أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -8-














المزيد.....

رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -8-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5797 - 2018 / 2 / 24 - 16:53
المحور: الادب والفن
    


وصل التاكسي بعد حوالي عشر دقائق إلى محطة القطار، أعطت السائق أجرته دون أن تسأله، أظنها قد أعطته عشر ليرات فقط، نزلنا من السيارة ودخلنا من الباب الحديدي للمحطة، كان يوماً مشمساً جميلاً، اِزدحم البهو الخارجي قليلاً بالمسافرين والمودعين، معظمهم من الرجال الذين تعرف مكان اِنتمائهم من ملابسهم، لعلّهم قد أنهوا تجارتهم أو سياحتهم في المدينة البحرية وها هم يهمون على العودة إلى بيوتهم في مدن الداخل، في جسر الشغور وإدلب وحلب وضواحيها أو الرقة، وأما القسم الآخر فكان مختلطاً من الذكور والإناث أغلبهم صغير السن نسبياً، بعضهم عساكر والبعض الآخر من الطلبة الذين بدأوا العودة إلى سكنهم الطلابي استعداداً لموسم الدراسة الجامعيّ. همست فاتن: "اِنتظرني هنا ريثما أشتري التذاكر".
وقفتُ أمام الحائط الذي يطل من الأعلى على رصيفي السكة الحديدية ورحت أتفرج على المسافرين وعلى التصميم المعماري الخفيف للمحطة، خاطبت نفسي: "كم هي هزيلة، حزينة، فقيرة، وَ وَسِخة، قطاراتنا الوطنية! كم ظَلَمَ وأهمَلَ كتّابنا المساكين محطات قطاراتنا العجيّة، محطة قطار اللاذقية، محطة قطار حلب، محطة قطار دمشق، محطة قطار دير الزور، ومحطة قطار الرقة".
وصلت فاتن وقد حملت بكلتي يديها كأسين من القهوة. لأول مرة سمعت صوتها واضحاً وكأنَّها حدست بما أفكر به: "حينما تموت الحريات وتُهزم الأحلام، تموت شبكة الخطوط الحديدية حزناً وقهراً".
ناولتني قهوتي وقالت: "اِشتريت تذكرتين لعربة الدرجة الأولى، لم أعد أطيق السفر في عربات الدرجة الثانية، ولا السفر بهذه القطارات الشنيعة ولا الوقوف في محطاتها التي لا تصلح إلا أن تكون حظيرة لقطارات ميتة".
اِستجمعت قواي وأجبتها على سؤالٍ لم تطرحه: "ما تقولينه ذكَّرني بما قاله جارنا في القرية، حين دُعِيَ ذات يومٍ بصفته شاعراً للمشاركة في مهرجانٍ يُمجّد شبكة الخطوط الحديدية في الوطن بمناسبة ذكرى الحركة التصحيحية..."
قاطعتني فاتن وسألت: "وما الذي قاله بهذه المناسبة؟"
أجبتها: "حين صعد إلى منصة الإلقاء قال: سأخلع وجهي لأبصق في وجوهكم ووجوه محطاتكم يا سادة الصف الأول".
قالت فاتن: "حتى عيون المسافرين لا تنطق إلا الفقر والعوز والهزيمة".
دفعتني اِنتقاداتها الصغيرة لسؤالها مباشرة: "ومن أين لك أن تحكمي على المسافرين والقطارات والمحطات وأنت لا تملكين أية معطيات أو قيم للمقارنة؟"
نظرت إليّ نظرة اِستعطافٍ أو هكذا خُيِّل لي وقالت: "ومن قال لك أني لا أعرف قطارات ومحطات العالم؟ لقد سافرت سابقاً إلى ألمانيا أكثر من مرة وكنت أيضاً في مقاطعة أوتاوا ومونتريال في كندا".
سكتُ وقلتُ: "متى هو موعد الرحلة إلى حلب؟"
قالت فاتن بصوتٍ خفيضٍ وكأنَّها شعرت بعُنجُهيتها غير المقصودة: "بعد دقائق، دعنا ننزل الدرج وننتظر على الرصيف".
وعندما سألتها: "وما هي مواعيد الرحلات في اليوم الواحد؟"
أطلقت ضحكة محبّبة وقالت ساخرة: "تتكلم وكأنَّك لا تعيش في هذا البلد، هل تعلم أنَّ القطار الذي سيسافر الآن قد تأخر عن موعده أكثر من أربع ساعات، لقد كان من المفترض أن ينطلق في حوالي الساعة السابعة، لقد أتيت صباحاً وعلمت بتأخيره وإلا كنا سنسافر بباصات الخوندي".
همستُ بخجلٍ: "ضحكتك جميلة كقوس قزح بين زخات مطر".
*****
جلسنا متجاورين، وما أن اِنطلق القطار حتى اِسترخت معالمها، رفعت ساقيها وانزلقت في مقعدها واضعةً ركبتيها على مسند المقعد الأمامي، فتحت حقيبتها وأخرجت منها علبة سجائرها ماركة "لاكي سترايك" وقَدّاحة فضيّة اللَّون وكتاباً.

يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -7-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -6-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -4-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -3-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -2-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -1-
- الاعتقال والعرش
- خمارة دليلة والزئبق -الحلقة الأخيرة-
- خمارة دليلة والزئبق -10-
- خمارة دليلة والزئبق -9-
- خمارة دليلة والزئبق -8-
- خمارة دليلة والزئبق -7-
- خمارة دليلة والزئبق -6-
- خمارة دليلة والزئبق -5-
- خمارة دليلة والزئبق -4-
- خمارة دليلة والزئبق -3-
- خمارة دليلة والزئبق -2-
- خمارة دليلة والزئبق -1-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -الحلقة الأخيرة-


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -8-