أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - نظرات في العبودية















المزيد.....

نظرات في العبودية


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6092 - 2018 / 12 / 23 - 00:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يخطئ الإنسان في تصور ما بقدر خطأه في تصور معنى الحرية، فقديما كان ينظر للأحرار على أنهم ليسوا أرقاء وعبيد عند الغير، ولم يكن العقل الإنساني قد نضج بعد ليرى العبودية شئ بشع، بل كان ينسجم معها ومن أعظم الفلاسفة كعقلاء الإغريق وعصر النهضة الأوروبي..

نعم معظم الفلاسفة القدماء وفي العصور الوسطى إلى عصر النهضة لم يكونوا ضد (العبودية) كما نفهما أنها استعباد ورق واستغلال، بل أٌقروها لأسباب اجتماعية أو اقتصادية، وهذا يفسر عدم تعرض رسائل الأنبياء صراحة لتحرير العبيد كون هذا التحرير لم يكن مطروحا أصلا كمطلب إنساني، لكن التاريخ يشهد أن بعض الحكومات طورت مفهوم العبودية إلى (جندية) بمعنى استغلال العبيد في حروبهم مثلما فعل الأيوبيون والمماليك ثم العثمانيين بعد ذلك في كتائبهم المشهورة ب "الإنكشارية"

ولتفسير كيف حدث ذلك

فالحرية ليست لها معنى واحدا..هذا يتطور مفهومه عبر الزمن، فالحرية في زمن العبيد كانت حرية إقرار المصير لدوافع دينية أو قومية أو سياسية، أما قضية الرق هذه قضية اجتماعية لم تطرح على جدول الحريات، وساد اعتقاد إلى وقت قريب أن الله خلق البشر فريقين الأول ميزه بالحرية، والثاني قضى عليه بالرق، وهو اعتقاد طبقي دخل معظم الديانات، ما زالت آثاره حتى الآن في الهندوسية حيث يعتقدون أن طبقة العمال والكادحين (الشودرا) هي أحقر الطبقات لعقاب الرب لهم بما فعلوه في حياتهم السابقة طبقا لإيمانهم بالتناسخ.

وأما كيف تخلص الإنسان من العبودية فهذا كان على مرحلتين:

الأولى: الاستعمار الغربي لشعوب العالم بدءا من القرن 16 مع ظهور الاكتشافات والقارات الجديدة.

الثاني: الثورة على الأديان في القرن 19

فالاستعمار ساهم في شحن العبيد والأرقاء لأوروبا وأمريكا، والتمييز ضدهم كشعوب وصل لحد الظاهرة وليس مجرد كونه عملية تربح أو كفالة، ثم وعندما ثار الإنسان على المعتقدات في عصر الصناعة وشيوع الأفكار المادية تخلص بالتبعية من هذا التقسيم الإلهي –المشار إليه عاليا – وفطن القادة والمفكرين لأول مرة أن هذا التمييز ظلم لا يجب أن يستمر، فشرعوا في مكافحته إلى أن كللت ثورة الأمريكيين ضدها بالنجاح.

وهذا تأصيل لكيفية ورود الرق في القرآن – مثلا – دون إنكار، لكونه وجودا متسقا مع طبيعة البشرية وقتها، لكن بالقراءة الجيدة للقرآن يلمح أنه شجع على تحرير العبيد بطرق منها الكفارات والمنح الإنسانية مثلما سيقت في قصص تحرير عبيد لأبي بكر الصديق، بخلاف بعض فلاسفة الغرب الذين (نصروا) العبودية صراحة كهيجل وكانط وهوبز وماركس وهيوم..فينسى البعض هذه الفعل منهم ويشنون هجوما على القرآن لإقراره الطبقية في الأحكام، مع أن هناك فارقا بين الإقرار والنُصرة، الأولى أقرب لموائمة الظرف دون إبداء رأي، أما الثاني فتعني الانحياز وربما التأصيل الفكري.

وأما لماذا تأخر المسلمون في تحرير عبيدهم عن الغرب فلأن معتقدهم الديني منعهم من ذلك، وطوال حقبة سيادة هذا المعتقد أصبح المبرر موجودا للعبيد، ويمكن القول أنهم تخلصوا من العبودية ليس إقرارا منهم بحُرمة ذلك في الدين أو تعارضه مع العدل والإنسانية، بل لأنهم يوائمون ظرفا عالميا أصبحوا جزء منه بعد تشكيل عصبة الأمم ثم مجلس الأمن والأمم المتحدة المنبثق عنها مجالس حقوق الإنسان، فالذهنية الإسلامية كانت – ولا زالت – تخلط بين الدين وكل شئ..بما فيها الاجتماع، والعبودية شأن اجتماعي فأصّل الفقهاء لها بابا في الفقه يدعى بفقه ملكات اليمين، ثم تناولوا الرقيق كشأن ديني مما ساهم في تعطيل التخلص من هذه الآفة لوقت متأخر بل لا زالت تمارس خارج القانون في دول مثل موريتانيا والسودان واليمن.

ولأن المسلمين كانوا متخلفين فكريا للحد الذي منعهم من النظر في دينهم بشكل نراه الآن في الفضائيات ونقد الموروث وكتب الأحاديث والتفاسير وغيرها، فهذا الجهد التنويري في الإعلام والإنترنت استهدف علاج العمى الإدراكي الذي منعهم من اكتشاف حقيقة العبودية بالأساس، بدليل أن خصوم هذا الجهد لا زال البعض منهم يؤمن بالعبودية في شكلها القديم، ويستحدث أنواعا جديدة منها بالتمييز الديني والقومي ضد الأقليات والمخالفين بشكل عام، بل وفي بعض الدول يبررون للحكومة منعها لكافة صور المناصب والثروة عن تلك الأقليات.

فإذا كان هذا موقف الأصوليين مفهوما فكيف نفهم موقف بعض اللادينيين الذين يرون أن أي جهد للمساواه في الغرب مع المسلمين هو في ذاته ضعفا وغباءا وقلة حيلة، مثلما ينتقدون إيمان الأوروبيين بحقوق المسلمين، وصعود مسلمين لعضوية الكونجرس..هنا بقايا العبودية والعيش في كنف الدين القديم عدة قرون، وكأن لادينيو العرب هم أصوليين في الحقيقة، ومثلما ينتقدون أصولية المسلمين (وعبوديتهم) لدينهم هم يعانون أيضا من شكل آخر للعبودية وهو (عبودية الذات) ليس تعميما ولكنها مقاربة، فالاتجاهات اللادينية متعددة في رؤيتها لقضايا العبودية، ومثلما يؤمن البعض منهم بضرورة قهر المسلمين، يرى البعض الآخر بضرورة مساواتهم كبشر، ولا ذنب لهم في عقائد موروثة يمكن حل مشاكلها بالقانون وجهود التنويريين معا.

ومفهوم عبودية الذات هذا لا أراه منسحبا فقط على الشخصية والسلوك والأهواء، بل يتعداه للأفكار، فالمؤمن بالفلسفة المادية مثلا ويستغرق فيها لحد إنكار كل الفلسفات الأخرى أو عدم احترامها هو (سجين) أفكاره ، ولا يملك الإرادة لكي يكسر أهواءه تلك بمراجعة نقدية، فالبشر على كافة انتماءاتهم يكرهون النقد كطبيعة.. ولا يشذ عن ذلك إلا الإصلاحيين وأصحاب النفوس المسالمة روحيا، في حين يحتاج الآخرون لجهدا عظيما للانتقال إلى سلامهم الروحي والإيمان بالآخر، وفي ظني أن هذا الانتقال يحدث غالبا بالصدمات والتجارب..فلا فارق إذا بين عاقل وجاهل..الجميع يتغير بالصدمات.

أختم بأن لفظ "العبودية" كانت له دلالة دينية عند المسلمين، بمعنى أن عبودية الإنسان لله لا تتحقق إلا بشروط منها كذا وكذا، وقد فصل ذلك الشيخ ابن تيمية في كتابه "العبودية" ولإيقاع هذا اللفظ الآن سلبيا فقد يستغرب البعض أن ابن تيمية كتب عنه سائلا هل كان يوافق أو يعارض، وفي الحقيقة ابن تيمية لم يتكلم عن الرقيق في هذا الكتاب، ولكنه فصل أحكام العبادة وشرائطها كما يراها فقهيا وعقائديا وسلوكيا، وبرغم أنه أقر عبودية الإنسان للإنسان في كتاباته – وهذا طبيعي بحكم زمنه – فقد أسهب في تحقيق العبودية لله – وهذا طبيعي لكونه فقيها

ومبعث الاستغراب هنا أن لفظ "عبد وعبيد" كان يطلق على الرقيق منذ قديم الأزل، بما فيهم طبعا زمن ابن تيمية، فعندما يتناولوه إلهيا فهو بمعنى "العبادة"، أما اجتماعيا فهو بمعنى "الخدمة والتملك" هنا أصبح منطوق اللفظ واحد بمعنيين في النفوس متناقضين تماما، وهذا يؤكد تطور الألفاظ واللغات والعقائد حسب الزمن، بدليل ما سقناه عن إيمان الفلاسفة بالعبودية، وكأن شيئا مشتركا جمع فقهاء الأصولية وفلاسفة التنوير في موقفهم من الرق وهو (الزمن)



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرات في تاريخ وفلسفة الوحدة
- دراسات معاصرة في الفرق الإسلامية
- كيف أصبح المسلمون في مصر أغلبية؟
- موقف الإسلام من المرأة في ضوء آيات المواريث
- اتّباع الرسول ما بين الفئ والغنيمة
- الصلاه بدون فاتحة جائزة
- قصة اللجان الألكترونية
- في رحاب طه حسين
- الترجمة وتحدياتها المعرفية
- عشرة أدلة للعلمانية من الفقه الإسلامي
- اليمن تعني مأساه
- اتفاقية بحر قزوين..جدار الحياه
- مصر ليست للبيع ياتركي
- دونالد ترامب..المشكلة والعلاج
- فلسفة عاشوراء..دراسة نقدية
- الهيمنة الذاتية والموضوعية في الحديث النبوي
- تعلموا من الشيوخ
- تطور الصهيونية
- أكذوبة المهدي المنتظر
- في الذكرى الخامسة لفض اعتصام رابعة


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - نظرات في العبودية