أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - راتب شعبو - شباب من سورية في باريس














المزيد.....

شباب من سورية في باريس


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6248 - 2019 / 6 / 2 - 20:39
المحور: المجتمع المدني
    


ثلاثة شباب، من ثلاث مناطق مختلفة من سورية، يصلون إلى باريس لا لكي يشعروا بالأمان والخروج من دائرة الخطر، ولا لكي يبنوا لأنفسهم مستقبلاً أفضل قد يوفره لهم مكانهم الجديد، بل لكي يناضلوا من أجل من بقي هناك في ظروف مذلة من الحاجة وانعدام التعليم والأمن.
بلباس بسيط ووجوه متعبة، لكنها مضاءة بالجدية والإصرار، يتكلمون في اجتماع طويل رعته جمعية كودسي (التآلف السوري من أجل التنمية والإغاثة)، في قاعة بسيطة في باريس. يتكلم، كل بدوره، عن ظروف المنطقة التي جاء منها، عن العمل الإنساني الممكن، عن الصعوبات التي يواجهها العمل. يتكلمون إلى حضور متنوع فرنسي وسوري وعربي: ممثلو جمعيات، أصحاب رأي، مهتمون بقضايا ضحايا الصراعات، صحفيون، حقوقيون ..الخ، لكن الجميع يشتركون في الاهتمام، والجميع يبحثون عن أفكار وعن سبل لمساعدة السوريين في الداخل السوري أو في بلدان اللجوء. يحرصون على أن لا تكون النجاة هوة تفصل الناجي عن المنكوب والمتعثر. ناجون ولكنهم منكوبون بانشغالهم الصادق بالمنكوبين، ومنكوبون لكنهم ناجون أملاً وثقة بالناجين.
الشاب القادم من الغوطة الشرقية، يتكلم بصوت متقطع بفعل إعاقة ما، تشمل يده اليمنى وتعيقه عن حمل الماء إلى فمه ما لم يساعدها باليد اليسرى الأقل إعاقة. يتكلم بثقة صاحب الهم، وباسترخاء المصمم، كأنه يقول: "تريدون حقائق، إليكم الحقائق!". في كلامه المتقطع وابتسامته التي يزرعها في نهاية كل جملة، ينقل لك كم تعني له هذه البقعة المنكوبة من الأرض التي تدعى الغوطة الشرقية، والتي انتهى الاهتمام الإعلامي بها بعد أن انتهى الصراع حولها بين نظام الأسد والتنظيمات الإسلامية التي كانت تسيطر عليها. يتكلم الشاب عن الحصار المفروض على الأهالي بعد ذلك، عن الحاجة إلى تصريح للخروج، وعن أن مدة التصريح لا تزيد عن الشهر، وعن أن من يدخل إلى دوما، مثلاً، من غير أهاليها "المعترف بهم"، سوف يعطى رقماً لضمان خروجه منها. عن ثمن صحن الفول الذي يعادل حوالي 600 ليرة سورية، وهو ما يعادل ثلثي الدخل اليومي للعامل السوري. ليقول، مع ابتسامته اللاذعة، "لا تبحثو عن مصادر التمويل، إذا تخلى أحدكم عن كأس واحدة من البيرة، يمكنه أن يشبع جائعاً في الغوطة".
عن أكثر من 4.7 مليون نسمة، ثلثهم من النازحين من مناطق أخرى من سورية، يعيشون في شمال شرق سورية، يتكلم شاب آخر قادم من هناك. السكان هناك ليسوا فقط موضوعاً للتشرد ونقص التعليم والحاجات الأساسية وتعاسة العيش، بل هم أيضاً موضوع لحرب لا ينتظرون منها شيئاً سوى المزيد من البؤس أو المزيد من الموت. عن هؤلاء، يتكلم الشاب باندفاع لا يهدأ رغم مطالبة الحضور له بالتوقف قليلاً كي تتمكن المترجمة من نقل ما قاله إلى الحضور الفرنسي، يقطع كلامه سريعاً كي يهدئ المطالبين بعبارة: "بس شوي"، ويتابع بحماس كأنه لن يخرج من القاعة قبل أن تتأمن حاجات الملايين من الأهالي والنازحين هناك. وكأن الحماس وصدق النبرة كافيان لوصول الفكرة دون ترجمة. يركز على أن المشكلة الكبيرة هي مشكلة قانونية، أن يكون للجمعيات شخصية اعتبارية قانونية معترف بها، تسمح لها بالتعامل المالي مع الخارج ضمن القوانين. يؤكد الشاب أن ما يصل إلى الجمعيات هو أقل من عشر المبلغ الذي يجري تحويله إليها، لأن هذه المبالغ سوف تمر عبر العديد من الفلاتر القانونية وغير القانونية.
تتكلم شابة قادمة حديثاً من سورية، دون أن تحدد المنطقة التي كانت تنشط فيها لأنها منطقة تحت سيطرة النظام. تتكلم عن خطر زاحف يتهدد سورية وهو غياب التعليم. يجب أن نعلم أن أكثر من ثلث الأطفال السوريين في الداخل، أي ما يعادل 2 مليون طفل، هم خارج التعليم، بحسب منظمة اليونيسيف. تعمل الشابة، مع مجموعة من الشباب على سد الفجوة التعليمية الناجمة عن الصراع المزمن في سورية. التحدي الذي يواجهونه هو أن المنطقة ليست من لون سياسي ولا مذهبي واحد، رغم أن الفقر وانعدام التعليم قاسم مشترك للجميع، وعلى مجموعة النشاط المدني أن لا تستثني أحداً.
لا شيء يلامس العمق الانساني أكثر من التضامن مع المنكوبين، من التفكير بمصير الغير، من الانشغال بمستقبل أطفال بلا أهل أو بأهل عاجزين عن تأمين طعام أو تعليم لأبنائهم.
إنها من المفارقات التي تعرضها علينا الصراعات العنيفة في عالم اليوم، أن شدة الاستقطاب السياسي الذي يولد الصراعات العنيفة، ثم يتغذى عليها، يخلق، كلما تقدمت الصراعات وتأزمت، شروطاً تدفع إلى تجاوز السياسي بمجمله. يحدث ذلك حين تفرض الضرورات الحياتية للسكان نفسها كشأن أولي وأساسي وفوق سياسي، تتولاه جمعيات أو جماعات أو مؤسسات تهتم بالحاجات الحيوية لضحايا الحروب والصراعات. حين ينمو النشاط المدني غير المسيس، النشاط الذي يبقى على تماس مع الحاجات المباشرة للناس، سوف يفرض نفسه على النشاط السياسي ويحد من ميله الاستبدادي.
أيار 2019



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدن كوجبات سياحية
- بين فرنسا وسورية
- السترات الصفراء، بين الشعب والمؤسسة
- أفعال مشينة
- مراجعة في الثورة
- الحرب في إدلب، لا عزاء للسوريين
- الطائفية و-الرماد الثقيل-
- اللجوء بوصفه تهمة
- متحف للدم الحار
- أخرج من سوريا كي أعود إليها
- مواطنون وأعداء
- فلاحو سوريا، التاريخ ما وراء حجاب السياسة 2
- فلاحو سوريا، التاريخ ما وراء حجاب السياسة 1
- أسئلة عن الثورة السورية
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 4
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 3
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 2
- حوار، في البحث عن سوء تقديراتنا 1
- تمرد المرأة السورية على الأطر السياسية الذكورية
- جرائم شرف في الثورة


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - راتب شعبو - شباب من سورية في باريس