أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الأبعاد الرمزية وترحيل الدلالة في فيلم - أحلام - لمحمد الدراجي















المزيد.....

الأبعاد الرمزية وترحيل الدلالة في فيلم - أحلام - لمحمد الدراجي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1499 - 2006 / 3 / 24 - 11:39
المحور: الادب والفن
    


حينما يكون مستشفى المجانين معادلاً موضوعياً للوطن، لا غرابة في أن يصبح المجنون دليلاً للتائهين
لا بد من الإشارة أولاً إلى أن فيلم " أحلام " للمخرج محمد الدراجي هو الفيلم الروائي الطويل الثاني الذي تمّ إنجازه بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، إذ سبقه عدي رشيد إلى إخراج فيلمه الروائي الطويل الأول" غير صالح للعرض " بعد بضعة أشهر من سقوط بغداد بيد القطعات الأمريكية. وبالرغم من وجود بعض المناخات المشتركة بين الفيلمين، إلا أن فيلم " أحلام " يتميز بنكهة درامية مؤسية تستنطق عمق المأساة التي كان يعاني منها أغلب العراقيين في ظل النظام الشمولي المتخلف الذي لم يكن يعير بالاً للمختلفين معه، أو الذين يقفون في الضفة المواجهة له. فلم يكن غريباً على هذا النظام أن يصفي معارضيه ومناوئيه بالسجن والتغييب والتعذيب والإغتيالات، سواء في سنوات إسترخائه، أو فيما تبقى له من الوقت الضائع الذي كان فيه رئيس الدولة قاب قوسين أو أدنى من " الحفرة " الشهيرة التي ذاع خبرها، وشاع صيتها السيء في جهات العالم الأربع حتى أصبحت أيقونة " للتفأْرُن " ورمزاً " للتجرْذن "، ومثالاً دامغاً على " الجُبن والإنهزامية " التي لا تليق بكرامة الكائن البشري. أردت من هذه المقدمة أن أنوّه إلى أن المخرج محمد الدراجي الذي كتب قصة الفيلم أيضاً وإستوحاها ليس فقط من السنوات العجاف المرعبة التي أعقبت عملية " الصدمة والرعب " التي نفذتها القوة الجوية الأمريكية على بغداد، وإنما عاد خمس سنوات إلى الوراء حينما كان الضغط الأمريكي على العراق أخف وطأة مما هو عليه خلال سنوات الإحتلال ليكشف للمتلقي حجم الظلم الذي كان يعاني منه العراقيون في ظل النظام الشمولي البائد. ولذلك فقد أهدى محمد الدراجي منذ البدء فيلمه إلى كل " ضحايا الحروب والإرهاب والحكّام الطغاة، وخاصة الشعب العراقي. ". وهذا التخصيص متأتٍ من أن العراقيين قد عانوا الأمرّين، وبما لا يحتمله عقل أو منطق، من سلطة الحزب الواحد، والقائد الأوحد، ولعل المحاور الاساسية الثلاثة التي بنى عليها محمد الدراجي فيلمه مأخوذة من فيض المعاناة التي كان يرزح تحتها المواطن العراقي، حتى أن بعض النقاد والكثير من المشاهدين قد تصوروا أن محمد الدراجي قد أنجز فيلماً واقعياً نقدياً يعتمد على الفكرة، ولا يعوّل على الصورة السينمائية، وهذا التقييم الفوري لا يخلو من خلل في المتابعة النقدية على الصعيدين المضموني والبصري. فثمة لقطات قصار وطوال تؤكد على تمكن هذا المصوّر والمخرج من أدواته الفنية، كما تكشف صياغته القصصية، وطريقة كتابته للسيناريو على معالجات فنية جميلة تنبئ عن ولادة سينارست موهوب يمكن إضافته إلى القلة النادرة من كتاب السيناريو العراقيين. وهذا التقييم الإيجابي لقدرة محمد الدراجي مُخرجاً وكاتباً للنص لا يعني أن الفيلم قد خلى من الأخطاء القاتلة أو الهنّات المبثوثة في متن النص السردي أو سياق الفيلم البصري. بل يجب الإعتراف بأن الفيلم فيه مثالب عديدة، لكن إيجابياته، ونقاطه المتوهجة هي أكبر بكثير من سلبياته التي سيتجاوزها مخرج مثابر من طراز محمد الدراجي الذي أنجز فيلمه الروائي الأول في ظل هذه الظروف الإستثنائية التي عرّضته للخطف من قبل الإرهابيين تارة، والإحتجاز من قبل الأمريكيين تارة أخرى. ومع ذلك فقد قرر أن ينجز فليمه الطويل ويساهم به في مهرجان الفيلم العالمي في روتردام والذي يعد حدثاً ثقافياً مهماً في أوروبا، كما سبق له أن شارك في مهرجان القاهرة الدولي قبل بضعة أسابيع.
وحدة الموضوع
لا شك في أن العراق، سواء في أثناء حقبة الحكم الدكتاتوري، أو في ظل الظروف التي أعقبت الإحتلال كان يزخر بالموضوعات الساخنة، وليس عصياً على العين النقدية الثاقبة أن تلتقط هذه الموضوعات المثيرة للجدل، وتنسج منها قصة سينمائية محبوكة تـأخذ بتلابيب المشاهد منذ بدء الفيلم وحتى نهايته. ويبدو أن محمد الدراجي قد نجح منذ البدء في أن يرسم صورة جامعة لثلاث قضايا أو بؤر رئيسة شكلّت المتن السردي لقصته السينمائية التي تتوفر على بعد درامي يقترب في بعض حالاته من أفلام الرعب والمطاردة والجريمة كما في حال الإنقضاض على أحمد وخطفه في ليلة عرسه، أو قطع أذن علي بحجة فراره من ساحة الحرب أو إغتصاب أحلام من قبل الإرهابيين، فضلاً عن مشاهد القصف والتخريب والدمار الذي لحق بالبنية التحتية العراقية غب عملية " الصدمة والترويع " التي تعرضت لها أغلب مدن العراق، وبالذات مستشفى الأمراض العقلية في بغداد الذي دمرت أغلب عنابره حيث وجد المجانين أنفسهم في لحظة غامضة خارج هذا المستشفى الذي لم ينجُ من القصف العشوائي بحيث مات العديد المرضى العقليين وبضمنهم الطاقم الطبي، ولم ينجُ سوى الدكتور مهدي، وبضعة ممرضين، وبضعة مختلين عقلياً بما فيهم علي، ذي الأذن المبتورة، وأحلام التي فقدت صوابها بعد إختطاف زوجها أحمد في ليلة زفافه، وبضعة مجانين أخرين أنقذتهم المصادفة ليجدوا أنفسهم هائمين في شوارع بغداد المهجورة إلا من القتلة والإرهابيين وقطعات الجيش الأمريكي المنشغلة بحماية وزارة النفط، والبنوك، والقصور الرئاسية الباذخة.
لقد إعتمد محمد الدراجي في أثناء كتابته للقصة السينمائية على ثلاث شخصيات رئيسة ساهمت في التصعيد الدرامي للأحداث المأساوية في مجملها، وهذه الشخصيات هي أحلام " أسيل عادل " و علي " بشير الماجد " و مهدي " محمد هاشم، هذا إضافة إلى الشخصيات الأخر التي لعبت دوراً لا يقل أهمية عن دور الشخصيات الرئيسة في الفيلم، خصوصاً دور والد " أحلام " الذي أداه الفنان الكبير طالب الفراتي، ودور مدير المستشفى الذي جسده الفنان الكبير بهجت الجبوري، ودور أم " مهدي " الذي لعبته إنعام الربيعي، ودور المُغتصِب الذي أداه الفنان المبدع مازن محمد مصطفى وآخرين. وقد إستطاع الدراجي مزج حكايات ثلاث في سياق درامي واحد، تنمو فيه الشخصيات وتتطور كل بإتجاهها الذي رسمه لها المؤلف. وأعتقد أن الدراجي قد نجح إلى حد ما في إلتقاط حالات وظواهر مفجعة شهدها الشهد الشعب العراقي خلال حقبة الدكتاتورية المقبورة، ومن بين هذه الظواهر المؤسية هي الإختطاف، والتغييب القسري الذي يفضي إلى الموت كما هو الحال بالنسبة لأحمد خطيب أحلام وزوجها الذي إنقضّت عليه مجموعة تابعة لأجهزة الأمن الصدامية، وإختطفته من حفلة العرس القائمة، الأمر الذي أفضى بزوجته أحلام إلى الجنون. أما الحالة الثانية فهي عملية قطع أذن الجندي علي بحجة هروبه من خط المواجهة إلى الحدود السورية، بينما يشير واقع الحال أنه كان يحاول إنقاذ صديقه حسن الذي تعرض لجروح بليغة جرّاء القصف الأمريكي لمواقع عراقية عديدة، وأعتقد أن محمد الدراجي له قصب السبق في توثيق حالة قطع آذان الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية، ومعالجتها بطريقة فنية بصرية. كما يتوقف المخرج عند حالات السلب والنهب التي تعرضت لها وزارات الدولة ومرافقها الحيوية. وقد رصد من طرف غير خفي حالات الإغتصاب التي تعرضت لها النساء العراقيات من خلال شخصية أحلام التي يغتصبها في الفيلم أحد الشخصيات الإرهابية التي تعيث فساداً بممتلكات البلد وثروته. ومن خلال هذه الحكايات الثلاث إستطاع كاتب النص ومخرجه أن يصنع حكاية محبوكة فيها وحدة موضوع، وشخصيات تنمو تدريجياً، وصراع درامي يتصاعد حتى يصل إلى النهاية الرمزية التي أرادها المخرج لفيلمه. ولكي نؤكد صحة ما نذهب إليه علينا أن نتوقف عند هذه الشخصيات الثلاث ونحلل سلوكها ومواقفها على مدار الفيلم الذي يعد قراءة بصرية للأحداث والزمن الواقعيين. فأحلام " أسيل عادل " كانت طالبة على وشك التخرّج من قسم اللغة الإنكليزية في جامعة بغداد، كما أنها كانت تحلم ببضعة أشياء مثل نيل وظيفة مناسبة إثر التخرج، والزواج من حبيبها أحمد، وتكوين أسرة يبدد الأطفال رتابتها. كما يكشف سياق الفيلم قبل عملية الإختطاف أن احلام كانت فتاة شابة، مليئة بالحيوية، ومرهفة الحس، وسعيدة، ومحبوبة من قبل الجميع، غير أن إعتقال أحمد بتلك الطريقة المرعبة بحجة ممارسة أنشطة ساسية ضد النظام قد قلب حياتها رأساً على عقب، وأوصلها إلى الجنون، وأثقل كاهلها بهموم كثيرة لا تقوى على حملها، الأمر الذي دفع بأسرتها إلى إدخالها لمستشفى الأمراض العقلية علها تتلقى بعض أشكال العلاج النفسي والعقلي، غير أن مستشفى المجانين نفسه يتعرض للقصف الأمريكي، فيفر كل النزلاء بما فيهم أحلام التي تتلقفها شوارع بغداد المهجورة إلا من الإرهابيين أو الجنود الأمريكان الذي يجهلون التعاطي مع الشخصية العراقية. وربما تكون الذروة التي تمر بها هذه الشخصية هي موقف الإغتصاب الجماعي الذي تتعرض له من قبل الإرهابيين الذين كانوا منهمكين في القتل والسلب والنهب وترويع الناس الآمنين. وعندما تنخرط الأسرة في البحث عنها وهي مرتدية ثوب الزفاف يكتشفون أنها بالقرب من أحد البنايات الشاهقة التي تحاصرها القطعات الأمريكية لأهميتها بالنسبة لهم، غير أن أحلام كانت قد تسللت إلى هذه البناية، وأخذت تتسلق سلالمها، وهنا تأخذ الشخصية بعداً مجازياً حتى في معنى الإرتقاء والصعود إلى الأعلى وكأنها تريد أن تصل إلى السماء، ومن أعلى البناية تطل أحلام على أهلها، وأقاربها، ومعارفها، والدكتور الوحيد " مهدي " الذي جاء لكي ينقذها، ولكن الجنود الأمريكيين كانوا أفظاظاً إلى درجة أنهم لم يسمحوا لأمها وأبيها من الوصول إليها، وإعادتها إلى البيت المنكوب. يا ترى، ما الذي تراه أحلام التي إختل عقلها وهي تتطلع من فوق بناية شاهقة إلى بغداد التي تحترق، وتتصاعد فيها أعمدة الدخان؟ هل رأت أحلام شريط حياتها الشخصي وهي تفرك قلادة الزواج، أم أنها كانت صورة مجازية لأحلام العراقيين التي تحترق في رابعة النهار؟ أما الشخصية الدرامية الثانية فهي شخصية الجندي علي الذي أتهم بالهروب من الخدمة العسكرية، بينما كان هو في واقع الحال ينقذ صديقه حسن الجندي الذي أصيب إصابات بليغة، وحاول أن يوصله إلى الطبابة العكسرية. وفي هذه اللحظة بالذات تصادفة مفرزة عسكرية تنصب فخاخها للهاربين من خط المواجهة الأمامية، فتقبض على الجنديين الجريحين، وتتهمهما بالهروب من الجبهة، وعقوبة الهروب كانت فنطازية في ظل النظام البائد وهي قطع آذان الهاربين، ووسم جباههم بقطع الحديد الملتهبة. وربما يكون المشهد الصادم هو عملية قطع أذن علي الذي أطلق صرخة قوية ما تزال ترّن في آذاننا. وربما سيأتي الوقت يوثق فيه بقية المخرجين العراقيين الجرائم الأخر التي أُرتكبت بحق العراقيين مثل رمي المعارضين من البنايات الشاهقة، أو تحطيم أياديهم وأرجلهم يالعصي والهراوات والأعمدة الحديدية أو قطعها بالسيوف وهم أحياء، أو تفجيرهم بأصابع الديناميت وما إلى ذلك من أساليب بشعة مقززة. وحينما يزج بعلي في مستشفى الأمراض يتحول هذا الشخص المريض إلى منقذ للمرضى ودليل للتائهين بعد عملية قصف المستشفى إذ يبدأ بمساعدة الدكتور مهدي في إعادة المجانين الذين شردهم القصف والخوف والهلع من موت قادم قد يصادفهم في أية لحظة. كان علي جندياً أميناً يحب وطنه، ويتمنى أن يكون وطنه مثل بقية الأوطان الحنونة على أبنائها، وطناً حراً، وسعيداً، لا قمع فيه ولا إستبداد. أما الشخصية الإشكالية الثالثة فهي شخصية د مهدي " محمد هاشم " الذي ينتمي إلى أسرة ذات ماض يساري، فأبوه كان أحد عناصر الحزب الشيوعي العراقي المحظور عمله في العراق كما هو شأن الأحزاب العراقية الأخر التي كانت تحاول أن تصل إلى سدة الحكم. وقد ظل الإنتماء إلى غير حزب البعث لعنة حقيقة تطارد العوائل العراقية المعارضة للسلطة، بل وحتى الواقفة على الحياد، ففي ظل البعث لا وجود للون الرمادي، فإما أن تكون مع السلطة أو ضدها. ومحمد كما قدمه لنا كاتب النص شخص مثالي، جاد، يواصل دراسته بحماس كبير على أمل أن يقبل في الدراسات العليا التي كانت حكراً على البعثيين. ويبدو أن المفاجأة قد أذهلته حينما أخبره أحد أصدقائه الأطباء أن قبوله في الدراسات العليا أمر مستحيل لأن والده كان شيوعياً، وغاب في عداد الآلاف المؤلفة من المغيبين أو الموتى الذين لا قبور لهم! لذلك لم يجد بداً من أداء خدمة العلم التي أمضى فيها أربع سنوات متتالية، وحينما تسرّح منها عُين في مستشفى الأمراض العقلية وبأدنى منصب، ولكنه صادف في هذه المستشفى الشخصيات الأخر التي تشكّل المتن السردي الدرامي، فكان لقاءه الأول بعلي الذي يخشى من الأطباء، لأن طبيباً سابقاً هو الذي قطع له أذنه، لذلك فقد إقترنت صورة الطبيب بقطع الآذان! كما يلتقي في المستشفى ذاته أحلام التي فقدت عقلها، والتي ما تزال تتعرض حتى الآن إلى رجات كهربائية مؤلمة. أن د. مهدي شخص مؤمن بقوة الإنسان الداخلية، وبقدرته على تغيير مصيره. فالحق لا بد أن ينتصر على الشر والوحشية في النهاية، لذلك كان ينبّه مدير المستشفى بضرورة الإصغاء إلى ضميره الإنساني، ولا يعير شأناً لصوت الباطل الذي سيتقوض في يوم من الأيام. أما الشخصيات الأخر فقد لعبت هي الأخرى أدواراً مهمة مثل الفنان طالب الفراتي الذي جسّد دور الأب الذي فقد إبنته العروسة، وظل يبحث عنها على مدار المدة التي إستغرقها الفيلم، ولعل أهمها وأكثرها توتراً هو مشهد مواجهته مع الجنود الأمريكيين الذين كانوا يحاصرون البناية التي العالية التي دخلت فيها أحلام لتصعد مدارج السماء. وفي هذا المشهد يكشف محمد الدراجي أن الشعب العراقي قد أصبح ضحية مزدوجة لصدام ولإرهابييه من جهة، وللأمريكان الذي إحتلوا البلد، ولم يحركوا ساكناً منذ سقوط النظام وحتى الآن، فالإرهابيون يقتلون، وينهبون، ويغتصبون، والأمريكان يقصفون ويدمرون بشكل عشوائي، والمواطن العراقي هو الذي يدفع الثمن غالياً، وليس هناك أكثر دلالة من مشهد المجنون علي الذي يموت وهو يحاول إنقاذ أحلام حينما تعرض الشارع إلى وابل من نار الإرهابيين، أو مشهد والد أحلام الذي ينكب على الأرض، ويسقط عقاله من رأسه. أما دور مدير المستشفى الذي أداه بكفاءة عالية الفنان بهجت الجبوري فهو يشير قدرة السلطة البائدة في مسخ الجانب الإنساني لدى الإنسان بحيث تحوله إلى وحش يقتنع بإجراءات السلطة ويدافع عنها حتى لو كانت تتمثل في قطع آذان الجنود الهاربين!
تقنيات بصرية
حاول المخرج محمد الدراجي أن يقدّم عملاً فنياً يتوفر على ثيمة محبوكة، وقد نجح إلى حد كبير. كما حاول أن يقدّم في الوقت ذاته فيلماً فيه متعة بصرية أيضاً، متعة لا تخلو من جانب رمزي أثير لديه. والذين تابعوا أحد أفلامه المعنونة " الحرب " سيعرف من دون شك أن هذا المخرج قادر على تحميل أفلامه بالرموز والشيفرات المعبرة. ولكي يعقد الدراجي مقارنة معقولة بين حقبتين، الأولى قبل السقوط والتي تمتد إلى عام 1998، وحقبة ثانية هي حقبة ما بعد السقوط والتي تمتد من 9-4-2003 حتى يومنا هذا، كان على المخرج أن يستعمل تقنية الإستعادة الذهنية التي تكشف لنا من دون تزوير أن البلد كان مستباحاً، وأن الأجهزة الأمنية كانت تختطف الناس في وضح النهار، وأن الجنود العراقيين كانوا ضحية لا حول لها ولا تستطيع أن تقف بوجه النظام، وقسوته أجهزته الأمنية التي تهين حتى الجنود الذاهبين إلى جبهات الموت المجاني، وتشتمهم عند مفارز التفتيش. ومن خلال تقنية " الفلاش باك " عرّفنا المخرج بحياة العراقيين اليومية، وكيف كانت العائلات العراقية تحيا وتعيش رغم ما تتعرض له من ضغوط متواصلة، كما كشف المخرج بعض الطقوس الدينية الشائعة في وسط وجنوبي العراق. وقد يكون من المفيد أن نتوقف عند المشاهد الإيهامية التي تدلل على حرفة المخرج الشاب وتمكنه من أدواته الفنية، ولعل أبرزها اللقطات القصيرة التي تستعيد فيها أحلام وجه زوجها وحبيبها أحمد الذي تعتقد أنه قد جاء لكي ينقذها، لكن وجه المُغتصِب سرعان ما يتجسد لتكتشف أن هذا المنقذ المُفتَرض ما هو إلا مُغتصِب حقيقي قد إستباحها هو وثلته إستباحة جماعية. كما أن صورة الأب الشيوعي الذي غُيّب وقتل تذكرنا بأيام النضال السري للحركات الوطنية في العراق، فمن خلال صورة والد الدكتور مهدي نسترجع الظروف الصعبة التي كان يعاني منها السياسيون العراقيون الذين ضحوا بأرواحهم من أجل عراقٍ حرٍ، ديمقراطيٍ، متعدد. كما يجب التنويه إلى أهمية اللقطات التي إستعارها الدراجي من الأرشيف الذي وثق لقصف بغداد في مراحل متعددة بحيث يصعب على المشاهد، وبالذات العراقي، أن يرى بغداد تُذبح أما ناظريه بهذه الطريقة الوحشية، ولكن شروط مشاهدة أي تقتضي متابعته، تماماً كما دعانا مشهد قطع الأذن أن نتابعة رغم القسوة الكامنة فيه. ويجب ألا نغفل رمزية العنوان أيضاً فإسم " أحلام " يمكن أن ترّحل دلالته إلى أحلام العراقيين قاطبة الذين يتوقون للتحرر من هذه الكوابيس المرعبة، ويحلقون بعيداً في السماء الصافية والخالية من كل هذه الأدران التي لم تفلت من عدسة الكاميرا التي تبتغي الوصول إلى الحقيقة رغم مرارتها اللاذعة في كثير من الأحيان.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدد جديد من مجلة - الألوان الكونية - المتخصصة في الفن التشكي ...
- صدور العدد الثاني من مجلة سومر
- شريط - عراقيون وسينما - للمخرج خالد زهراو: محاولة لرسم معالم ...
- في فيلمه التسجيلي - السويس... الذاكرة المنسية -:المخرج أحمد ...
- الفنانة العراقية عفيفة العيبي في معرضها الجديد: هيمنة الفيكر ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي في فيلمها الروائي الثاني - نظر ...
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: أشعر بأننا لم يعد لدينا ما نر ...
- مذكرّات - وصمة عار - للباكستانية مختار ماي التي تعرضت للإغتص ...
- وصمة عار - باللغتين الفرنسية والألمانية في آنٍ واحد: قصة حيا ...
- ورشة عمل للصحفيين العراقيين في هولندا. . . آراء وتوصيات
- إعلان جوائز مهرجان روتردام الدولي لعام 2006
- في مجموعته الجديدة - لكل الفصول -:الشاعر ناجي رحيم يجترح ولا ...
- ضمن فاعليات الدورة - 35 - لمهرجان الفيلم العالمي في روتردام: ...
- لقطة مصغّرة للسينما العراقية في الدورة الخامسة عشر لمهرجان - ...
- صدور العدد الأول مجلة - سومر - التي تُعنى بالثقافة التركماني ...
- الخبيئة - للمخرج النمساوي مايكل هانيكه: من الإرهاب الشخصي إل ...
- دجلة يجري هادئاً وسط الضفاف المضطربة: قراءة نقدية في الفيلم ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي ذياب ...
- استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية: الشاعر عواد ن ...
- أطفال الحصار - للمخرج عامر علوان: ضحايا اليورانيوم المنضّب و ...


المزيد.....




- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الأبعاد الرمزية وترحيل الدلالة في فيلم - أحلام - لمحمد الدراجي