أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - عمتي و الملك














المزيد.....

عمتي و الملك


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 6002 - 2018 / 9 / 23 - 21:08
المحور: الادب والفن
    


عمتي و الملك
مظهر محمد صالح

أصبحت نزهتي الوحيدة هي أن أتناول إفطاري الصباحي مع عمتي التي غادرت في السنة الماضية ميلادها الرابع بعد التسعين قبل ان ترحل ،فقد ظلت تمسك حتى اللحظة الاخيرة بمساحة عريضة من لب عقلها في القدرة على حفظ تواريخ ميلاد شجرة العائلة فرداً فرداً وهم بالعشرات ولم يتبدل حالها ونفاذ بصيرتها أو قوة تفكيرها منذ أن أفنت أكثر من 40 عاماً في تدريس علوم الرياضيات لتلاميذ مدارس العراق.
فعندما تقترب بالجلوس منها، يبدأ المكان كله يأمرك بالاقتراب والسماع الى شعاع المحبة المنبثق من عينيها، فضلاً عن وضاءة وجهها وابتسامتها التي تحثك من فورها هي الأخرى على الاستماع إليها وهي تطرق الماضي على أكمل وجه، لتشاركها آمالها وآلامها في أوقات نهضت فيها بالمسؤولية التربوية والأسرية وهي في سن مبكرة.
قبضت عمتي على يدي ونحن على مائدة الإفطار وهي تستقبل يومها الأول من سنتها الرابعة بعد التسعين لتضع خطاها على سُلم النهاية لآخر من علم أجيال العراق ممن مازال على قيد الحياة، وهي تدفع بكلماتها قائلة: لقد استغرقت البارحة في نومِ طويل.. وأنا في غاية سروري كطفل ملقى تحت نور القمر، تكلله الأغصان الكثيفة الملتفة ببعضها والتي كانت هي الأخرى غارقة في الأوراق والأزهار. قلت لها إنه أمرٌ حسن أن يحلم المرء وهو يسترد أنفاسه في حديقة مكتظة بالشجيرات والأشجار في ليلة خالية من الظلمة. تبسمت وأجابتني: إني أفهمك، وهي تتناول قدح من القهوة، بعد أن لمحت في عينيها نظرة ثاقبة تفصح عن ذكريات عظيمة اضطرتها الى التوقف عن تناول قدحها، ثم أخذت تتطلع في وجهي من دون أن ترسم على شفتيها الغارقتين، في لون البن، ابتسامة تذكر، سوى لتجيبني انه لا مكان لي في هذه الدنيا إلا بيتك والعراق! ثم التفتت الى قدحها جانباً وقد أثخنته أخاديد القهوة التي ترسبت في أسفل القدح وهي تحمل ذكريات الماضي وألغَاز الحاضر. أدركت عمتي المستقبل وهي شابكة راحتيها حول ركبتها وتتطلع الى الماضي بعين رأت الدنيا فيها ثلاثة وتسعين عاماً ولم تفقد تلك العين جاذبيتها وألقها ونفاذها! فما كان عليَّ إلا أن أقبل يدها إكراماً وإجلالاً. رفعت عمتي رأسها بوجهها النحيل الفائض بالحيوية لتسرني يوم التقت بصبي صغير، قبل أكثر من سبعين عاماً، كان اسمه، فيما بعد الملك فيصل الثاني! قلت لها كيف التقيت الملك؟ أجابت عمتي، وهي تحدثني في جو مشحون بالذكريات عن الصبي اليتيم والأمل والسماء في ماضي البلاد البعيد، قائلةً: أرسل البلاط الملكي في أربعينيات القرن الماضي برسالة الى مديرة دار معلمات بغداد تلتمس فيها حضور من يرغب من نخبة الطالبات اللواتي سيصبحن معلمات المستقبل، للهو وقضاء ساعات قليلة مع الطفل الأمير او الملك الصغير.
وهكذا سارت الحافلة في يوم ما برفقة مديرة المدرسة الى قصر الرحاب لكي يختلط الملك الصغير مع نخب الشعب من الطالبات وهن يحملن في تلك اللحظة شفرة الاستقبال! سألت عمتي بعد أن أخذني الفضول للتعرف على الشفرة التي زود فيها فريق الطالبات عندما يتم اللقاء بفيصل! أجابت عمتي أن الطفل الأمير كان يحب أن يختبئ خلف الستارة ويفاجئ الجلوس بطلعته البريئة شريطة أن يبدي الحضور خشيتهم المصطنعة ويظهرون دهشتهم له! وهو أمر يبعث السرور في أنفاس الملك الصغير وهي المتعة البريئة الوحيدة التي كان يحبها الملك الصغير فيصل مع زائريه من ضيوف القصر الملكي. كان فيصل يود اطلاع زائريه على آخر اللعب التي يقتنيها من السيارات أو الطائرات أو القطارات وغيرها وهو يشرح لزائريه بشغف وسرور الطفولة كيف تعمل تلك اللعب الآلية! ضحكنا انا وعمتي على بساطة الحياة في العقود السبعة الماضية..
ولكن عمتي توقفت عن الكلام وأصابها الحزن فجأةً لتخبرني عن مصير آخر تلميذ في مدرستها من محلتنا كان قد تعلم على يدها، قبل أن تترك التعليم، وكيف كان من طلائع من سحقتهم الحرب في تلك الحروب العبثية في العقود الماضية. عندها سقطت دمعة عمتي على ضوء الشمس ولمعانها الذي انسحب من طاولة إفطارنا الى الجدار المجاور وهي تستذكر زمنا صامتا، وبإيجاز قاس تاريخا عسيرا لم يبق منه إلا ظل صورته!.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع السلمي لرأس المال:الفارس الأبيض
- تدخل الدولة في خلق السوق:-بوسكو - انموذجاً
- رصيف شارع المتنبي :قبضة اليد وأنامل الرحمة
- غرائب اقتصادية:الجنس الأسود والرجل الأبيض
- الصندوق السيادي الغاطس وضمانات التنمية الاقتصادية : العراق ا ...
- متلازمة الاحتياطيات الأجنبية وتمويل التجارة الخارجية في العر ...
- متلازمة الاحتياطيات الأجنبية وتمويل التجارة الخارجية في العر ...
- متلازمة الاحتياطيات الأجنبية وتمويل التجارة الخارجية في العر ...
- النار الأزلية !
- عجلة اليسار الاقتصادي ويمينه
- شجرة العسل..!
- ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الج ...
- ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الج ...
- ادارة مخاطر الموازنة العامة :تقييم المصدة المالية للعراق/الج ...
- مقايضة الديون بالطبيعة
- بنك الفقراء ...بنك الشغيلة
- الأرواح الحياتية:من سلوكيات المدرسة الكنزية في الاقتصاد
- قلم الرصاص:مفتاح العقل وشفرته
- الطبقة الرثة والإستبداد الشرقي في العراق/الجزء الرابع
- الماس:كارتل الثروة والحرب


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مظهر محمد صالح - عمتي و الملك