَعلَم
بلا خوفٍ من أميرٍ مُعظَّم
ولا وجلٍ من كَبيرٍ مُعَمَّم
ومن مِنشارٍ يَنشرُ الْجِذْعَ والَّلحْمَ يَفرُم
ودونَ أَن نَسْكُتَ عن الأَخطاءِ ونَكتُم
ودون أن نَلْتويَ حول الْكلماتِ ونَبرُم
ودون أن نَربُطَ اللِّسَانَ ونَتَكَمَّم
ننطويَ حولَ النَّفسِ ونُسَلِّم
نتقوقَعَ في ثَنايا الأَمْسِ
ونَسْتَسْلِم
نريدُ أن نَذهَبَ إلى الْمَدْرَسَةِ ونَتَعَلَّم
العلومَ والفنونَ وبُحورَ الشِّعرِ الْمنَظَّم
نُريدُ الْكتابَةَ على الأوراقِ كَي تَتنَفَّس
والعزفَ على العيدانِ كي لا تَيْبَس
فكم من عُودٍ أَخرس
خرجَ مِنْهُ لَحْنٌ يَبحَث
عن قلبٍ مُتيمٍ
أصابَهُ الْحُبُّ وعَطَّش
فَسقاهُ رَحيقَ الأَمَلِ وأَنْعَش
وأَعادَ لَهُ رَمَقَ الْحَياةِ قبل أن يَنْشَف
..
نريدُ أن نتَحَلَّى
بِأَحْلَى الفَساتِينِ ونَظْهَر
الفَتحةُ على الظَّهْرِ مَنْظَر
الأَزرارُ على الصَّدرِ مَعْبَر
والْخَصْرُ على الْمَيْلَينِ
يكادُ من الفستانِ
يَظْهَر
..
نريدُ أَن نَتَجَلَّى
وكالربيعِ بالأَزهارِ نتَعطَّر
نَشُمُّ رائِحةَ الزَّيزفونِ والوَرْدِ الْمُعَطَّر
نُسَليَّ القَمرَ الوحيدَ ، طوالَ الليلِ نَسْهَر
لكي لا يَضيعَ نورُ الصَّباحِ ونَنْدَم
ونَتَخلَّفَ عن الْحُضورِ
ونُهزم
..
نريدُ كالآخرينَ أن نُحِبَّ ونَعْشَق
تتَعانَقُ الْجذوعُ مع الأَغصَانِ
يَتمايلُ الرَّيانُ على الرَّيْحانِ
يَهفوا التفاحُ على الرُّمانِ
تنامُ الْجذورُ في الأَحضانِ
وكريشَةِ الرسَامِ بالأَلوانِ
وإلى عُشِّ الْغَرامِ العالي
كالدَّوالِي إلى العَلالِي
نَتَعَمْشَق
..
وتَستنفرُ البومَةُ في مُنتَصفِ الَّليْل
تُفَنجِرُ العُيونَ الْحُمرَ كمَا الوَيْل
تَبْصُقُ الصَّمْتَ وتَشْهَق :
" ويلاهُ ، ويلاه !
بِماذا تَحلَمُ الأَشْجارُ الْحَمْقاء
في هذا اللَّيلِ الأَبلَق
أَوَسْوَسَ لَها الْسُّوسُ في الدِّماغ
أَم نَخَرَ لَها الْجُذوعَ وسَوَّس !
قطِّعوها بالفُؤوسِ .. اجْلِدوها بالسِّياط
ارجُموها بالْحِجارةِ .. أرْهِبوهَا بالعِياط
كسِّروا الأَحْلامَ حَتماً .. لِينامَ الشَّجَرُ ويَسْلَم
يا حُراس يا حُراس .. يا حُرَّاسَ الْحَدِّ الْمُبهَم ،،
..
فَنطلُبُ
عندئذٍ ونترَحَّم
للبومةِ الصّغيرةِ أُمِّ قَشْعَم
من سُلطانِ الطيورِ الْمُقَدَّم
الْمَرَّحْمَةَ والْمَغْفِرةَ والرَّجاء
لكي لا يَنفُخُها نفخةً عَمْياء
ويُجَندِلَها شرَّ بَلاء
..
وقبل أَن يَستيقظَ الصًّبحُ من الظلام
نكون قد جرَّدنا الفجرَ من الأَوهام
وبدأَنا نرتويَ مِمَّا نريدُ من الأَشياء
نُلفْلِفُ الزَّمنَ الْحبيبَ كما جاءْ
نُمارسُ الْحبَّ اللذيذَ كَما نشاءْ
نغوصُ في بَحرِهِ الْعَميقِ ونَسْكَر
فَنَحنُ الأَشجار
لا نريدُ أقلَ من الآخرينَ وأكثر
نريدُ امتصاصَ النورِ والْريقِ الْمُعَسَّل
نريدُ اخضرارَ الأَرضِ كي لا تَذْبل
ونصحوْ على هديرِ الصَّواريخِ والْمَركَبات
الْمُتَصاعِدَةِ إلى سَقْفِ السَّماءِ والْمَجَرَّات
فنُجددُ الزمنَ العتيقَ الذي تَحطَّم
وفوقَ الريحِ نَثورُ ونَحْلَم "
شاعر وكاتب لبناني . برلين 06.05.19



#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب أصبح ماركة عربية إسلامية مسجلة
- عندما حاولَ الدَّجاجُ الْطيران
- الأمير الكبير وكسرى الصغير
- ولقد شبع اللبنانيون من لحود حتى التخمة القاتلة
- الواقعُ العربي الواقفُ كعامود الخيمةِ فوق الرؤوس
- - يا سامعين الصوت-
- ولا شيءٌ على الجبينِ مكتوب!
- هل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار ؟


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد علم الدين - ثورةُ الأَشجارُ