|
إيقاع القوة والخوف
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 5764 - 2018 / 1 / 21 - 01:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إيقاع القوة والخوف
مروان صباح / في أحد أفلام المصرية الكوميدية ، لعب الكوميدي وحيد سَيْف ، دور الضابط ، لكن ، ظل سيف مُعظم الفيلم مجهول الضبوطية ، كانت شخصيته بالنسبة لأهل الحي ، عصية على التفكيك ، تمتع لمدة طويلة بينهم ، بإحترام ممزوج البرهبة والغموض يصل إلى التيهة ، لدرجة كان لا أحد يجرؤ مساءلته عن الجهة الأمنية التى يعمل معها ، رغم استبعادهم لجهاز الشُرطة ، لكن الصّدفة وحدها ، كانت كفيلة في إسدال الستارة التى توارى خلفها سيف طيلت الوقت ، وربما ، كان سلوكه يشير، بأن أمره سيُكشف يوماً ما ، بالفعل ، وجد نفسه في ذات ليلة من اليالي ، أمام أحد أبناء الحي ، ليكتشف عابر الصدفة ، حقيقة وحيد ، بأنه ليس سوى ضابط إيقاع في أحد ملاهي شارع الهرم ، بصراحة ، منذ ذاك اليوم الذي شاهدت فيه الفليم ، يغيب المشهد وسرعان ما يعود ، كلما شهدتُ أشباه وحيد في الواقع ، بل ، هناك ضاغط يلح علي ، يعيد المشهد بقوة ، لأكتشف بأن حال هذه الأيام ، ليست أفضل مِنْ وحيد سيف ، وهذا الحال الذي وصل له سيف ، لم يأتي دفعة واحدة ، بل ، تدرج فيه حتى أصبح منافق حقيقي ، عندما فقد كليةً ، الإدراك الذي يخدع به الآخرين ، فتحول إلى صادق بكل ما يكذب .
بالتأكيد ، ضابط الإيقاع ، كان يحلم منذ الصغر، أن يصبح ضابط شرطة أو عسكري أو أمني ، بل من المؤكد ، في بداية العمر ، تجتمع شخصيات متعددة في آن واحد ، طالما الخيال تفوق على الواقع أو المعرفة ، لهذا ، من أساسيات التربية ، بل الضرورة ، تتطلب تحديد مستقبل المرء منذ الصغر ، ثم إرشاده إلى الطريق ، لأن التنقل الخيالي ، يؤسس إلى تيهةُ دائمة ، وهذا حاصل بجدارة بشكل واسع ، بل ما يجرى منذ قرون ، نذير أنفصامي بين الخيال والواقع ، بالطبع ، لصالح الخيال ، الذي يترتب عليه هروب حياتي حتى الموت ، وهنا لعب وحيد سيف ، شخصيتين ، الأولى ، في الحي الذي يسكنه ، كان يمثل دور الضابط الأمني ، أي صوت الرهبة ، وأيضاً في الجهة الأخرى ، الملهى الليلي ، مثل صوت معلمته الراقصة ، اعتاد الرجل الخروج من البيت بخطوات الرجل الأمني ، إلى أن يصل نهاية المربع الذي يسكنه ، ثمّ يبدأ بالتخفي من أي مصادفة تتربص به ، هنا ، يُذكّرنا هروب سيف من الفشل ، بما جاء به دوستويفسكي في روايته الجريمة والعقاب ، عن استحالية معرفة الإنسان، بل ، قد يطرح المرء المسألة بطريقة أخرى ، عن استحالة معرفة حجم الخوف والقوة في داخل كل شخص ، متى يرجح الخوف على القوة ، والعكس صحيح ، بل أيضاً ، قد يكون الخوف الذي حول الإنسان إلى جبان ، أحد أسباب الأساسية للفشل ، لأن ، عندما قرر راسكولينوف بطل الرواية ، قتل المرابية ، خرج من بيته يحمل ذات الخوف الذي كان يصطحبه في كل خروج ، من الدائنين ، بالرغم أنه ، كان يعلم يقيناً مصيره ، هنا مجدداً ، يكشف لنا راسكولينوف ، أن المرء ، متعدد الشخصيات في قالب واحد ، فعندما كان طالب في الجامعة ، اعتاد بطل رواية الجريمة والعقاب على الاستلاف من الدكاكين ، ثم بدأ بالهروب مِن الدائنين حتى وصل قمة الفشل ، فقرر قتل الفشل ، ليكتشف أن الفشل في داخله ، فلم يكن أمامه سوى قتل نفسه ، لكن الجبن الذي في داخله ، جعله يهرب مرة أخرى وللأبد ، فقتل المرابية .
في الخيال ، يتنقال الإنسان بين القوة والنجاح والإبداع كما يشاء ، فيه ، يصبح عنترة والمتنبي وابن سيناء وخالد ، سيف الله المسلول وابن عباس وابن خلدون ، لكن ، عندما يخفق الإنسان في نقل التخيل الي واقع ، يتحول إلى جبان كبير ، لا يستطيع الدفاع عن أحلامه ، حتى حياته البسيطة يفشل في الدفاع عنها ، فيبدأ مسلسل الهروب الذي لا ينتهي إلا بالموت ، فتصبح المتواريات أكبر من المواجهات ، بالطبع الكذب ، الذي يكبر ، في المقابل ، يصغر الصدق ، وتتلاش الفطرة ، فتحل مكان الشخصية الخيالية ، شخصية منفصلة ، قابلة للقتل أو الخداع أو فعل أي شيء شرير . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توازن القوة / يكفل الخروج من دائرة التخبط والابتزاز
-
ترمب يغرق بالمحاباة ..
-
عدم استفهام ما يطرحه الشعب
-
بين التظلم والتميز / تجتمع حضارات العالم عند أبواب القدس
-
تدخل روسي في المنطقة / تحول إلى واقع / هل المنطقة على كفاءة
...
-
لا مكان للمحنطون بين الأحرار ..
-
ما أبعد وأعمق من القدس ...
-
مصير الإنفتاح على إسرائيل ، بين الإستيعاب والإبتلاع
-
جراحات عميقة للإنسان العربي وحضارته / تتقاطع فيها الأطراف أث
...
-
أطول اغتصاب في التاريخ ...
-
تنظيف خطوط المواجهة مع إقتراب ساعة السفر
-
العربية : بين الملكة والصناعة ..
-
التفكير والقراءة ، يُسَقِطان الطُفيليون عند أبواب العزلة
-
المثقف بين التعذيب والإنصاف ..
-
إشكالية الإنسان التاريخية في الوصول للإنسانية / تاريخ بشري م
...
-
تغيب الفكر عن مؤسسات الدول الإقليمية ، تأرجح طويل بين ردة ال
...
-
متغيرات على الأرض ، تحديات مطلوب مواجهتها ، مصر السعودية وال
...
-
برنامج اغتيال ابو حسن سلامة / قناة الجزيرة / اشكالية الاستقص
...
-
القدس / تآكل الهوية الإسلامية وتعاظم الهوية اليهودية .
-
غسان كنفاني ووديع حداد وبرنامج قناة الجزيرة بين إعادة الذاكر
...
المزيد.....
-
-نوفوستي-: رئيس طاجيكستان سيحضر احتفالات عيد النصر في موسكو
...
-
أسوأ مقابلات التوظيف: ما الذي يمكن أن نتعلمه منها؟
-
فيديو: انتفاضة الطلبة في الجامعات الأمريكية دعماً لغزة تمتد
...
-
مفتش البحرية الألمانية يطالب بتعزيز الأسطول بسفن جديدة
-
ظاهرة النينيو تفتك بشرق أفريقيا
-
وزارة الداخلية الروسية تدرج زيلينسكي على لائحة المطلوبين
-
أكثر من 6.6 ألف جندي وأنظمة HIMARS وIRIS-T.. الدفاع الروسية
...
-
مصر.. تطورات قضائية على قضية طالبة العريش
-
إسبانيا ترفض انتقادات الأرجنتين الرافضة لانتقادات إسبانية سا
...
-
هروب من دبابة أبرامس أمريكية الصنع
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|