أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد البوزيدي - الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب















المزيد.....


الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1535 - 2006 / 4 / 29 - 09:21
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


شكل الخطاب الديني منذ القدم أداة رئيسية للتأثير في الآخر الفردي أو الجماعي ،كما ظل أحد أعمدة التأثير الإيديولوجي الخاص لمختلف الأنظمة توظفه لتشكيل أنماط الوعي المختلفة مما جعله في العصر الحاضر يشكل أحد مناطق النفوذ المتنازع عليها بين مختلف المكونات – الدولة ومن يدعي الحديث باسم الدين-المجتمعية ، كل يحاول فرض سيطرته عليه والنطق باسمه ،فهو رأسمال رمزي لا يحتاج لكبير عناء في سبيل توظيفه للإكتساح والانسلال خفية إلى القلوب .
وانطلاقا من الأدوار الهامة التي قام بها الدين الإسلامي عبر التاريخ لتشكيل وعي جمعي خصه الباحث العطري بفصل خاص – ضمن كتاب صناعة النخبة بالمغرب - حاول من خلاله الجواب على أسئلة أصبحت تطرح بحدة أكبر بعد أحداث 16 ماي الذي شهدت تنفيذ هجمات إرهابية بارتداء لباس الدين المفترى عليه مما خلق لبسا خطيرا وهو أنه رغم التنصيص على أن الملك أمير المؤمنين وأن الإسلام الدين الرسمي للدولة ، فإنه قد برزت حركات أخرى تدعي أنها تمثل الإسلام الحقيقي كما يحلو لها التصريح بذلك .
إن هذه الأسئلة قد طرحت نفسها بحدة وهي
ماعلاقة الدولة بالدين في السياق المغربي ؟
وما موقع العلماء باختلاف انتماءاتهم ضمن هذه المعادلة العصية على الاحتواء لاسيما أن كل طرف يكفر أو يتهم الآخر بالضلال رغم انتماء الجميع إلى مرجعية واحدة ؟
وبعد ثلاث سنوات على الحدث الأليم كيف تتصرف الدولة تجاه الأمر؟ وهل استطاعت استرداد المبادرة – التي لم تفقدها مطلقا - والتي بدت في لحظات ما أنها فقدت زمامها وماذا تحقق على أرض الواقع ؟؟؟؟؟؟؟؟.
1* الخريطة الدينية في المغرب
منذ السبعينيات بدأ تأثير الحركات الإسلامية المشرقية يظهر في المغرب من خلال تأسيس عدة جماعات إسلامية أهمها جماعة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع والتي وجدت التربة المناسبة للعمل السياسي لمواجهة المد التقدمي فاستثمر الإندفاع العاطفي الأعمى لتنفيذ عمليات اغتيال المناضل الإتحادي عمر بن جلون بأيد " إسلامية " وبعد هذا الحدث اختفى التنظيم رسميا بعد فرار زعيمه من المغرب إلى ليبيا وإدخال البعض إلى السجون وانحناء ماتبقى للعاصفة التي مرت بهدوء ،قبل أن يطل الأعضاء المتبقون من جديد بصيغة أخرى بعد تقديم نقذ ذاتي لتتأسس جمعية الجماعة الإسلامية وتواصل تطورها في سياق دعوي وثقافي لتكشف عن وجهها الحقيقي ممثلا في حزب سياسي وهو حزب العدالة والتنمية بعد مناورات عديدة واختبارات خاصة من الحكم ،وقبل ذلك كانت جماعة العدل والإحسان قد أعلنت عن بوادرها الأولى كمن خلال رسالة الإسلام أو الطوفان التي وجهها زعيمها آنذاك عبد السلام ياسين في سنة 1973 إلى الملك الراحل الحسن الثاني .
ومنذ السبعينيات إلى اليوم استطاعت الحركات الاسلامية –رغم الاختلاف في التسميات – الإسلامية /الأصولية /الإسلاموية /...والتي ا اختار لها الباحث العطري اسم الأحزاب الدينية – أن تنافس الحكم في الحديث باسم الدين، بل أن الخريطة الدينية بالمغرب انطلاقا من صناعة النخبة بالمغرب أصبحت تتوزع على اتجاهات عديدة بنخبها الخاصة حددها الكاتب في ما يلي :
1*الإسلام الرسمي :وهو إسلام الدولة التي تكرسه نظريا وتطبيقيا وقد انطلق مسلسله منذ بداية الإستقلال ،فهل كان " الإنتباه لتأسيس إسلام رسمي يدافع عن الدولة ويشرعن وجودها ويبرز مبادرتها وتحركاتها الإيديولوجية والقمعية " 99 نتيجة الثقل الذي أصبحت تشكله حركات الإخوان المسلمين في فترة الخمسينات ، أو مقارعة خاصة لبعض الأفكار الإسلامية التي لم يعهدها المغرب من قبل والذي كان تابعا للمذهب المالكي والتي وجدت صدى لها مثلا مع الثورة الإيرانية في بداية الثمانينات أو الارتباط بشيوخ المذهب الحنبلي ...والانخراط في البعثات الدراسية بالسعودية مع ماينتج عن ذلك من التأثر بمرجعيات الحنابلة..
ويمكن جرد ملامح هذا الإسلام الرسمي في أجهزة عديدة أهمها :
1+إمارة المؤمنين
2+الأجهزة شبه حكومية وهي ترتبط مباشرة بالقصر الملكي :فمن خلال التطور الذي خضعت وزارة الأوقاف يتضح أنها ظلت مناطق ظل يتصرف ممثلها باستقلال كبير عن الحكومة كما أن موظفيها في الأقاليم لا يوضعون تحت مراقبة العامل بشكل مباشر إضافة للموظفين العسكريين .
كما أن جزءا كبيرا من إيراداتها المالية المتمثلة في مداخيل الأوقاف تتجه مباشرة نحو ميزانية البلاط ،ولاتدخل ضمن الميزانية العامة للدولة ، كما أغلبية وزراء الأوقاف لا يترددون في مهاجمة بعض البرامج الحكومية في مفارقة عجيبة – مهاجمة الوزير المدغري للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية –
3+الإطارات الدينية الثقافية:والتي تهتم بالتوعية الدينية في محاولة لمنافسة الجمعيات الثقافية التابعة للحركات الإسلامية و وتمثل في رابطة علماء المغرب المؤسسة منذ سنة 1958
4+المجالس العلمية :وهي إطارات أصبحت تحتكر مطلقا الشأن الديني بالمغرب كما تشرف على صلاحيات الإفتاء في القضايا المختلفة سعيا لإنهاء "مشاعية الإفتاء "!!!!114 وقد تمت إعادة هيكلتها بعد أحداث 16 ماي كما أنها تحظى برعاية خاصة فرئيس المجلس العلمي الأعلى هو جلالة الملك كما أن أعضاءها يعينون بظهير شريف إسوة بالموظفين السامين ..وقد حاولت هذه المجالس احتواء بعض الشخصيات المحسوبة على الحركات الإسلامية لتوظيفها في خدمة الإسلام الرسمي.
والجدير بالذكر أن هذه المؤسسات كانت أغلبها مشلولة ،لكم تم بث الروح فيها وأصبحت وسيلة للتعبير عن الإسلام الرسمي ،فكلنا نتذكر بياناتها وبلاغاتها المنددة بخطة إدماج المرأة في التنمية وبتفجيرات 16 ماي .
5+الزوايا :والتي تقيم "صلحا دائما مع الدولة وليست لها أي مطامح سياسية " 99 وهي تحظى بدعم من الدولة بتكريس " إسلام شعبي متوافق ومدعم للإسلام الرسمي لذلك كان دعم المواسم المتنوعة وظهائر التوقير والهدايا وسائل مهمة للتأثير على نخب الزوايا التي تنتشر بكل مناطق المغرب لدرجة أصبحت جزءا "من السياسة الدينية الرسمية "99
2 الإسلام غير الرسمي: لقد بذل الكاتب مجهودات عميقة للإحاطة بالموضوع و محاولة لملمته رغم صعوبة ضبط العملية.
و عموما استطاع الكاتب التمييز بين التيارات التالية:
*تيار دعوي: ميزته أنه لا يتوفر على برنامج ما و ليس له "أي طموح سياسي بخصوص المساهمة في تدبير الشأن العام" و يمثله جماعة الدعوة و التبليغ فهو يدعو للإسلام "في سبيل الله "طلبا للمغفرة و الأجر .فنشاطه تربوي محض. لكن يبدو أن تصنيف هذا التيار للجانب الأول المتعلق بالإسلام الرسمي أقرب للإسلام غير الرسمي.
*تيار الرفض المنهجي: و هو يرفض التصور العام للدولة و يحاول بشكل أو بآخر نزع سترتها الدينية ،كما يحاول المزج بين التربية الدينية و الطموح السياسي السلمي، لكن الرافض في نفس الوقت لأي انخراط في المؤسسات لأنه لا يعترف بشرعيتها و يصفها بالشكلية دوما.ويمثل هذا التيار جماعة العدل و الإحسان التي اشتهرت برسائلها إلى ملك البلاد السابق و الحالي,فإذا كانت الرسالة الأولى "الإسلام أو الطوفان" قد تم التعامل بها بعنف من العهد السابق تجلى في إدخال صاحبها لمستشفى الأمراض العقلية و الإقامة الإجبارية مما أدى إلى ارتفاع شعبيتها و اتساع أنصارها خاصة بعد حظر منشوراتها . فإن الرسالة الثانية"رسالة إلى من يهمه الأمر" قوبلت برد عادي مما جعل أفق معارضتها خاصة بعد رفع الإقامة الإجبارية عن زعيمها و السماح له بالتحرك في البلاد يبدو مغلقا مما يهدد وجودها رغم المحاولات الجارية لتطوير ذاتها و التكيف مع الواقع لدرجة أن أصبحت ابنة الزعيم تحاضر في الولايات المتحدة .
و يلاحظ أن التيار يحاول تقديم ذاته حاليا على أنه ناضج سياسيا ومسؤول خاصة أنه لم يعد يعتمد على العنف كما كان في بداية التسعينات..
تيار العنف: و هو ينبني على" الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باعتماد العنف أولا و أخيرا" و قد استلهم هذا التيار الذي بلغ أوجه في هجمات البيضاء 16 ماي منهجيته الفكرية من تيار عبود الزمر المصري زعيم حركة التكفير و الهجرة والمحاكم بالمسؤولية عن اغتيال الرئيس المصري السابق السادات.فحسب هؤلاء" المجتمع كافر و عاج بالطواغيت و على مختلف الأصعدة, فهجرته واجبة شرعا و الاقتصاص منه جهاد في سبيل الله يقود إلى الشهادة "ــ كما هاجر الرسول ــ و محاربته و الانتقام منه لإصلاحه.
و قد تم تطويق التيار بعد الاعتقالات الواسعة التي تعرض لها بعد ماي 2003 أطره و منخرطوه.خاصة أنه بدأ فعلا في تكوين خلايا مهمة مستفيدا من قدرات التأثير الخطابية لأبرز زعمائه خاصة الفيزازي , و أبو حفص...
تيار المشاركة السياسية: و يتمثل في حزب العدالة و التنمية و قد حاول الكاتب رصد أبرز المحطات التي قطعها الحزب للوصول إلى هذه المرحلة.
يؤمن هذا التيار بضرورة المشاركة السياسية من داخل المؤسسات و الابتعاد عن العنف. و قد تطور هذا الحزب بشكل كبير مستفيدا من ضعف الأحزاب التقليدية المغربية و فسادها على جميع الأصعدة. فأصبح له فريق برلماني عريض و جريدة يومية و منظمات جمعوية و نقابية و نسائية موازية. و إن كان يتهم من التيارات السابقة بأنه دخل تحت معطف السلطة الناعم و أصبح يزكي"الإسلام الرسمي" من خلال التدجين الذي خضع له أطره سواء عبر المشاركة في الدروس الحسنية الرمضانية أو المساهمة و الاستفادة من ميزانية وزارة الأوقاف من بوابة تأطيردروس الحج و لفائدة الجاليات المسلمة خاصة أن الحزب يؤمن بضرورة التشبث بالمذهب المالكي الذي ارتبط به المغاربة تاريخيا خلاف باقي التيارات التي ترفع شعار لا مذهبية في الإسلام.
لكن يبدو أن هذا الحزب بدأ يتجه نحو أن يصبح عاديا كالأحزاب الأخرى. فقد خضع مرات عديدة لتوجيهات الداخلية و لم يتردد زعيمه الخطيب في تسليم أحد المطلوبين من تيار السلفية و هو حسن الكتاني حفيد أحد الموقعين على وثيقة الاستقلال.كما عرفت ديموقراطيته الداخلية تعثرا خطيرا تجلى في انضباطه لتوجيهات الحكم بعزل مصطفى الرميد أحد أقطابه من رئاسة الفريق البرلماني رغم انتخابه ديموقراطيا. كما أن انفصال حزب اليقظة والفضيلة مؤخرا بقيادة أحد قادة الحزب يبرهن أن الحزب يعيش اختلالات عديدة لا تقدر الصورة الرسمية إخفاءها.
و ضمن نفس الإطار يدرج الكاتب حزبا البديل الحضاري و الحركة من أجل الأمة ...
ومما يلاحظ عل الكاتب أنه تجنب الحديث عن الصراعات الحاصلة داخل نفس التيارات
ترى كيف تعاملت الدولة مع نخب هذا الطيف الديني؟
رصد الكاتب سلوكات عديدة و هي:
1 ــ ضبط المجال: فمن الناحية الإعلامية و التربوية. لا حضور إلا حضورها من خلال التحكم في خطباء المساجد ــ الذي كان بعضهم إلى عهد قريب لا علاقة فكرية بينهم و بين وزارة الأوقاف ــ فقد أصبحوا مع القيمين تابعين رسميا و موظفون لدى الوزارة يكتفون بتلاوة الخطب التي ترد عليهم و إلقاء الدروس في المواضيع التي تقترح"من فوق" وفق توجيهات خاصة فلا مجال للاجتهاد لديهم , بل الأمر أصبح متعلقا كوسيلة إعلام للدولة, فقد بدأ الخطيب يتحدث عن "حملات التلقيح و التصويت لصالح الاستفتاء..." كما أن إلقاء المواعظ أصبحت تتم بتراخيص خاصة ،علما أن المساجد أصبحت مفتوحة ــ لا في كل وقت كما كان تاريخها يشهد على ذلك ــ في أوقات الصلاة فقط, بل يمنع الاستفادة منها في أي شيء آخر مما حول المسجد يقول الكاتب إلى "فضاء تعبدي طقوسي محدود في الزمن و الأثر"101
2 ــ التوظيف في الصراعات: لقد شكلت النخب الدينية بمختلف تلاوينها عنصرا هاما داخل الصراع السياسي بالمغرب. فقد استعملت لضرب معارضي النظام بطريقة أو بأخرى و قد ذكر الكاتب بواقعة اغتيال عمر بن جلون ضمن جهود الدولة لضرب المد التقدمي آنذاك و الذي نقدته جماعة إسلامية انطلاقا من فهم خاص للدين في علاقة الآخر به. مما مكن النظام بعد ذلك من توظيف الحدث للتخلص منها نهائيا أو طمس توظيف الدين في الجامعات ,كما لا ننسى صراعات النخب الدينية ضد خطة إدماج المرأة و كيف تم توظيف الحركات الإسلامية و استنفار المؤسسات و النخب الدينية الرسمية لتحطيم مشروع حكومي حاولت حكومة "التناوب" تطبيقه بالمغرب من خلق بلبلة داخل المجتمع استمرت شهورا عديدة في إطار مسرحية محبوكة كان الخاسر الأكبر فيها هو الزمن المغربي الضائع.
و في هذا الإطار يمكن التذكير بالصراع الذي كان دائرا بين وزير الأوقاف السابق و الأحزاب "التقدمية" حيث كان الصحفي و الباحث "محمد المرابط" يهاجمه من رؤية دينية على صفحات جريدة يسارية ,مما أهله بعد ذلك لكي يتم تعيينه مندوبا جهويا لوزارة الأوقاف ضدا على النخب الدينية نفسها بالمنطقة –التي عارضت التعيين -. ترى هل الهدف من توظيف الدين في الصراعات هو إيجاد موطئ قدم للتدخل ؟
3 ــ تشجيع الإسلام الطرقي عبر"دعم الإسلام الزاوياتي"113 : انطلاقا من وجوب تأكيد حضور الدولة في كل الفضاءات وملء جميع الفراغات المحتملة فقد سعت " لتمييع الفعل الديني و إغراقه بثلة من المتنافسين الذين يدخلون مباشرة في مواجهات ثنائية و ينتهون بالتالي من مواجهة الدولة"103 .فقد عملت الدولة على مساندة الزوايا و دعم مختلف الطرق الدينية المتصوفة و غيرها و هكذا نلاحظ في كل مكان مواسم عديدة "لأولياء صالحين" يحضرها العمال و ممثلو الملك ــ و تحظى بتغطية إعلامية ,ناهيك أن هذه الأعمال التي تتم باسم الدين تتهمه جهات غير رسمية بالبدعة والخروج عن الطريق المستقيم
فمالحكم إذن في مثل هذه التساؤلات ؟ ومن له شرعية إصدار الحكم الشرعي عليها ؟؟
4-تشجيع الإسلام الوهابي يهدف هذا الأسلوب حسب الكاتب إلى "إغراق النسق الديني بالكثير من الرموز التي تفقده الوحدة والانسجام وتجعله يخوض في صراعات هامشية ،بحيث يصير للقضية الواحدة والبسيطة أكثر من رأي وتفسير ،وفي ذلك زعزعة مباشرة لمشروعية الكل بحيث تصير أسهم المشروعية موزعة بين الجميع بأقساط متساوية وهو مايفيد النظام لضمان احتكارية الحقل الديني "104
وقد تجلى هذا الأسلوب في السماح – خاصة قبل 16ماي - بترويج أشرطة و أقراص ممغنطة تتضمن فتاوي عديدة مصدرها علماء سعوديون موالون للمذهب الوهابي بأسعار رخيصة جدا في الأماكن العمومية (دار الشباب /الحافلات /الأسواق /معارض جمعيات...) وجعلها في المتناول مما يؤدي بالمتلقي البسيط إلى التيهان المطلق في أمور بسيطة تبعده مرحليا في غياب للمعنى عن أوضاع المجتمع الحقيقية .ونجد لذلك أثرا كبيرا فالنقاش في أمور اللحية والقبض في الصلاة قد يكون أعمق بين الناس من كيفية تنمية المجتمع المتخلف...مما يذكر بالنقاش العقيم الذي شهدته فاس في 1907 فحين كان المستعمر الفرنسي يضع اللمسات الأخيرة للسيطرة على المغرب كان الفقهاء يتجادلون حول الدخول للمسجد وهل يجب أن نسبق الرجل اليمنى أو اليسرى.......!!..
5-المنع والتهميش إنه أسلوب خاص موجه للذين يرفضون الإنصياع للمشروعية الرسمية ،ومن يحاول التشكيك فيها ،ويحاولون توظيف الدين في مواجهة الدولة بشكل أو بآخر خاصة أن "استعمال العنف "في هذه الحالة لا يكون سوى ضد تيار الرفض والمواجهة .
والتاريخ المغربي حافل بهذا الأسلوب "ضد نخب تحاول كسر احتكارية الدولة للدين وتقديمه في إخراج جديد يتناقض مع الإخراج الرسمي " ويقصد هنا الشبيبة الإسلامية والمواجهة مع العدل والإحسان في الثمانينات والتسعينات وصولا للجماعات السلفية بعد أحدا ث16ماي الإرهابية .
كما أن الدولة لم تتردد في إقفال مساجد ظلت "خارج"سيطرتها الرسمية ومنع شخصيات دينية من التحرك بكل حرية ،أو السماح لها بتنظيم دروس أو محاضرات بكل حرية ،أو السماح بترويج "بضاعتها "في الجرائد
أو الأشرطة والأقراص.....
وطبيعي جدا ألا تلجا الدولة إلى هذا الأسلوب يوضع الباحث العطري إلا في حال "انتفاء صلاحية وفعالية الآليات الإدماجية والاحتوائية "104
و يحاول الكاتب وضع تقييم شخصي لخلاصة الآليات التي تعاملت بها الدولة مع النخب الدينية و يخلص أنه "رغم احتكار الدولة سلاح القمع...وتقنيات الفرملة و الإدماج " فإن الحركة الإسلامية لم تنطل عليها كل الحيل و الأساليب الإدماجية و لم يتم الانتهاء منها كليا بل بالعكس أثبتت حضورها و فرضت إملاءاتها أيضا في سياق التفاوض و بناء المصالح"105 و مع احترامنا الشديد لوجهة النظر هذه لكننا نعتقد أن الحكم استطاع بشكل أو بآخر اختراق هذه الحركات و وضع لها سياجا تتحرك داخله دون أن تحاول تجاوزه و يمكن جرد مجموعة من الآليات و الإشارات الدالة على ذلك:
1ــ لقد استطاعت الدولة خلق انشقاقات داخلية داخل الحركات الإسلامية مما عمق أزمنتها الديمقراطية الداخلية.و الدليل هو خروج العديد من العدل و الإحسان بزعامة المرحوم البشيري / انشقاق الخالدي عن العدالة والتنمية ، و الدليل أنه من الناحية القانونية أصبحت لنا أربعة إطارات سياسية قانونية تدعي الحديث باسم الإسلام وتعتمده مرجعية لها.
2 ــ لقد تمكنت الدولة كذلك من كسر الشوكة الجماهيرية للإطارات بطرق شتى: فمن ناحية العدل و الإحسان أدى رفع الإقامة الإجبارية إلى سحب جزء كبير من الغطاء المعنوي الذي تختبئ فيه هذه الجماعة .كما أن "احترام" العدالة و التنمية للتوجيهات الداخلية بخصوص نسب التمثيلية في البرلمان قد حد مطلقا من طموحاتها لاكتساح الساحة السياسية.
3 ــ إننا نعتقد أن دخول العدالة و التنمية في ورش المسلسل الديمقراطي يخدم الدولة أكثر من الحزب نفسه. فهو يظهرها في وضع ديمقراطي حقيقي بما يطرحه التواجد من داخل المؤسسات من احترام القواعد و الأعراف المتواضع عليها في التعامل السياسي. و هكذا لاحظنا كيف صمت الحزب عن الاعتقالات التي طالت الإسلاميين عقب 16 ماي و منها بعض رموزه و صوت كالآخرين على قانون الإرهاب وقوانين أخرى ...رغم المؤاخذات المسجلة عليه..
4 ــ كيف يمكن فهم تخلي الحزب عن رئيس فريقه المنتخب ديمقراطيا؟ إن لم يكن يعني ذلك أنه انضباط تام لأوامر الداخلية و لعبه ضمن موقع محدد له على خارطة الشطرنج المغربية.
العطب الديني
كغيره من الحقول المجتمعية لم يسلم الدين من عطب خاص جعله غير نؤهل لتمثل الأدوار المنتظرة منه ،فأصبح بعيدا نسبيا وهو ونخبه عن الشأن المجتمعي العام وبقي المنتظر منه – رسميا على الأقل – هو تأكيد "المشروعية وضمان استمرار النسق العام "99
وقد حاول الكاتب رصد بعض مظاهر هذا العطب فيما يلي
رسمية النخب :فأغلب المثقفين "الدينيين "محسوبون على الصف الرسمي ومحدد لهم رقعة الملعب الخاصة بهم لذلك أصبحوا في خدمة الدولة ،بل يمثلون ويفعلون أجهزتها الدينية الخاصة ،فقد تخلوا عن الأدوار التاريخية المنتظرة منهم في النصح وقضايا الفساد ، لذلك يستحضر الكاتب بعض رجال الدين عبر التاريخ وكأنه يومئ :أيننا من علماء أجلاء " كالفقيه أبي زكرياء يحيى الحاحي الذي وجه رسالة انتقادية لممارسات السلطان زيدان السعدي والفقيه الحسن اليوسي الذي وجه رسالة إلى السلطان مولاي إسماعيل "93 فالمشهد المغربي حاليا ينعدم فيه هؤلاء لاسيما أن الذين حاولا إتباع منحاهم يحاولون توظيف مسؤولية " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "التي يقومون بها لإكتساح مواقف سياسية أو دعم حركة سياسية وفي هذا الإطار يمكن إدراج رسالتي عبد السلام ياسين إلى ملك البلاد اللتين تفادى الكاتب التعليق عليهما وتحديد أي إطار تندرج فيهما خاصة أن المعني " تعرض للمحن والمضايقات بسبب آرائه ومواقفه ..في أمور تدبير الحكم" 93
وعلى صعيد آخرا هل التعامل مع النخب ينبغي أن يكون انطلاقا من مواقفها أو من مواقعها المختلفة ؟
هنا يطرح إشكال خاص أدلى فيه الأستاذ الخمليشي في حوار أخير مع صحيفة الصحيفة العدد 26 حيث صرح أن ينبغي "أن يركز على هو مضمون مايقدمه كل طرف وكل شخص للحكم على الرأي وليس على الشخص من حيث كونه تابعا للدولة أو غير تابع لها "
لكن وبقليل من البساطة المعقدة نجيب على هذه الرؤية بالتساؤلات الآتية :
:هل يمكن أن يصدر الشخص موقفا خارج موقعه ؟ أليس الموقع هو الذي يحدد الموقف ؟؟؟
أليس الإصلاح الذي خضع له الحقل الديني هو توظيفه ليكون تحت الطلب فعلا لاسيما أن مجال التأويل شاسع جدا ويتسع لكل الظروف والملابسات التي تسمح بتبني كل وجهات النظر ؟؟؟؟
2+هزالة الإنتاج :إن الملاحظ حاليا أن أغلب الأبحاث المرتبطة بالشأن الديني اتجهت نحو المنحى الأخروي الغني في ابتعاد واضح عن هموم الشعب المغربي وانشغالاته الأساسية لذلك لاغرابة أن نجد الخطب الدينية والبرامج العلمية تتجه للعناية بالجانب الدعوي النظري المحض دون محاولة لربطه بالواقع ،وبحث كيفية توظيف الإسلام للخروج من التخلف المجتمعي ، مما أدى حسب الكاتب إلى إنتاج " إسلام تعبدي طقوسي لا يمتد إلى مساءلة الواقع السياسي " 92
ومن الغريب أن الحقل الديني يسير على خلاف ماطالب به الملك الراحل الحسن الثاني حين خاطب في سنة 1981 المجالس العلمية طالبا منها " ألا تبقى منحصرة في نواقض الوضوء وموجبات الغسل ..وأن تواجه الغزو الحضاري والمادي ..".
3+ترسيخ التصور الرسمي للدين ومحاربة الاتجاهات الأخرى :من خلال وسائل متعددة أهمها زرع شعب الدراسات الإسلامية في الجامعات المغربية منذ التسعينات ودعم المؤسسات القائمة كجامعة القرويين بتاسيس فروع لها في اكادير وتطوان ومراكش إضافة لدار الحديث الحسنية ...مقابل محاربة شعب أخرى قد تنتج – "الوعي الشقي "– مايلائم تطور العصر الكفيل بإخراج البلاد من ركب التخلف الذي تسبح فيه منذ سنوات .
إن الهدف الأسمى حسب الكاتب هو "إنتاج نخب من الدرجة الثانية تستعمل عند اللزوم كفزاعة في وجه "أعداء الدين " أو لتلبية حاجيات النظام خلال عمليات الضبط والإحتواء الديني "93



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نخبة النخبة بالمغرب
- العطب المدني والثقافي في المجتمع المغربي من خلال صناعة النخب ...
- الأحزاب المغربية ومتاهات السياسة من خلال كتاب صناعة النخبة ب ...
- البدون التائه
- قراءة في كتاب صناعة النخبة بالمغرب للكاتب عبد الرحيم العطري
- تساؤلات حزينة
- التقرير العام للملتقى الأول للمرأة
- رسالة إلى مثقف
- ملاحظات حزينة في ذكرى ثامن مارس
- كيف أصبح يوم 8 مارس يوما عالميا للمرأة ؟؟؟؟
- الإرهاب الآخر
- مالك الحزن
- التقرير العام للمنتدى الأول للشباب
- شارون والعرب ومعضلة النسيان
- مارسيل خليفة :التراث الخالد
- أنا أو الطوفان
- ملاحظات حول الحركات الإسلامية بالمغرب
- المثقف في زمن اللامعنى
- كل عام ..............ونحن...........
- الطفلة الكائن المقهور


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد البوزيدي - الخريطة الدينية بالمغرب من خلال صناعة النخبة بالمغرب