|
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (74)
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6185 - 2019 / 3 / 27 - 21:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
و من هنا، كما كان عصر الخلافة العباسية في مرحلتها الاولى و بالاخص في عصر مامون هو العصر الذهبي لظهور ترجمة المؤلفات الاجنبية على المستويين الفلسفي و العلمي، فبالشكل نفسه كان عصرا ذهبيا لتطور العقلي الاسلامي، شهد هذا المجتمع انفتاحا امام المذاهب و الاديان المختلفة بشكل غير مسبوق و ليس له مثيل في تاريخ السلطة الاسلامية و حتى السلطة الدينية بشكل عام. و في هذا الاطار بذاته، ان هذا التاريخ بشكل محدد و في عصر سلطة مامون، كان هذا اقدم حوار لاهوتي بين شخصية اسلامية و مسيحية وصل الينا، و الذي عُرف بعدة اسماء ، كما هي رسالة ( عبدالله اسماعيل الهاشمي المسلم الى صديقه المسيحي عبدالمسيح ابن اسحاق الكندي في عصر المامون) او رسالة الكندي في اواسط القرن الثالث الهجري. و اقدم مصدر الذي يشير الى تلك الحوارات هو البيروني الذي عاش في نهاية القرن الرابع و النصف الاول من القرن الخامس.(50) و من المحتمل ان الشخص المسلم كان ابن عم مامون كما يشير الى ذلك الشخص المسيحي. (51). في هذه الرسالة الشخص المسلم يمدح كثيرا الدين المسيحي و ايمانهم، و يظهر حبا جما لهم و يتحدث عن ان النبي طلب من المسلمين ان يحترموا المسيحيين و يظهروا حبهم لهم. بعد ذلك يدعوه الى الايمان بالاسلام و اركانه الخمس. و هذا من اجل الدخول الى الجنة و السعادة الابدية و الابتعاد عن عقاب الجحيم و عذاباتها. بعد ان يوضح ذلك بالتفصيل، من ثم يطلب منه بكامل حريته و بعيدا عن اي خوف ان يجيبه حتى و ان لم يثق به فليدافع عن عقيدته و دينه و يطرح دلائله، لكي يراها هو ايضا و يناقشه عليها. و في النتجية يقول؛ نحن موافقون بما يقرر العقل لنا، او ضدنا، لانه لا توجد القوة في الدين، انا لم ادعك الى الاسلام لكي اشجعك على ما عندنا فقط و انما كذلك لكي توضح لنا ايضا انت كل سيئاتنا (52) و في جواب الشخص المسيحي يمدح رسالته و يشكره على ما كتبها بهذا الشكل الجميل والمقدر. و من بعد ذلك يجيبه و يوضح العقيدة المسيحية. و من جمع استجابته ينتقد نبي الاسلام بدون ان يذكره بالاسم بل يسميه بصديقك، من ثم ينتقد القرآن و يقول انه اخطا حول العقيدة المسيحية و قد اُخذ المعلومات من اليهود (53) ينتقد بشدة نبي الاسلام و يقول انه غير حقيقي. ( غزواته، اغتيالاته، زوجاته، معجزاته، مرتدوه، و يجعل من كثير من الاشياء الاخرى دليلا على عدم احقية النبي، جمع القرآن و اخطاءه، مع الانتقاد الشديد عن اركانه الخمس و الشريعة، و هذا يثبت انه في ذلك العصر كانت هناك حرية التعبير عن المواقف الدينية و الحوارات، بشكل ان شخصا مسيحيا يجرا على انتقاد المباديء الدينية الاسلامية بشكل علني و واضح و يرسله برسالة الى شخص مسلم، وهو ابن عم الخليفة مامون! رسالة الحوار الكندي ( بلا شك انه لم يكن الكندي الفيلسوف المعروف) مع مسيحي في عصر مامون انه حدثٌ في تاريخ الاسلام لم يتكرر. بعد هذه الخليفة المعتزلي لم يتكرر شيئا مثل هذا ابدا ( 54) و حتى مُنع هذا الكتاب بعد ذلك و واجهته السلطات باقسى طريقة، و في عصر ما في مصر، ان عُثر على هذا الكتاب فاُهدم البيت و الاربعين من حوله وفق قانون الشريعة، في الوقت و بعد مجيء الخليفة العباسي السلفي المتوكل و تحت تاثير احمد ابن الحنبل من اهل الحديث، لم ينته تقليد الحوار فقط و انما لم يبق لدى المسيحيين كما هو كافة المجموعات الدينية الاخرى اي حق طبيعي و كما سنذكره فيما بعد. لا يمكن هنا ان لا نشير الى( ابو رائطة التكريتي) المسيحي وان لا نتحدث عن كتابه ( راسلة في الثالوث المقدس) في العصر ذاته، و الذي كان في اساسه شخصية كلامية لاهوتية مسيحية، انه كتب هذا الكتاب كرد عن شخص معتزلي، و يقول له ان يوضح ذلك له بعقل الدين المسيحي. و وفق بعض المخطوطات ان هذا الشخص كان ( ثمامة بن الاشرس)، و هو الشخصية المعتزلية الاقرب الى مامون ( 55). و هذا ايضا دافع عن العقيدة المسيحية بمؤلفه هذا. و استند على المنطق الارسطوي و المعطيات الفلسفية اليونانية، في النصف الاول لقرن الثالث الهجري. و هو احد اقدم المؤلفات المسيحية باللغة العربية و وصل الى يومنا هذا. لذا عندما كتب سكوني كتابه الخاص حول الحوارات عند المسلمين، و هو في محتواه عبارة عن مئة وستون حوارا، وكما هو اشعري مناويء لاهل الكلام و بالاخص القدري، يروي العديد من الحوارات و النقاشات اللاهوتية و الفلسفية منذ اول خليفة عباسية الى عهد هارون الرشيد و بالاخص المامون مع الشخصيات المسيحية و اليهودية و المجوسية ( 56), كل هذا يشير الى حقيقة في ذلك العصر انه كان عصرا للتنمية و التطور و تقليد الحوار و الشكل الخاص للتعايش و في النهاية التنمية الفكرية.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (73)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (72)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 71)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (70)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (69)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 68)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (67)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (66)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (65)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 64)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 63)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 62)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (61)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (60)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (59)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (58)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 57)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (56)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (55)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها ( 54)
المزيد.....
-
جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات
...
-
أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
-
-بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي
...
-
كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص
...
-
دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
-
هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا
...
-
استئناف حركة المرور بين تونس وليبيا بعد غلق المعبر لإجراءات
...
-
-استعدادات الصين العسكرية لمواجهة الغرب-.. فيديو متداول يثير
...
-
الكرملين يرفض زعم أرملة نافالني بموته مقتولا
-
أوباما في لندن بزيارة مفاجئة ويلتقي سوناك في -داونينغ ستريت-
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|