أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - الجزء السابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة















المزيد.....


الجزء السابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 5768 - 2018 / 1 / 25 - 07:54
المحور: الادب والفن
    


-98-

قولي لنا أيتها البومة من أنت
- أنا بومة الحرية
لكنني واحدة من شعب الله المختار للحزن واللطم والنكد والعويل وجلد الذات والهزائم
- لماذا تنامين في النهار وتستيقظين في الليل؟
- لأنني فشلت في إن أكون مواطنة صالحة لجمهورية البوم المطيع
في الليل أعيش حياتي الحقيقية سرا
فأطارد الدهشة والفرح والسور
في النهار اهرب إلى النوم كي لا أساق الى الخدمة الإجبارية في أقفاص الببغاوات
-انت مسافرة أم منفية أم مهاجرة
- ما الفرق؟
المهم إنني احلق بعيدا عن مباهج المخاتلة وأفراح الرياء وحفلات التكرم والتأبين والثرثرة المتأدبة حيث حفلة مجون (اورجي) الكاذب بدءا بالخطباء ومرورا بالمستمعين
اكره كرنفالات الزيف والأعيب الأقنعة
هل شاهدت مرة بومة ترتدي قناعا ؟
- كم عمرك ايتها البومة؟
- عشت (حيوات)عديدة ومع كل حب أعود جديدة!
الا تراني في حفلة الراقص للمبتدئات بالفستان الابيض ؟
وهل نسيت إن أقول لك إنني عاشقة من جديد؟
- تسامحين مع مهاجميك وأعدائك ولا تردين عليهم أهي الطيبة
- لا بل رد الجميل !! لولا أعدائي لما عرفت إنني ما زلت حية وقادرة على الاستفزاز الحي في مدائن الموتى المالحة
- بماذا تشعرين نحو اللذين يتهجمون واللواتي يتهجمن عليك
- اشعر بالامتنان
فهن يؤكدن لي إنني ما زلت قادرة على اثارة الحسد والغيرة
كل طعنة من الخلف في ظهري تؤكد لي انني ما زلت امشي في المقدمة!
- لماذا ترتاحين للظلال؟
- لأنني البومة التي احترقت بها المصباح
- بدلا عن ان تحترق به كفراش هشة

-99-

- هل تخافين من الموت؟
- حاولت القبور تخويفي
وفتحت فمها وبانت أسنانها المنخورة بديدان الزمن وبسوسه ولكنني جلست بهدوء على طرف القبر وكتبت ورحلت وأنا أناشد للحياة ما دام الموت أتيا
- أنت متهمة بالخروج على المألوف ومطلوبة حية أو ميتة
- أنا مطلوبة حية و حية
حين أموت سيخترعون لي بعض المزايا كما يفعلون دائما مع أمواتهم خوفا من موتهم الأتي وانكشاف عوراتهم
- ولكن لافتات الشوارع تقول انك مطلوبة حية او ميتة كالمجرمين
- المطلوب معاقبتي لأنني حية في مدائن الموتى الراكضين بجثثهم في المهرجانات والمواكب والولائم والجنازات المطهمة وعروض الملاهي وصالونات المساج ومتسولي براميل القمامة يصرخون وما من مغيث
- ماذا تكرهين؟
- كلام المعلوك كاللبان
الذي يتم اجتراره من فم إلى فم على مدى عصور
- ما اعتراضك عليه؟
انه يحاول إخفاء فقر دمه الإبداعي بتكرار المفردات المرضي عنها وقت قولها وفي مكان قولها
- هل تحبين رجل السياسة؟
- يقفز كالقرد المعدني عصريا هنا
ويقدم يده للتقبيل في الحفل الولاءات التقليدية هناك فكيف أحبه
أحب إن يكون رجل السياسة إنسان أولا يقدس الحرية وهذا نادر
- ما ترين أيتها البومة؟
ارى غبارا و كلابا تنبح ولا أرى قافلة
في صحراء دائرتها القرن الأتي كله
ولكنني بومة متفائلة!

من صور الحداثة التي تركز عليه (غادة السمان)هي تطعيم النص الشعري بالصور الدرامية لتخلق تركيب متمازج بين النص الدرامي والنص الشعري وهذا التسخير بين النص الدرامي والشعري يأتي وفق قناعات تخيلية تتبلور صورها في مخيلة الكاتبة ليتم حبكها في النص باعتبار ما يتم نسجه من صور درامية مستوحى من خلال صور حياتية نعيشها في يومياتنا هي مرتبطة بالأساس بمشاعر الإنسانية وخلجات الروح، ومن الطبيعي فان الشاعر أو الكاتب يتأثر بها فينقلها في صور الدراما، ولكن هذا النقل في كثير من الأحيان لا يكون نقل مباشر بل يقوم المبدع بنسج مشاعره بإدخال مجازات وباستخدام الخيال والاستعارات والرموز ليعطي لنص روحا شعريا وهذا ما يخرج المشهد الدرامي بشكل شعري يرصد الواقع من جهة ويعبر عن ما في الوجدان من مشاعر اتجاه تلك المشاهد من جهة أخرى، وهذا ما تلجئ إليه (غادة السمان) في نص (الرقص مع البوم) ونلاحظه في أكثر من مشهد في الديوان، ليكون هذا الاستحداث ثمرة الحداثة المعاصرة في الشعر العربي المعاصر تستوضح معالمه في نصوص الشعرية التي تقدمها (غادة السمان) عبر انتقالات محبوكة بشكل هارمونيك بين النص الشعري والنص الدرامي، كما نلاحظ في هذا النص :
(( - لماذا تنامين في النهار وتستيقظين في الليل؟
- لأنني فشلت في إن أكون مواطنة صالحة لجمهورية البوم المطيع
في الليل أعيش حياتي الحقيقية سرا
فأطارد الدهشة والفرح والسور
في النهار اهرب إلى النوم كي لا أساق الى الخدمة الإجبارية في أقفاص الببغاوات
-انت مسافرة أم منفية أم مهاجرة
- ما الفرق؟
المهم إنني احلق بعيدا عن مباهج المخاتلة وأفراح الرياء وحفلات التكرم والتأبين والثرثرة المتأدبة حيث حفلة مجون (اورجي) الكاذب بدءا بالخطباء ومرورا بالمستمعين
اكره كرنفالات الزيف والأعيب الأقنعة
هل شاهدت مرة بومة ترتدي قناعا ؟))، وهذا الترابط بين النص الشعري والنص الدرامي يرتبط بشكل أساسي او لهدف واحد هو التعبير المعبر بصدق وبعمق الوجدان عن ما يجول في خواطرها من خلال انتقالات من أزمنه وأمكنه المتغيرة في حياة (غادة السمان) والتي تركز عليها بإعطاء المسحة الشعرية على النص الدرامي من جهة ومن جهة أخرى إعطاء المسحة الدرامية على النص الشعري، وهذا يأتي وفق قناعات الكاتبة بما يدور في أعماقها وطريقة التعبير عنها بروح ومشاعر إنسانية متألمة كما نلاحظه في المقاطع السابقة او كما في هذا المقطع :
(( - هل تخافين من الموت؟
- حاولت القبور تخويفي
وفتحت فمها وبانت أسنانها المنخورة بديدان الزمن وبسوسه ولكنني جلست بهدوء على طرف القبر وكتبت ورحلت وأنا أناشد للحياة ما دام الموت أتيا
- أنت متهمة بالخروج على المألوف ومطلوبة حية أو ميتة
- أنا مطلوبة حية و حية
حين أموت سيخترعون لي بعض المزايا كما يفعلون دائما مع أمواتهم خوفا من موتهم الأتي وانكشاف عوراتهم
- ولكن لافتات الشوارع تقول انك مطلوبة حية او ميتة كالمجرمين
- المطلوب معاقبتي لأنني حية في مدائن الموتى الراكضين بجثثهم في المهرجانات والمواكب والولائم والجنازات المطهمة وعروض الملاهي وصالونات المساج ومتسولي براميل القمامة يصرخون وما من مغيث ))، فـ(غادة السمان) هنا تعيش الإحساس والحب و الحياة بلذعاتها وحلوها لأن (غادة ) اتشحت بوشاح العصر الذي تعيش فيه، فان كان الاغتراب قد تبلور عندها برحيل أصدقاؤها ومحبوها فتكتشف في رحيلهم معنى الخوف والقهر ويتمدد الخوف ليصبح خوفا من كل الأشياء، إذ ترى حالة الاغتراب قد آذن بالاقتراب ففتحت أفاق الطيران دون استقرار. فــ(غادة) توظيف مشاعرها وأحاسيسها إلى عمق الرؤيا التي تبلورها في هذه النصوص، وأستطيع أن أقول إن ما تبحث عنه هو عودة الروح التي فقدت فاعليتها وأصبحت لا تكترث لأي شيء صغيرا كان أم كبيرا، قليلا كان أم كثيرا، وهي كمبدعة معنية ببث روح الطموح والأمل والبحث عن موقع الجمال في الواقع الذي تعيشه، ليتم لها فيما بعد بمحاولة لبناء عالم جديد آخر يتوافق مع رؤيتها وحسب ما تراها والتي لا تتميز ولا تختلف في مضمونها وجوهرها عن الحقيقة التي يجب أن تكون، لأنها ترغب في التماس دورها المتمثل في كنه الإحساس بالوجود الحر والفعال لها ولواقعها.


-100-
لا تترنم بأغاني الحب في ازقة "مونتمار"
ولا تهمسها في أذني بشفتين من عسل ونار
ولا تقل أني حبك الوحيد الكبير
ونحن نقطع جسر "التروكاديرو"
وبرج ايفل منتصب كجني معدني حارس للعشاق او شاهد زور
لا تستعن علي بسحر باريس
فانا اعرف منذ البداية إنني لست أكثر من قطعة حطب في موقد غرورك
وكي تنام مرتاح عليك ان تدم اسمك بالنار على جلدي كما يدمغون الماشية الليلة يا صديقي ل تنام
فالومة ليست خروفا ولم يدمغ احد وشمه على جلدها بعد
الليلة يا صديقي بعد إن أغادرك خائبا
ستتوهم انك تحبني هذا ريثما تمتلكني
وانا البومة الحذرة انفر من حكايات الحب
التي لا يشعل جمرها الا الغرور والحرمان والتحدي
هل عرفت لماذا جعل اليونان من جدتي البومة رمز للحكمة؟


-101-
أنت تحب التوهم انك غزال صحراوي
بنتحب مع الربابة وتتقمصه رو الخيول
في المسافة بين الكثبان والسراب والشمس
وأنا البومة أراك بوضوح ليلا
حين ترهف الظلمة حاسة البصيرة والبصر لدى
أراك مزيجا من راسبوتين وبوتين
بشفتين شهيتين حادتين كشفرات بريطانيتين
أراك سعيدا في مطعمك المفضل الايطالي
تلتهم "الكارباتشيو" وترتدي شروالك اللبناني
تدخ سيجارتك الكوبي وإمامك مفتاح سيارتك المرسيدس الألمانية
تغازل على هاتفك المحمول اليابني حسناء فرنسية
وتبدأ بتناول الحلوة الصينية
وتدون لي عنوان قصرك السويسري بقلمك الذهبي الامريكي
الذي تشتم به العولمة ي مقالات مطولة
وبعد ذلك كله تتهمني بالانطوائية لأنني أطير بعيدا عن شؤمك

نجد هنا كيف ترتبط الصور الشعرية عند (غادة السمان) بموقفها من الحياة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على خبرة الشاعر ونظراته وتشخيصها الدقيق إلى كل أمور الحياة، لذا فان صور (غادة) الشعرية تنقل مشهدا حيا ، كما تلخص خبرة وتجربة إنسانية من الواقع - وهي وإن ظلت حسية - لأن صور الحياة في تجربتنا تأتي عبر استخدم العناصر الحسية، ولكن ما يميزها هو إضافة عنصر الخيال المبدع لتلك الاستخدامات وذلك عبر تفتيت تلك الصور عن طريق الخيال وبطريقة مبدعه بتأثير والانفعال الفنان أو الكاتب، بشكل لا نهائية لأن الخيال المبدع يبدع صور وأشكلها من خلال المدرك الحسي، و المدرك بهذه الصفة لا يكون كذلك إلا من قبل (ذات مدركة)، كما في فلسفة (فينومينولوجيا)، بكون موضوع المدرك هو في الناتج ((محصلة لا متناهية لسلسلة من ادراكات غير محددة))، لذا فان موضوع (غادة السمان) هنا يعد موضوعا حاضرا ومدركا لا يستـنفد، فصور الشعرية عند (غادة) والتي تستند للمدركات ألا تستنفد ولا تتناهى خلال مقاطع القصيدة بل تظل دائمة الحضور في النص الكلي للقصيدة (الرقص مع البوم) .

-102-

الليلة التقيت جثتي للمرة الأولى
ودهشت وكدت لا اصدق
أهذه النحيلة الذاوية كعشبه بحر
هي البومة التي حلقت بين خمس قارات خمسة عقود؟
أهذه الهشة كحرير مبتل في المطر
هي التي سببت زلازل و براكين
وركضت خلفها لي القبيلة بالعصي والسكاكين؟

- 103-
أهديتني تمثالا نحته لي فحسدته
لتمثالي جناحان أطول من جناحي
وعينان أكثر اتساعا من عيني ولا تجاعيد في رخامه
لا يصاب بالزكام
ولا يبكي في الظلام سرا
ولا يئن وهو يتابع تحليقه الليلي بحثا ع حب صادق
ولا يغمض عينه لحظة التقبيل!

فهذا التشكيل كما قرائنا فيه ضغط معمق بالإحساس تفرزه (غادة السمان) كإسقاط ذاتي لا ينتهي ولكن يكشفه التعبير عبر بنية القصيدة والانتقالات بين صورة وأخرى ليتدرج البناء من الذاتية إلى الموضوعية ومن السرد إلى البناء الدامي أو الروائي ضمن الطابع العام للقصيدة بدون إن يحدث أي إرباك في المؤثرات في بنية ألقصيدة، فنلاحظ كيف إن (غادة السمان) تطرح أسئلتها وتجاوب ذاتها بشكل دقيق وصريح بحيث تفرز كل ما يجوب في أعماقها كأسئلة وهي تجاوب بصراحتها عليها، فهذا النمط من الحوار الدرامي تجيده (غادة السمان) بشكل رائح، ولا ننسى بكونها روائية أساسا قبل إن تكون شاعره، ولهذا فإنها تجيد تجنيد وتسخير البناء الشعري في الدراما و بالعكس، تجيد تسخير الدراما في فن الشعر، ولحجم ثقافة (غادة) ودراساتها الأكاديمية والعامة وتأثيرها الكبير بالأدب العربي و الأوربي فقد استفادت في توظيف ذلك في بناء القصيدة المعاصرة عن تجارب مبدعين أوربيين في الشعر الميكانيكي او السريالي، وكان لهذا التأثير هو خروج قصيدتها بالغموض نتيجة تعدد الدلالات واستخدام (غادة السمان ) إلى رموز الأساطير لان تجربتها الشعرية في (الرقص مع البوم) يفتح أفاق واسعة في القصيدة العربية المعاصرة والحديثة بكل المقاييس، فان كان التنوع في بناء القصيدة (غادة السمان) قد فتح التعبير في بنية القصيدة بعناصر الدراما لتخاطب الضمير والعقل في مواقعه والمشاعر والأحاسيس معا، ليمتزج النص بالتعبير فائق في لغة (ألانا) الممتزجة بالموضوعية، فما بين الذاتية والموضوعية توظف قصيدة(غادة السمان) اللغة بشكل إيقاعي متماسك يفرز جوهر الموت والاغتراب وهي تواصل مسيرتها في الألفية الثالثة بتخفيف الضغط النفسي بلجوئها إلى لغة الدراما لكي تتنفس أكثر عمقا ولتخفف من وطء الواقع على نفسها، وهو - كما قلنا- إتقان تجيده (غادة) في بناء القصيدة الحديثة لخلق الدراما او موقف درامي وإضافة الرمز على بنية القصيدة لتوسع في النبرة الموضوعية لها، وهذا ما جعل (غادة) توسع مداراتها في استعارة بالتراث العربي والأوربي معا وتسخيره في بناء حبكة القصيدة وهذا قد أتى نتيجة ثقافتها العالية فوظفت الثقافة في شعرها بشكل واضح المعالم، فغادة تطوف في أفاق التاريخ وفنه وأساطيره وحضارته المعاصرة فتأخذ منها متكأ ومرفئا ووسيلة تحمل أفكارها وأرائها في هذه القصيدة، قصيدة (الرقص مع البوم)، ولهذا تميل القصيدة إلى المد في طولها ولهذا جاء الكتاب بنص مطول كامل الموضوع مع القصيدة الواحد ولما حملته من أمور وما أفرزته من إحساسات ومشاعر متسلسلة متكاملة .

-104-

ذلك الغليان في أجنحتي
اهو جنون الربيع أم حبك
ذلك القارع لطبول الانتشاء في ليل الدفء؟
يا شاعري لا تعاملني كما كنت أسطورة "بومة"
ولا تكتب لي قصائد الخلود
ولا تقدم لي البحر والنجوم والأقمار كهدية
كل ما أتمناه لمسة إنسانية
كان تقطف لي من الحديقة وردة
تعد لي نجانا من القهوة بالهال
وتقول لي صباح الخير
لحظة غياب الشمس في البحر البيروتي خرافي لجمال
فيوم بومة مثلي يبدا باكر مع الغروب

-105-

فقط حين شعرت انه لم يعد لدي ما أقوله لهم
دفاعا عن نفسي ولم اعد أبالي بهجوم او افتراء او تحرش مغرض
فقط حين صرت حقا بومة ليلية لا مبالية
لا بالشهرة و لا بالتصفيق ولا بهراء الأضواء
وكارهة حقا "للفلاشات" لأنها تضايق تحديقي الليلي في الإسرار
فقط حين توهموا إني سئمت
بات الكتابة بشهية ليلة حقيقية مفعمة بالحرية
واكتشفت ربيع محبرتي وفرحاتي الأبجدية !

فالأرض والإنسان والحركة والتغير وأزمة الهوية هي مستويات متداخلة في هموم (غادة السمان) في (الرقص مع البوم) وكل ذلك يأتي في نصها متداخلا عبر الإيحاءات والرموز وبإشكال متنوعة مباشرة وغير مباشرة، فالنص هنا هو مدخل لاكتشاف الذات في غربتها، فهي أزمة في التحرر وأزمة ملتبسة في اكتشاف الذات وأزمة ممزقة للانتماء والغربة فهذا التداخل يفرز غموض النص لحجم وظيفة الإقناع بكون حالة النص يفتح أفاقه الأكثر خصوصية إلى مستوى الموقف، ومن هنا فتكاثف الرمز يأتي في وظيفة دلالية بما تشعر الذات من حالة التناقض والتأزم فيأتي استحضار الأفعال المعاشة يوميا لمراجعة حركة الدلالات المقدمة في النص وعلاقته بالآخرين، فيتوتر حضور (غادة) في فضاء يفضي بمشاعرها وشعورها بالغربة في وقت تحاول تأكيد باستيعاب واقع حضورها في زمن ومكان الغربة ولكن دون جدوى لان جذورها مازال متجذرا في الوطن وبه تتنفس وتحيى بكل إشكال الضغوط وتوتر ومعانات الواقع، وهذا ما يسجل صداه في مفردات الكتابة هنا ويرسم شكل الهوية التي تعيشها ولغة المخالب التي تخاطب الأخر وهذه القسوة تأتي كشكل من إشكال إثبات الذات، وهي متعطشة للحب من اجل الحب السامي الصادق وهو ينهمر من وجدان القلب والضمير في محيط غادر عنه هذه الملامح وصار وجوده نادرا في نموذج زيف الواقع وغياب الاستقرار، لتستيقظ الذات على دوام القلق في محيط يلثم بضاعة الضمير وروح الحب، فقلق (غادة السمان ) هو مظهر يجعلها أكثر حذرا لاحتواء أي عارض من مما قد يتوارد ليكسر صمت الذي تفضل الركون إليه و السكون فيه، كما تحاول (البوم) الاحتماء بالصمت والسكون والليل لتنشد وقت ما تشاء إثناء شعورها بالأمان وعداه فهي محتمية بالظلام اختفاءا من الأخر، حيث تنظر وتراقب في ضل صمت وسكون وهي في أوج استعدادها للمواجه بكل مخالب التي تمتلكها، وهذا الانغلاق النفسي هو رد فعل طبعي للمظاهر القاسية من المحيط في العالم الخارجي، ومغالب (غادة السمان) هي مخالب اللغة ومفرداتها ورموزها وهو شعور الحاضر في عنوان الغربة والاغتراف والحب والحرية وهذا هو في دلالاته يخلق في قلب اللغة وكلماتها قيمة موضوعية لنص (غادة السمان)، وهذا هو بحد ذاته جهد ترسخه موضوعيا في كتاباتها المتسمة بالحداثة والمعاصرة، بكون (غادة السمان) تمتلك قوة المغامرة فكريا فيتكاثف في كنفها التقنية والترميز إلى حد كبير، وهذا التكثيف يعطي انعكاسا آليا في عملية التطور والتعبير في النص الذي ظل يلازمها منذ نعومة أظافرها مما جعلت من كل شيء نقطة تحدي وهي تواجه بصمت وبقوة اللغة ومفرداتها كفعل من القوة وليس فعل في القوة التي ترفضها غادة بالمطلق لان القوة الحقيقة عند (غادة السمان) هي قوة العقل والحكمة والفكر السليم .


-106-

ليت الناس تطلع كتبي
بالشهية ذاتها التي يطاع فيها موظفوا الأمن جواز السفر
كلما سافرت إلى مجدستان قرب قمعستان
ليت حبيبي يقرأ روايتي مثل موظف الرقابة
بإمعان بما وراء السطور وما بين السور
فلو فعل لأدرك جنوني بالحرية
أم إن الرقيب وحده قارئي الحقيقي
والحبيب الحقيقي لأبجديتي ..؟

-107-
حتى في الربيع للمقموعين أسنان
وصحيح ان الأسماك خرساء لا تعوي
لكنها تعض
البوم لا يصدق حقا أوهام ليلة صيف جميلة
يعرف جيدا تمرد الأسماك ربما لأنه يشبه تمرده الصامت
إلا من بعض الأغاني الليلية هنا وهناك
أنصت أغاني البوم الليلية تبدو نذير للقتلة
ولذ يخاف أهل الضمائر المتأزمة
ما من حصانة ربيعية لأهل الأذى
والبوم يدين اغتيال القمر كل ليلة والأسماك تعض!

-108-
حين تعاملني كشبح أصير شبحا
وتعبرني إحزانك كما تعبر السيارة ظلا تخترقه وتغادره
دون إن تخلف أثرا فيه ولا ذكرى
هكذا تكتب النهايات نفسها في حكايا حبي
وقلبي ليس مسمارا على جدار
تعلق فوقه لافتات الحب وتنزعها حين يحلو لك
يا صديقي الذاكرة بالذاكرة
والنسيان بالنسيان والبادئ اظلم
تلك حكمة البوم

-109-
تدق مسمار في جدار غرفة نومك
بدلا من تعلق صورتي تحاول تعليقي على الجدار
اهذا ما يدعوه البشر بالحب
كيف أتخلى عن الطيران ليل الحرية والإسرار "العالق"في اجنحتي
وغبار الظلال التي تلطخ ريشي لأتحول إلى صورة محنطة؟
أهذا ما تدعوه العاشقات البشريات بالوفاء؟

-110-

لماذا اكتب ؟ ربما لان أبجديتي
تنتقم من الطغاة الذين يحاولون صبغ أحذيتهم بمحبرتي
وهذا النبيذ الذي انسكب الآن على ورقتي
يبدو لي دم الأبجدية
فخذوه واشربوه..
بالحبر خمرة الصحو

تتدرج وتتداخل شخصية (غادة السمان) في هذا المقطع من القصيدة بين السرد والبناء الشعري والحدث والحكاية معا لدرجة التي يتم بناء الحوار وفق صراع الذات مع الحدث الموضوعي من خلال الحوار الدرامي، فهي لا تريد التزييف او المديح لكل من يعلن عليها الحب، بقدر ما تريد الإحساس به والتماس منه لمسة إنسانية تطغي على علاقتها، فمن مرارة التي لذعتها من الحياة غدت غير مبالية لا بالشهرة ولا بالأضواء بقدر حبها إلى الحرية والحب الصادق، فإحساسها بالخيبة والانكسار والغربة هو ما يحملها إلى إن تسافر مع الاحزان في رحلة البحث عن شيء (ما)، تريد إن يعرف حبيبها والآخرين عن بطبيعة معاناتها وتتمنى منه ومنهم إن يطالعوا ما تكتبه بعمق كما يفعل (الرقيب) حين يتمعن بقراءة النص وكل حرف وسطر، بل يبحث عن الرموز والغاز وما اخبأ ما وراء السطور وما بينها، (( ليت حبيبي يقرأ روايتي مثل موظف الرقابة
بإمعان بما وراء السطور وما بين السور
فلو فعل لأدرك جنوني بالحرية
أم إن الرقيب وحده قارئي الحقيقي
والحبيب الحقيقي لأبجديتي ))، فكتابة النص عند (غادة السمان) ما هو إلا تجسيدا معرفيا يعاد إنتاجه وتجسيده بتعبير الذات وبتقنيات ذاتها فحين تقول :
(( وصحيح ان الأسماك خرساء لا تعوي
لكنها تعض
البوم لا يصدق حقا أوهام ليلة صيف جميلة
يعرف جيدا تمرد الأسماك ربما لأنه يشبه تمرده الصامت
إلا من بعض الأغاني الليلية هنا وهناك
أنصت أغاني البوم الليلية تبدو نذير للقتلة
ولذ يخاف أهل الضمائر المتأزمة
ما من حصانة ربيعية لأهل الأذى
والبوم يدين اغتيال القمر كل ليلة والأسماك تعض!))، فهذه الفلسفة تبدعها (غادة) بالبنية الجمالية للمعنى ذات مفهوم خلاق لما يتضمنه من دلالات جديدة وفي ذات الوقت متجددة ومبتكره يمنح للنص شموليته وديمومته بحجم المعاني والأفكار والمفاهيم التي عبرت قريحتها داخل النص لتحريك المخيلة وللكشف عن كل ما هو سلبي وفج لكي يتم تنوير الأخر عن أماكن المظلمة في السلوك والعقبات التي تحول دون كشف مواقع الشر، فجدلية الفلسفة في نص (غادة) له إبعاده الفكرية في تنوع صياغة المفردة ودلالاتها ففي المقطع الأول تقول: ((صحيح ان الأسماك خرساء لا تعوي لكنها تعض ))، نعم إن السمكة خرساء لا تعوي ولكنها تعض، فالسمكة هي (غادة) المبتعدة من الضوضاء الكاميرات والصحافة وضجيجها و مكتفية بالانزواء في بحار العميقة في الكتابة والقراءة، وفي هذه البحار تعيش عالمها الخاص، لا تثرثر ولا مكائنها تصدر جعجعة بلا طحن، ولكن تعرف كيف (تعض) من يحاول خدشها، وعضاتها عضات ....! ولكن عضات (غادة) هي اللغة ومفرداتها وكما قلنا و وصفنا لغة (غادة السمان) بأنها لغة مخالب ...! فحين تقول ((بان الأسماك خرساء لا تعوي ولكنها تعض)) إنما هو وصف وتعبير عن ذاتها وتعريف بهوية (غادة السمان) ذاتها، فمن لم يعرف من هي (غادة السمان) عليه ان يعرف من هي عبر هذا الوصف ((الأسماك خرساء لا تعوي ولكنها تعض))......!
وفي المقطع الثاني تقول: ((حين تعاملني كشبح أصير شبحا
وتعبرني إحزانك كما تعبر السيارة ظلا تخترقه وتغادره
دون إن تخلف أثرا فيه ولا ذكرى
هكذا تكتب النهايات نفسها في حكايا حبي
وقلبي ليس مسمارا على جدار
تعلق فوقه لافتات الحب وتنزعها حين يحلو لك
يا صديقي الذاكرة بالذاكرة
والنسيان بالنسيان والبادئ اظلم
تلك حكمة البوم ))، فهذه النصوص لا يمكن وصفها الا بنصوص مفتوحة تضخ الدماغ بدماء جديدة لكي يتنفس ويفكر بعمق ولكي يغذني بقية أعضاء الجسد للوصول إلى رؤية زاخرة بتجليات الفكر المنور يشكل حضوره سمة إنسانية وحجاتها المعرفية بأعلى درجات الوعي، لذا فان عذابها لا ينتهي ولا تؤلف الحياة بما آلت إليها الوقائع والحب وكما تقول: ((تدق مسمار في جدار غرفة نومك
بدلا من تعلق صورتي تحاول تعليقي على الجدار
أهذا ما يدعوه البشر بالحب ))، ولهذا أحبت (غادة) الطيران بعيدا عن عالم الإنسان وأضواءه، لتلجئ إلى الليل كـ(البوم) لان صمت الليل ينسجم مع نفسها ودفئه يتدفق مع ذاتها فتخاطب المطلق البعيد: (( لماذا اكتب ؟ ربما لان أبجديتي
تنتقم من الطغاة الذين يحاولون صبغ أحذيتهم بمحبرتي
وهذا النبيذ الذي انسكب الآن على ورقتي
يبدو لي دم الأبجدية
فخذوه واشربوه..
بالحبر خمره الصحو))، لتتمسك (غادة) بهذه الكتابة التي لا تملك سواها صديقا ينتظر منه ومنها كل ما يروي ظمؤها وظمؤه وظمئ كل من يريد إن يصحوا من كابوس الحياة .
يتبع في الجزء الثامن ......



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء السادس/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الخامس/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الرابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الثالث/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الثاني، غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداث ...
- الجزء الأول، غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة ...
- عام يمضي.. وآخر يأتي.. وفي خلدنا أمنيات و أسئلة......!
- حرقة الأحزان .. أنستني متى ضحكتُ في هذا العمر....!
- كلما أتي إلى هنا .. كلما أمر من هنا .......!
- سأمضي .. لأنني أريد أن أمضي ......!
- جلال الطالباني كان محور اللقاء بين العراقيين
- هل سيكون مطلب الكرد في الاستقلال كمصير مطلب الأشوريين في الا ...
- لا أطيق ......!
- الإبداع الأدبي والفني والتحليل النفسي
- جماليات الشعر المعاصر وحداثته
- اللغة الأشورية .. الهوية .. والانتماء .. ودورها في نهضة الأم ...
- يوم الشهيد الأشوري، استذكار .. وتذكير
- انا .. موج البحر، فلا تقتربي شواطئي ....!
- هو ذا .. العراق .. هو ذا .. نصر العراق
- العراق يعلن النصر .. محررا أراضيه من اكبر منظمة إرهابية في ا ...


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فواد الكنجي - الجزء السابع/ غادة السمان والرقص مع البوم، نص شعري في الحداثة و المعاصرة