أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - التمرد















المزيد.....

التمرد


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5790 - 2018 / 2 / 17 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


ـــــــــ 1 ــــــــــ



سمعت عزفًا شجيًا على الكمان في ذلك الليل الشجي، وقتها كنت أمشي برفقة أبي تحت زخات المطر الناعم. قلت له:
ـ توقف.
ـ ما بك واقف؟ ولماذا تريدنا أن نتوقف في منتصف الشارع، والليل يهبط علينا من قمم السماء
ـ لم العجلة، من يطاردنا؟
ـ علينا السير بسرعة قبل أن يحاصرنا المطر. لماذا تريدنا أن نتوقف؟
ـ الا تسمع؟
ـ ماذا؟
ـ صوت الله.
ألتفت والدي حوله، كأن مس أصابه في هذه اللحظة الموجعة:
ـ الله؟ أين هو الله، أين رأيته؟
ـ الا تسمعه؟
ـ لا.. لا أسمع أي صوت إلا صوت الرعد والبرق.
ـ إنه الكمان.
ـ أي كمان. عن ماذا تتحدث؟
ـ الموسيقى المنبعثة من الكمان. الا تسمعه؟
وقف للحظات في مكانه يتأملني بغرابة.
ـ لا أسمع إلا صوت الريح والصمت الكامن في الوجود، ويتبعه مطر وخوف.
ـ إنها الموسيقى! ما أعذبها يا والدي. إن للكمان صوت جميل يعانق السماء ورقرقة الماء وحفيف الأشجار. منه ينبعث صوت الله والحرية.
ـ وهل للحرية صوت؟
ـ إنه رقيق وشفاف. هل لك أن تشتري واحد لي؟ أحب العزف والرقص على أوتاره.
ـ كيف تعرفت عليه؟ هل حاولت أن تعزف؟
ـ السنة الماضية أقامت البلدية لنا حفلة موسيقية بمناسبة عيد الجلاء. بنوا مسرح خشبي في الهواء الطلق في الباحة الكبيرة لمدرسة السريان الكاثوليك على عجل. وطبعوا بطاقات كثيرة للطلاب والأهل. كل بطاقة بنصف ليرة. وزعت علينا. كل مدرسة كانت مطالبة أن تشارك في الغناء والرقص والعزف على آلة موسيقية.
ـ لماذا لم تجلب لي بطاقة؟
ـ سعر البطاقة للرجال والنساء ليرة ونصف، وللأطفال نصف ليرة. وأنت لا تملك ثلاثة ليرات لشراء شيء ترفي لا علاقة لك فيه.
وقفنا تحت شرفة أحد البيوت، ننظر إلى الناس والشارع، ركضهم، هروبهم من المطر ونزوعهم نحو الخلاص من قلق الطبيعة وتقلبات عقلها وروحها.
ـ وأنت ماذا قدمت لهم؟
ـ هذه أول مرة تسأل عن نشاط لي، ماذا يهمك هذا الموضوع؟
ـ مجرد سؤال عابر.
ـ أعلم أن اهتماماتك ليست في الفن وغيره. في الحقيقة، طلبت المعلمة أزنيف أن نذهب إلى المدرسة في الساعة الخامسة بعد الظهر قبل أسبوع من الحفل، وسألت كل واحد منّا عن قدراته. جلبت مسجلة كاسيت وشغلته. كان هناك موسيقى أرمنية راقصة. كنا ثمانية أطفال ذكور في مثل عمري. وقفت على مسافة منّا، ويدها على خصرها، وقالت بلغة حازمة وقوية:
ـ أريد منكم أن تنظروا إلي، وتقلدوني، لتتعلموا الرقص كما سأرقص الأن.
وبدأت ترقص على إيقاع الموسيقى. تتمايل وتحرك جسدها برشاقة، وقدماها لم تتوقفا ويداها أيضًا. في الحقيقة وقعت في عشق الرقص منذ اللحظات الأولى التي بدأت المعلمة فيه. كانت كالطيور القلقة في فترة الربيع، تدور وتدور أحيانًا تضع أصبع يدها فوق رأسها وتميل جسدها وخصرها وتنتقل بخطوات قصيرة وسريعة. خال لي في هذه اللحظة أنها طير من السماء حط في المدرسة وسط الخطوات تناغم مع الموسيقى.
ـ وماذا بعد ذلك؟
ـ ثم طلبت منّا أن نشاركها الحركات الفنية.
وضعت يداها على خصرها ونادت كل واحد باسمه:
ـ آفو، كيفورك، كربيس، سهاك... اقتربوا، قفوا أمامي. لنبدأ، حركوا أقدامكم، أيديكم وأجسادكم كما أفعل. سنجرب، ربما المرة الأولى أو الثانية والعاشرة لن تنجحوا ولكن بالمران والعمل الجاد سنتعلم ونصبح رواد ونأخذ كأس المدينة، ونهديها لمدرستنا.
بدأنا بالحركات الفنية الراقصة التي أشارت إليها المعلمة أزنيف. الأجساد ثقيلة، الحركة ضعيفة الحركة. كل واحد يتحرك لوحده، ولا تناسق بيننا. الموسيقى في واد وأجسادنا الغضة الطرية في واد آخر. كنا كتلة صلبة جامدة أثناء محاولة الرقص. وكأننا من كون آخر. وكأننا لم نر رقصة ولم نسمع غناء أو موسيقى ابدًا. القدمان واليدان يتحركان لوحدهما. وكأن كل قطعة من جسدي مفصول عن غيره وغير مربوط بالآخر، وكأن بين كل فصلين وصل، وتجميع، وكأنهما فتق ورتق وتركيب. وكأن نظام الجسد لا نظام فيه، غريب عن بعضه. ضحكت المعلمة علينا حتى كادت تقع على الأرض مغشيًا عليها. قالت:
ـ توقفوا. توقفوا. هل هذا رقص؟ من أي كوكب أنتم؟ ما هذه الحركات؟ ألم تروا سابقًا حفلة فيها رقص، أو غناء؟ ألم تشاهدوا عرسًا في السابق؟ أي نوع من الأطفال أنتم؟ تبدو أجسادكم الصغيرة عاجزة عن الحركة، لا نشاط فيها، لماذا؟ لا أرى أن التدريب سيغير أي شئ فيكم. كأنكم خيول متعبة تجر وراءها عربات محطمة. آفو، تعال إلى هنا:
ـ ألست لأعب كرة قدم رائع، وجسدك رشيق؟ لماذا لا تستطيع تأدية رقصة سهلة وبسيطة؟
ـ لا أعرف لماذا؟ يبدو أن جسدي لم يخلق للرقص. كما ترين حاولت أن أقدم شيئًا جميلًا يكون موضع تقدير. كرة القدم شيء والرقص شيء آخر مختلف. إن لذهن الإنسان حساباته، يبدع هنا ويفشل في مكان آخر . ثم، لم يخطر في بالي أن أرقص أو أمثل دورًا في رقصة عامة أو خاصة. أستطيع أن أمثل مدرستنا في كرة القدم. أليس لديكم نشاطًا في هذا المجال؟
أغلب المعلمات كن إلى جوار بعضهن البعض يتغامزن، يتكلمن بصوت خافت ويشرن إلى كل واحد منّا. أشارت المعلمة أنطوانيت إلى حركة كيفورك ويدها على فمها تغطيه حتى لا يتطاير الرذاذا على المعلمة إليزابيث، وعلى ثغرها ابتسامة ساخرة وقذرة. ومررت أصبعها إلى كربيس ثم إلي. كنت أراقب ضحكاتهن الفاجرة وغمزاتهن القبيحة، مما شكل عبئًا إضافيًا علينا.
المدرسة كما تعلم واسعة جدًا، بيد أن المكان الذي كنًا فيه صلبًا من البيون الأملس بالقرب من باب الإدارة. بعد نصف ساعة من الرقص اللامجدي دخل المدير شدهان عطفة، في هذه اللحظة التي سلم فيها على المعلمات تابعت أزنيف حديثها قائلة:
ـ لقد طلبت منّا الحكومة أن نقدم بعض الرقصات والأغاني باسم مدرستنا، فردية وجماعية. من منكم لديه القدرة على الغناء باللغة العربية؟
ـ لماذا باللغة العربية تحديدًا؟
ـ لإن الغناء باللغة الأرمنية أو السريانية أو الكردية ممنوع.
ـ ولماذا الغناء باللغة الأرمنية ممنوع؟ والرقص والموسيقى بأي لغة ستكون؟ سأل سهاك.
ـ الرقص والموسيقى لا لغة لهما. إنهما لغة عالمية كالحب والفن والجمال.
ـ أليست اللغات تنتمي إلى عالم الفن والجمال، كما قلت؟
وقفت المعلمة صامتة، تفكر. صفنت مدة من الزمن لا تقوى على الرد. وكأن نوبة وباء زارها وحط في حضن عقلها. قالت لي:
ـ انتظر قليلًا سأدخل الإدارة وأعود. ودخل وراءها المدير بطوله وحدبته، بوجهه الأبيض الذي لا يمكن أن تقرأ أي شيء فيه.
وقفت مع زملائي الطلاب ننظر إلى بعضنا ونضحك. نتغامز، ونسخر من هذه الظاهرة الغريبة التي وضعنا فيها، قال مهير:
ـ كان الأجدى على المدرسة أن ترسخ هذا الفن في أذهاننا في المراحل الأولى لدخولنا المدرسة. في الروضة والحضانة. إن الموسيقى شبه غائبة عن الحصص، كما أن المدرسة تفتقد للآلات الموسيقية. كيف يمكننا تعلم الرقص دون موسيقى وغناء. أغلب النشاطات الفنية تذهب باتجاه الأناشيد الوطنية الجماعية أو نشيد العلم. بعد أن شاب أخذوه للكتاب. نحن في أعمار تجاوزها الزمن. انا عمري أثنتا عشرة سنة، ولا اعتقد أنني أصلح للرقص، وتعلم العزف على آلة موسيقية.
كان المدرس فوزات بالقرب منّا إلى جوار الآذن العم نازار يصغي إلى حديثنا. في الحقيقة لم ننتبه إليه، أخذًا زاوية ميتة لا يمكن للمرء أن يرى مكان تواجده. وقف منتصبًا على قدميه واقترب من كربيس ووجه نظره نحونا جميعًا:
يتبع ــ






#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استانبول
- من ذاكرة الجزيرة السورية 3
- الخروج من الذاكرة 2
- الحسكة
- أمي
- سعرت باتمان والسلطنة
- السفينة والبطيخ
- ثانوية ابن خلدون
- في المناجير
- في رأس العين
- في ضيعة تل كيفجي
- دبانة
- العودة للجذور
- في ظلال الليل
- سراب بري
- الدولة الظاهرية والدولة الباطنية
- الديمقراطية ومخالب السلطة
- انهيار الدولة السورية
- الحداثة والغربة في رواية (الأشجار واغتيال مرزوق)
- عن علاقة الدين والدولة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - التمرد