أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - كمال الجنزوري …. فارسُ البسطاء














المزيد.....

كمال الجنزوري …. فارسُ البسطاء


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5999 - 2018 / 9 / 20 - 15:27
المحور: حقوق الانسان
    



فاطمة ناعوت
Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

“الفارسُ"، يحتاجُ إلى دِرعٍٍ تحمي صدرَه وتذودُ عنه السِّهام التي تُصوَّب نحوه من نِِبال العِِدَى. لكنّ ثمّة فارسًا، من نوع فريد، لا يمتشقُ سيفًا ولا يتدثّرُ بدرع، ذاك أنه بلا أعداء. يتدرّعُ بالحبِّ والهتاف والتصفيق يحوط به من كلّ جانب، أينما ترجّل وحيثما جال. أعرفُ فارسًا من ذلك النمط الفريد. التقيتُ به في مكتبه البسيط الأنيق، الذي في بساطة قلبه وأناقة عقله. فسجّلَ التاريخُ لي أن القدرَ الطيب قد منحني مصافحة رمز إنساني وقيمة علمية وسياسية من نسيج خاص، لا يُمنحُ للأوطان إلا كلّ دهور، بشقّ الأنفس.
ولماذا بشقّ الأنفس؟ لأن شجرةَ الأقدار الكريمةَ قد تجودُ أحيانًا بالدُهاة ذوي العقول الجبارة، وقد تجودُ أحيانًا بالطيبين المتحضرين ذوي القلوب الرؤوفة. لكنها تغدو شحيحةً حين تقرّرُ أن تصنعَ المعادلةَ الفريدة، فيقترنُ الدهاءُ الفكري والسياسي مع التحضر والسموّ والطفولة القلبية. مثل ذلك النموذج البشري النادر، لا يعرفُ الدروعَ ولا الحراسات المشدّدة في الترحال، رغم ما يفرضُه بروتوكولُ المنصب الرفيع. وكيف يحتاجُ ذلك الفارسُ إلى درع، وهو يمنح زهورَ عقله، لصالح خير الوطن، ويمنحُ زهورَ قلبه لصالح بسطاء الوطن؟! لهذا يُجمعُ الناسُ على حبّه. وحتى الخصومُ الذين تتعارض مصالحُهم الانتهازية مع زهور العقل الذكي والقلب النظيف، لا يملكون إلا أن يحترموه، وإن خسِروا بسببه، وبارت بضاعتُهم الفاسدةُ أمام فروسيته.
في لقائي الأخير بذلك الفارس العظيم، في مكتبه بالدور الثاني من الهيئة العامة للاستثمار، سألني عن آخر كتبي وعن أحوال الدنيا والثقافة. وتشعّبَ بنا الحديثُ حول بسطاء الناس وهمومهم. وتذكّرتُ دورَه المشرّف مع طوائف الشعب المهمّشة، منذ كان وزيرًا للتخطيط ومرورًا بترؤسه لوزارات مصر وتنقله بين المناصب الرفيعة وصولا لأن أصبح أيقونة مصرية غالية مُتوّجًا بلقب (وزير الغلابة). قلتُ له إن البسطاء في بلادي لا ينسون أنهم كانوا في بؤره فكره، على مدار عقود طوال تنقّل فيها بين رفيع المناصب السيادية، ولم يتحوّل نظره يومًا عن هموم الفقراء والمُعوزين. وأخبرته أن مرافقي الشخصي من فريق عملي، حين علم أنني على موعد معك، ظلّ طوال الطريق يتحدث عنك وعن مواقفك الكريمة مع بسطاء مصر. وأنه شدّد عليّ في أن أنقل لك حبَّه واحترامه، لأنه لا يحلُم أن يلتقي به شخصيًّا في يوم من الأيام. فما كان من الفارس الكريم إلا أن ضغط الزرَّ وطلب من مدير مكتبه أ. خالد العدوي، أن يأمر بصعود "جورج" الذي كان ينتظرني بالأسفل، إلى مكتبه. ولَم يصدِّق "جورج" وقد وجد نفسَه فجأةً أمام هذا الهرم المصري الشاهق، الذي نهض من مقعده وصافحه ثم عانقه وقبّله قُبلةً الصديق للصديق. ثم سمح بأن نلتقط له صورة معه. بعدما خرج "جورج" من المكتب قلتُ: "أشكرك كثيرًا يا دكتور كمال. تلك القُبلة سوف يدومُ ذكراها في حياة ذلك الرجل، وسوف تُخلّد في ذاكرة أبنائه. فقال لي: “تلك القُبلة وذلك الحبُّ هما زادي وثروتي، وليس المناصب الرفيعة.”
ذلك الرجلُ النبيل الذي كان يسرد ويشرح ميزانية الدولة بكل دقّة، دون أن ينظرَ في أوراق، لأن اقتصاد مصر وصالحها كان ويظلُّ همًّه الشخصيّ، المحفورَ في عقله، مثل أسماء أبنائه، هو ذاته الرجلُ الذي إن خرج من مكتبه مشغولَ البال، فتذكّر فجأة أنه قد نسى أن يُصافح مدراءَ مكتبه وطاقم السكرتارية وموظفيه، عاد أدراجه معتذرًا وألقى عليهم سلام الوداع، ولا ينتظر إلى صباح الغد، ليفعل.
في عام 1917، أنشأ الملك "جورج الخامس" وسامًا رفيعًا يُكرّم به الرموز الوطنية التي ساهمت في منح بريطانيا مجدَها. “وسام الفارس"، الذي منحته الملكة إليزابيث عام 1966 للسير د. مجدي يعقوب الأيقونة المصرية الفريدة وملك القلوب. وأما شعبُ مصرَ العظيم، فقد منح الدكتور كمال الجنزوري "وسام الفارس النبيل" من الطبقة الإنسانية الأولى؛ ليصبح "فارس البسطاء"، وحامي حماهم.
د. كمال الجنزوري، أحبُّك وأحترمُك. وأعتزُّ كثيرًا بأن بعض كتبي لها مكانٌ في مكتبتك، ومكانةٌ فِي عقلك المثقف، وفي قلبك الاستثنائي الجميل. دمتَ هرمًا من أهرامات مصر الفكرية والسياسية والمجتمعية والإنسانية، وهذا أبقَى وأخلد.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى العمّ نجيب
- دولة الأوبرا في حضن البتول
- يهودُ مصرَ …… المصريون
- دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة
- رجاء الجميلة … سلامتك
- طوبَى لصُنّاع الفرح
- أشهرُ صفقة باب في التاريخ
- هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
- نادي الشرق الأدنى للأرمن
- قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
- ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
- على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
- الخوف من الخوف
- لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟


المزيد.....




- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...
- مسؤول أمريكي: قرار وقف النار وتبادل الأسرى بيد السنوار.. وقد ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - كمال الجنزوري …. فارسُ البسطاء