أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الإرهاب اليهودي -الصهيوني و قيام دولة إسرائيل (2)















المزيد.....



الإرهاب اليهودي -الصهيوني و قيام دولة إسرائيل (2)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 6289 - 2019 / 7 / 13 - 10:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


الفصل الثاني : الهاغاناهהגנה
تعود بدايات تشكيل أكبر مجموعة قتالية صهيونية المعروفة باسم الهاغاناه (الدفاع הגנה ) إلى العام 1907 ، عندما تشكلت مجموعة الـ "هاشومير"(השומר أي الحارس) كأول منظمة دفاعية يهودية لحماية المملكات و الأفراد اليهود من عصابات السلب واللصوص العرب. وضمت منظمة هاشومير عناصر حراسة تلقوا تدريباً جيداً و منضويين ضمن أطر منظمة قومية تخضع لقواعد انضباط صارم. لم تعمّر منظمة هاشومير طويلاً ,إذ سرعان ما تم حلّها بعد سيطرة بريطانيا على فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
تأسست الهاغاناه من أفراد متطوعين تلقوا تدريبات متقطعة وكانوا أقل انضباطاً من عناصر الهاشومير. وكانت مهمة الهاغاناه الدفاع عن المستوطنات اليهودية ضد الهجمات العربية" التي كان يحرض عليها و ينظمها التوجه السياسي العربي المركزي"(1).
انبثقت الهاغاناه من رحم الانتداب البريطاني استرشاداً بالفقرة الرابعة من صك الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم على فلسطين [: يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين ولتساعد وتشترك في ترقية البلاد، على أن يكون ذلك خاضعا دوما لمراقبة الإدارة. ....يعترف بالجمعية الصهيونية كوكالة ملائمة مادامت الدولة المنتدبة ترى أن تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض، ويترتب على الجمعية الصهيونية أن تتخذ ما يلزم من التدابير بعد استشارة حكومة صاحب الجلالة البريطانية للحصول على معونة جميع اليهود الذين يبغون المساعدة في إنشاء الوطن اليهودي.](2). وكما هو واضح ينص صك الانتداب على الاعتراف بالمنظمة الصهيونية "كوكالة ملائمة " (3). وحتى العام 1929 كانت المنظمة الصهيونية تعمل بمثابة وكالة محددة ضمن إدارة الانتداب. و كان الشأن الفلسطيني يدار من قبل السلطة التنفيذية الصهيونية وهي عبارة عن هيئة منتخبة من يهود المنظمة الصهيونية العالمية. وبعد العام 1929 تم إنشاء
إنشاء وكالة يهودية منفصلة لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين؛ والدفع قدماً باللغة و الثقافة العبرية و شراء الأراضي في فلسطين لصالح اليهود عبر الصندوق القومي اليهودي لتطوير الزراعة والاستيطان وفقاً لأسس وقواعد العمل اليهودي ولتلبية الاحتياجات الدينية اليهودية في فلسطين دون انتهاك الحريات الفردية(4) . وكان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية هو في ذات الوقت رئيس الوكالة اليهودية, صاحبة اليد الطولى على منظمة الهاغاناه
و برغم عدم وجود وضع قانوني للهاغاناه و عدم الاعتراف بها من قبل السلطة الانتدابية البريطانية، لم يمنع هذا من تسامح البريطانيون معها باعتبارها منظمة ذات "أهداف دفاعية"(5) , وقد عكست الهاغاناه وجهات نظر قيادات المنظمة الصهيونية العالمية و الوكالة اليهودية-حاييم وايزمان و ديفيد بن غوريون اللذان آمنا بعملية البناء الشاقة للدولة اليهودية على قاعدة العمل خطوة بخطوة و مهاجر بمهاجر(6) , وبناء مجتمع دائم في ظل الانتداب, لذلك كان العنف غير المنضبط من جانب الييشوف أو الحاجة له هو آخر ما يمكن أن تفكر فيه القيادة اليهودية, ومثل هذا لو حدث سوف يظهر لسلطة الانتداب البريطاني وللعالم على أن الشعب اليهودي غير قادر على حكم نفسه في وطنه، وأن اليهود يشكلون تهديداً للسكان العرب في فلسطين.
كانت الهاغاناه تدار من قبل القيادة القومية التي يسيطر عليها بالتساوي كل من الهستدروت و الماباي ولم تمارس هذه القيادة سيطرة مؤثرة على الوحدات الفردية للهاغاناه بصورة عامة (7). نادت الوكالة اليهودية و الهاغاناه بمذهب ضبط النفس" هفلاغه" ההבלגה الذي يسمح لهم الدفاع عن المجتمع اليهودي في مواجهة العربية لكنه لم يسمح بالانتقام من العنف. ولكن بعد موجة العنف العربي عامي 1920 و 1921 ، شعر بعض عناصر الهاغاناه و المنظمة الصهيونية العالمية بأن السياسة الرسمية الصهيونية في ضبط النفس "هفلاغه" لم تكن مجدية, فانفصل المهاجر اليهودي الروسي فلاديمير جابوتنسكي برفقة اتباعه عن المنظمة الصهيونية العالمية و شكلوا الحزب الصهيوني التصحيحي(8). وطالب جابوتنسكي بالانتقام من الهجمات العربية والإنشاء الفوري لدولة يهودية داخل حدود "فلسطين التاريخية"(9). وسوف يزداد نم هذا الانشقاق اطراداً في العالم اليهودي ويتطور في مراحل تالية عندما ينخرط التصحيحيون في منظمة إرغون تسفي لئومي, ثم ينقسموا مرة أخرى ويشكلوا عصابة شتيرن. حيث نشطت كلتا المنظمتين في فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية والفترة التي تلت الحرب مباشرة حتى العام قياد دولة إسرائيل في العام 1948 .
كانت أهداف الهاغاناه التي تم تبنيها تتمثل في منع الهجمات ضد اليهود، وتوفير الدفاع الكافي للمجتمع اليهودي في اتباع سياسة تجعل العرب يتخلون عن الإرهاب كتكتيك سياسي، ووضع حد " لغطرسة الإرهابيين العرب وثقتهم بنفسهم بالإفلات من العقاب. ..(10)
تسببت الهجمات العربية خلال ثورة 1936-1939 في إعادة تقييم الهاغاناه لتكتيكاتها, فلم يعد " مبدأ السور" الذي رعته فكرة الهفلاغه كافياً لردع العرب؛ فقررت القيادة القومية ,بالتالي تدريب وتسليح الهاغاناه تحت عيون السلطة الانتدابية والقيام بعمليات عقابية خارج "السور ". حيث كانت تغادر مجموعات صغيرة المستوطنات لشن هجمات انتقامية ضد العرب. وتم لهذا الغرض تنظيم حزمة من الإجراءات العقابية و الانتقامية [فيما يعرف بالأدبيات الصهيونية باسم اللسعات المحددة بعولات ميحادوته פולת מיוחדותה ]،وأول عمل قامت به هذه المجموعات الخاصة كان في العام 1939 حين تعرض العاملون في مزارع مستوطنة رامات يوحنان لهجوم من قبل العرب الذين هربوا إثر ذلك باتجاه قرية سعسع العربية. ولما علمت استخبارات الهاغاناه باستقبال القرية للمهاجمين و إيوائهم و إطعامهم من قبل المختار فقامت قوات الهاغاناه بتفجير منزل المختار (11).
وبالتزامن مع الثورة العربية 1936 - 1939 ، شددت قيادة الهاغاناه من سيطرتها على مقاتليها و تم تنظيم فرق الليل الخاصة بالتعاون مع البريطانيين للرد على العرب. وكانت الفرق اليهودية تتلقى تجهيزاً و تدريباً على يد البريطانيين تحت أمرة الضابط تشارلز أوردي وينغيت. وقد أدرجت السلطات البريطانية في بداية الأمر 2800 يهودي كعناصر مقاتلة ضد المتمردين العرب, ليرتفع العدد إلى 5000 عنصر في ذروة العنف. كما بلغ عدد قوات الهاغاناه في العام 1936 حوالي عشرة آلاف مقاتل بما فيهم عناصر الاحتياط.
ومنذ أواخر الثلاثينيات ظهر ثلاث منظمات منفصلة داخل الهاغاناه: الموساد و شاي و البلماخ . كان مقر الموساد מוסד في باريس وكانت وظيفته الرئيسية تأمين هجرة يهود أوروبا الشرقية إلى فلسطين عبر موانئ البحر المتوسط. كان الدافع وراء تدفق الناس الخوف المتزايد من ألمانيا الهتلرية, ومما ساهم في تزايد أنشطة الموساد عدة عوامل أهمها التوقعات باقتراب الحرب في أوروبا, وصدور الكتاب الأبيض سنة 1939،الذي يقيد الهجرة اليهودية و شراء الأراضي في الوقت الذي كان يتعرض فيه اليهود في ألمانيا للمزيد من الاضطهاد مما دفع الموساد إلى اتباع آليات الهجرة غير الشرعية المعقدة وتم تغيير الاسم إلى لجنة الهجرة "ب" המוסד לעלייה ב أو غير الشرعية [ بمعنى الهجرة البديلة] (12).
أما شاي ש"י [ اختصار لعبارة مصلحة المعلومات שירות ידיעות هشيروت يديعوت] فكانت جهاز مكافحة التجسس التابع للهاغاناه. على الرغم من شاي عملت في البداية ضد البريطانيين في فلسطين، فقد قامت بجمع المعلومات الاستخبارية عن المعارضين العرب. وبحلول العام 1947 كان جهاز شاي قد تسلل إلى كل جانب من جوانب الإدارة الانتدابية بأكثر من 2000 عضو(13) .
أما قوات البلماخ [أو البلماح: פלמ"ח اختصارا لعبارة "بلوغوت ماحتس" פלוגות מחץ بمعنى سرايا الصاعقة]، فقد شكلت الذراع الضارب الهاغاناه. و تشكلت في البداية من حوالي 300 عنصر من الرجال والنساء والشباب بقيادة موشيه سنيه( الذي خلفه يتسحاق ساديه سنة 1946)، كانت قوات البلماخ تتشكل من عناصر صهيونية يسارية قتالية نظامية مأجورة(14) . و أثناء الحرب العالمية الثانية ,وتحديداً في العام 1941 قادت قوات البلماح الغزو البريطاني لطرد حكومة فيشي خارج سوريا ولبنان. كما خططت البلماخ أيضا للدفاع اليهودي عن فلسطين في حال نجاح حملة رومل على شمال إفريقيا(15).
بالإضافة إلى هذه الأذرع الرئيسية للهاغاناه، كان يتبع للهاغاناه منظمة الصناعة العسكرية תעשייה צבאית التي تعرف بالاختصار تعس תע"ש والتي كانت منتشرة بطريقة غير شرعية في جميع أنحاء فلسطين في ورشات عمل شبيهة بالأكواخ أنتجت فيها القنابل و الذخيرة وتجديد الأسلحة النارية و"الاستحواذ" على الأسلحة من مختلف المصادر(16) .
شكلت أحداث الثورة العربية 1936-1939 ، وتقرير لجنة بيل و الكتاب الأبيض سنة 1939 مجتمعة أسباب انفجار المجتمع اليهودي [في فلسطين]. وكان الكتاب الأبيض قد أشار إلى تخفيض الهجرة عندما كانت الحاجة إليها على أشدها للتخفيف عن يهود أوروبا من تأثير هجمات هتلر على اليهود في ألمانيا و النمسا. كان رد الفعل الصهيوني الفوري زيادة في الهجرة السرية وتوسع الهاغانا التي أصبحت مهمتها الأولى تتمثل في دعم الهجرة و التصدي لأي قوة أو جهة تقف في وجه الهجرة(17) . ونظراً لأن البريطانيين كانوا يستخدمون الشرطة والقوات العسكرية لمنع هذه الهجرة غير الشرعية، سرعان ما وجدت الهاغانا أنه من الضروري معارضة القوة بالقوة. مثلما قال أحد الكتّاب، لقد أجبر الكتاب الأبيض الهاغاناه على "التخلص من كل الحساسية المفرطة بشأن استخدام السلاح"(18).
ففي آذار - مارس ونيسان- أبريل من العام 1939، كانت ثلاثة قوارب قادمة من ألمانيا تبحر عبر نهر الدانوب باتجاه البحر الأسود, وكانت تضم مجموعة من اليهود الذين أرسلهم الجستابو من أجل تهدئة الموقف العام ضد ألمانيا(19) .منعت السلطات البريطانية بموجب الكتاب الأبيض دخول اليهود إلى فلسطين و أعيدوا إلى ألمانيا. الشعور الهائي بالإحباط لمجتمع الييشوف أدى إلى عمليات و هجمات متواصلة ضد الوجود البريطاني في فلسطين. فتعرضت مراكز الشرطة للهجوم و تم تفجير قاعات المحاكم, وفجرت الهاغاناه في صيف ذلك العام أنابيب نفط حقول كركوك و الموصل التابعة لشركة النفط العراقية و الواصلة إلى موانئ حيفا و طرابلس [الشام](20). وفي آب-اغسطس 1938 قام عناصر الهاغاناه بزرع قنبلة في الباخرة البريطانية سندباد 2 التابعة لخفر السواحل البريطاني التي كان تتصدى لدخول المهاجرين غير الشرعيين لفلسطين ما أدى على مقتل بحار بريطاني واحد على الأقل(21). أدت الهجرة غير الشرعية التي استمرت لخمسة اشهر و انتهت في حزيران -يونيو 1939 إلى دخول نحو 15 الف يهودي إلى فلسطين, قامت الهاغاناه بإدخال 4500 منهم و 3500 دخلوا بوسائلهم الخاصة , في حين دخل 7000 على يد التصحيحيين (22).
وخلال الفترة التي تبنت فيها الهاغاناه العنف، كان مصد القلق الرئيسي لقيادتها يتمثل في الخسائر البشرية غير الضرورية و هو الأمر الذي يؤمد بشدة مونيا ماردور في كتابه " الهاغاناه" بخصوص فلسفة تجنب الإصابات كلما أمكن ذلك من كلا الجانبين, فيذكر ماردور كيف تمت مناقشة الهجوم على سعسع "لقد كان علينا تجنب إلحاق الأذى الجسدي إلى أي من سكان القرية وفقاً لقرار القيادة العليا... لقد سقناهم إلى المبنى وحذرناهم بعدم المغادرة... لدينا كل الأسباب لمنعهم من المغادرة لتجنب إصابة أي شخص بالحطام المتطاير عندما فجرنا منزل المختار"(23).
توقفت أنشطة الهاغاناه ضد بريطانيا عندما انخرطت هذه الأخيرة في الحرب العالمية الثانية. و انقسمت منظمة الإرغون حول هذه القضية. فتبع جناح دافيد رازيل ومناحيم بيغن موقف الهاغانا حتى العام 1944 عندما رفضت الحكومة البريطانية برنامج وايزمان و بن غوريون في ختام مؤتمر بيلتمور [ نسبة إلى فندق بيلتمور في مدين نيويورك حيث عقد المؤتمر... المترجم],الأمر الذي دفع بجناح إبراهام[يائير] شتيرن إلى الانقسام لتشكيل ما يعرف بمحاربي الحرية من أجل إسرائيل [لوحامي حيروت إسرائيل לוחמי חרות ישראל و التي تعرف أيضاً بالاسم المختصر ليحي לח"י ] أو اختصاراً حيروت أو عصابة شتيرن على اسم مؤسسها. وطالبت عصابة شتيرن باستمرار الكفاح ضد البريطانيين حتى أثناء الحرب(24) . ولذلك انصبت جهود الهاغاناه خلال المراحل المبكرة من الحرب في منع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين ومساعدتهم في الدخول إلى فلسطين (25). و مع تقدم الحرب، أجبرت المشاكل اللوجستية البسيطة على تراجع حدة الهجرة غير الشرعية(26) . وقامت الهاغاناه بمهاجمة المنشآت البريطانية خلال الحرب و لكن هذا لم يحدث إلا في الحالات التي كانت تتداخل فيها الأنشطة البريطانية مع عمليات الهجرة غير الشرعية. وكثيرا ما تكررت أعمال تخريب مخيمات اللاجئين وقصف مواقع الرادارات (التي كانت تستخدم لتحديد مواقع سفن اللاجئين) (27) . و سعت المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية بكل ما تملك لمنع تتنامي الشعور البريطاني أن اليهود يشكلون طابوراً خامساً يطعنها في ظهرها في الوقت الذي كانت تخوضه فيه حرباً ضد العدو المشترك -هتلر. غير ما خلق جدلاً واسعاً فيما بعد حادثة وقعت ضد البريطانيين اثناء الحرب حين تم تفجير السفينة باتريا Patria المحملة باللاجئين، ففي تشرين الثاني-نوفمبر 1940، وصل إلى ميناء حيفا 3500 مهاجر غير شرعي قادمين من ألمانيا و النمسا و تشيكوسلوفاكيا على متن ثلاث سفن -أتلانتيك, باسيفيك, ميلوس. فقررت السلطات البريطانية ترحيل 1900 منهم على متن السفينة باتريا. شعرت الهاغاناه أن مثل هذا لو تمّ سوف يشكل سابقة خطيرة لا يمكن السماح لها أن تحصل, وفي 25 تشربن الثاني-نوفمبر 1940، فجرت عبوة السفينة باتريا فغرقت على الفور مما أسفر عن موت مائتان وخمسون لاجئ كانوا على متنها(28) . وسرعان ما زعمت الوكالة اليهودية أن هذا الحادث كان بمثابة انتحار جماعي احتجاجاً على الترحيل(29) . في الواقع، كان المخطط يقضي بإلحاق بعض الضرر بالسفينة و بالتالي إعاقتها من الإبحار ليس إلا. ولكن سوء التقدير من جانب مونيا ماردور رجل الهاغانا المسؤول عن التفجير، تسبب بلا ريب في حصول أضرار في السفينة أكثر مما هو مقصود. و يرى ماردور أن السبب الرئيسي للمأساة يتمثل في الحالة السيئة للسفينة أصلاً قبل التفجير الأمر الذي فاقم من تلفها أكثر بكثير مما كان مخططاً له(30) . ويعزى إلى غرق السفينة و فقدان عدد كبير ممن كانوا على متنها كدافع تراه بريطانيا و كذلك الوكالة اليهودية وراء اغتيال اللورد [والتر] موين سنة 1944.( الوزير المقيم في القاهرة و زعيم مجلس اللوردات ووزير المستعمرات) . [ اغتيل اللورد موين و معه سائقه آرثر فوللر أمام منزله في شارع حسن صبري في منطقة الزمالك بالقاهرة ، عند الساعة الواحدة والربع من ظهر يوم 6/11/1944.على يد عنصرين من ليحي وهما إلياهو حكيم و إلياهو بيتسوري. من الجدير ذكره أن منظمة ليحي كلفت في البداية أحد عناصرها المقيمين في القاهرة بتنفيذ هذه العملية وهو المستشرق اليهودي التشيكي "كراوس"، أستاذ اللغات السامية في جامعة القاهرة , ولكن "كراوس" رفض تنفيذ هذه المهمة , و لم يكن أمامه سوى الانتحار بعد أن ازدادت عله الضغوط من قبل قيادة ليحي. و لطالما كان محمد حسنين هيكل يردد, أن سبب قتل اللورد والتر موين إنما يعود لمعارضته لمشروع هجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين الذي أوصت به اللجنة الأنجلو الأمريكية.... و بالعودة إلى حادثة الاغتيال ,يقول اسحق شامير في لقاء صحفي مع طالبة دكتوراه أمريكية تدعى جوانا سيدل يوم 5 تموز-يوليو- 1993 بعد فترة وجيزة من استقالته من زعامة حزب الليكود عن أسباب اغتيال اللورد موين باعتباره كان معارضاً لليهود طوال فترة نشاطه كوزير للمستعمرات ( بعكس ماكنت تعتقد قيادة الوكالة اليهودية في فلسطين بأن اللورد موين سيتفق مع تشرشل لدعم الحركة الصهيونية, على الرغم أن هذا الدعم سيكون لأسباب غير صهيونية ), ويرى شامير أن دافع اللورد موين لم يكن يهدف إلى تعزيز الخطط الرامية لقيام دولة يهودية, فإذا لم يكن بمقدور بريطانيا وقف الهجرة - وهو ما لم يتمكنوا من فعله حقاً-، فإن الطريقة الوحيدة لإنقاذ أي شيء لصالح العرب كان يتمثل بالنسبة له في رؤية جزء من فلسطين مخصص لهم. لذا فقد توصل اللورد موين إلى ما يدعوه شامير "حل الدولة اليهودية لأسباب معادية لليهود" ، أي أنه بخلاف ذلك سيتولى اليهود السيطرة على كامل البلاد ، وبالتالي فإن التقسيم كان نوعًا من الدفاع عن الموقف العربي. لم يقتصر رفض موقف القيادة الصهيونية من اغتيال موين على شامير فقط بل أن مستشار مناحيم بيغن للشؤون الخارجية والمؤلف والصحفي وعضو قيادة الإرغون شموئيل كاتز يقول في مقابلة مع نفس الطالبة الأمريكية بتاريخ تشرين الثاني-نوفمبر 1993: "لم تنته الحرب في العام 1944 , لقد تسبب مقتل اللورد موين( الذي كان له ما يبرره) في غضب تشرشل، كما عرفناه. لكن السيد أبا إيبان كان يجب أن يشرح لهم سبب مقتل اللورد موين بدلاً من القفز على فكرة أن ليحي هي المسؤولة. لم أسمع أن أبا إيبان أوضح لهم أن اللورد موين كان الرجل الذي قال، من بين أمور أخرى، عندما تحدثوا عن إخراج مليون يهودي من أوروبا،" ماذا سنفعل بمليون يهودي؟" لقد كان اللورد موين معادياً للسامية وله يد في إصدار الكتاب الأبيض و تنفيذ ما جاء فيه. لا أقول أنه كان عليّ ، إذا اضطررت إلى ذلك، أن أقرر أنه يجب إطلاق النار عليه، لكن بمجرد إطلاق النار عليه، كانت له أسبابه الوجيهة. ولأنه كان لدينا أشخاص مثل أبا إيبان على الجانب الآخر ، فقد واجهنا الكثير من المتاعب، وهم من ساهموا في تقويض مقاومتنا المبررة .... "
ليس هناك شك في أن شامير لعب دورًا حيويًا في عملية الاغتيال ، كما فعل في عملية اغتيال الكونت برنادوت. و تتابع جوانا القول :خلال زيارتي للدكتور "إسرائيل يلداد" قال لي بوضوح "لقد كنت مسؤولاً عن الفكرة فقط ،أما العمليات التنظيمية فكانت من مسؤولية يتسحاق شامير". و يعزو شامير الأسباب وراء اغتيال اللورد موين إلى موقف الأخير العدائي من الصهيونية ، و من فكرة تجميع الشعب اليهودي هنا[ يقصد فلسطين]. و يتابع شامير ...لقد كان ضد أي هجرة و لم يكن يؤمن بوجود شيء من قبيل دولة يهودية أو شعب يهودي ... وبالتالي قررنا إجراء هذه العملية.كان ملفتاً للنظر أن شامير لم ينظر للعملية كمهمة انتحارية, فهو بقول أن منفذي العملية حاولا الفرار لكنهما فشلا, فقد وضع حظهما العاثر-والكلام لشامير-في طريقهما عدد من رجال الشرطة المصريين فبدأت المطاردة و أصيب حكيم بجروح و لم يقو على الركض وألقي القبض عليه و على بيتسوري.....
يقال أن إلياهو حكيم مات في المشفى متأثرا بجراحه مساء نفس اليوم , وقيل أيضاً أنه لم يمت بل عرض على المحكمة العسكرية مع رفيقه بيتسوري في دار القضاء العالي وحكم عليهما بالإعدام شنقاً في 22/1/1945، ونفذ الحكم في 22 آذار عام 1945 . و بعد سنوات ساعد شامير على استعادة جثثهم في تبادل للأسرى مع مصر في العام 1975, للاطلاع على نص المقابلة مع شامير يمكن الرجوع إلى الرابط التالي: https://www.timesofisrael.com/yitzhak-shamir-why-we-killed-lord-moyne/......أخيراً لابد من القول أن دافيد بن غوريون أرسل إلى رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي برقية يستنكر فيها عملية الاغتيال ويعتبر القاتلين خائنين لقضية شعبهما ( نشر نص البرقية في الصحف المصرية بتاريخ 13/11/1944 بطلب من رئيس الوكالة اليهودية آنذاك دافيد بن غوريون).... ...المترجم ]
أدركت الوكالة اليهودية والهاغاناه أن الييشوف سوف يكون بحاجة ملحة للأسلحة, فقد مضى يهود فلسطين لقتال هتلر كمتطوعين, مما زاد من مخاوف تعرض المستوطنات اليهودية غير المحمية لهجمات العرب .
خشيت الوكالة اليهودية أن تتخلى بريطانيا عن فلسطين في سبيل الدفاع عن خطوط الجبهة العراقية فيما لو نجحت ألمانيا في حملتها العسكرية في شمال أفريقيا-وهذا يعني, في الوقت عينه التخلي عن يهود فلسطين لصالح الألمان. وأخيرا، شعر اليهود أنه في حال انتصار الحلفاء في الحرب ضد هتلر، فسوف تبرز مطالب عربية لا يمكن إغفالها تسعة لإنهاء الانتداب(31) .
كانت مصادر تسليح الييشوف تأتي عبر مداهمات معسكرات الجيش البريطاني ومخازن الذخائر ومراكز الشرطة(32) ،وعمليات الشراء غير الشرعية من العرب، بما في ذلك من أعضاء الفيلق العربي (والتي استمرت حتى "الغزو" العربي لفلسطين في العام 1947) (33) ،فضلا عن عمليات التهريب و الإنتاج السري لمؤسسة الصناعة العسكرية الصهيونية "تعس"(34) . وتم توخي الحذر في الحصول فقط على الأسلحة التي لن تؤدي إلى اتهام اليهود بالتسبب بأضرار تمس المجهود الحربي. وكان هذا يعني في المقام الأول الحصول على أسلحة خفيفة وصغيرة : بنادق ومسدسات، رشاشات خفيفة وثقيلة ومدافع رشاشة، بالإضافة إلى كميات من المتفجرات والذخيرة(35) .و أطلق على هذه العملية المنظمة تسمية الاستحواذ أو الاقتناء ( رخيش רֶכֶשׁ) ، و المنظمة التي تشكلت لهذا الغرض أطلق عليها اسم "جمعية مزارعي الزهور"(36) .
نظر العديد من اليهود إلى أن صدور الكتاب الأبيض سنة 1939 كان دليلاً على أن العنف من جانب العرب كان حيلة ناجحة ضد بريطانيا العظمى. فقد نتج عن أعمال الشغب والإضرابات التي نفذها العرب خلال الفترة ما بين 1936-1939 سياسة انتدابية تلبي مطالبهم. و في 11 أيار-مايو 1942 ، أشار دافيد بن غوريون رئيس السلطة التنفيذية للوكالة اليهودية إلى حدوث تغيير في السياسة الصهيونية متمثلا في برنامج بيلتمور كما بات يعرف لاحقاً والذي أدان بريطانيا العظمى و الكتاب الأبيض باعتبارهما "خرقاً و رفضاً لإعلان بلفور"(37) ودعا البرنامج لتشكيل جيش يهودي تحت العلم اليهودي لمحاربة هتلر. وطالب بأن تكون الوكالة اليهودية هي المسؤولة عن عمليات الهجرة والتنمية في فلسطين لغرض محدد يهدف إلى إنشاء كومنولث يهودي(38) . يمثل برنامج بيلتمور تغييراً جذرياً في سياسة المنظمة الصهيونية العالمية من خلال الدعوة إلى دولة يهودية بدلاً من المطالبة بوطن يهودي كما جاء في إعلان بلفور. و يعكس برنامج بيلتمور بدقة موقف الزعيم الصهيوني التصحيحي جابوتنسكي في شهادته إلى لجنة بيل في العام 1937(37). ولعل رفض بريطانيا في العام 1944 لبرنامج بيلتمور كان السبب وراء تخلي منظمة إرغون عن هدنة الحرب مع البريطانيين واستئناف هجماتها ضد الحكومة الانتدابية(40) .
ومع اقتراب الحرب [العالمية الثانية] من نهايتها، زادت الهاغانا من تعدادها إلى نحو عشرة آلاف مقاتل و بدأت بتصعيد هجماتها و نشاطها ضد القوات البريطانية التي كان تقدر بنجو 90 ألف جندي(41). واستولت الوحدات اليهودية المنضوية في إطار الجيش البريطاني على المزيد من الأسلحة فضلاً عن الاستيلاء على الأسلحة الألمانية من مصر والصحراء الغربية و تهريبها إلى فلسطين( 42) . كما قام البريطانيون بـ"تسريح" حوالي 300 جندي و ضابط يهودي ممن تلقوا تدريباً جيداً من صفوف الجيش فانضموا على الفور إلى صفوف الهاغاناه و غيرها من الفصائل العسكرية اليهودية(43). كما قام جنود الوحدات اليهودية في الجيش البريطاني بالتسلل إلى داخل مخيمات اللاجئين والتفتيش في الأصقاع النائية من أوروبا عن الناجين [اليهود] من النازية . وكان هؤلاء الجنود قد جندوا في مهمات محددة لتعيين مواقع اليهود وجلبهم إلى فلسطين. كما ساهموا في المجهود الحربي، وتدريب قوات الهاغاناه، وكانوا مصدر إمداد للهاغاناه (44) .
لقد وضعت نهاية الحرب العالمية الثانية حدا لمحاربة البريطانيين لهتلر في الوقت الذي دخلوا في حرب أخرى في فلسطين، وقام حزب العمال[البريطاني] الذي كان خارج السلطة خلال الحرب بتقديم دعماً صاخباً للصهيونية. و لذلك رحبت الصهيونية بنتائج انتخابات تموز-يوليو 1945 و عدتها انتصاراً لها إثر فوز حزب العمال وسيطرته على البرلمان بزعامة كليمنت أتلي , وبتسلمهم السلطة وجدوا ملخصات في وزارة الخارجية و مكتب الحرب و حكومة فلسطين و مكتب المستعمرات ومكتب الشرق الأوسط تشير في الواقع إلى أن : "العرب في الشرق الأوسط هم مفتاح الحفاظ على موقع بريطانيا هناك؛ وثمة مخاطر جسيمة سوف تحصل لو فقدنا حسن النية اتجاه العرب و قبلنا بوجهة النظر الصهيونية, إذ لا ينبغي فعل شيء من شأنه أن يزيد استعداء العرب "(44). و بسبب من عدم قدرتها على اتخاذ أي قرار, تراجعت الحكومة العمالية عن الكتاب الأبيض. وانفجر غضب الييشوف , لقد كان الكتاب الأبيض سيئاً بما فيه الكفاية في العام 1939. و لكن بعد انتهاء الحرب [العالمية الثانية] و تكشف مدى الرعب النازي الذي خلفته الحرب، لم يكن يتصور الصهاينة أي محاولة تهدف إلى إبعاد اليهود عن “وطنهم المشروع". كان هناك دعم متزايد للتكتيكات الإرهابية في الوكالة اليهودية المحافظة والمجلس الوطني (فعاد لئومي ועד לאומי‎) (45) . وحتى قيود الهاغاناه السابقة أصبحت أكثر عنفا (46). وبدأ دافيد بن غوريون والدكتور وايزمان وغيرهم من الأعضاء التنفيذيين في الوكالة اليهودية جولة محادثات في لندن مع رئيس الوزراء أتلي و وزير خارجيته أرنست بيفن بهدف تغيير السياسة البريطانية بشأن الهجرة اليهودية.
وبدأت الهاغاناه, في فلسطين، بشن هجمات ضد معسكرات الاعتقال البريطانية التي تحتوي على عدد من المهاجرين اليهود غير الشرعيين الذين ينتظرون ترحليهم. وفي العاشر من تشرين أول- أكتوبر 1945، حررت قوات البلماخ من معسكر اعتقال عتليت نحو 208 من المهاجرين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية و أسفرت هذه العملية عن مقتل جندي بريطاني(47). و تمت الدعوة لنصف يوم إضراب في فلسطين للاحتجاج على تصرف الحكومة العمالية، و اندلعت المظاهرات في كل من تل أبيب و حيفا و القدس, وفي اليوم التالي الذي أعقب الهجوم على معتقل عتليت تم الهجوم على معسكر رحوفوت العسكري و سرقة 200 بندقية و 50 رشاش و 200 حربة، على يد جماعة رخيش [لمذكورة أعلاه]
في سلسلة من البرقيات بين فلسطين ولندن قررت القيادة اليهودية أن القيام بـ"حادثة فردية خطيرة " من شأنه أن يرفع معنويات الييشوف وإشارة إلى العزم اليهودي في فلسطين(49) . وفي برقية بتاريخ 23 أيلول-سبتمبر 1945، اقترح موشيه سنيه عضو الوكالة اليهودية في فلسطين على بن غوريون بأن " هناك ثمة اقتراح بأن نتسبب بحادث فردي خطير, ثم نقوم بعد ذلك بنشر إعلان إلى المعنيين أن هذا ليس سوى تحذير وإشارة إلى حوادث أكثر خطورة من شأنها أن تهدد سلامة جميع المصالح البريطانية في البلاد، في حال قررت الحكومة الوقف ضدنا ... علماً أن مجموعة شتيرن أعربت عن استعدادها للانضمام إلينا تماما"(50) . و في 12 تشربن أول- أكتوبر، أرسل موشيه شرتوك، عضو الهيئة التنفيذية في الوكالة اليهودية ورئيس الدائرة السياسية فيها برقية إلى بن غوريون يوافق فيها على خطة برنارد يوسف في القدس(51). و في الحادي و الثلاثين من الشهر أعلنت إذاعة صوت إسرائيل [ קול ישראל و التي تعني حرفيا قول إسرائيل, وكانت الهاغاناه قد أطلقتها في آذار 1940 بشكل سري لحشد المستوطنين خلف القيادة الصهيونية في فلسطين ولتجنيد أعضاء جدد ...المترجم] عن وجود حركة المقاومة اليهودية. ووافق كل من الهاغاناه و إرغون و شتيرن على التعاون معاً ضد البريطانيين لإجبارهم على التخلي عن الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم( الآن الأمم المتحدة) (52). و في فجر الأول من تشرين ثاني-نوفمبر فجرت وحدات البلماخ منظومة السكة الحديدية في فلسطين في 153 موقع و دمرت 3 مراكز شرطة في حيفا و يافا, كما هاجمت الإرغون محطة قطار اللد و السكة الحديدية هناك, مما أسفر عن مصرع جندي بريطاني, كما حاولت عناصر من شتيرن تفجير مصفاة النفط في حيفا(53). دفع هذا" الحادث الخطير الفردي" الحكومة البريطانية إلى تشكيل لجنة تحقيق أخرى(54). ومع مرور الوقت أصبح هذا التكتيك طريقة بريطانية مألوفة في تعاملها مع الاضطرابات في فلسطين. ولكن هذه المرة لم يختر البريطانيون "المضي وحيدين" بل جلبوا معهم الولايات المتحدة إلى قلب المشكلة. وهكذا، تم تشكيل لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية،وفي الوقت الذي كانت فيه اللجنة تعقد جلسة أعمالها تصاعد العنف على يد حركة المقاومة. ففي 25 تشرين-نوفمبر, تم تفجير مركز شرطة خفر السواحل في كل من سيدنا على[ قرية الحرم الساحلية وهي تقع الآن في الجزء الشمالي من مدينة هرتسليا.. المترجم] وجعفات أولغا [ قرب الخضيرة جنوبي حيفا] (55) . و في ليلة عيد الميلاد، استقدمت الهاغانا 220 لاجئاً باتجاه شاطئ نهاريا شمال عكا , لكن العملية اسفرت عن غرق اثنين منهم بمجرد نزولهم إلى الشاطئ عندما انقلب أحد الزوارق بهم (56). و بعد يومين وقعت سبعة تفجيرات في القدس وتل أبيب. وكانت قيادة الشرطة الجنائية أحد أهداف هذه التفجيرات, وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل ثلاثة مجندين بريطانيين وتسعة إرهابيين يهود(57). و في 13 كانون الثاني-يناير 1946، أخرج 70 يهودياً قطاراً عن مساره خارج مدينة حيفا و سرقوا 35 ألف جنيه هي رواتب موظفي السكة الحديدية(58). وبعدها بيومين تم تخدير حارس مستودع في تل أبيب و سرقة عشرة أطنان من نترات الصوديوم(59). وفي العشرين من الشهر ذاته، قتل مساعد مشرف من وحدات الشرطة و ضابط في الجيش الملكي في غارة على مقر الإذاعة الفلسطينية. فضلاً عن العديد من الحوادث في البلدة القديمة في القدس في اليوم عينه. و في نفس اليوم أيضاً تعرض مركز خفر السواحل في جفعات أولغا للهجوم فجرح 18 من رجال الشرطة والجنود(60).
وفي 28 كانون ثاني- يناير فرض السير ألين كنينغهام المفوض السامي البريطاني لفلسطين عقوبة الإعدام "على أي شخص تتم إدانته بانتمائه لأية عصابة إرهابية أو مجموعة أو اشخاص ممن يرتكبون مخالفات تتعارض مع لوائح الدفاع الجديدة وكان من ضمن العقوبات أيضاً "الحكم بالسجن مدى الحياة على كل من يرتدي الزي العسكري بطريقة غير قانونية(61) (من الملفت للنظر أن جميع المنظمات القتالية اليهودية استخدمت بشكل دائم تقريبا التنكر باستخدام الزي العسكري ولباس الشرطة والملابس العربية أثناء مهاجمتهم للأهداف البريطانية. كما استخدم عناصر رخيش, التنكر عند "الاستحواذ " على الأسلحة من مستودعات الجيش, وفي 28 كانون الثاني- يناير تم سرقة 200 بندقية رشاشة أثناء مداهمة معسكر سلاح الجو الملكي البريطاني في معسكر عاقر[ من قرى مدينة الرملة], وتنكر المهاجمون كجنود من سلاح الجو الملكي البريطاني وكانوا يقودون الشاحنات المسروقة ) (62).
كانت حركة المقاومة اليهودية نتاج العديد من العوامل التي تمت مناقشتها هنا: رفض بريطانيا العظمى الاعتراف ببرنامج بيلتمور، الالتزام البريطاني الصارم بالكتاب الأبيض، تنامي شعور الييشوف بضرورة قيام دولة يهودية إذا ما أرادت الأمة اليهودية أن تستمر في الحياة (63) . ونتيجة لهذه العوامل، كان لتحذيرات ولنشرات المفوض السامي تأثير ضئيل للغاية.
استمرت الغارات اليهودية وازدادت فعاليتها ضراوة. ففي العشرين من شباط-فبراير، قامت قوات الهاغاناه بتفجير محطة الرادار في جبل الكرمل (64) . و في السادس و العشرين هاجمت المنظمات العسكرية اليهودية الرئيسية الثلاث مقرات سلاح الجو الملكي البريطاني في قسطينة[ تتبع إداريا لواء غزة وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة المجدل على الطريق القدس-يافا, كان المعسكر البريطاني، المعروف باسم بير توفيا، يقع على بعد 3كيلومتر إلى الجنوب الغربي منها ] و بتاح تكفا[פֶּתַח תִּקְוָה وتعني فاتحة أو بارقة الأمل تقع إلى الشرق من تل أبيب و يدل اسمها على قدم تأسيسها ( 1878) و الغاية منها قامت المستوطنة على أراض زراعية تعود لقرية ملبّس العربية, ثم توسعت لاحقاً و أصبحت مدين صناعية و جزء من مجمع مدن "غوش دان" و يعود أول استيطان جماعي فيها للعام 1881 الذي يعده البعض بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي الحديث في فلسطين ... المترجم] و اللد فتم تدمير سبعة عشر قاذفة من طراز "هاليفاكس" في قسطينة، و سبع طائرات من طراز " سبتفاير" في بتاح تكفا و اثنتين من طراز " أڤروأنسون " في اللد. و بثت إذاعة المقاومة خبراً يقول أن الهجوم على سلاح الجو الملكي البريطاني لأنه المسؤول عن كشف المهاجرين غير الشرعيين في أعالي البحار والمسؤول عن نقل "المهاجرين غير الشرعيين" إلى المنفى في إريتريا(65) . و استمرت الهجمات ضد البريطانيين طوال شهر نيسان-أبريل 1946. فتم تفجير جسور السكك الحديدية، ومهاجمة مراكز الشرطة، ومداهمة معسكرات الجيش. وفي 25 نيسان-أبريل 1946 ، هاجمت عصابة شتيرن سيارة تابعة للجيش (تجمع للسيارات) في تل أبيب-يافا، مما أسفر عن مقتل سبعة جنود بريطانيين أثناء نومهم(66) . وتعالى الشعور المعادي للصهيونية في البرلمان [البريطاني] ووصل إلى ذروته حيث شجب النواب عمليات القتل(67) . و في السادس و العشرين من الشهر انتشرت القوات البريطانية في الضواحي خارج تل أبيب, فقام عناصر تلك القوات بتحطيم نحو 12 منزلاً, وانهالوا بالضرب على عدد من المواطنين اليهود(68).وفي الثامن و العشرين فرض الجنرال كاسيلس قائد منطقة اللد حظر التجول على تل أبيب بدء ساعات من المغرب حتى الفجر, ويظهر كاسيلس تنامي المشاعر البريطانية المعادية لليهود في رسالة موجهة إلى السيد بيليرسون القائم بأعمال رئيس بلدية تل أبيب جاء فيها" تلقيت رسالتكم المتضمنة اعتذاراً, بيد إني أكتب لك اليوم لأقول كم أنا أشعر بالفزع و الاشمئزاز جرّاء أعمال العنف التي اقترفها اليهود ليلة 25 نيسان- أبريل ... ونتيجة لذلك، فأنا ألوم أبناء الجالية اليهودية على ما حصل وقد قررت فرض بعض القيود على الجالية اليهودية ككل للحفاظ على الأمن العام "( 69).
وفي نهاية نيسان-أبريل، أصدرت لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية تقريرها وتوصياتها كان من بينها السماح لمئة ألف يهودي بالدخول إلى فلسطين(70) .وسرعان ما تحول هذا الرقم إلى صرخة صاخبة نادى بها الصهاينة. وفي الثالث من أيار-مايو ذكرت إذاعة قول إسرائيل أن حركة المقاومة اليهودية "من شأنها أن تجنح للسلام فيما لو يسمح بدخول 100000 يهودي إلى فلسطين بحسب توصيات لجنة التحقيق الأنجلو أمريكية"(71). و لكن وزير الخارجية البريطاني "بيفين" رفض تقرير اللجنة, علماً أنه بحلول نيسان -أبريل كانت السلطات البريطانية قد بدأت تنظر للوكالة اليهودية على أنها القيادة العليا للتمرد بدلاً من النظر لها كجهة مسؤولة في إدارة السلطة الانتدابية(72) . ولم يمنع هذه الهاغاناه من مواصلة التباهي بهجماتها ضد الوجود البريطاني كما فعلت طوال العام 1946 في الوقت الذي واصل فيه بن غوريون إنكار وجود الهاغاناه و إنكار أي علاقة بين الوكالة اليهودية و بينها.
تواصلت الهجمات ضد البريطانيين دون توقف طوال حزيران-يونيو 1946. فتعرضت القطارات إلى العديد من الهجمات أدت إلى انحرافها عن مسارها و تدميرها. و في 16 و 17 تموز-يونيو دمرت حركة المقاومة تقريبا جميع جسور السكك الحديدية في فلسطين(73) ، بما في ذلك الروابط الرئيسية في الزيب، و المطلة ،و وادي غزة وجسر اللنبي(74). تضاءل حجم العمليات الإرهابية في الثالث عشر من حزيران-يونيو إثر قيام عصابة إرغون باختطاف خمسة ضباط بريطانيين من نادي الضباط في تل أبيب(75) . و في الثاني و العشرين من الشهر تم الكشف عن مؤامرة لخطف الجنرال إيفلين باركر القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين و شرق الأردن(76). كما أدى هجوم على أحد المطارات إلى تم تدمير اثنتين و عشرين طائرة حربية دفعة واحدة وذلك في أواخر حزيران-يونيو (77). ما دفع السلطات البريطانية للقيام بكل ما في وسعها لمكافحة هذه العمليات الإرهابية , فاقتحمت القوات البريطانية مكاتب الوكالة اليهودية في الثالث من حزيران-يونيو و اعتقلت جميع أعضاء الوكالة البارزين واحتجزتهم في معسكر اعتقال اللطرون (78). ويقول المؤرخ البريطاني جون كيمتشي لم تكن هناك "محاولة حقيقية للوصول إلى الإرهابيين.. لم يكن اقتحام مقر الوكالة اليهودية سوى محاولة شاملة من بريطانيا العظمى" للقضاء على القيادة المعتدلة للوكالة وعلى يهود فلسطين عديمي الأهمية "(79). غير أن تأثير هذا الهجوم[البريطاني] كان أسوء من ذلك بكثير, إذ قضى تقريبا على أنشطة الهاغاناه والبلماخ. فألقي القبض على حوالي 400 عنصر من كلا المنظمتين و من عناصر الوكالة اليهودية. ( أرقام صموئيل كاتز، و صحيفة التايمز اللندنية (1 تموز-يوليو 1946) تزعم أن 2000 عضو فقط تم توقيفهم للاستجواب.) , كل هذا أدى إلى استسلام الوكالة اليهودية, و باستثناء عمليتين في آب- أغسطس 1946، و واحدة في تموز-يوليو 1947، لم تشارك الهاغانا في الصراع المسلح ضد البريطانيون في فلسطين(80) . ولكن الكفاح تواصل, وركزت الهاغانا والوكالة اليهودية جهودهما على بناء إطار للدولة الجديدة ووجهوا أنشطتهم نحو الهجرة والاستحواذ على الأسلحة [استعدادً] للحرب القادمة مع العرب, فأصبحت الهجرة هي الشغل الشاغل للهاغاناه, وقامت اللجنة الأنجلو أمريكية بترداد الرقم 100000 السحري مرارًا وتكرارًا على مسامع الحكومة البريطانية. وفي الولايات المتحدة، التقط الرئيس ترومان الرقم "100،000" وتجاهل فعلياً بقية تقرير اللجنة. وفي آب-أغسطس اجتمع من تبقى من أعضاء الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية في باريس و أعلنوا إلغاء الكفاح المسلح ضد بريطانيا(81). وسوف يبدأ بن غوريون من الآن فصاعدا بالجهود الدبلوماسية و التسويات للفوز بدولة إسرائيل و انتزاعها من يد بريطانيا العظمى(82) . وفي تشرين أول-أكتوبر، أطلق البريطانيون سراح العديد من قادة الوكالة اليهودية في مقابل وعود بمساعدتهم في مكافحة عصابات الإرغون و شتيرن (83). و تولت الهاغاناه-مع بعض الاستثناءات القليلة دور الذراع العسكري للوكالة اليهودية وتخلت عن الهجمات الإرهابية, وشكلت نواة قوات الدفاع الإسرائيلية التي ظهرت إثر إعلان دولة إسرائيل في 14 أيار-مايو 1948 ؛ففي 31 أيار-مايو 1948 ،أصبحت الهاغانا رسمياً جيش الدفاع الإسرائيلي بتعداد يبلغ نحو 35 ألف عنصر (84).
لا تنوي هذه الدراسة مناقشة الأحداث العسكرية لحرب 1948 والإجراءات العربية الإسرائيلية التي إعلان الدولة، باستثناء تلك الإجراءات التي تأخذ طابع العمليات الإرهابية بدلا من العمليات العسكرية التقليدية. وهكذا، العمليات اليهودية الكبرى مثل جهود الهاغانا لتأمين الطريق إلى القدس؛ وهجوم الإرغون على حي المنشية في يافا والحملة المشتركة لتحرير البلدة القديمة في القدس جميعها تقع في مجال النشاط العسكري التقليدي . ومع ذلك، لم توقف الهاغانا عملياتها العسكرية إثر قرار تقسيم فلسطين. فقد تصاعد العنف العربي ضد اليهود بعد تصويت الأمم المتحدة على القرار في 29 تشرين الثاني-نوفمبر 1947(85) ,فبدأت الهاغاناه بالقيام بالحراسة السرية لوحدات النقل العام اليهودي بهدف منع و صد الهجمات العربية.ورغم أن السلطات لبريطانية يقع على عاتقها منع مثل هذه الهجمات إلا أنهم لم يكونوا يرغبوا في فتح جبهات نزاع مع العرب, بل أرادوا بكل بساطة الانسحاب بسلام. وكانت مرافقة الجيش البريطاني للحافلات اليهودية تبعدهم في كثير من الأحيان عن الاتهامات وتركهم عرضة للخطر(86) . وبالتالي، كان الحرس غير الشرعيين يتألفون من عناصر الهاغاناه. وفي السابع من كانون أول- 7 ديسمبر أعلن العرب الإضراب احتجاجاً على قرار التقسيم, وانطلقت أعمال شغب في القطاعات اليهودية فهاجم الغوغاء العرب المحلات اليهودية ونهبوا وحرقوا أينما حلوا. اشتكت الهاغانا من أن البريطانيين لم يحاولوا الحفاظ على النظام بل و منع عناصر الهاغاناه من القيام بذلك(87) .
بعد أسبوعين من التصويت على قرار التصويت، دخل المتطوعون العرب إلى فلسطين. لم يقم البريطانيون بأي عمل -أو ربما فعلوا القليل-لمنع دخول التشكيلات العربية المسلحة إلى فلسطين(88).
أصبحت الحاجة إلى السلاح لليشوف أكثر وضوحا حيث أصبحت الحرب العربية الإسرائيلية أمر مفروغ منه. على الرغم من شعور بعض قادة الهاغاناه، مثل موشيه سنيه، بأن الصراع الرئيسي كان معركة سياسية موجهة ضد البريطانيين لفشلهم تنفيذ شروط الانتداب، غير أن جناح بن غوريون كان أكثر تخوفاً من المواجهة العربية الإسرائيلية، ومن أجل كسبها كان لابد من تكثيف البحث عن الأسلحة لصالح الييشوف (98). وقام بن غوريون بتعيين يتسحاق ساديه قائداً للهاغاناه بدلاً من موشيه سنيه.
وفي أوائل أيار -مايو 1945، زار بن غوريون الولايات المتحدة الدول للبحث عن السلاح فعاد من هناك ليس فقط بالسلاح و بل- وبمساعدة يهود أمريكا، بمصنع كامل لتصنيع الأسلحة (90) . وبحلول نيسان- أبريل 1947، كانت الهاغانا تمتلك 10،073 بندقية ،و 1900 مدفع رشاش، و186 بندقية برن، و 444 بندقية رشاشة ، 672 مدافع هاون عيار 2 إنش، و 96 مدفع هاون عيار 3 إنش، بدون أي قطعة مدفعية ثقيلة أو مدرعات أو وسائط نقل عسكرية أو طائرات حربية أو قطع بحرية (91).
قامت الأمم المتحدة بفرض حظر على توريد الأسلحة إلى فلسطين بحيث قامت السلطات البريطانية بتطبيق هذا الحظر على اليهود في حين كانت عمليات تجري بحرية عمليات شحن الأسلحة البريطانية للحكومات المشكلة في سوريا والأردن والعراق ومصر في أوائل العام 1948، وهكذا كانت إيطاليا هي المصدر الوحيد لليهود للحصول على السلاح, ففي كانون الثاني-يناير تم شحن 50 طنا من الأسلحة من الموانئ الإيطالية. وفي شباط-فبراير، تم شحن 165 طن وفي آذار- مارس تم شحن 300 طن (92)، و في صيف ذلك العام تدفقت الأسلحة التشيكية من خلال القطاع الأمريكي في ألمانيا إلى بلجيكا ثم إلى إسرائيل(93). وباستيلاء الشيوعيون على السلطة في أوروبا الشرقية، أصبحت الأسلحة متاحة بدرجة أكبر. ساهم دعم الروس لقرار التقسيم وحاجة الدول الشيوعية إلى سلة عملات قابلة للتداول التي ستجلبها صفقات الأسلحة في تدفقها لصالح اليهود (94). وتم إرسال الوكلاء إلى الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفيتي. وفي آذار-مارس من العام1948، مارس الاتحاد السوفياتي ضغوطاً على يوغوسلافيا للسماح بنقل الأسلحة التشيكية عبر أراضيها على أنها بطاطا إيطالية(95). في الوقت الذي كان فيه العرب يشترون الأسلحة التشيكية في ذات الوقت.
حصل الرائد السوري فؤاد مردم بك [ ابن عم جميل مردم بيك رئيس الوزراء السوري و رئيس لجنة فلسطين المنبثقة عن جامعة الدول العربية... وكان جميل مردم وراء ارسال ابن عمه فؤاد مردم لـ"شراء " السفينة لينو المشهورة التي تحولت إلى المنظمات العسكرية الصهيونية بتدبير من الوكالة اليهودية. ورغم قرار المحكمة العسكرية بإعدام فؤاد مردم بتهمة بالخيانة العظمى إلا أن جميل مردم حاول طي قضيته بل و طالب بإيقافها والتي اعتبرها " خطأ مسلكي"، ليغادر بعدها فؤاد مردم سوريا الى لبنان وينشأ فيها شركة لتوزيع البترول....المترجم] على 6000 بندقية، و8 ملايين طلقة ذخيرة من عيار 7.62 ملم و متفجرات و قنابل يدوية من تشيكوسلوفاكيا. واستأجر السفينة الإيطالية لينو لنقل الأسلحة إلى بيروت و في الطريق, تعرضت السفينة إلى مشاكل في محركاتها فاضطرت للتوقف في ميناء مالفيتا الإيطالي للصيانة, وبالامتثال لقرار حظر شحنات الأسلحة للأمم المتحدة، وضعت السلطات الإيطالية يدها على السفينة( 96). وقامت عناصر الهاغاناه بإغراق السفينة لينو في الميناء ثم قام الإيطاليون بإنقاذ معظم الأسلحة وأعطوا الإذن للسوريين لمغادرة البلاد بالسلاح. ومساعدة من آدا سيريني، استأجر الرائد مردم بك السفينة أرجيرو. وفي آب- أغسطس 1948، وعلى بعد عشرين ميلًا قبالة الساحل الإيطالي، تم إيقاف السفينة أرجيرو وصعد على متنها عدد من المصريين الذي أموا بنقل الأسلحة من السفينة أرجيرو إلى قارب صيد مصري. [في الحقيقة] كان المصريون من عناصر الهاغاناه فضلاً عن أن اثنين من طاقم أرجيرو الإيطاليين كانا متعاطفين مع الهاغاناه وكان آدا سيريني عميلاً رئيسياً إسرائيلياً في إيطاليا(97) . تم نقل الأسلحة إلى طرادات إسرائيلية وأغرقت أرجيرو في أعالي البحار(98) .
انتشرت "ريخش" عبر أوروبا "لحيازة" الأسلحة في فترة الاضطراب التي أعقبت الحرب، وكان يتم تخزين الأسلحة في المستودعات الفرنسية والإيطالية ومن ثم شحنها إلى إسرائيل على أنها آلات (99). واستطاعت ريخش شحن 1000 بندقية و 200 بندقية من طراز برن، و 500 بندقية ألمانية، و 400 بندقية رشاشة، و 500 مسدس، وما بين مليون إلى مليون ونصف من الذخيرة من عيار 303 و 9 ملم (100) من مستوع واحد فقط( بالقرب من ميلانو) .وبحلول يوم الاستقلال، اشترت إسرائيل 24 طائرة ،و 59 سفينة ،و 40 دبابة ،و 144 نصف مجنزرة و 416 قطعة مدفعية و 24 مدفع هاون و 158 رشاش ثقيل و 1417 رشاش متوسط و 6034 رشاش خفيف و 52391 بندقية و 523 مدفع رشاش و 1755 مسدس(101) .
تم تنظيم خدمة النقل الجوي لتسريع شحن الأسلحة من أوروبا إلى إسرائيل. وانطلقت من كورسيكا و يوغوسلافيا و تشيكوسلوفاكيا طائرات النقل العسكري دوغلاس سي 54 سكاي ماستر و كورتيس سي 46 كوماندو وثلاث قاذفات ثقيلة من طراز بوينغ بي 17 فلاينغ فورتريس التي شاركت في الحرب العالمية الثانية تحمل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل. وفي تموز- يوليو 1948، قامت القاذفات الثلاث بوينغ بي 17 فلاينغ فورتيس أثناء رحلتها من يوغوسلافيا إلى إسرائيل بقصف كل من القاهرة و غزة و العريش (102) .وبينما كان كل هذا يحدث خارج حدود فلسطين، كان على الهاغاناه داخل فلسطين أن تقاتل العرب. وتبع الإرهاب إرهاب عندما انفجرت قنبلة في شاحنة بجوار مقر اللجنة الوطنية العربية في القدس في 5 كانون ثاني-يناير 1948 فقُتل تسعة من العرب وجُرح 71 آخرين(103) . وفي ذات اليوم، تم تفجير فندق سميراميس في القدس فقُتل 20 شخصاً بينهم القنصل الإسباني، دون مانويل دي سالازار ترافيسيدو، فيسكونت دي تابيا(104) . وأعلنت الهاغاناه إثر تبينها لتلك الهجمات أن فندق سميراميس كان مقراً لحركة النجادة ولم يوجد به نزلاء زوار في أي وقت (105) . وقيل إن هذه الهجمات كانت رداً على القانون العربي المستمر في المدينة القديمة وأعمال الشغب والنهب والحرق العمد(106) . و مع استمرار الانسحاب البريطاني، أخذت الهاغانا والوكالة اليهودية على عاتقهما الاضطلاع بمسؤوليات حكومة قومية أكثر فاكثر, وتحول القتال مع العرب من ردود فعل إرهابية صغيرة إلى عمليات عسكرية واسعة النطاق .ومع اقتراب الاستقلال، بدأت القيادة اليهودية برئاسة بن غوريون في تعزيز سيطرتها على القوات اليهودية وأصبحت الحكومة مهتمة بإظهار صلاحيتها كحكومة جديدة لإسرائيل.
......
ملاحظات
عنوان الكتاب:Jewish: Zionist terrorism and the establishment of Israel, First published 1977
المؤلف: Peeke, John Louis
الناشر:Calhoun: The NPS Institutional Archive DSpace Repository
http://hdl.handle.net/10945/18177. Downloaded from NPS Archive: Calhoun
المترجم: محمود الصباغ
.............
الهوامش
1 Ben-Gurion, p. 61
2 Laqueur , p. 34.
3 Ibid.
4 Levine, Evyatar and Shimoni, Yaacov (eds.), Political Dictionary of the Middle East in the 20th Century, p. 207, The Jerusalem Publishing Co., Ltd., Jerusalem, Israel, 1974.
5 Center for Research in Social Systems, op cit, p. 71.
6 Begin, p. 47.
7 Ben-Gurion, p. 59.
g Brank, p. 47.
9 Ibid.
10 Mardor, p. 4.
11 Ibid.
12 Sykes, Christopher, Crossroads to Israel, p. 221, The World Publishing Co., Cleveland, 1965.
13 Special Operations Research Office, Undergrounds in Insurgent, Revolutionary, and Resistance Warfare, p. 334, The American University, Washington, D.C., 1963.
14 Ibid, p. 336.
15 Litvinoff, p. 263.
16 Mardor, p. 15.
17 Ibid, p. 23.
18 Ibid, p. 18.
19 Sykes, p. 221.
20 Mardor , p. 30.
21 Ibid, p. 29.
22 Katz, p. 43.
23 Ben-Gurion, p. 137.
24Asprey, p. 772.
25Mardor, chapters 8 and 9.
26 Ibid, p. 85.
27 Special Operations Research Office, op cit, p. 344.
28 Maraor, p. 72.
29 Sykes, p. 226.
Mardor, p. 72.
31 Ibid, p. 119.
32 Ibid.
33 Ibid, p. 125.
34 Special Operations Research Office, p. 340.
35Mardor, p. 121.
36 Ibid, p. 119.
37 Laqueur, p. 79.
38 Ibid.
39 Ibid, p. 58.
40 Asprey, p. 773.
41 Special Operations Research Office, p. 334.
42Mardor, p. 155.
43 Special Operations Research Office, p. 336
44 Kimche, Jon, Seven Fallen Pillars: The Middle East1915-1950, p. 141, Seeker and Warburg, London, 1950.
45 Hyamson, p. 157.
46 Litvinoff, p. 241.
47 The Times, London, 11 Oct 1946.
48 The Times, 12 Oct 1946.
49 Sykes, p. 282 and The Times, 24 July 1946
50 The Times, 24 July 1946.
51 Ibid.
52 Sykes, p. 283.
53 The Times, 24 July 1946.
54 Sykes, p. 283.
55The Times, 2 6 November 1946.
56 Kimche, p. 165.
57 The Times, 28 Dec and 29 Dec 1945.
58 The Times, 14 January 1946.
59The Times, 16 January 1946.
60 The Times, 21 January 1946.
61 The Times, 29 January 1946
62 ibid.
63 Katz, p. 70.
64 The Times, 21 February 194 6
65 The Times, 27 February 1946
66 Ibid.
67 Sykes, p. 294.
68 Ibid.
69 The Times, 29 April 1946.
70 Laqueur, p. 86.
71 The Times, 4 May 1946.
72 Litvmoff, Op cit, p. 244.
73 Kimche, p. 167.
74 The Times, 18 June 1946.
75 The Times, 19 June 1946.
76 The Times, 2 June 1946.
77 Asprey, p. 776.
78 Kimche, p. 170
79 Ibid.
83 Stern Gang.
80 Katz, p. 92.
81 Ibid, p. 294.
82 Ibid
83 Ibid, and The Times, 6 November 1946
84 Center for Research in Social Systems, op cit, p. 418 and Handel, Michael I., Israel s Political-Military Doctrine, p. 11 Howard University Center for International Affairs, Washington, July 1973.
85Mardor, p. 2 26.
86 Ibid.
87 The Times, 3 Dec 1947.
88 Mardor, p. 241 and Ben-Gurion, op cit, p. 65
89 Ben-Gurion, p. 61.
90 ibid,, cc p. 55.
91 Ibid, p. 59.
92 Mardor, p. 228.
93 Ibid, p. 229.
94 Ibid.
95 Ibid, p. 236.
96 Ibid, chapter 22.
97 Kurzman, Dan, Genesis 1948: The First Arab-Israeli War ,54 9, The World Publishing Co., Cleveland, 1970.
98 Mardor, chapter 22.
99 Ibid, p. 226.
100 Ibid.
101 Ben-Gurion, p. 65.
102 Mardor, p. 269.
103 The Times, London, 5 June 1948.
104 ibid.
105 The Times, 6 June 1948.
106 Litvinoff, p. 271.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مولد الصورة في الوعي البشري :بورتريه غيفارا مثالاً
- على جدار النكسة: درس في اللجوء؛ -كفر الما-والبيان رقم-66-
- الإرهاب اليهودي-الصهيوني و قيام دولة إسرائيل(1)
- فلسطين الصهيونية: بين مجتمع مستوطنين ووطن قديم لشعب جديد : ا ...
- تلك اللحظة التي هرمنا من أجلها
- حلم ثورة لم تأت : The Company You Keep
- متعة كاهن
- الإثنية واليهودية والتراث الثقافي لفلسطين
- -يوروفيجين- تل أبيب و- بصل الخطايا-
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرءيل القديمة(7 ...
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرءيل القديمة(6 ...
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرءيل القديمة(5 ...
- ربيع الشام و الحرب على السوريين
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(4)
- تمرين في الاقتصاد: متلازمة بومول
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(3)
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(2)
- البحث عن إسرءيل: مناظرات حول الآثار و تاريخ إسرئيل القديم(1)
- علم الآثار السياسي و النزعة القومية المقدسة(5)
- علم الآثار السياسي و النزعة القومية المقدسة(4)


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الإرهاب اليهودي -الصهيوني و قيام دولة إسرائيل (2)