أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (19) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف















المزيد.....

(19) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6360 - 2019 / 9 / 24 - 13:35
المحور: مقابلات و حوارات
    


صبري يوسف:
ماذا عن الحبّ كمعراج يبلغُ به الإنسانُ حالة السّلام الكامل؟
*
د. أسماء غريب
*
القلبُ في الحبّ هو كتاب العشقِ والحقّ، ولا يمكن أن يفتح الإنسانُ كتابَ العشق هذا لينهلَ من علومه ومعارفه ما لمْ يبلُغ حالة السّكينة الكاملة، وهي الحالة الَّتي لا يُحقّقُها الفكرُ ولا العقلُ ولا البصرُ وإنّما الفطرةُ والنّيّة السّليمة الّتي تقود إلى التَّواصل مع الرّوح وخالقها. واليوم مع كامل الأسف نجد مسافة شاسعة وكبيرة تفصل بين النّاس، فالإنسانُ يُحبُّ بجسدِه لا بروحه، وهو في حبّه هذا تُشوّشه الأنا وتملؤُه بكلّ مظاهر الاختلاف بينه وبين الآخر، فهو يجدُ أنّهُ يختلفُ عن أخيه باللّون، واللّغة والدّين والتَّاريخ والجغرافيا والسّياسة وأشياء كثيرة لا تعدُّ ولا تُحصى يستحيلُ معَها أن يتحقّق الحبُّ الصّادق. لذا فإنّ الحبَّ في النّاس حبٌّ لا يتجاوزُ الجسدَ، وقليل هم أولئك الّذين يرون في الجسد محراباً، وفي المرأة معبداً، يقتضي الطّهارة قبل التَّقرّب منها والوصال مع روحها.
في الحبّ تسقُطُ الجدران، وهذا هو الاختبار الخطيرُ، إذ لا بدّ للنّقطة أن تذوب في المحيط، ولا بدّ للجسد أن يسجُد للمعبود، ولا بدّ للغرور أن ينمحي، ولا بدّ للحبّ من ضيفٍ ومضيف، ولا بدّ لكليْهما أن يعرفا آداب الضّيافة، من طاعةٍ ورحمة ومحبّة ومودّة. لكن ما العمل وحياة النّاس تحوّلت إلى جحيم مطلق بسبب تضخُّم الأنا!
هل سمعت بحكاية العاشقِ والفتاة السّمراء ذات الشّعر الأحمر؟ سأرويها لكَ الآن: في قديم الأزمان والعهود، كانت هناك طفلة سمراء وُلدت بشَعْر خشنٍ برتُقاليّ اللّون وعينيْن خضراويْن كحجر الزّمرّد، وبنمش أبيض مزروع فوق خذّيها، وكان كلُّ من يراها من أطفال الحيّ الّذي رأت فيه النّور يفزعُ من شكلها المختلف عنهم جميعاً، حتّى أنّهم باتوا يتفادون الاقتراب منها أو الحديث معها. وحينما كبُرت وأصبحتْ فتاة مراهقة بعمر الزّهور أصبحَ شَعرها أكثر توهّجاً وحُمرةً من أشعّة الشّمس الذّهبية، وزاد من غرابة شكله كونهُ قصيراً ومنفوشاً على الدّوام إلى أعلى، ممّا دفع بعجائز القرية إلى اختلاق العديد من الحكايات العجيبة عنها، ولم يهدأ لهنّ بالٌ حتّى لقّبنَها بالسّاحرة الصّغيرة الَّتي تجلبُ النّحس في كلّ مكان تذهب إليه. ومن شدّة ما كانَ يستهزأُ بها كلُّ من يراها، كانت الصّغيرة تخرجُ من حيّها وتذهب بعيداً لتلقيَ بجسدها الفتيّ بين أحضان الطّبيعة، إلى أن رأتْ ذات يومٍ من بعيد شجرةً تشبهُها كثيراً، فذهبتْ إليها وعانقت جذعَها البنّي وبدأتْ تبثُّهَا أحزانَ قلبها وتبكي بحُرقة إلى أنْ نطقت الشّجرة وقالت وقد بدأ الصّمغُ الأحمرُ يسيلُ دموعاً متدفّقةً فوقَ جذعها من شدّة تأثّرها ببكاء الصّبيّة:
- هدّئي من روعكِ أيّتُها الفتاة الخارقة الجمال.
دهشت الفتاة من صوت الشّجرة الّذي كان عبارة عن صوتِ رجُلٍ حنون جدّاً ثمّ قالتْ:
- يا للعجب، إنّكِ رجلٌ أيّتها الشَّجرة، وصوتُكِ تكمُنُ فيه كلّ أبوّة العالم ورحمتُه، هل لي أن أعرف اسمكَ أيّها الرّجلُ الشّجرة؟
- اسمي مرجان وإنّني سيّد هذه القرية، ومُذ عَلِمْتُ بولادتكِ وأنا أنتظرُ قدومكِ عندي بشوقٍ كبير!
- هل تعرفُني يا سيّدي الشّجرة؟
- طبعاً، ومن لا يعرفُ صاحبةَ الوجه الوضّاء والشّعر المُشمس البرّاق؟ من لا يعرفكِ يا أجمل من رأت عيني، لبانة، حبيبتي أنتِ الّتي لم يُخلَق مثلُها في البلاد!
مسحت لبانة دموع عينيها، وقبّلتْ شجرة الطّلح الأحمر بعُمقٍ ثمَّ جلست عند جذعها وبدأت تفكّر في كلماتها ولسان حالها يقول: لا شيء سيعيدُ لي كرامتي في القرية سوى المال. نعم عليّ أن أصبح ثريّة جدّاً ليحترمني الجميع، لكنّني وحيدة وما من طريق أمامي لكسب كلّ هذا المال؟!
سمع مرجان كلمات لبانة ثمّ خفقَ قلبه بقوّة وقالَ لها:
- ليس عندي ما أعطيه لكِ يا صغيرتي سوى حبّي؟
دهشت الفتاة من كلام مرجان وهي الّتي لم تسمع قبل بالحبّ، وما عرفتْ من أهل قريتها سوى الكراهيّة والحقد والسّخرية، ثمَّ صمتت لبرهة وقالت:
-وما هو هذا الحبّ يا سيّدي؟ هل يُباع؟ هل يُشترى؟ إذا كان الأمر كذلك فأعطني إيّاه لأنزلَ إلى السّوق وأبيعه وأعود بالمال إلى قريتي لأشتري اسمي ومركزي ومكانتي.
- إنّه لا يُباع ولا يُشترى يا حبيبتي وإن كان أثمنَ وأندرَ ما في الوجود، لكنّني في المقابل يُمكنني أن أجعلَهُ في خدمتك، وأن أحقّقَ لكِ به سعادتَكِ.
- لا أعتقد أنه سينفعني في شيء إذا كان لا يُباع ولا يُشترى. آسفة جدّاً لقد أزعجتُ سكينتكَ وهدوءَكَ يا سيّدي مرجان بدون فائدةٍ تُرجى.
-لا تكوني عجولة في الحُكم على الأشياء، إنّني بالحبِّ سأعطيكِ أغلى ما أملكُ؛ ثماري النّادرة جدّاً، مَوْزٌ أحمر لا يوجد مثلهُ في أيّ مكان، خذيه وبيعيه ثمَّ اغنمي بهِ ما تشائين من الأموال.
ابتسمت لبانة وقبّلت الشَّجرة، وفي الغد عادتْ إليها مُحمّلةً بالصّناديق والقفاف الكبيرة، وبدأت تجني كلّ الثِّمار، ثمَّ حملتها إلى السّوق وباعتها كلّها، وبدأت تكرّر العمليّة ذاتها كلّما أثمرت الشّجرة طلحاً أحمرَ، وأصبحتْ كما أرادت؛ أثرى فتاة في القرية، ولم تكن تدري أنّ مالها هذا كان كفيلاً بأن يجلب لها أعتى قراصنة البلاد، طرقَ بابَها وطلب يدَها وأصبحت زوجةً له تجوبُ البحار فوق البواخر الكبيرة، وبمضيّ الأيّام والسّنوات صارتْ أشدَّ نهماً وطمعاً من زوجها القرصان الأعور، وبدأتْ تهجُم على السّفُن وتسرقُ أموال المبحرين في كلّ مكان، إلى أن مات زوجُها في إحدى الغزوات البحريّة الدّامية وبقيتْ هي وحيدة بثروتها الطّائلة وشعرها الأحمر وجمالها الفتّان وما كانت تعلمُ أن ساعتَها هي الأخرى قد اقتربت، وقد أصبحَ القرصان الأصفر عدوّ زوجِها الرّاحل يُخطّطُ للاستيلاء على مالها وجمالها، فطلب يدها ودخلها من باب الحبّ الّذي لم تكن هي تعرفُ عنه شيئاً، وتزوّجت مرّة ثانيةً وعاشت لسنين وهي تغرفُ من بحر السّعادة الكاذبة باِسم العشق المزيّف إلى أن جاء يوم وعرفت أن زوجها يخطّطُ لقتلها، فما كان لها سوى أن عملت كلّ ما في وسعها لتعود سالمة إلى القرية الّتي وُلِدَتْ فيها وقد كبرت وتغيّر فيها كلّ شيء.
نجحت لبانة في مهمّتها تلك، وتركتْ كلّ مالها وجاهها وعادت إلى القرية واختبأتْ في إحدى غاباتها الكثيفة، لا أحدَ يعرفُ عنها شيئاً ولا هي تعرفُ شيئاً عن أحد، إلى أن رأت في أحلامها ذات ليلة شجرة الطُّفولة وهي تناديها بصوتها الحنون: ((لبانة، يا لبانة، ما أسعدني بعودتك إليّ، أنا مرجان الّذي ما نسيكِ يوماً، متى سيحينُ اللّقاء بعد كلّ هذا الفراق؟!))
استيقظت لبانة مذعورةً من نومها وقد تذكّرتْ الشّجرة مرجان، غسلت وجهَها ثمّ خرجَتْ تبحثُ عنهُ، وحينما وصلتْ وجدتْهُ في انتظارها بكلّ ثماره الشّهيّة وأغصانه النّديّة، جلست عند جذعه ثمَّ بدأت تبكي وهي تروي له مآسيها وأحزانها الجديدة. تذكّرَ مرجانُ دموعها حينما كانت طفلة، وعشقَه الخالد لها، وحينما بدأ الصّمغُ يتدفّق دمعاً ساخناً على أغصانِه قالَ لهَا:
- حبيبتي، يا أجمل من رأت عيني: مازلتُ أنا كما عرفتني، وفيّاً مُخلِصاً أبديّاً لكِ، وثماري الحُمر هي لك ورهنَ إشارتكِ.
ضحكت لبانة كثيراً وقالت له:
- يا لك من رجل طيّب ساذج أيّها المرجان الشّجرة. ما عساني أفعله بثماركَ وأنا الَّتي جُبتُ الأرضَ شرقاً وغرباً، وجمعتُ من الثَّروات ما لا يُمكن أن تحلم به امرأة في العالم بأسره.
- ولكنّ القرصان الأصفر وضع يدَه على كلّ شيءٍ، وحياتُكِ اليوم بيده، لا تنسي أنّه إذا عثرَ عليكِ فإنّه سيقتُلُكِ، واحمدي الله أنّه لا يعرفُ من أيّ أرضٍ أنتِ، وإلّا ما ادّخرَ جهداً للقدوم إلى هنا ووضعِ حدٍّ لحياتِكِ يا حبيبتي الَّتي لم يُخلق اللهُ مثلها في البلاد.
- أعرف ذلك جيّداً، ولا داعي لأن تذكّرني به. أنا الآن بحاجة إلى بيتٍ أقضي فيه ما تبقّى من عمري، وأنتَ بثمارك الحُمر هذه لا يمكنكَ أن توفّر لي البيت الَّذي أحلمُ به.
- يا إلهي، كيف تقولين هذا، أنا مازلتُ عاشقَكِ المتيّم الأبديّ، إذا لم تعجبْكِ ثماري، فخُذي جسَدي هذا افعلي بأغصانه ما تشائين من بيوت.
سمعت لبانة كلمات مرجان العاشق، ثم ذهبت إلى الغابة وأحضرت فأساً، وبدأت تهوي بها عليه وتقطع أغصانهُ جميعها ولمْ تترك منه إلا الجذر الدّائري. بنَتْ بيتَها الذي كانت تحلمُ به طيلة عمرها، ونسيَتْ مرجان إلى الأبد. لكنّ أهل القرية لم ينسوا هذا الرّجل الشجرة أبداً، فهُو الجذر الدّائري الذي ظلّ يبكي طيلة عمره صمغاً حارَ في نقاء عطره الجميع، حتى أنّ شيوخ المعابد بدأوا يحجّون إليه من كلّ مكان ليجمعوا دمعه البنّي الصّافي ويجعلون منهُ بخوراً ينثرون به نُسْغَ الحُبِّ في المعابد والمساجد والكنائس، ذاك الحبُّ الّذي لم تفتح لهُ لبانة قلبَها لأنّها أصبحت كأيّ إنسان لا يعرف إلّا لغةَ الأخذ والاستغلال والطّمع. نعم، يا صحبيَ الأعزّاء، فالحبّ الّذي في الشّجرة هُو للمقرّبين من أهل الله والحضرة فقط، أولئك الّذين لا تقيّدهم الأموالُ والأطماعُ ولا النّواميس والشَّرائع لأنَّهم من أهل الصّمت، صمت الحقول والجنان الّتي بها أعلنُ عليكَ الحبَّ والعشقَ أيُّها القارئُ في كلّ مكان.
////
صبري يوسف:
مِن الحبّ البشريّ يُمكن للفرد أن يصل إلى الحبّ الإلهيّ الأكبر، ماذا عن دور الجنس في هذه الرّحلة الرّوحيّة الكبرى؟
*
د. أسماء غريب
*
الحديثُ هنا سيكون عن الطّاقة الجنسيّة الّتي هي مفتاح الحياة في الكون بأسره وليس في مملكة الإنسان فحسب، ولا حياء في الدّين، وإنّ لجسدك عليك حقّ. والواقع يقول إنّ الطَّبيعة أكثر حبّاً وعشقاً من الإنسان لأنّها تعرفُ كيفَ تتصرّفُ في طاقَتِهَا الجنسيّة بمحبّة عارمة، واحترام وتقديس كبيريْن، والإنسانُ يا حسرةَ الكونِ عليه لا يعرفُ شيئاً عن طاقته هذه ولا عن أسرارِها، وكلّ ما قام به هو أن سنّ كلّ القوانين ووضع كلّ القيود من أجل الحدّ منها، اعتقاداً منهُ أنّها من أبواب جهنّم والشّيطان. العرفاء والحكماء والأنبياء فقط هم الّذين أدركوا أنّه من باب الطّاقة الجنسيّة يُمكنُ الوصول إلى مقام العفّة والبتوليّة، مادام المفتاحُ يوجد في الجسد البشريّ نفسه باعتباره محراباً للقداسة لا بيتاً للعُهر والنّجاسة. وأقول محراباً لأنّ به يمكن للإنسان أن يختبر موتَ الأنا والفكر من أجل الوصول إلى السّكينة المطلقة الّتي أعني بها صمتَ القدّيسين والأولياء أو ما أسمّيه بالرّعشة الكونيّة الكبرى. واسألوا القدّيس سان فرانشيسكو داسّيسي يخبركم ماهي هذه الرّعشة، فقد عرفَها وخبرها جيّداً، وكان يخرجُ ليلطّفَ من حرارة جذوتها بين أحضان ثلوج الصّباح.
الطّاقةُ الجنسيّة إذا عرفَ الإنسانُ كيف يوجّهُها نحو الاتّجاه الصَّحيح الّذي يقود إلى البتوليّة، فإنّه يمكنه جيّداً أن يحوّل بهَا خشب الجسد إلى فحم ثمَّ بعد ذلك إلى ألماس، عبر بلوغ ذروة النّشوة الّتي تفتح الطّريق نحو الرّوح السّاكنة في جسد العابد. وهذه الطّاقة لا هي شهوة ولا نزوة وإنّما يقظة وصحوة ووعي يُشعِر الإنسانَ بقيمته وحقيقته المتألّهة حيثُ يتمُّ الولوج إلى عوالم الرّوح بدون احتراق.
الإنسانيّة اليوم في حاجة ماسّة إلى معرفة هذه الأسرار، والبداية لا بدّ أن تكون من المدارس والمناهج الدّراسيّة والأكاديميّة، لا بدّ من إعادة النّظر في كلّ شيء حتّى يكفَّ النّاس عن العادات السّيئة الّتي أصبحت تُشَكّلُ سلوكاً يوميّاً يحكمُه الكبتُ بين شذوذ جنسيّ، وإدمان على الأفلام والمجلّات الإباحيّة وما إلى ذلك من أمراض نفسيّة وإعاقات عقليّة وفكريّة بسبب الجهل المُطبق الّذي يغرقُ فيه الإنسان. يا لهذا الزّمن العجيب، مرضَ الإنسانُ ومرضتْ من حوله الطّبيعة والأكوان. حتّى الأمّهات ما عُدنَ يعرفْنَ عن أجسادهنّ شيئاً، فكيف لهنّ بالله عليكم أن يُعلّمن بناتهنّ كيف تُحترمُ الأجسادُ، والآباء أشدّ جهلاً في مثل هذه الأمور من أبنائهم، ولا يعرفون عن الجنس سوى القشور والسّموم الَّتي توارثتْها الأجيالُ عبر تاريخ أسود من الكبت والتّحريم والتّجريم؟!
على العلماء أن يدخلوا إلى الأعماق، أن يفكّوا القيود، أن يفصحوا عن المكتوم، أن يشعلوا الشّموع ويطردوا الظّلام، ليعيش الكلّ في انسجام ومحبّة ووئام يصلون به إلى مكارم الأخلاق، والعفّة والنِّيّة والفطرة الصَّافية السَّليمة.
///

صبري يوسف:
ماذا عن الزّواج، هل يقيّدُ الإنسانَ ويحرمُه من الوصول إلى حالة الصّفاء والسّلام؟
*
د. أسماء غريب
*
الزّواجُ اليوم هو سببُ المصائب والمحن الّتي يعاني منها الإنسان، وذلك لأنّه زواج أجساد لا أرواح، إنّه دعارة مُشَرْعنة ويباركها الجميع. والمرأة في الزّواج منذ بداية الخليقة ظُلِمتْ كثيراً؛ انظر ماذا فعلتِ النّصوصُ الدّينية بحوّاء: إنّها فيها الشّيطانة الّتي أغوت آدم فأخرجته من الفردوس، وهي لأجل هذا ظلَّ الرّجلُ يخاف منها وينعتُها لليوم برأس الفتنة والسّحر والغواية. وهذا ما هو في حقيقة الأمر سوى اعترافٍ ضمنيٍّ بضعف الرّجل وعدم قدرته على فهم المرأة، ولا على الدّخول إلى محرابها الرّوحيّ بالطّهارة والصّفاء الحقيقييْن. معظم الرّجال لا يرون في المرأة إلّا الجانب الأحاديّ الأقصى من الصّورة، فهي إمّا "قدّيسة" وإمّا "عاهرة"، ومن تكونُ هذه القدّيسة يا ترى، والحال أنّ أهل العلم والإيمان والحضرة العلّيّة، لا يرون في صورة "القداسة" هذه إلّا وجهاً من أوجه الاعتداء والعنف المبطّن تجاه النّساء. فأنت قدّيسة في عرف الرّجل لأنّك تعرفين كيف تكبتين نفسك وتحرمينها من كلّ متطلّبات الحياة الحقّة، وهو كبت فرضته عليْكِ مؤسَّسة الرّجل الّذي فقِه منذ البداية إلى كلّ نقاط قوَّتك المتمثّلة في كونكِ صاحبة القدرة على إنتاج الحياة الَّتي سيطر عليها الرّجل بقوّة العضل ليُثبتَ لكِ أنّه هو السّيّد وهو الحاكم وربُّ البيت والمُجتمع والعالم أجمع، ناسياً بأنّ القوّة العضليّة هي جزء من الخصائص الحيوانيّة في الإنسان، وبأنّ المرأة هي الأقدر على الحبّ منه لأنّها لا تستخدم فكرَها وإنّما روحَها وحدسها، وهو السَّبب الّذي من أجله يظلُّ الرّجل يلهثُ خلف الحبّ الجسديّ والزّواج التَّعدّديّ، والمرأةُ خلفَ الحبّ الرّوحيّ والزَّواج الأحاديّ بعد أن فطنت جيّداً إلى أنّ الرّجل خُلق ضعيفاً جدّاً من حيث النّشاط الجنسيّ لأنّه لا يملكُ إلّا نشوة جنسيّة واحدة في الوقت الّذي تتمتّعُ فيه شريكتُهُ بالطّاقة التَّعدّديّة، وهو الفرق الّذي يُسبّبُ لليوم حرجاً مريعاً للرّجل الّذي يعرف جيّداً أنّ نشوته موضعيّة ومحصورة في الطّاقة التّناسلية بالمقارنة مع المرأة الّتي تشمل نشوتُها كلّ تمظهراتها الجسديّة الماديّ منها والأثيريّ وكلّ حواسّها وأطيافها بألف ضعف الرّجل من حيث العُمق والمعنى والمغزى. ومن هنا مأساة المرأة ومعاناتها لأنّ الرّجلَ لم يُدرك لليوم سرّها الأنثويّ، ولم يعرف كيف يفتحُ أسرارَ معبدها. ولتتذكّر عزيزي القارئ ما الّذي يفعلهُ الأزواج في مخدع النّوم؛ لا شيء سوى الخداعِ والخديعة، لا الحبّ والسّكينة، كيف لا وفي المخدع يبدأ العتاب واللّوم والسُّمُّ الّذي يليه العسلُ المزيّف لتُكلّلَ لحظات الاتّحاد بنوم الرّجل وشخيره بعد نشوته المؤقّتة، وتدورُ المرأة وهي تحلم بالقرط الذّهبي أو بعقد اللُّؤلؤ، وهو يفكّر في الصّفقات والعمل، ثمّ بعد ذلك يولدُ الأولاد وهُم يحملون كلّ علل الخداع والزّيف، لا قداسةً ولا ارتقاء ولا سموّاً، إنّما نجاسةً ودنساً تولد بهما الأجيال. أين الإنسانيّة من طفل سليم نقيّ كمحمّد وعيسى؟ أينَ طفل المغارة الّتي تُعلّمُ الطُّهرَ والاستنارة؟ إنّه مازال موجوداً في الإنسان، لكنّه يحتاج لأرحام نقيّة، ليحدثَ الحملُ بلا دنس؟ أينَ أنتِ يا مريمُ، بل أينكِ يا فاطمة؟ لماذا لا يدع الإنسانُ القداسةَ تمحو دنسَ الماضي؟ كيف يحدثُ هذا والحبّ أصبح فريضة من الرّجل على زوجته وحتّى على عشيقته السّرّيّة؟ كيف والنّساء يعشن لإرضاء النّزوة مقابلَ نشوة تأتي بعدها رشوة. هذا هو حبّكم اليوم أيّها النّاس، لذا فلا تسألوا كيف اندلعت من حولكم الحربُ، والنُّطَفُ قدْ نُجّست، وما عاد شيء اسمه الحبّ بالنّظرة الإلهيّة!
وماذا بعدُ، وقد خرجت النّساء ثائرات ضدّ الرّجال بشكلٍ فيه من الجهل ما لا يتصوّره عقل ولا فكر، إنّهن اليوم يطالبن بالمساواة في كلّ شيء، حتّى في اللّباس والعمل والعضل، ومنهنّ من أصبحن يتحوّلن حتّى جسديّاً من امرأة إلى رجل: ما هذه السّخافة؟ ليس بهذا الغباء تستقيم إبرة الميزان! الأمر لا يحتاج إلى كلّ هذه الجمعيات التّحرّريّة، ولا إلى كلّ هذه الحركات النّسويّة الَّتي لا تبثّ سوى السّموم والعنصريّة والمزيدَ من الحروب والعداوة بين الرّجل والمرأة. ثم ما هي نتيجة كلّ هذا، لقد أصبحنا نرى الرّجل فوق الرّجل في السّرير، والمرأة على المرأة، ما هذا الجحيم يا إلهي؟! نار فوق نار، لا نور فوق نار، ولأجل هذا الدّمار الّذي حدث لا يحقُّ لكم أن تتساءلوا لماذا لا يحدثُ التّنوّرُ، ولا لماذا لا تُزهِرُ الأرواح، ولا لماذا لا يتحوّلُ الفحمُ إلى ألماس؟! ولأجل هذا أيضاً لا أطلبُ شيئاً من الرّجل، وإنّما من المرأة الَّتي أقول إنّ عليها أن تدفع شريكها في الحياة إلى الدِّفء السّماوي، لأنّني أثق بقدرتها على الصّبر والتَّحمّل، ولأنّي أعلمُ جيّداً أنّها تملكُ الطّاقة الّتي تؤهّلها إلى الصّعود والارتقاء، فهي الحضنُ وهي الرّحم المتّصل بعرش الرّحمان!



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (18) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (17) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (16) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (15) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (14) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (13) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (12) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (11) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (10) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (9) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (7) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (4) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (3) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (2) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب ...
- حَجَرُ باخ
- هيكل سليمان


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (19) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف