أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد علم الدين - الواقعُ العربي الواقفُ كعامود الخيمةِ فوق الرؤوس















المزيد.....

الواقعُ العربي الواقفُ كعامود الخيمةِ فوق الرؤوس


سعيد علم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 1531 - 2006 / 4 / 25 - 11:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن ورطة العقل العربي. التي لها أسباب عديدة وواقع تاريخي مزمن، رابض مرابض في مكانه لا يتزحزح عن الحركة وكأنه الجبل القابع فوق جبل، مهيمن على حياتنا بشكل شامل يختلط فيه الديني بالتقليدي. إنه دوائر ندور بها منذ قرون ولا نستطيع الخروج منها. معظم المجتمعات البشرية في نهاية القرن الماضي استطاعت وبأقل الخسائر الخروج من دوائرها التقليدية إلى دوائر أرحب، إلا مجتمعاتنا العربية، فحتى محاولة التفكير بالخروج تكفي لإتهام المحاول بأبشع التهم، وإيذائه بشتى الطرق إلى حد التهديد بالموت كما حدث لبعض المثقفين الشجعان ومنهم المفكر الشجاع د. شاكر النابلسي، أو ملاحقتهم عبر المحاكم كما حدث للكثيرين ومنهم المفكر د. أحمد البغدادي، أو اسكاتهم بالتهديد كما حصل للمفكر سيد القمني، أو اغتيالهم كما حدث لشهيد الكلمة الحرة فرج فودة.
المشكلة هنا أن هذه الدوائر المغلقة بشكل محكم إلى حد التقديس، تمنح نفسها الحق المطلق والكلمة الفصل في كل أمر، وهي من أهم أسباب ورطة العقل العربي. مثلا بعد 70 سنة من الدوران حول نفس الأفكار المطلقةُ استطاع الاتحاد السوفيتي بشجاعة غوربتشوف الخروج من الدوائر المغلقة إلى واقع ديمقراطي أرحب.
بعد الحروب الصليبية قبل الف سنة تقريبا والتي كلفتنا وكلفت أوروبا الغازية الكثير من الدماء والتضحيات، بدأت سلطة البابا على حكام اوروبا بالأفول وبدأ حق الكنيسة المطلق على المجتمع بالتراجع تدريجيا. وكانت يومها الكنيسة عاجزة عن الرد على السؤال البسيط لماذا كل هذه الدماء، ولأي هدف أريقت؟
نفس السؤال نستطيع أن نوجهه اليوم لمراجعنا الدينية، لما يحدث في العراق مثلاً. لماذا كل هذه الدماء المراقة؟ لماذا كل هذه التضحيات؟ وما يسمى بمقاومة الاحتلال في العراق هو العامل الأول لبقاء العراق تحت نير الاحتلال وتحويله إلى لعبة دموية بأيدي دول استبدادية ظلامية حاقدة ومخابرات شريرة مناكدة. بالتأكيد السؤال سيتبعه أسئلة وتساؤلات. المراجع ستبرر، إلا أنها ستكون عاجزة عن الإجابة المقنعة. بعد عجز المراجع الكنسّية في أوروبا عن الرد على الأسئلة بدأت سلطة الكنيسة بالتراجع رغم العناد الشرس والتكالب على الحق المطلق وبدأت أوروبا تخرج من دوائر الانغلاق الديني الشامل إلى واقع أرحب عبرت عنه فيما بعد من خلال عصر الإصلاح الديني بقيادة مارتن لوثر وعصر النهضة ثم عصر التنوير والفلاسفة والذي هو الأهم وقد أوصل أوروبا والعالم إلى العصر الحديث والحداثة، أي عصر العلم والنور الذي نتمتع جميعا باكتشافته العظيمة. عندنا الكثيرون ممن لا يريدون قراءة أو سماع هذا الكلام، لأنه يزعزع حقيقتهم الواهية. ويبررون ذلك بأن التاريخ الأوروبي ليس له علاقة بالعربي الإسلامي. مع أن الحقيقة تؤكد ومنذ أيام الفراعنة الإغريق والسومريين والبابليين والفينيقيين والهنود والرومان وحتى حضارة الصين والمايا في جنوب أمريكا أن التطور الحضاري الإنساني واحد، وأن المجتمعات البشرية في تلاقح حضاري مستمر لم ينقطع. ومن خلال هذا التلاقح انتقلت الأحرف والأرقام والتي هي أساس الحضارة والفكر والعلم من الشرق إلى أوروبا. ومن يعزل نفسه عن نهر الحضارة الإنساني المتدفق دوما إلى الأمام وينغلق ومنذ نكبة الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر وحرق كتبه في مدينته قرطبة التي خسرناها بعد 30 سنة فقط من خسارة ابن رشد وخسرنا معها كل الأندلس فلا عجب أن يوصلنا إلى هذا الواقع الواقف كعامود الخيمةِ فوق الرؤوس. المهيمنُ على النفوس، بشكلٍ رهيبٍ مستبد، لا نُحسدُ عليه حقيقةً من أَحد. فنحن جميعاً، دولاً وأَفراداً، جَماعاتٍ ومجتَمعات، نساءً ورجالاً، أَنصافَ علماءٍ ومتعلمين، رِجالات دنيا ودين، ثواراً وثرثارين، حالقينَ وملتحين، مسلمينَ ومسيحيين، حكاماً ومحكومين، قادةً ومقيدين ، عقداءً ومعقدين، زعماءً ومتزعمين، ساسةً وسياسيين، رؤساءً ومرؤوسين، سلمنا أَقدارَنا منذ مئات السنين، للغيم الأَزرقِ الكريم، وللمماليك والإخشيد والسلجوقيين ، والترك وكل الآخرين المستعمرين والإمبرياليين المعروفين.
ولهذا فإننا ننتقلُ من ورطةٍ إلى ورطةٍ وقبل أَن ننتهيَ من الورطة الأولى نكونُ قد دَخلنا في الثانيةِ، وقبل أَن نزيلَ آثارَ الثانيةِ نكون قد علِقنا في الثالثةِ، وقبل أَن نخرجَ من الثالثة نكون قد تورطنا في الرابعةِ، حتى السلامُ أَصبح ورطةً، حتى التعبير أصبح ورطةً، حتى التفكيرُ أصبحَ ورطةً، وهكذا دواليك حسب المقولة المشهورة "يا رب تجي بعينو وإذا تورط الله بعينو" وتصبح الورطةُ ورطاتٍ ويصبح عدُّها وتَشخيصُها وتصنيفُها وتبويبُها وترتيبُها وتبريرُها وتَحجيبُها بحاجةٍ ماسةٍ إلى الحاسوب.
فنحن من أَشهر شعوبِ الأَرضِ وأغناها تراثاً، وأطولُها ذراعاً، وأشطرُها بلاغةً في التَبرير والتلاعب بالأَلفاظ والكلمات، حسب الظروف والرغبات. فعندنا لكل حادثٍ حديث، وما أطولَ الأَحاديث، ولكلِّ شاردةٍ وواردةٍ كتابٌ نفيس، نحفظُهُ في الخزائنِ وعلى منوالهِ الحياةَ نقيس. ومن هنا فنحن نرى الواقعَ دائماً بمنظار الماضي، نرتكبُ الحماقاتِ ونقع في الورطات، وتسير الأَيامُ دونَ مُحاسِبٍ أو قاضي، ولا تدفعُ الثمنَ عواميدُنا المنصوبة في خيمنا، بل شعبُنا القنوعُ الراضي. فنحن قد تعلمنا في مدرسةِ الطاعَةِ والامتثال بأَن "القناعةَ كنزٌ لا يفنى"! وكلُ ذلك لأَننا لا نريد أَن نرى الواقعَ المرَّ على حقيقتِهِ، ولا نريدُ بالدواء الأَمَرِّ معالجتهِ، بل على العكسِ والعكسُ هو الصَّحيح، نلبَسُ النظاراتِ السوداء، نختبئُ وراءَ زجاجِها الواقي، وعندما يتكسرُ الزجاجُ، نلحسُ دماءَ الجرحِ كالأَسدِ الجَريح، لا نهدأ ولا نستريح، إلا بعد أَن نبررَ الهزيمةَ النكراء بتسميَتِها نكسةً، وخسارَةَ الحربِ بتسميتها معركةً، ونُطلقُ الرصاصَ الكثيفَ في الهواء، ونحن منهزمين قِطَعاً وأَشلاء، ونعلنُ انتصارَنا في اللحظة التي نجر بها أذيال الخيبةِ والمذلة. ونَعِدُ شعبَنا بالانتصار، وهو يعني في قاموسنا الذي يختلف جداً عن قواميس العالم، التمسكُ بالكرسي الْمُنزلِ والمنصبِ المدلَّلِ حتى نهاية الأَجل. وتوريثِهِ للأَبناء بكتاب مفصل، فعندنا كلُّ شيءٍ فُصِّلَ تفصيلا. وهكذا فالسلطةُ قائمٌ عليها الذكر، والبنتُ عليها أن تنضبَّ وفي بيتِها تَنسَتِر. وهي حسب قواميسُنا المتوارثِةِ التقليدية بنصف ربع عقل ولا تصلح إلا للمتعة الجنسيةِ وإكثار النسل. والسلطة في قاموسنا تعني كل شيء، والحفاظُ عليها هو أيضاً على حسابِ كلَّ شيء، أما الكرامة والتضحية والعزة والشهامة والتفاني بحب الشعب وبناء الوطن، جداراً صلباً في وجه المحن وتقديم مصلحته على المصلحة الشخصية العائليه والمنفعة المادية، فهذه كلمات نرددها دون معنى، حتى أننا أفرغناها من معناها من كَثرَةِ ما رددناها، وأم المصائب التي نمر بها هذه الأَيام هي أَننا على بعضنا نقفزُ كالديوك: نَغتال، نتخابث، نفجر، نتآمر ونغلق الحدود، نفتحُ الجبهات ونَخوضُ الحروب، نقطعُ العلاقاتِ ونَلغَمُ الدروب، وأمام الأَعداء المتربصين بنا بِخبث من كل الجهات، تظهرُ مَخازينا والعيوب. وبدل أَن نضع يدنا على الجرحِ ونداويه، ندورُ حولَه طوالَ الوقتِ ونُداريه، أَو نَخفيهِ تحت رمال صحارينا ونُواريه. وبدل أن نحزمَ أَمرَنا رجالُ دنيا ودين، ونخرجَ من تخلفنا الحضاري الشنيع، نردِّدُ ليل نهار أمام الجميع، بأنَه السدُّ المنيع، الحافظُ لنا من الضياع، وفي الوقت نفسهِ نحن بسرعةِ البرقِ نضيع، ونبرر هذا التخلف باليدِ اليمين، ونرقِّعُهُ في كل مناسبة ترقيع، وإذا أراد أَحدُنا أن يفكرَ بشكل صريحٍ غير معهود، ويكشفَ لنا أَسباب التخلفِ والجمود، ويعبِرَ عن رأيه بحريةٍ وينتقد، نَهُبُّ في وجههِ هبةَ الرفاصِ المضغوط، ونتهمُه بلائحة الاتهامات التي حفظناها خلال التاريخ العريض المريض- ولو لم يكن تاريخُنا مريض .. لما وصلنا إلى هذا الحضيض- عن ظهر قلب، فهو المخالفُ فهو المعارضُ فهو المرتد، فنحن مضغوطين منذ حقب وعقود، بكوابيس الفكر الشمولي الأَحادي، الديني الطائفي الذكوري الاستبدادي، المهيمنُ علينا كالخيمةِ والعامود ، المتخلف جداً عن روح العصر الحديث .. عصر حقوق الإنسان( امرأَةً ورجلاً ) والتطور والحريةِ والنور. وهذا الفكرُ الآنفُ الذكر لا يُمكنُ أَن يقدم لنا إلا هكذا أَصناما، ولا يمكنُ أن يستوعبَ روحَ العصرِ الحديث، وغير قادر على أن يتجوهرَ مع جوهرِ الحضارةِ الإنسانيةِ المتأججةِ خيراً وتقدما، علماً وفنوناً للبشرية جمعاء.
فنحن لم نتعلم حتى هذه اللحظات المصيرية التي تعصف بنا، ورغم كل النكبات التي تلفنا، بأن فقدانَ حقُ النقدِ هو أحدُ أهمِ أسبابِ تقهقرِنا الحضاري، والسببُ الأَولُ لجمودِ الفكرِ فينا، وتراكم مآسينا، وتخلفِ مئاتِ الملايينا.كاتب لبناني. برلين .



#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - يا سامعين الصوت-
- ولا شيءٌ على الجبينِ مكتوب!
- هل سنتعرف قريبا على كوبونات بشار ؟


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد علم الدين - الواقعُ العربي الواقفُ كعامود الخيمةِ فوق الرؤوس