أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -6-














المزيد.....

رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -6-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5791 - 2018 / 2 / 18 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


ما الذي دفعك يا أحمد في دهاليز الحلم كي تمسك بيدك صحناً على هيئة شَخْتُورة وتمضي به في الصباح الباكر إلى بيت الجيران؟ تدخل بَهوه وأنت جائع، وأنت خائف من أن تراك تلك الأم القميئة صاحبة البيت والنظرات الكارهة الكريهة، وأنت تشعر في أعماقك بكرهها لك، أنت تعرف أنها لا تحبك، وأنت تعرف السبب، ولما ينبغي عليها فعل غير ذلك؟ وأنت لا تلومها ولا تطالبها بالمحبة، لكنك تطالبها باحترام شخصك على الأقل، تدخل إلى صحن البيت، تلمح البئر بجانب شجرة المشمش الكبيرة، ولداها الضخمان يجلسان فوق كراس خشبية بعد أن وضعا تحت مؤخرتيهما طراحتين مملوئتين بالقش اليابس، يجلسان وأفخاذهما متباعدة، يجلسان وهما يعانقان طاولة خشب دائرية مدهونة بالأزرق، أحدهما أسند ذراعيه على الطاولة وراح يأكل حبّات المشمش من جاط ألومينيوم كبير بعد أن يقسمها قسمين متناظرين، وأنت تراقبه كيف يمضغها، والآخر يحتسي شوربا العدس من مقلاة واسعة بعد أن فتّ فيها رغيف الخبز ورشّ عليها الفلفل الحارّ، وبين اللحظة والأخرى أخذ يطلق نيران الغضب من مؤخرته وهو يضحك، بينما راح أخوه يداعب بطنه استعداداً لحفلة المرحاض الصباحية.

هما يأكلان ويتبارزان بالجشع وأنت جائع وتريد أن تملأ شَخْتُورتك بالماء، ما الذي دفعك إلى تلك الزيارة الصباحية أيها الجائع؟ هل أردت فعلاً الحصول على الماء؟ ألم يكن لديك في المنزل ماء يا أحمد؟هل اِنبغى عليك أن تصير شاهداً صباحياً على ما يحدث تحت الشجرة؟
يسألك أحدهما باقتضابٍ: "هل لديك اِمتحان هذا الصباح"؟
تجيبه وأنت تخاف أن تسمع الأم صوتك: "نعم". ثم ترغب أن تسأله، كي يتطوَّر الحديث، كي تنسى جوعك لا أكثر: "هل تأخرت بالنوم؟ أموعد اِمتحانك ظهراً"؟ لكنك تتراجع في اللحظات الأخيرة فتسأله راجياً: " أشعر بالجوع قليلاً، هل تسمح لي بتذوق حبّة مشمش؟"
بطرف سبَّابته يُكرّج حبّة باتجاهك، تدور الحبّة في مكانها، كأنَّها تأبى الوصول إليك، ينفخ عليها، تتابع تدحرجها لتصل إليك، تمسكها بحنان، تقسمها قسمين كما تراه يفعل لتدفنها في فمك شاكراً: "ما أطيب مشمشكم، لم أتذوّقه منذ سنتين".
يسألك: "ألم تأكل منه في موسم السنة الماضية"؟
تجيب على سؤاله: "لا، تذوقتها في السنة قبل الماضية، في المكان نفسه، لكن أخوك من دحرّج الحبّة وهو يجلس هنا، لا أنت".

هما يأكلان مقبلاتهما بشهيةٍ، وأنت الجائع تراقبهما، تخجل من نفسك ومنهما، تتظاهر بضرورة اِنصرافك، تسأله باحترامٍ: "هل تَفَضَّلت بملء الشَخْتُورة بالماء"؟
يتجاهل سؤالك، ومثله فعل أخوه، لم يرغبا بسماعك، أحدهما اِنشغل بالبحث عن شرطوط، أقصد عن خرقةٍ بالية، ينظّف بها فمه ويديه من آثار ماء المشمش ودبقه وجريمته، وعندما لم يجد شيئاً في متناول يده أمسك غصناً من الشجرة وفرك فمه ويديه بأوراقها، أما الآخر راح يصيح بأمه المنشغلة في المطبخ: "يا مو، يا مو، هل جهزت لنا الفطور؟"
جاءه صوتها الغليظ: "كل شيء جاهز يا مو، فيّق أخوتك".
ينهضان وينتقلان إلى مائدة دائرية مجاورة، في فَيء الجهة الأخرى من الشجرة، الطاولة كبيرة يتوسَّطها إبريق الشَّاي وكأنَّه مركز العالم، وحوله تَوَزَّعت صحون كثيرة وكأنَّها الكواكب، صحون كبيرة ومليئة بما لَذّ وطاب، جبنة مُشَلَّلة، جبنة مالحة، مكدوس، زعتر بلدي، زُبْدَة، زيتون وعيطون، خيار وبندورة، لبنة، مربَّى الباذنجان، بصل أخضر، سوركي، مقلاة كبيرة مملوءة بالبيض المقلي وسَلَّة مستطيلة الشكل كسرير طفل مُعَبَّأة بأرغفة الخبز الطازج.

جلس الأخوة حول المائدة، المَجَرَّة المُلَوَّنة، بدأوا فطورهم وعلامات الرضا مرسومة على وجوههم السمراء، وأنت الجائع تراقبهم، تراقب نهمهم، وكان لديك اِمتحان في هذا اليوم، ولديك امتحان مع فاتن في صباح الغد، وهم قد تناسوا وجودك واقفاً قربهم، وهم لا يدعونك للجلوس والمشاركة، وأنت جائع، وأنت تراهم كيف يقتطعون لقماتهم الكبيرة من الصحون ويمضغونها دون أن يتَوَقَّفوا عن الاجْتِرَار، لا هم جائعون ولا امتحانات لديهم، وأنت المنهصر جوعاً تُقاطعُ انهصار لقماتهم تحت أضراسهم القوية وتزعق بأعلى صوتٍ: "يا جيران، هل تفضَّلتم بملء الشَخْتُورة بالماء، بالمشمش إذا أحببتم؟ أنا جائع وكان لديّ امتحان". ثم تصرخ بوجوههم شيئاً لن يفهموه، فقد طغى صوتها الفَظّ على صوتك الجائع: "هل يكفيكم الطعام يا أولاد؟ هل أقلي لكم المزيد من البيض؟"
*****
وقبل أن أسمع إجابتهم على سؤال أمهم اِستيقظتُ مذعوراً، كنت قد سقطت في نومٍ عميقٍ حالما وصلت إلى البيت، كنت مرهقاً وحزيناً وقلقاً، تنفَّستُ الصُّعَدَاءَ وحمدت الآلهة في سري أنَّ ما عشته لتوي لم يمكن حقيقة بل مجرد كابوس مذل، أشعلت سيجارة وما زالت معدتي فارغة، أعددت إبريق الشاي وملأت صحن الشَخْتُورة البلاستيكي بالزيت النباتي والزعتر وانقضّضت على جواز السفر السياحي، كما ينقضُّ العُقاب على فريسته، بينما راحت كلمات الشيخ إمام: "يا زنود الناس الشغّالة، ملعونة الراحة في خط النار، النصر عروسة يا رجالة، لكن ممهورة بالإصرار" في أغنيته الجميلة "صبر أيوب" تحوم حولي وتُطيّب خاطري وتهدِّئ من رَوْع الكابوس. صرت أغني معه وأستعجل مرور الساعات كي يأتي موعدي صباح اليوم التالي أمام نقابة المهندسين في شارع بغدّاد.
*****
يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -5-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -4-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -3-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -2-
- رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -1-
- الاعتقال والعرش
- خمارة دليلة والزئبق -الحلقة الأخيرة-
- خمارة دليلة والزئبق -10-
- خمارة دليلة والزئبق -9-
- خمارة دليلة والزئبق -8-
- خمارة دليلة والزئبق -7-
- خمارة دليلة والزئبق -6-
- خمارة دليلة والزئبق -5-
- خمارة دليلة والزئبق -4-
- خمارة دليلة والزئبق -3-
- خمارة دليلة والزئبق -2-
- خمارة دليلة والزئبق -1-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -الحلقة الأخيرة-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -16-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -15-


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - رابطة المَنَاجِذ الشيوعية -6-