أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدين المناصرة - الآثار تتكلم: القدس الكنعانيَّة الفلسطينيَّة: 3200 ق.م.















المزيد.....



الآثار تتكلم: القدس الكنعانيَّة الفلسطينيَّة: 3200 ق.م.


عزالدين المناصرة

الحوار المتمدن-العدد: 5727 - 2017 / 12 / 14 - 15:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الآثار تتكلم:
القدس الكنعانيَّة الفلسطينيَّة: 3200 ق.م.


• عزالدين المناصرة

1. القدس الكنعانية: (أمورية، هكسوسية، يبوسية):
يرى فرانكن (H. Franken)، أنَّ القدس، دخلت التاريخ، في زمن نصوص اللعنات (Execration texts)، وزمن العمارنة، فقد ظهر اسم (أورسالم) في نصوص اللعنات المصرية، التي نشرها (زيثة – Sethe) مع ترجمة وتعليق. وتُنسب هذه النصوص إلى فترة حكم سيزوستريس الثالث (1879-1840 ق.م.). وقد قرأ (زيثة)، كلمة نقلها إلى الأحرف اللاتينية، هكذا: (Aws’anm – أوشام)، وقرأها هكذا: (Urusalim – أورسالم). وتذكر النصوص الأقدم عهداً، عشرين بلداً، وثلاثين أميراً، من بينها أورسالم، واثنين من أمرائها. ونحن نصادف – يضيف فرانكن – هنا للمرة الأولى، اسم سالم (Salem)، أو شالم (Shalem)، وقد حُدّدت هوية سالم، أو (ساليم)، بأنه، (اسم إله)، وأورو، التي ربما تعني (أسّس)، ويُعتبر الاسم (أمورياً). وأصبح اسم (أورسالم)، مؤكداً في رسائل تل العمارنة، وهي قرية قائمة على خرائب مدينة (أفق آتون)، التي أسسها الفرعون أخناتون سنة 1370ق.م.، وتقع على بعد (300كم) جنوب القاهرة، حيث وجدت هناك وثائق من أرشيف أمنحوتب الرابع، تتألف من رسائل، كُتبت بأحرف مسمارية على ألواح من الآجُر، وست من هذه الرسائل، كتبها الملك عبدي حيبا، ملك أوروسالم. إذاً، أصبح اسم أوروسالم، مؤكداً في النصف الأول من القرن الرابع عشر ق.م. وأقدم أسماء لحكام القدس في العصر البرونزي، هما اسمان، وردا في نصوص اللعنات: (ياقرعمّو، وسازعنّو). ويقرّر (فرانكن)، أنَّ سكَّان القدس في العصر البرونزي المتوسط، هم أموريّون، إشارةً إلى مرتفع (موريا) في القدس. وقد ظهر اسم الأموريين في الوثائق المكتوبة في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. وأطلقت عليهم وثائق بلاد ما بين النهرين، اسم (أمورو) في اللغة الأكَّدية، و(مارتو) في السومرية، وكان موطنهم، سوريا في وادي العاصي. وترى (كينيون)، إنَّ الأموريين قد تواجدوا في فلسطين، ابتداءً من العام (2300ق.م.)، مثلما تحدّد بداية الكنعانيين في فلسطين، بعام (1900ق.م.). وتورد المصادر الآشورية، اسم فلسطين ومدنها، كما تدمج، (مؤاب، وأدوم، وعمَّون)، ضمن (بلاد العمَّوريين). وهذا لا يشير إلى تغيير في السكّان، لا في العصر البرونزي، ولا في العصر الحديدي، بل يشير، حسب فرانكن، إلى تطوّر في معنى كلمة (أموري).
- أما (الهكسوس)، فهم أموريون كنعانيون، شملت ثقافتهم، القرنين، الثامن عشر، والسابع عشر ق.م.، وحكموا سوريا، وفلسطين. ومن أهم مراكزهم في فلسطين، شكيم (بلاطة قرب نابلس)، ولخيش، (تل الدوير قرب الخليل)، وشاروحين، قرب غزّة، كذلك: أريحا، واشتهر الهكسوس بالتحصينات، وخنادق المياه، وسمَّاهم المصريون: (شاسو)، وسمّتهم المصادر العربية: (العمالقة)، وحكموا مصر ما بين (سنة 1785، وسنة 1580)، لكن المؤرخ المصري الكاهن (مانيثون)، يقول بأن الهكسوس حكموا مصر (511 سنة). ويقول المؤرخ الليبي (علي فهمي خشيم): (لم يتفق الباحثون – كالعادة – حول أصل الهكسوس، قال بعضهم: إنهم كنعانيون، وقال بعضهم إنهم فلسطينيّون، لكنّ (مانيثون) يرى أنَّ (البعض يقول: إنهم كانوا عرباً)، وكانت عاصمتهم في مصر (أفاريس)، وهي في الأصل (أور)، أو (حور)، ثمَّ (هور)، ومنها: قبائل (هوَّارة). وعندما سقطت عاصمة الهكسوس على يد الفرعون (أحمس)، هاجر الهكسوس من مصر، فمنهم من هاجر غرباً، وهم قبائل هوَّارة (الأمازيغية)، ومنهم من اندمج في المجتمع المصري، ومنهم من اتجه شرقاً (حوالي ربع مليون، حسب مانيثون) إلى فلسطين، وهناك بنوا مدينة، وأطلقوا عليها (أورشليم)، أي مدينة السلام. وكلمة (سلام/سَلْمٌ)، كلمة عربية قديمة جداً، حسب علي فهمي خشيم، وجدت في نقوش (أوغاريت) الكنعانية، (ش ل م)، واستعملها الفرعون مرنبتاح، أواخر القرن الثالث عشر ق.م.، (ش ر م). ويرجح خشيم، أنّ الهكسوس، كنعانيون، ومنهم العناقيون، أي العماليق، (الجبّارين). أما (فرانكن)، فيقول بأنَّ الذين كانوا يسكنون القدس في فترة رسائل تل العمارنة، أي القرن الرابع عشر ق.م.، هم: (الكنعانيون اليبوسيون)، وأنّ اكتشاف أدوات صوانيّة في منطقة (البَقْعة)، جنوب غرب القدس،، قرب وادي (العمالقة)، ما يزال يحفظ حتى الآن، تقليداً قديماً حول سكان فلسطين في العصر الحجري، فقد سكن وادي العمالقة، (الرفائيون)، وهم جنسُ قديم عملاق من أهل البلاد الأصليين. وتقول (كينيون)، بأنّها وجدت قبراً في جبل الضهور (أوفل) في القدس، يحتوي على فخّار، يرجع تاريخه إلى أواخر الألف الرابع ق.م. وكشفت كينون (Kenyon)، أحد عشر قبراً في القدس على جبل الزيتون (الطور)، تنتمي إلى العصر البرونزي المبكر (3200-2000 ق.م.). وهي تنسب هذه الآثار إلى الفترة الكنعانية – الأمورية. وقد استنتج من البيئة الكنعانية، التي عاش فيها (اليبوسيون)، أنّ لغتهم، كانت كنعانية، كذلك معتقداتهم الدينية، فالإله اليبوسي، هو (إيل)، كذلك الإله (سالم)، والإله حيبا، وبذلك، يتكوّن (المعبد اليبوسي) من الإله الأكبر (إيل)، وفروعه، وهم: (سالم، حيبا، صادق)، حسب فرانكن. ورأت كينيون أن (سور المدينة) اليبوسي، هو ذاته، سورها في العصر البرونزي المتأخر، (1550-1000 ق.م.). كما حفر (اليبوسيون)، نفقاً، يصل من (بركة سلوان) داخل المدينة إلى (عين أُمّ الدَرَج)، خارجها. ويقول (جورج مندنْهول)، بأن المدن الكنعانية، كان لها نظام إداري، وبيروقراطي، سياسي، ومالي، وأن البيروقراطية اليبوسية، كانت تشمل جيشاً، كان قوامه على وجه الاحتمال، حرس الملك الشخصي، ومرافقيه، وهم قريوتيّون، وفلسطينيون. وكان هناك في الجيش، عسكريون محترفون. ويؤكد (مندنْهول)، إن مدينة القدس، كانت مدينة كنعانية، نموذجية، وأنَّ ثقافتها وسكّانها، نشأوا أساساً من (الأموريين)، وحتى الاسم (يبوس)، فهو أموري. وكان عدد سكان القدس في الفترة اليبوسيَّة، (2000 نسمة)، ومساحتها هي (350×100م). ويؤكّد البريطانيان، (فيليب دفيس، وجون روجرسُن)، بعد إعادة قراءة كل ما يرتبط بنفق سلوان، وخريطة القدس، بأنَّ نقش سلوان: (يعود إلى القرن الثاني، قبل التاريخ الشائع، وليس قبل ذلك).

2. رسائل حاكم أورسالم المصري، (عبدي حيبا):
- أمّا – (قاسم الشوَّاف)، فقد قرأ نصوص اللعنات، ومراسلات العمارنة، وهو يحدد النصوص بالقرنين التاسع عشر ق.م.، والثامن عشر ق.م.، أما المراسلات، فهي في القرن الرابع عشر ق.م. وهو يقول بأن اسم (أوروسالم)، أو أوروساليم، ورد في نصوص اللعنات، في ثلاث مناسبات: مناسبتان في نصوص متحف برلين، حيث أنَّ اسم أمير المدينة، هو: (ياقيرعمّو)، ثمَّ (سازانو)، وفي المناسبة الثالثة، فُقد اسم أمير المدينة. وهو يرى أنَّ اسم (ملكي صادق)، قد (اختُرع) في نهاية القرن السابع ق.م.، لدعم قصة أبرام، المبتدعة أيضاً – (ص117). أمّا مراسلات العمارنة (1402-1306 ق.م.) فهي (308 رسالة كنعانية)، بين أمراء المدن الكنعانية، وفرعون مصر، وتغطي الرسائل (25 عاماً) فقط. أمّا أسماء المدن الفلسطية، التي وردت في هذه الرسائل، فهي: (غزَّاتو (غزة)، عسقلونا (عسقلان)، صرخا (غربي القدس)، جازر (جنوب يافا)، يافو (يافا)، لخيش (تل الدوير) غرب الخليل، قيلتو (شرق عسقلان)، أوروسالم، أيالونا (يالو)، روبوتو (بين جازر والقدس)، جنين (جينا)، بورقونا (غرب جنين)، جيمتو (جات)، وهي عراق المنشية، بين الخليل وغزة، جينتي كرمل، تًعنّيك، رُمّانا، (ماجدّو، جنوب شرق حيفا)، شكيم، (بلاطة)، قرب نابلس، يورصا، بيت شان (بيسان)، عكّا، أكشافا (قرب عكّا)، حاصورا، شمال طبريا). أمّا أمير أوروسالم في هذه المراسلات، فهو (عبدي حيبا)، الذي كتب إلى الفرعون (ست رسائل)، يشكو فيها إلى الفرعون، عندما كانت القدس، تحت الحماية المصرية، من أمراء المدن الأخرى في فلسطين، حيث قال في إحدى رسائله: (انظر يا مولاي إلى ما فعله ميلك – إيلو، أمير جازر، وشوارداتا، أمير (حبرون) في أراضي الملك مولاي. لقد دفعا بقوات من جازر، ومن جات، ومن كيلة، فاستولت على أراضي روبوتو، وبذلك حلّ (قطّاع الطرق) في أراضي مولاي. وهناك بلدة في أراضي أورشليم من أملاك مولاي، هي (بيت لخمو)، جرى ضمّها إلى (كيلة). فليصغ المليك إلى خادمه عبدي هيبة، بأن يرسل قوات، تعيد الأراضي الملكية إلى الملك، وإذا لم تصل القوات، فإنّ أراضي مولاي، سوف تغدو ملكاً لقطّاع الطرق). وفي رسالة أخرى إلى الفرعون، يقول عبدي حيبا: (هل يوجه الملك عنايته نحو أراضيه، التي تمرّدت هنا، بتحريض من – إيلي ميلكو!). وكان (عبدي حيبا)، أمير أورسالم، قد أرسل في رسالته الأولى شكواه: (ليس أبي، ولا أُمّي، هما اللذان سلّماني هذا المنصب، ولكن ساعد الملك القوية، هي التي جعلتني أدخل بيت أبي). كما يوضّح أنّ النمّامين، يزعمون، أنّ عبدي حيبا، قطع علاقته بسيّده الملك: (فهل يمكن أن أقول أمام مفوّض الملك: لماذا تحبُّ قُطّاع الطرق، وتكره الحكام؟. إنها نميمة بخصوصي، لأنني أقول: ضائعه هي بلاد الملك سيّدي. جميع المدن انشقّت، وإيلي ملكو، حاكم جازر، هو سبب ضياع بلد الملك). وفي رسالة أخرى، يقول عبدي حيبا بأنّ (إ"يلي – ملكو)، و(تاجي)، حاكم الكرمل، أتيا بمحاربين إلى (قيلاتو – قيلا)، ضدّه. ويذكر (الهدايا)، التي سبق له أن أرسلها للملك. ويشرح (حاكم القدس)، كيف بأنَّ الكوشيين)، وهم نوبيون مكلّفون بحراسة الحاكم، (حاولوا قتله في عقر داره). وفي رسالة أخرى، قال عبدي حيبا بأنه أبلغ (شوتا = مفوض الملك)، بأنَّ بلد الملك ضائع، وأنه في حرب مع (شيرو = سعير)، وحتى مع (جينتي – كرمل)، وأنّ الملك لا يفعل شيئاً، وأنَّ قطّاع الطرق، ضربوا حاكم صيدون (زيمريدا)، وأنَّ (يفتاح – هدَّا) حاكم لخيش، اغتيل هو أيضاً، أمام بوابة (سيلو)، والملك لم يفعل شيئاً. وفي رسالة أخرى، لأمير أورسالم (عبدي حيبا)، إلى الفرعون، يخبره فيها بأن (إيلي – ميليكو)، حاكم جازر، لم يقطع علاقته مع (لبآبو)، حاكم شكمو (شكيم)، ومع أبناء (أرساوا)، الذين يُعادون الفرعون: (فلماذا لا يحاسبهم الملك!). ثم يضيف: (إليك ما فعله كلٌّ من (ميليكو = إيلي ملكو)، حاكم جازر، و(تاجي)، حاكم جينتي –كرمل، إنهما احتلاّ روبوتو (مدينة بين جازر والقدس). والآن، بالنسبة لـِ(أورو – سالم)، إذا كان هذا البلد، هو للملك، لماذا لا يهتم به الملك، كما يهتم ببلد (غزّاتو)!!. لقد سلَّم (البآيو)، بلده (شكيم)، إلى قُطّاع الطرق). أما الرسالة الأخيرة لحاكم القدس، عبدي حيبا، فقد قال فيها، بأن حاكم جازر، وحاكم قيلتو، قادا مقاتلين من جازر (غزرو)، ومقاتلين من (جيمتو = جات)، ومن (قلتو)، واحتلاّ (روبوتو)، وأنَّ بلدة (بيت – نينورتا)، التي تعود لأورسالم، تحوّلت لجهة رجال (قيلتو). ويبدو أن الملك المصري، المقصود في هذه المراسلات، هو أمنحوتب الرابع، أو أخناتون (1375-1385 ق.م.)، الذي أرسل حملة بقيادة (بيخورو)، أحد قوَّاده – كما يقول مصطفى مراد الدباغ – إلاّ أنه لم يتمكن من إخضاع (الثوَّار)، مما أدى إلى زوال النفوذ المصري من فلسطين.
ويقرأ (قاسم الشوّاف)، النصوص الأشورية، حيث ورد اسم (أورشاليمو)، أول مرّة في نصّ سخاريب، عام 701 ق.م. ويعتبر تغلاّت فلاصرَّ الثالث (745-727 ق.م.)، ملك آشور، عدداً من المدن الفلسطينية، تحت حمايته، حيث تدفع له الضرائب، ومنها: (ياؤودو، عسقلانتو، أودوم، غزَّاتو). أما (سرجون الثاني)، فقد احتلّ: (غزَّاتو، ياؤدو، مآبا، بيت عمَّانا، أودومو، أشدود، عقرون)، وكانت تدفع له الضرائب. ويلاحظ (الشوَّاف)، أنه من المستغرب، احتلال كلّ ما يحيط بـِ(أورسالم)، دون أن يُشار لها، باستثناء إشارة سنحريب عام 701 ق.م. وكان سنحريب، قد حاصر مدينة لخيش (تل دوير)، غرب الخليل في ذلك العام، ولم يبق لأورشاليمو، سوى قرى ومدن المنطقة الجبلية، حيث تقوم مدينة (حبرون).
- أما، (فراس السواح)، فيرى أنه، حسب مخطط كينيون، فإنَّ (المدينة اليبوسية)، تشغل ذروة هضبة الظهور (أوفل) الضيّقة، مع امتدادات باتجاه المنحدر الشرقي نحو وادي جهنّم (قدرون)، حيث يقع نبع عين أُمّ الدرج (عين جيحون)، الذي كان مصدر حياة المدينة عبر عصورها. ويظهر أن طول المدينة، لا يتجاوز الـ(350 متراً)، وعرضها، لا يتجاوز الـ(150 متراً). ويبدو أن الحدّ الشرقي للسور، الذي بني على منحدرات الهضبة، كان محكوماً بموقع النبع، الذي جلب السكان الأوائل إلى هضبة (أوفيل)، منذ أواسط الألف الثالث ق.م. – (ص35: تاريخ أورشليم). وعثرت السيدة كينون على آثار سكن عرضي في الموقع، تعود إلى الألف الثالث ق.م. ولكن أورشليم، لم تظهر كمدينة مسوّرة، إلاّ مطلع الألف الثاني ق.م. واستطاعت كينيون، إرجاع تاريخ بناء السور إلى عام 1800 ق.م.، على وجه التقريب، أو قبل ذلك – (1950 ق.م.). وقد بقي هذا السور قائماً، مع مراحل واضحة من الترميم والإصلاح حتى القرن العاشر ق.م. واكتشفت كينيون (آثار مصاطب حجرية خضمة) تستند إلى بعضها على المنحدر على شكل مدرّجات، تعود إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م.، إلاّ أنّ آثار الإصلاحات المتوالية، تواصلت حتى عصر الحديد الأول (1200-1000 ق.م.). ومن آثار المدينة اليبوسية، (نفق محفور في الصخر) على الجهة الشرقية داخل السور، ينحدر بزوايا غير منتظمة، ثم يهبط شاقولياً حتى يصل قناة تستمد ماءها تحت الأرض من نبع أُمّ الدرج (عين جيحون). ويبدو أن اليبوسيين، كانوا يستخدمون هذا النفق لسدّ حاجتهم من ماء جيحون في زمن الحصار، وحسب (فراس السواح)، فإنّ هذا النفق، (هو من صنع الطبيعة، وأنّ يد الإنسان لم تتدخل، إلاّ لإحداث بعض التحسينات). وهو يصل إلى خلاصة تقول: لم تكن أورشليم اليبوسية، سوى (بلدة صغيرة مسوّرة)، وقد بقيت أورشليم محصورة ضمن مساحتها الضيقة على قمة (أوفل)، منذ نشأتها، كمدينة مسوّرة عام 1800 ق.م.، تقريباً، وحتى نهايات القرن التاسع ق.م.
- أمّا – (خزعل الماجدي)، فهو يرى أنَّ القدس، بنيت مع بداية العصر البرونزي المبكر، حوالي عام (3200 ق.م.)، اعتماداً على ملاحظات (شيلوح) الأثرية، وأنّ ملامح هويتها، آنذاك، هي أمورية. وكانت بعثة (باركر) عام 1919م، قد حفرت مقابر من العصر البرونزي المبكر، تحت المرتفع، ووجد أواني فخّارية مصبوغة بالأحمر تعود إلى حوالي (3000 ق.م.)، وذلك أسفل نهاية الحافة الجنوبية الشرقية للقدس. ورأى (مازار)، أنّ (جبل الضهور)، يشير إلى أنه (كان خلال الألف الثالث ق.م.، مأهولاً بالناس عند بدء العمران)، لكنّ (رحماني) – كما يقول الماجدي – سمّى الفترة الزمنية ما بين (3100-2900 ق.م.)، بالفترة (الكنعانية الأولى)، ووجد في كهف قبري عند (جبل الضهور)، هياكل عظمية ملطّخة باللون الأحمر. أمّا (كينيون)، فتذكر قبراً في جبل الضهور (أوفل) يحتوي على فخّار، يرجع إلى القرون الأخيرة من (الألف الرابع قبل الميلاد)، وهي مرحلة تسبق مرحلة تأسيس مدن العصر البرونزي المبكر في فلسطين. وهو (أي الماجدي)، يرى أنّ كلمة (موريا)، الذي أطلق على فلسطين، كان سابقاً، لاسم (بلاد كنعان)، ومنعى ذلك، من وجهة نظره، أنّ اسم (موريا)، يدلّ على استيطان أموري مبكر في القدس، وأنَّ الأموريين، هم من بنى مدينة (بيت مِرْسم)، جنوب غرب القدس. أما (القدس الكنعانية)، فهي (أوروسالم) اليبوسية، التي بنيت في العصر البرونزي الأوسط، (القرن الثامن عشر ق.م.)، وسميّت كذلك باسم (الإله سالم). وكانت محاطة بسور من الطين والحجر من جهاتها الأربع. وهناك مقبرة يبوسية (المقبرة العالية)، وتقع على جبل الزيتون. وتنتمي للعصرين: البرونزي المتوسط، والمتأخر (الثامن عشر – الرابع عشر ق.م.). وهناك مقبرة أخرى في القدس، وجدت في القطاع الشمالي الشرقي من أورشليم، يعود زمنها إلى العصر البرونزي الثاني، وحتى القرن الرابع والعشرين ق.م. ويقول الماجدي أيضاً، بأنّ (الصخرة المقدّسة)، كانت مقدّسة عند الكنعانيين، رغم أنها كانت خارج أسوار مدينة القدس الكنعانية، على مرتفع موريا، ولكنها كانت مقدسة مثل جبل موريا نفسه. ويبلغ طول الصخرة (17 متراً، و70 سنتيمتراً)، وعرضها هو (13 متراً، و50 سنتيمتراً). ويرى أنّ أول اسم للقدس، أي قبل (أوروسالم)، هو (منورتا)، ومعناه الآرامي (منارة، أو ضوء)، وبما أنّ لفظة (قدرون)، تعني (الظلام) بالآرامية، فتصبح المدينة (منارة في الظلام). ويرجعه الماجدي إلى الأموريين، أي (الإله منورتا)، الذي حلّ محله لاحقاً، ما يقابله عند الكنعانيين (الإله شالم). ويضيف بأنّ (شالم)، هو إله الشفق، ونحن نعتقد أنّ اسم (الكنعانيين)، كان قبل إطلاقه على هذه القبائل، هو (شام)، ثمَّ توزعوا في بلاد الشام، وأخذوا أسماءهم من أسماء المدن (أوغاريت، جبيل، صور، صيدا، يبوس... الخ).
وقد سُميّتْ القدس، (أرنانا)، وهو اسم حيثي، ظهر في العصر البرونزي المتأخر، لذلك نرى أنّ المقصود منها – يقول الماجدي: (القدس المقامة على جبل الضهور، المقابل لجبل صفَّون). ويبدو أنّ القدس في العصر الحديدي الأول (1200-1000ق.م.)، كانت (كما يقول): (محاطة في إقليم المرتفعات الجنوبية، بثلاث مدن هامة، هي: (لخيش، شيفيليه، والخليل)، كانت حتى ذلك الوقت، أهم بكثير من القدس في جميع المستويات. ولم تبرز القدس، إلاّ بعد سقوط لخيش (حوالي، 1100ق.م.)، على يد الأشوريين.

3. ملاحظات (1)
أولاً: ورد اسم (Aws’anm – أوشام)، في قراءة (زيثة)، التي نقلها إلى اللاتينية (أوروسالم)، كما وردت في نصوص اللعنات المصرية في القرن التاسع عشر ق.م. وأول ما يتبادر إلى الذهن، هو السؤال: هل هذه القراءة صحيحة!. ثمّ، ألا يحتمل أن يكون المكافئ للكلمة، هو: (مدينة الشمال، أو مدينة شام)! أو (نور السلام). وهذا يقتضي إعادة قراءة أمكنة وأسماء (اللعنات، والعمارنة) من جديد. والأرجح عندي، هو: (هورسالم = قرية سالم).
ثانياً: أنْ تكون تسمية (منورتا)، للقدس، سابقة لاسم (اوروسالم)، كما يقول الماجدي، أمر مستبعد بتقديري، لأنّ رسائل عبدي حيبا، أوردت اسم بلدة (نينورتا)، الشبيهة باسم القدس عند الماجدي، بصفتها في رسائل العمارنة (بلدة تابعة) لأوروسالم، وليست أورسالم نفسها.
ثالثاً: القدس، كانت كنعانية عام 3200ق.م.، وحتى المسيح، ومعنى مصطلح (الكَنْعَنَة)، من زاوية التعدديّة، كان يعني: (الأموريين، واليبوسيين، والفلسطيين)، وغيرهم، يقول الهولاندي، (دوغيوس)، بأن أصل الأموريين، يجب أن يُفهم على أنّه (فلسطيني المنشأ)، ويقول طومسون: (في القرن الثالث عشر ق.م.، كان سكّان فلسطين من أصول مختلفة، ومعظمهم من الأموريين الأصليين في فلسطين). ثمَّ، لماذا افتراض أنّ الكنعانيين، في فلسطين، قد جاءوا بعد الأموريين، ثمَّ، لماذا افتراض أنّ الكنعانيين، منفصلين عن الأموريين، ثمّ، لماذا لا يكون الأموريون، هم الفرع الأكبر من القبائل الكنعانية، وليس العكس، كما هو شائع في (نظرية الهجرات). ثمّ، لماذا يرفض بعض الباحثين، نظرية الهجرات التدريجية، ثمّ يعود للتكيّف معها، إذا صادفتْ هوىً قُطرياً لديه. ولماذا لا يكون (الهكسوس)، كنعانيين أموريين، وليسوا أموريين فقط!. ولماذا يتم فصل (الفلسطينيين)، عن الكنعانيين، وهم قبائل أصلية في فلسطين متفرعة من الكنعانيين. لقد كان السكّان الأصليون في فلسطين، منذ العصر الحجري، وحتى ما بعد المسيح، (كنعانيون)، بالمعنى العرقي المتعدّد، والثقافات المتعددة. يصف (إنجيل متى)، امرأةً من منطقة صيدا، وصور، لجأت إلى المسيح، بأنها (امرأة كنعانية) – العهد الجديد، ص28. ويقول طومسون ما يلي: (لم يتغير السكّان الأصليون في فلسطين كثيراً، منذ العصر الحجري. وخلال فترة (الألف السادس – الرابع ق.م.)، أصبحت فلسطين، ساميّة (بمفهوم لغوي). وخلال العصر البرونزي القديم، أقامت (مستقرات) اقتصادية، بقيت من خصائص المنطقة، حتى الحقبة الآشورية، على الأقلّ). واللغة التي وحّدت بلاد الشام، هي الكنعانية، بمراحلها الثلاث: (الفلسطيّة، والأوغاريتية، وجبيل). وحتى (أولبرايت)، يقرُّ بمفهوم (الكنعنة)، وقِدَمها، فهو يقول: خلال الفترة (من القرن الحادي والعشرين ق.م.، وحتى القرن الخامس عشر ق.م.): (كانت المنطقة الساحلية من شمال سوريا، إلى أقصى جنوب فلسطين، آهلةً بشعب من جنس مختلط، يتكلم لغة (موحّدة) بلهجات متقاربة جداً. ولهم حضارة مادية ودينية مشتركة. وامتدّت حدودهم شرقاً في جنوب سوريا وفلسطين، حتى حافة منطقة العمران الدائمة، وبالرغم من بعض الاختلافات الداخلية، فإنّ هؤلاء الكنعانيين، كانوا كلّهم متجانسين، وكانت الحضارة الكنعانية، متقدمة جداً في بعض النواحي – (آثار فلسطين – ص110).
رابعاً: لماذا تقدّم لنا، الشعوب، التي لها علاقة بالقدس، مثل: الكنعانيين، والأموريين، واليبوسيين، والهكسوس، والفلسطينيين، كشعوب، أو قبائل (غامضة!!)، و(منفصلة!!)، فعندما يصف المؤرخ المصري مانيثون، الهكسوس، يقول: هم، إمّا كنعانيون، أو فلسطينيون، أو بابليون، أو عرب، وعندما يضيف آخرون بأن الهكسوس، هم: أموريون. ترى ما هو الفرق بين هؤلاء جميعاً، ألَيسوا، هم العرب القدامى في بلاد الشام!!. ولماذا هذا الربط القسري للكنعانيين والفلسطيين بالفترة (من القرن الثاني عشر، إلى القرن العاشر). ولماذا الاستسلام لمقولة (شعوب البحر)!. ولماذا الاستسلام لمقولة (الهجرات)، وكأن فلسطين، كانت فارغة تماماً من السكان!!، مع إيماننا أيضاً، بأن فلسطين، كانت منفتحة على الصحراء والبحر.
خامساً: لم يُشر هيرودوت، صاحب كتاب (التاريخ)، المكتوب عام 450ق.م.، أية إشارة لمدينة في (فلسطين السورية)، تدعى (ياؤودو)، ولا إلى مرتفعات تدعى (يهوذا)، ولا إلى إله، يُدعى (يهوه). فكيف غاب عنه كل ذلك، وقد كتب كتابه في القرن الخامس ق.م.
سادساً: إذا صحَّت قراءة كلمة (Awas’amm)، بأنّها، أوروسالم، فإنّ (الإله شلم) من معبودات الكنعانيين، والعرب القدامى في شبه الجزيرة العربية، يكون هو مصدر التسمية. والأرجح عندي، هو أنها: (هورسالم = قرية سالم).

4. مرغريت شتاينر: آثار القدس الكنعانية الفلسطيّة
(1300-700ق.م.):
لدى إعادتها تنظيم مكتشفات كينيون الأثرية في القدس، بعد رحيلها عام 1978، تبنّت مرغريت شتاينر تواريخ مازار – Mazar، المستندة إلى تقويم جديد للمواد:
المصطلحات المستخدمة عند شتاينر تواريخ مازار مصطلحات كينيون
العصر البرونزي المبكر (1) 3300-3050ق.م. قبل الحضري
العصر البرونزي المبكر (2-3) 3050-2300ق.م. EB 1-111
الفترة البرونزية الوسيطة 2300-2000ق.م. EB-MB
البرونزي الوسيط الثاني (1) 2000-1800ق.م. MB 1
العصر البرونزي الوسيط الثاني (ب/ج) 1800-1550ق.م. MB 11
العصر البرونزي المتأخر 1550-1200ق.م. LB
العصر الحديدي (1) 1200-1000ق.م. حديدي مبكر
العصر الحديدي (2) 1000-700ق.م. حديدي متأخر
- تقول شتاينر بأنّ كينيون، وجدت آثاراً في الكهفين (IV, V)، وهما ينتميان للعصر البرونزي المبكر، وهما: حسب وصف (فرانكن)، على النحو التالي.
1. الكهف (V): طاسات ذات حواف رقيقة مستقيمة: (1. مصقولة بالدلك من الداخل والخارج. 2. الداخل طبقة وردية تستعمل مصباحاً). طاسات ذوات حواف مقلوبة: طبقة كلسية من الخارج. وطبقة وردية فاتحة، وآثار من طلاء أحمر في الخارج، وفوق الحافة طاسة ذات جدار سميك. جرار ذات فتحات من دون أعناق. أعناق لجرار. مقابض ناتئة. حزام بلاستيكي حول العنق. قواعد مسطحة. آثار طبقة كلسية من الخارج.
2. الكهف (IV): جرار ذات حواف لامعة، وتزيينات منقوشة على العنق. جرار ذات فتحات من دون أعناق. أعناق لجرار. مقابض متآكلة. قطعة من جسم فيه تزيينات مرسومة. دهان أحمر على طبقة من كلس.
3. مخلفات أخرى: طاسات ذات حواف تزداد سماكة. طاسة ذات حواف أفقية. طاسة ذات مقبض ناتئ. طاسات ذات حواف مقلوبة مصقولة من الداخل والخارج. آثار صقل. طاسات ذات حواف مضغوطة للأسفل إلى الداخل والخارج. جرار ذات حواف لامعة. طاسات أو جرار عميقة. جرار ذات فتحات دون أعناق. زخرفة منقوشة. حزام زخرفة متآكل. أباريق، صقل عمودي (ربّما من العصر البرونزي المتأخر). مقابض. قواعد مسطحة. طبقة من الكلس على الجدار. زخرفة حزام بلاستيكي.
أولاً: تقول شتاينر بأنه، لم يعثر على مواد من العصر البرونزي المبكر على (التلة الغربية)، ولا في أي مكان آخر في القدس. وهكذا يبدو محتملاً، أن القدس، كانت (مأهولة) قليلاً في العصر البرونزي المبكر الأول (EB1). وتضيف شتاينر، بأنه، (إلى الجنوب من القدس، لم يُسجّل سوى موقع واحد كبير في العصر البرونزي المبكر، هو (رأس طوارة). وقد تمًَّ اكتشاف عدة مدافن، تنتمي للعصر البرونزي الوسيط. أحدهما احتوى على (أحد عشر قبراً رأسياً على جبل الزيتون). وتمّ اكتشاف أحد القبور الغنية في (جوار سلوان).
ثانياً: اكتشفت (كينيون)، (سور المدينة الأكثر قدماً في القدس)، وهو ينتمي للعصر البرونزي الوسيط الثاني، طوله الظاهر (13 متراً). كما اكتشفت (سوراً آخر)، يتألف في جزء منه من سور بني من حجارة كبيرة غير منتظمة، وفي جزء آخر من نتوء صخري جميل. واكتشفت (سوراً ثالثاً)، تكوّن من حجارةكبيرة غير منتظمة، يعود إلى العصر البرونزي الوسيط الثاني. كما اكتشفت (كهفاً)، خارج سور المدينة الحالي، وقِطَعاً من الأواني الفخّارية، ويمكن نسبة هذه الأواني إلى عام 1800ق.م.
ثالثاً: في (العصر البرونزي الوسيط الثاني)، مرّت فلسطين، بمرحلة تحضُّر، بدءاً من المناطق الشمالية الساحلية، ووادي (يزرع – إيل). وفي بداية (العصر البرونزي الوسيط الثاني – ب) – تقول شتاينر، وصل التحضُّر إلى المناطق المحيطة، مثل: الأراضي المرتفعة الوسطى، ووادي الأردن. وبحسب (ديفر – Dever)، تمَّ تعداد حوالي أربعمائة من مواقع العصر البرونزي الوسيط الثاني (1800-1550ق.م.): 200 موقعاً في المناطق المرتفعة الوسطى: كان (5%) من المواقع (مُدناً كبرى)، و(85%) منها، قرى غير مُسوّرة. وتقول شتاينر: يشير تحليل مكاني لهذا النموذج إلى أنَّ المدن والقرى، كانت مرتبطة بقوة، باقتصاد السوق، لكنّ المدن الكبرى، كانت مراكز لدول المدن. ويتحدث (ديفر) عن ثقافة حضرية عالية التنظيم، ترتكز على نماذج زراعة مكثفة، وتجارة واسعة. وكانت (القدس)، واحدة من المدن الأصغر، وربّما كانت تقوم بدور سوق محلية، أو مركز لإعادة التوزيع. كانت مساحتها (4-5 هكتارات)، ويشمل ذلك، السور، وخندق الماء، وكان ذلك في القرن الثامن عشر ق.م. وقدّر (بروشي، Broshi)، عدد سكان القدس آنذاك، بألفي شخص. ويبدو أن المدينة، اختفت من الوجود في القرن السابع عشر ق.م.، حسب شتاينر. أما (الأواني الفخارية) المكتشفة (حوالي 1800 إناءً)، في جوار القدس، فقد نُسبت إلى الفترة (1600-1800ق.م.). وكان (مكلستر)، قد اكتشف (كهفاً) داخل المدينة، يحوي عظاماً بشرية، ورأس حربة برونزية، وبعض الأواني الفخّارية، تمَّ إرجاع تاريخها إلى (1800ق.م.). واكتشفت عدة قرى زراعية في (وادي البَقْعة)، وتمّ إنقاذ (531 حافة جرّة فخّارية) من جرار التخزين، وأواني الطبخ، ومعظم أواني (كينيون)، مصنوعة من الطين المحلّي مع رمل خاص، حيث اكتشفت (ورشات) الأواني الفخّارية. وعُثر أيضاً، على (خَرَز مُلوّن مصنوع من الحجر)، وعليه زخرفة فخارية، وترصيعات عظمية جميلة للأثاث.
رابعاً: عثرت كينيون على بقايا مدينة (ءوروساليم)، تتألف من (نظام مصاطب) كبير، يحتضن سفح التلة الجنوبية الشرقية فوق نبع جيحون. واعتماداً على الأواني الفخارية المرافقة، أرجعت كينيون تاريخها إلى (القرنين: 14 و13 ق.م.)، لكن دراسة متأخرة، قالت، بأنها تعود إلى القرن الثاني عشر ق.م.، وأنَّ أقدمها قد يعود للقرن الثالث عشر ق.م. ولم يعثر على أي أثر لمدينة (ءوروساليم)، تنتمي إلى القرن الرابع عشر ق.م.، لا على التلّة الجنوبية الشرقية، ولا في محيطها المباشر. ولهذا تطالب شتاينر، بإعادة قراءة نصوص العمارنة، التي ورد فيها اسم (عبدي حيبا)، حاكم القدس. وهي تقرر بأن تاريخ بناء المصاطب، يرجع إلى (النصف الأول من القرن الثاني عشر ق.م.). وهي تقول بأنه: (لم تكن هناك مدينة في القدس في العصر البرونزي المتأخر، 1550-1200ق.م.).
خامساً: إذا كان الاستنتاج، بأن القدس، لم تكن مدينة كبيرة مُسوّرة في النصف الثاني من العصر البرونزي المتأخر، صحيحاً، فكيف تفسّر شتاينر، رسائل عبدي حيبا، حاكم القدس المصري إلى فرعونه؟. تجيب شتاينر بما يلي: هناك احتمالان: الأول: (ءوروساليم)، لا يمكن اعتبارها القدس (أورشليم)، فالرسائل تصدر من مدينة أخرى، كانت تدعى وقتها (ءوروساليم)، يمكن العثور عليها في (الجزء الجنوبي من الأراضي الوسطى كثيرة التلال)، غير بعيد عن (قيلة، وجازر، وشكيم). أما الاحتمال الثاني: هو أن منشأ الرسائل هو القدس (أورشليم)، وأنّ (ءوروساليم)، لم تكن مدينة مُسوّرة، وعلينا أن نصفها بأنها (عزبة خاصة)، خاضعة لسلطة ملكية، وأنّ عبدي حيبا، هو مدير هذه العزبة، الذي يعيش في بيت مُحصّن في مكان ما، قرب نبع جيحون. ولم يكن هناك أي ذكر لـ(ءوروساليم)، بأنها مدينة ذات أسوار قوية، وأبراج. وهكذا، فإنّ عبدي حيبا – حسب شتاينر – ليس أميراً محلياً، بقدر ما هو (موظف مصري)، يدير عزبة ملكية تعود للفرعون، فهو لا يعيش في مدينة كبيرة، بل في حصنٍ صغير. وتعطي الرسائل انطباعاً بأن (ءوروساليم) كانت منطقة هامشية.
سادساً: أمّا عن القدس في العصر الحديدي (1200-687ق.م.) فتقول شتاينر: حاولت مصر مع نهاية القرن الثالث عشر ق.م.، أن تشدد قبضتها على فلسطين، وبنت الحصون (بيسان، وتلّ مور)، وأماكن السكن (أفيق، وتل السيدية)، بمحاذاة الطرق الهامة. وكانت القدس (حصناً)، أقامته مصر، لتحرس الطرق العسكرية والتجارية الهامة إلى بيسان ومؤاب، وتضيف شتاينر: وربّما يكون (اليبوسيون)، هم من بنى الحصن، ولاحقاً، يمكن أن تكون قرية صغيرة اتصلت بالحصن. وفي العصر (الحديدي الثاني: من القرن العاشر إلى التاسع ق.م.)، كان هناك (مبنى حجري)، اكتشفته كينيون في الخندق (I)، كذلك اكتشفت جزءاً من سور المدينة على التلّة، وبعض الأنقاض. وأظهرت الحفريات في المنطقة التي تقع إلى الجنوب من الحرم القدسي مباشرة، أي (أوفل)، أنَّ: (أقدم المباني، هناك، تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد). واستناداً إلى الدلائل الأثرية، يمكن وصف (المستقرة في القدس) في القرنين العاشر والتاسع ق.م.، بأنها: (مدينة صغيرة محصّنة، تقع فوق التلّة، لا تزيد مساحتها عن 12 هكتاراً). وتقرر شتاينر، أنّ عدد سكانها (لم يكن أكثر من ألفي شخص)، ومن غير المحتمل أن تكون القدس في القرنين العاشر والتاسع ق.م.، عاصمةً لدولة كبيرة!!!. أما في القرون ما بين (التاسع والسادس ق.م.)، فقد تحولت القدس من مدينة إدارية إلى (مركز حضري حقيقي)، ووصل حجمها إلى نحو (50 هكتاراً)، وقد تقوَّت المدينة، بفعل (أسوراها الجديدة)، التي بنيت عام (700ق.م.). وتقدم شتاينر وصفاً تفصيلياً، لهذه اللُقى الأثرية في هذه القرون – (ص85-146)، وهي تقول: في القرون الثلاثة الأخيرة من الفترة الثانية من العصر الحديدي، أظهرت القدس تطوراً واضحاً في حجمها وتنوعها الاقتصادي. وبدءاً من نهاية القرن الثامن ق.م.، تمّ بناء أسوار مدينة جديدة، ليس على التلّة الشرقية، فحسب، بل على التلّة الغربية أيضاً. وهي تقدر مساحة المدينة بخمسين هكتاراً، حيث توسعت المدينة في القرن السابع ق.م.، من أجل بناء مناطق سكنية. وعدد سكان المدينة، حسب شتاينر، قُدِّرَ بحوالي (8 آلاف نسمة). وقد قدَّمت الحفريات معلومات عن عدد من المهن الاقتصادية: بيت الأختام، ومشاغل الحياكة، جرار الحبوب، وزيت الزيتون. وتمّ استيراد (جرار الخمر) من اليونان، أو قبرص، والأثاث الخشبي من شمالي سوريا، والعاج من سوريا، أو بلاد ما بين النهرين، وأصداف الزينة من البحر الأحمر. ومن المؤكد أنّ البرونز، كان يأتي من شرق الأردن. وعثر على نماذج الأواني الفخّارية (المحلية الصنع). وكانت هناك علاقات بين جبال القدس والخليل، وجنوب جزيرة العرب، ترتبط بتجارة البخور. وتمّ رصد الكثير من المصاطب الزراعية. وكانت هناك مدن إدارية (بئر السبع، ولخيش)، ومدن ذات إنتاج خاص (تل بيت مِرْسِمْ، والجبعة)، ومدن سكنية (تل النصبة)، إضافة إلى قلاع ومزارع وقرى منعزلة. وأقيمت مزارع في صحراء البحر الميت، وفي واحة أريحا، وكانت مرتبطة بزراعة أشجار البلسم، واستخراج الملح، والقار من البحر الميت. وحتى نهاية العصر الحديدي، بقيت القدس (مدينة كبرى، Primate City).
سابعاً: كانت الأراضي المرتفعة الجنوبية (جبال الخليل) في معظمها، (تقول شتاينر) – مجالاً للرعاة البدو، الذين كانوا يعيشون في تكافل مع القرويين، وأبناء المدن في أمكنة أُخرى في فلسطين. مارس كل من المزارعين والرعاة إنتاجاً متخصصاً: كانت القرى تبادل الحبوب ومنتجات البساتين، مثل زيت الزيتون، والنبيذ، باللحم والصوف، اللذين ينتجهما البدو. في مجتمع العصر البرونزي المبكر المستقر، اختفت المستقرات الكبيرة، وبدأ القريون يمارسون الزراعة البعلية، والعناية بالحيوانات، بينما بدأ الرُعاة، يمارسون زراعة بعلية موسمية. وفي القدس عُثر في وديانها على قرى منتشرة، حيث تتم ممارسة الزراعة، إضافة لصناعة الأواني الفخّارية. وكان تطوير (نبع جيحون)، هو الذي جعل الاستقرار الدائم على التلّة الجنوبية الشرقية، ممكناً للمرة الأولى في التاريخ. وفي نهاية العصر الحديدي، كانت القدس قد تطورّت إلى مدينة هامة.
5. ملاحظات (2)
أولاً: كانت القدس (3300-3050)، مأهولةً بالسكّان، وليس للباحثة، أن تقرر إن كان عدد السكان، (قليلاً)، قياساً على الموجودات الأثرية، لأن ما وجد من الآثار، لا يعني الحجم الحقيقي للمدينة الكنعانية الأمورية. فنحن حتى، برغم ما وجد من هذه الآثار، لا نعرف أيضاً، إن كان الحجم، كبيراً، أم صغيراً. فالقياس الحتمي على حجم الموجودات المتوافرة، قياس خاطئ.
ثانياً: يفترض أن يُفهم أنَّ (الأرقام)، سواءٌ ما كان يتعلق بالتواريخ أو المساحات، أو أعداد السكّان، هي أرقام افتراضية، مستوحاة، مما هو موجود، وليس الموجود هو الحقيقة. كما أنّ (التّسْوير)، ليس دليلاً على حجم المكان الحقيقي، ونحن نوافق الباحثة على أن القدس، أصبحت بلدة (مدينة) كبيرة في القرن السابع ق.م.، فقط.
ثالثاً: ليست الدلائل الأثرية، مقدّسة، لأسباب عديدة، منها: القراءة الخاطئة، والتأويل الرَغْبوي المُسبق، والنقص في حجم الآثار. يقول طومسون: (إنّ البيِّنات الأثرية، هي أمرٌ مشكوك فيه إلى حدّ كبير). وهو يقصد هنا، التأويل الرغْبوي المسبق، فالباحثة، نظّمت مواد حفريات (كينون)، بجهد يستحق الاحترام، لكنَّها عند التأويل، كانت تبالغ في الربط بين هذه المواد الأثرية، والتاريخ الافتراضي، رغم حذرها، ولا أقول ابتعادها كلياً، من مقولات كينيون غير التاريخية، التي أفسدت جهدها الأثري المحترم. وقد تجلَّت هذه المبالغة (ص187: رسالتها إلى زياد منى)، حيث أثبتت الباحثة، أنها متأثرةٌ بالمقولات الأدبية والأسطورية عن (الممالك الوهمية) في فلسطين، وممّا يدل على ذلك، هو اختيارها لعصر الحديد، الذي لم يكن، إلاَّ عصراً كنعانياً فلسطياً، في محاولة منها لتأويل مكتشفات كينيون، تأويلا يتماهى مع ثقافتها السابقة، ومن حسن الحظ، أن الممالك الوهمية، لم تظهر في الحفريات نفسها، إطلاقاً.
رابعاً : لقد سقطتْ (مدرسةُ أولبرايت)، سقوطاً ذريعاً، وولد منذ منتصف الثمانينات في القرن العشرين، تيار جديد، هو (تيار نقد نصوص الكتاب)، ورغم أنه قد بذل جهداً شاقاً، إلاَّ أنه ما زال في أول الطريق، لأنَّ جبالاً من الأكاذيب، تمَّ تأليفها منذ القرن السابع عشر الميلادي، وحتى الآن، حول تاريخ وهمي لفلسطين، ولأنّ هذا التيار (نقد نصوص الكتاب)، ما زال واقعاً تحت تأثير ما أُسمّيه (مصيدة الجدل مع الكتاب)، وإلاّ، فأين هو (تاريخ فلسطين الحقيقي القديم، بل والحديث)!!.

6. (بيت مقدشا) عاصمة (مملكة فلسطين الأدوميَّة)
48 ق.م – 100 ب.م :
- ورد اسم أدوم (أ – د – ما) في قائمة الفرعون توحوتمس الثالث، كما يقول (خير نمر ياسين)، وأطلق اسم (أدوميا) في القرن الرابع ق.م على جنوب فلسطين، وقد تمَّ العثور على آثار الأدوميين في جنوب شرق الأردن، وجنوب فلسطين. وكان اسم أدوم، معروفاً منذ القرن 13ق.م. وورد أن الفرعون سيتي الأول، حارب (قبائل الشاسو)، بالقرب من غزة. وفي بردية هاريس في عصر رمسيس الثالث (1193 – 1162 ق.م)، جاء بأنَّ (سعير، ومن فيها دُمّرت من قبائل الشاسو). ويقول الباحث بأن المصادر، ربطت الشاسو بتاريخ جنوب فلسطين، وجنوب شرق الأردن، فقد قال (Helk)، بوجودهم في جنوب فلسطين. وكان مقرُّ (الشاسو)، إلى الشرق من الدلتا المصرية، وجنوب فلسطين، ويرى الباحث أنَّ (الشاسو)، كانو منتشرين في بلاد الشام بمعناها الواسع، وأنهم كانوا في (أدوم، وسعير)، ولكن ليس كل سكّان أدوم وسعير من الشاسو. وهكذا ورد اسمهم، عند المصريين، بأنَّهم محاربون خطرون، قادمون من فلسطين، وشرق الأردن، وسوريا. وقيل حول موقع (سعير)، بأنها المنطقة الواقعة على المنحدرات الشرقية لوادي عربة. وقيل: إلى الجنوب من منطقة النقب. أمّا (أدوم)، فهي إلى الغرب من وادي عربة. وورد في المصادر المصرية: (لقد سمحنا لقبائل الشاسو الأدومية، بعبور حصن مرنبتاح، الواقع في جيكو، وحتى برّ أتوم). وهناك نصٌّ آخر – يضيف خير نمر ياسين – يربط سعير بسيناء، وجبال القدس، لكنَّ أدوم ليست هي سعير، حسب الباحث، فسعير هي المنطقة الواقعة في الجنوب، المحصورة بين سيناء، وفاران، يحدّها جنوب فلسطين من الشمال، وأدوم من الشرق. وقد انتشر الأدوميون لا حقا في المنطقة الجنوبية من فلسطين (من تل عراد إلى الخليل). ويبدو أنّ مجيء الأنباط، هو الذي جعل الأدوميين، يتجهون نحو جنوب فلسطين : (جبال القدس، وبيت لحم، والخليل، وبئر السبع)، وأنَّ معظم جنوب فلسطين، بقي تابعاً لأدوم، بدليل، هو أنَّ اليونان، ذكروا هذه المنطقة من جنوب فلسطين باللغة اليونانية، باسم (أدوميا) في أواخر القرن الرابع ق.م، كذلك ورد اسمها في مخربشات بئر السبع، فمعظم الأسماء فيها هي أدومية، كذلك وردت في الفخّار الأدومي في (بئر السبع، تل منحطة، تل عيرا، تل مشاش، رأس وادي القيني، تل جمه)، وغيرها. ولهم مخلفات أثرية في شرق الأردن، خصوصاً في البتراء، وبصيرة، والشوبك. وهناك (تل الخليفة) قرب خليج العقبة، بآثاره الأدومية. كذلك آثار (تل الملح)، الذي يبعد (12 كيلو متراً) إلى الغرب من بلدة تل عراد، الأدومية. وكانت ديانتهم، تشبه الديانة الكنعانية : (بعل حنان، بعل كنعان، الإله قوس) – (خير نمر ياسين :الأدوميون، الجامعة الأردنية، 1994م).
- نستطيع، إذاً، أن نستنتج، أن (الأدوميين)، قد يكونون من (الهكسوس)، الأموريين الكنعانيين، وأنَّ (سعير)، قد تكون عاصمتهم الأولى، وإذا كانت أدوم، قد شملت جنوب فلسطين، فإنَّ، سعير،، ليست إلاَّ بلدة سعير الحالية، المقامة على أنقاض بلدة قديمة، (صيعور) قرب الخليل، أو قد تكون عاصمتهم هي، (تل عراد) السبعاوية، الواقعة جنوب الخليل، وهي مجرد احتمالات مستوحاة من حركة القبائل الأدومية في شرق نهر الأردن : (البتراء)، و(خليج العقبة)، و(سيناء)، باتجاه جنوب فلسطين (بئر السبع، الخليل، بيت لحم، جبال القدس). وهناك صلةٌ لهم بالأنباط، الذين حلَّوا في أماكن الأدوميين، تدريجياً، ويمكن أن نستنتج، بأن صلة الأدوميين بجبال القدس، والقدس، شبه مؤكدة، وصلتهم بالأنباط مؤكدة. فهل كان (حَرَد الأدومي الفلسطيني)، الشهير باسم (هيرود الكبير)، يستعيد نفوذ الأجداد، عندما أسَّس (مملكة فلسطين الأدومية) منذ القرن الأول ق.م، وحتى ما بعد الميلاد، فهو من مواليد (عسقلان): والده كان فلسطيني من عسقلان، وأمه (نبطية) من البتراء. وقد توفي عام (4ق.م) في إحدى الروايات، ودفن في (تل الفريديس)، شرق بيت لحم : (بيت لَخْمو الكنعانية)، نسبةً للإله لَخْمو، الذي كان معبود (بني لخم) العرب الكنعانيين في جنوب فلسطين من الساحل (عسقلان)، حتى جبال القدس والخليل، وبيت لحم. وكان (حَرَد الأدومي)، يعتنق الديانة الكنعانية الوثنية، فالأدوميون أنفسهم، إحدى القبائل الكنعانية، تدلُّ عليهم ديانتهم، وما تركوه من آثار.
- يقول (مصطفى مراد الدبَّاغ)، بأنَّ (أنتيباتر الأدومي)، والد هيرودوس الكبير، كان مستشاراً لهركانوس (المكابي)، وأنَّ (أنتيباتر)، ساند يوليوس قيصر في مصر، بجيش قوامه ثلاثة آلاف جندي مُسلّح، كما ساعده أيضا عدد من مشايخ العرب في سيناء، وجنوب فلسطين، بتأثير من أنتيباتر، الذي كان (سيّد فلسطين الحقيقي)، لذلك عينه القيصر، نائبا عنه في فلسطين عام 48ق.م، مع بقاء (هركانوس)، رئيساً لكهنة أورسالم (اليَهْويِّين). ابتدأ أنتيباتر بتعيين أولاده حكّاماً، فعيَّن (فصايل)، حاكما على القدس، وعيَّن (هيرودوس = حَرَد) حاكماً على الجليل. ولمَّا قتل يوليوس قيصر، دبَّر هركانوس المكابي، أمر مقتل أنتيباتر. وبعد مقتل يوليوس قيصر، اندلعت الحرب بين أنطونيوس، وأكتافيوس، فكانت سوريا، وفلسطين من نصيب أنطونيوس، الذي دخل القدس عام 37ق.م، وعيَّن هيرود بن أنتيباتر الأدومي، ملكاً على القدس، وهو الذي قضى على آخر كهنة المكابيين، حيث حاصر أنتيغونس بن أرسطوبولس الثاني (الذي ساعد الفرس على دخول فلسطين)، وهزمه، ثمَّ أُعدم (أرسطوبولس)، عام 37ق.م، بأمر من القيصر، وبموته انتهى حكم كهنة أورشليم. كان (هيرود الكبير)، حسب الدباغ من مواليد عسقلان، وكانت أمُّه عربية من أصول نبطية. وبذلك بدأ حكم (الهرادسة الأدوميين) لفلسطين (37 ق.م – 100م)، وامتدَّ حكم هيرود الكبير، فكان يشمل (البلاد الواقعة بين الصحراء والبحر، من سفوح جبل الشيخ إلى سيناء)، باستثناء (بعض المدن اليونانية في الساحل، وفي شرق الأردن). اهتمَّ هيرود، بمدينة السامرة (بلاطة)، وسمَّاها سَبَسْطية. وبنى مدينة قيساريا الساحلية، فوق خرائب المدينة الكنعانية (ستراتو = عبد عشتروت)، واستغرق بناء قيساريا، (12 عاماً)، وسحب لها المياه من نهر الزرقاء الواقع شمالها، وزيَّنها بالقصور والمسارح والمعابد والملاعب والتماثيل، وبنى لها سَدّاً في البحر، فأصبحت ميناءً لفلسطين كلها. وبلغت مساحتها، (370 هكتاراً). وبنى مدينة (أنتيباتر = خربة رأس العين) إلى الشمال الشرقي من يافا. وبنى مدينة (فصايل). وأعاد بناء (قلعة قرن صَرْطبة). وأقام المسارح والملاعب والقصور في (أريحا)، وكان له قصر فيها (مساحته 284×152 قدماً)، ويضمَّ (36 غرفة). وبنى قلعة، جنوب أريحا سمَّاها، (قُبْرُص = الحنِّاء)، باسم أمّه. ولم ينس هيرود، عسقلان، مسقط رأسه، فبنى فيها رواقا فخما، وساحات عامة (فورم) تزينها الأعمدة. وبنى في القدس، قصراً فخما، ومسرحاً، ومدرَّجاً، وميدانا لسباق الخيل. وكانت تقام مختلف الألعاب في الملعب الكبير، الذي شيَّده هيرود الكبير خارج القدس. وأقام هيرود في القدس، (هيكل هيرود للأديان): الوثنية الكنعانية، واليَهْويَّة، والآلهة اليونانية والرومانية، حتى شاع القول : (منْ لم يَرَ هيكل هيرود، لم ير شيئا جميلاً في العالم). ومن الأبنية، التي شادها في فلسطين، (حصن هيروديوم)، إلى الجنوب الشرقي من بيت لحم (جبل الفريديس)، وذكر أنَّ هيرود قد دُفن فيه. وبنى (قلعة مصعدة = مسَّادا)، غرب البحر الميت، وهي من أعمال (الخليل)، وتعرف باسم (خربة سبَّة، ومصعدة). ويُرجّح (الدبَّاغ)، أن (سور الحرم الابراهيمي الضخم) في مدينة الخليل، هو من بقايا بناء هيرود الكبير. وعاش المؤرخ والفيلسوف (نيقولاوس الدمشقي)، المولود بدمشق عام 74 ق.م، في بلاط هيرود الكبير، وكان صديقاً له. وفي عام (22 ق.م)، حدثت مجاعة في فلسطين، بسبب انقطاع الأمطار، فاشترى هيرود قمحا من مصر، ووزّعه مجاناَ على الناس. كان هيرود من عشاق الثقافة اليونانية، والرومانية وحليفاً قوياً لروما، لذلك كرهه (اليهويون) في مُجمَّع الأديان في أورشليم. حكم هيرود فلسطين طيلة 33 سنة. وفي آخر سنة من حكمه ولد السيّد المسيح. وعندما توفي عن سبعين عاماً، فرح أبناء الطائفة اليهويَّة في هيكل هيرود للأديان، فرحاً عظيماً.
- ويقول (مصطفى مراد الدباغ)، أيضا، بأنَّ هيرود الكبير الأدومي، أوصى بتقسيم فلسطين بين أولاده الثلاثة : أرخيلاوس، وأنتيباس، وفيلبوس، وقد أقرَّ الامبراطور الروماني أوغسطوس، هذه الوصية :
أولاً: أرخيلاوس: حكم القدس، والخليل، ونابلس، وأدوم، وكان مقر ولايته في أريحا، التي جرّ لها مياه الريّ بوساطة قنوات من التلال الغربية. وتنسب إليه مدينة أرخيلاوس (عوجا التحتا)، التي أقامها في الغور. لكنَّ الرومان، لم يكونوا راضين عن حكمه، فعزلوه، ونفوه إلى فرنسا،، حيث حكم عشر سنوات (4 ق.م – 6 م). وألحق الرومان ولايته بهم بشكل مباشر، حيث عُيّن حاكم روماني لها، يتبع حاكم سوريا الروماني. ومن حكام هذه الولاية (القدس، الخليل، أدوم، أريحا، نابلس)، لاحقاً، الروماني (بيلاطس البنطي -26-39م)، الذي ورد اسمه مرتبطاً بقصّة صلب المسيح.
ثانياً: هيرود أنتيباس: حكم مدة 42 سنة (4ق.م – 39م). وكان حكمه يشمل البلاد الواقعة بين نهر الليطاني، وبحر الجليل، وسهول صور وعكا، ومقاطعة (بيريا – perea)، الممتدّة بين (وادي اليابس) في الشمال، ونهر (الموجب) في شرقي الأردن. أعاد أنتيباس، بناء مدينة (صفّوريا)، وأصبحت أهم حصن في ولايته. وفي عام 20م بنى مدينة طبريا، باسم الامبراطور الروماني (طيباريوس – Tiberius)، ونقل إليها، مركز حكومته، وسمَّى بحيرتها (بحيرة طبريا). وفي عهده أمر أنتيباس بسجن النبي يحيى بن زكريا، المولود في بلدة (يطَّة الخليليَّة)، حيث سجنه، ثم قطع رأسه في سجن (قلعة مكاور)، قرب مدينة مادبا في شرق الأردن، بتحريض من زوجته (هيروديا)، ابنة سالومي، وقد يكون النبي يحيى من مواليد قرية (زكريا) الحالية في الخليل، أما السبب، فهو أن يحيى عارض زواج أنتيباس من هيروديا، لأنَّ هيروديا، هي ابنة أخيه أرسطوبولس. سافر أنتيباس إلى روما مع هيروديا، لكي يطلب لنفسه لقب (ملك)، لكنَّ الامبراطور الروماني كاليغولا، عزله، ونفاه مع هيروديا إلى مدينة ليون الفرنسية.
ثالثاً: هيرود فيليبوس: حكم في الفترة (4 ق.م – 34م). وكان والياً على (الجولان)، و(اللجاة). وقد جدَّد، ووسَّع مدينة بانيون (بانياس)، وجعلها مقرا لحكومته. كما أعاد بناء مدينة (بيت صيدا)، الواقعة شرق بحيرة طبريَّة.
رابعاً: أغريبا الأول: حكم في الفترة (41-44م)، وهو حفيد هيرود الكبير (حَرَدْ العربي الأدومي). وقد حكم: القدس، والخليل، وبيت لحم، ونابلس. اهتمَّ بمدينة (بيروت)، وبنى فيها قصورا فخمة، أقامها في رمل منطقة الإوزاعي، وميداناً للألعاب، ومسرحاً للخيل في حيّ (ميناء الحصن)، وحمّامات، وأبنية عامة. توفي فجأة في قيسارية.
خامساً: أغريبا الثاني: وهو ابن أغريبا الأول. بنى له قصراً في بيروت، ومسرحاً زينه بالتماثيل، وزاد في أبنية مدينة بانياس. وبعد أن طرد الرومان، (الطائفة اليهويَّة) من القدس على يد تيطس، عام 70م، رُحِّلوا إلى روما واندمجوا هناك. ثمَّ توجه أغريبا الثاني نفسه إلى روما، ومات فيها عام (100م). وهكذا كان أغريبا الثاني آخر حكَّام (مملكة فلسطين الأدومية) – انظر: (مصطفى مراد الدبَّاغ : بلادنا فلسطين، الجزء الأول، القسم الأول – ص621 – 634).
- أمّا البريطاني (جون ولكنسون)، فيقول، بأن القدس، عام 63ق.م، كان يسكنها: أتباع الطائفة اليهويَّة، والأنباط في بلاد أدوم جنوب القدس وحولها، والمصريون، والعرب والفنيقيون الكنعانيون، وكان الحشمونيون هم قادة كهنة أورشليم، ولم يتدخل (هيرود الكبير) في أديان الأقوام، الذين كانوا تحت رعايته. وكانت منتجات المدن الفلسطينية، مشهورة، منها : الكتّان (بيسان)، والأرجوان، من أربع مدن مختلفة. وكانت الألعاب الرياضية في (قيساريا)، واشتهر المصارعون والملاكمون (من غزة، وعسقلان). وكانت عسقلان، مشهورة بفلاسفتها وبصلها. أما ديانتهم، فقد كانت مزيجاً من (هيكل جوبتر) في القدس؟، وعبادة (زفس) في غزة، مع عبادة آلهة محلية (كنعانية).
وقد ترك يوليوس قيصر، (أنتيباتر الأدومي)، حاكماً إدارياً لمقاطعة أدوم، وعيَّن انتيباتر فصايل، حاكماً على القدس، وعيّن هيرود الكبير، (ابنه)، حاكماً للجليل. وهنا، تعاون كهنة الطائفة اليَهْويَّة في أورشليم مع الفرس، بعد اغتيال قيصر، وعملوا ضدَّ روما. ولجأ هيرود إلى البتراء، عاصمة الأنباط، (لأنَّ أُمّه، سيبروس، Cypro، كانت من الأسرة العربية النبطية المالكة في البتراء، لكن (مالك الثاني، ملك البتراء)، لم يستقبله بشكل مريح، لهذا ذهب هيرود إلى كليوباترا في مصر، حيث لقي صدّاً للمرة الثانية. هكمذا قرّر هيرود، الذهاب إلى رأس النبع، أي روما نفسها. هناك في روما، ظفر بصداقة ماركوس أنطونيوس. ووجدت روما في هيرود: (الزعيم، الذي تنشده روما في جهودها لاستعادة السيطرة على فلسطين)، كما يقول ولكنسون. وهكذا، فإنّ مجلس الشيوخ في روما، أعلن هيرودوس الكبير، ملكاً على القدس وأدوم. كان هيرود الأدومي، حاكماً قبل ذلك على (الجليل)، لهذا، فهو عندما عاد إلى فلسطين، بدأ حربه هناك، عام 39 ق.م. وبعد سنتين فرض حصاراً على القدس، ونجح فيه، وانتقم من قادة الطائفة اليهويَّة (الحشمونيين) في القدس. وعندما هُزم أنطونيوس في معركة أكتيوم، ذهب هيرود إلى (رودس)، ليقابل المنتصر أوكتافيوس، وبما يمتلكه هيرود من كاريزما شخصية، استطاع إقناع أوكتافيوس، بأنه يمكن أن يكون صديقاً له، كما كان صديقاً لأنطونيوس المهزوم. وهكذا بدأت صداقة طوال عهد هيرود الكبير (حَرَدْ العربي)، وتعمقت بعد أن أصبح أوكتافيوس يحمل لقب (أغسطس) سنة 27ق.م.، وأصبح بذلك، (أوَّل امبراطور روماني): لم يكن حَرَدْ العربي، يهتم بالمسألة الدينية، والواقع أنه بنى خارج مملكته، هياكل مكرّسة للآلهة اليونانية والرومانية، كما بنى في (سبسطية)، هيكلاً مكرّساً لأغسطس. وكان آخر تكريم يوناني روماني لهيرود، هو رئاسته للألعاب الأولمبية العالمية، وكان هيرود، قد بنى (قلعة أنطونيا) في القدس، عندما كان صديقاً لأنطونيوس، سنة (35ق.م.)، وبنى خندقاً مائياً يحيط بالقلعة، لكنّ إعادة بناء القدس بصورة فعلية، بدأ بعد سنتين من (مجاعة عامي 25، و24ق.م.)، حيث اكتسب هيرود مكانة كبيرة، بتخفيفه آثار المجاعة سواءٌ في القدس أو في غيرها، بتقديم الطعام، وتقديم الحبوب للبذار. ولاحقاً، استهل أعمال البناء، بإنشاء (قصر)، غربي المدينة مع خندق يحيط بالقصر. ويتألف القصر في الداخل من مبنيين كبيرين، كان أحدهما يدعى (سيزاريوم). وكانت تربط ما بين مباني القصر، حدائق تنساب فيها المياه. وأنشأ في الطرف الشمالي للقصر، ثلاثة أبراج، هي: فصائل، ومريامه، وهيبيكوس، أغناها بالزخارف. وأنشأ هيرود في القدس، (شبكة شوارع). وفي عامي (19 و18ق.م.)، خطّط هيرود لبناء (مجمّع الأديان)، أو (هيكل حَرَدْ). وانتهى العمل فيه بعد ثمانية عشر شهراً من قبل (18 ألف عامل)، رغم اعتراض الكهنة الحشمونيين، (كهنة الطائفة اليَهْويَّة (الإله يَهْوَه)) في القدس. ومضى هيرود في أعمال توسيع القدس. كانت هناك ساحة للسوق، أحاطها بسور امتدّ من برج أنطونيا إلى باب في السور الشمالي للمدينة. وكان النبع الكائن في (سلوان) في أسفل الزاوية الجنوبية الغربية. أما الجزء العلوي من المدينة، فكان يزوّد بالماء من البُرك، التي كانت تحبس مياه الوديان المجاورة، والتي كان مخزونها، يُنقل إلى المدينة بوساطة الأقنية. وهناك احتمال، كبير – يقول ولكنسون – أن يكون هيرود، هو الذي بنى (بركة مأمن له = الثدي)، التي تبعد مسافة قصيرة عن المدينة، لجهة الغرب، وهي أعلى من قصر هيرود. وهناك بركة أخرى قد تكون من بناء هيرود، هي البركة الكائنة في (المدينة الجديدة)، التي لم يكن السور في زمن هيرود، قد أحاط بها، لأن (بركة بيت حسدا – الكنعانية)، جزء في هذه الشبكة من الشوارع، (قد يكون هيرود أعاد تجديد هذه البركة الكنعانية – ع.م.). وأضاف هيرود، إلى القدس، مسرحاً، وميداناً لسباق الخيل، ولكن ما إنْ جاءت السنة العاشرة ق.م.، التي تمّ فيها تكريس هيكل هيرود (مجمّع الأديان)، حتى استبدّ به القلق، بسبب المنازعات في عائلته، حول وراثته، لكنه في النهاية كتب وصيّته، حيث ترك معظم أملاكه، لابنه (أرخيلاوس). وأعطى هيرود أنتيباس، ابنه الآخر، الجليل، وبيريا، (بين وادي اليابس شمالاً، وحتى الموقَّر)، شرق فيلادلفيا (عمّون) في شرق الأردن. وأعطى فيليبُّوس، المناطق الواقعة شمال شرق بحيرة طبريا. وقد عزلت روما لاحقاً، (أرخيلاوس)، بسبب قسوته ضدّ الطائفة اليهويَّة، حيث شكوه إلى روما، فعزلته ونفته إلى (فييَّنا) في بلاد الغال. ثمّ ولد المسيح، حسب ولكنسون، في السنة الرابعة ق.م.، أو قبلها، وهي السنة التي مات فيها هيرود الكبير. وحكم هيرود أغريبا، حفيد هيرود الكبير في الفترة (41-44م). ويختتم ولكنسون، بحثه بالمعلومة التالية، التي نقلها عن قائمة أوسابيوس العسقلاني، عام 337م، للقرى الفلسطينية، وعددها هو (317 قرية)، حيث تبيّن أن الوضع الديني في فلسطين، عام 337م، هو كما يلي: (287 قرية فلسطينيّة كنعانية (وثنيّة)، و11 قرية فلسطينية يهويّة، (تعبد يهوه)، و3 قرى فلسطينية مسيحيّة، و6 قرى فلسطينية سامريّة) – (جون ولكنسون: القدس في التاريخ – ص93-113).
- يقول (زياد منى): يظهر اسم (أنتيباتْرس) العربي، ابن حاكم مقاطعة (أدوم)، للمرة الأولى، بعد أن توسَّط (يناوس – 103-76ق.م.)، كبير كهنة الطائفة اليهويَّة في القدس، في حرب ضد الأنباط، الذين تمكنوا من هزيمته ودخول القدس، حيث بعد وفاته، اندلع الصراع بين أنائه: هيركانوس الثاني، وأرسطبول الثاني على السلطة، قام خلالها الأول بالتعاون مع الأنباط، ضدّ شقيقه. هنا توسّط (أنتيباتْرس الأدومي)، بين هيركانوس الثاني، والعرب لدعمه، واضطرت القوات النبطية في القدس للانسحاب، بسبب تدخل الإمبراطورية الرومانية لصالح الشقيق أرسطبول، ودخلت القوات الرومانية القدس عام (63ق.م.). والمعروف أن (أنتيباتْرس)، هو والد هيرود الكبير (حَرَد العربي)، حيث يرى كمال الصليبي أن اسم (هيرودوس)، هو صيغة مؤغرقة للاسم (حَرَد)، الذي ورد في النقوش الآرامية. ويضيف زياد منى: كان على (حَرَد)، إخضاع فلسطين وسكّانها، بأقل التكاليف الممكنة، ودون اضطرار الرومان إلى إرسال قواتهم. وقد شجّع حَرَدْ، الثقافة الهلّينية، وبنى العديد من المعابد، تكريماً لآلهة الرومان في مختلف مدن فلسطين، ومنها في نابلس، وقيسارية، وأنتيباتْرس (خربة سابية)، ومعبداً في بانياس، وقلعة مَسْعَدة، وبنى قصراً في أريحا، وميدان سباق، ومركزاً للألعاب الرياضية. وبنى (هيكل القدس)، أو هيكل حَرَد الأدومي. وبنى حرد العربي، قصراً له ثلاث بوابات، أطلق عليها أسماء: فصايل، هيبكوس، ومريام، وكان مفصولاً عن المدينة بسور بني مع القصر. كما بنى (قلعة أنطونيا). كما نعلم أن حَرَد، كان قد منح نفسه، حق تسمية (كهنة السنهدرين) اليَهْوّيين، فكان يعينهم ويفصلهم كما يشاء. وبعد وفاة حَرَد العربي، قسّم الرومان مملكته بين أبنائه على النحو التالي:
- أرخيلاوس: (ابن حرد الأول): مقاطعة القدس وأدوم، وسمر، وبعض مناطق الساحل، (يافا)، كذلك: القدس وسبسطية.
- سالومي: (شقيقة حرد الأول): مدن: يِبْنَة، وأسدود، وأريحا، وفصايل. وقد ذهبت ممتلكاتها إلى زوجة قيصر روما – 4ق.م. – 15م.
- حَرَد أنتيباس: (ابن حَرَد الأول)- 4 ق.م. – 39م: مقاطعة العبر، أي الطرف الآخر. كان أنتيباس متزوجاً من ابنة ملك الأنباط الحارث الرابع، لكنه طلّقها ليتزوج من زوجة شقيقه، فليبوس، لهذا حاربه الأنباط وهزموه. طرده القيصر كاليغولا من منصبه، ونفاه إلى إقليم الغال.
- حَرَد فليبوس: (ابن حَرَد الأول): 4ق.م. – 33م: أرض البثنية، حوران، الجولان، واللجة.
أمّا باقي مناطق فلسطين، فقد صارت تابعة مباشرة لقيصر روما، مثل: غزّة، وجَدرا، وهيبوس (قلعة الحصن، أو خربة السُمْرة)، شرق بحيرة طبريا. بنى القيصر، قصراً لسالومي في عسقلان، لكنه وضع مناطق ولايتها، تحت سلطة أرخيلاوس.
ويضيف (زياد منى)، بأن فلسطين شهدت ظلماً كبيراً، بسبب نظام الضرائب الجائر، حيث اضطر الفلاّحون الفلسطينيون لبيع أراضيهم إلى الأثرياء، وكلاء السلطة التابعة لروما. كما يشير الباحث إلى أنّ (هيكل القدس)، أصبح مركزاً مالياً، أكثر منه مكاناً للعبادة. فالضرائب المفروضة، باسم (الإله يَهْوَه)، والأضاحي المقدمة له، والممتلكات الكبيرة التابعة له، حولته إلى مركز لإدارة تلك الممتلكات، وذلك في القرن الأول ق.م. – (زياد منى: مقدمة في تاريخ فلسطين القديم: ص139-161).
- أمّا – (فراس السوّاح)، فهو يقول: كان هيرود العربي، أدومي الأبوين، لأنّ الآدوميين ينتمون إلى الذخيرة السكانية لشبه جزيرة العغرب. وفي القرن الأول ق.م.، كانوا قد ذابوا تماماً، واختلطوا بالأنباط العرب، رغم بقاء اسم أدوم، يطلق على مناطقهم التقليدية. وفي حوالي (40ق.م.)، دفعت الأصولية (اليَهْويَّة)، أنتيغونس (ابن أخ هركانوس الثاني) إلى واجهة الأحداث، فقد تآمر أنتيغونس على عمّه هركانوس (كبير الكهنة)، حيث اتصل بالبلاط الفارسي لمعاونته من أجل الاستيلاء على السلطة الكهنوتية في أورشليم، فأمدّه الفُرس بجيش ساعده على دخول أورشليم، فقبض على عمّه هيركانوس، وقطع أذنيه، ثم أودعه السجن.
أمّا – هيرود، الذي تسلّم لقب (بروكيوريتور – Procurator)، مكان والده أنتيبار، فقد لجأ إلى روما، فمثُل أمام مجلس الشيوخ الروماني، وأقنعهم بأنه القادر على استعادة أورشليم إلى روما، فعيّنه مجلس الشيوخ، ملكاً على أورشليم، مطلق الصلاحية، وزوّده الرومان بجيش، قوامه (30 ألف) جندي. عاد هيرود على رأس هذا الجيش، وهزم الفُرس، ودخل أروشليم عام 37ق.م. ثمّ ساعده الإمبراطور أوكتافيان (أغسطس)، بأن سمح له بتوسيع ممتلكاته، حتى اشتملت على الحورانية والجولانية، وقام (حرد) بفصل منصب الحاكم (الكاهن الأعلى) في أورشليم، وبهذا أصبح هيرود (حَرَدْ)، حاكماً مطلقاً، لكن عصره كان عصر رخاء وثراء وازدهار، وانصبّ إنفاقه الرئيس على المشاريع العمرانية في فلسطين، بل أنفق أموالاً على بناء (فوروم – Forum) في (بيبلوس = جبيل)، وأعاد بناء سورها، وبنى (فوروم) أيضاً، لكل من (صور وبيروت). وزوّد (اللاذقية) بقناة لجرّ مياه الشرب، وبنى مسرحاً في (صيدا)، وآخر في (دمشق)، وبنى جمنازيوم في (طرابلس)، ورصف الشارع الرئيس بطول ثلاثة كيلومترات في (أنطاكية). وتبرع في (أثينا) للألعاب الأولمبية. وتبرع في (اسبراطة) للإنفاق على نشاطات مدنية وثقافية. وتبرع لمدن: ليكيا، وبيرغامون. وأعاد بناء معبد أبوللّو المهدّم في (جزيرة رودوس). كان هيرود، كما يقول السوّاح، (مواطناً عالمياً يؤمن بوحدة الأديان والثقافات، وبانفتاح الحضارات على بعضها، وتعاونها على بناء دولة عالمية، لا فضل فيها لدين على آخر، ولا لعرق على آخر، ولا لفلسفة على أخرى، إلاّ بمقدار العطاء والمساهمة والتبادل الثنائي الاتجاه، فهو الذي بنى هيكل يهوه في مجمّع الأديان في القدس، رغم كرهه لليّهْويّين، وكرههم له)، حتى تحول هيكل هيرود إلى واحد من أغنى البيوتات المالية في الإمبراطورية الرومانية. وأضفى هيرود طابعاً (كوزموبوليتانياً) على القدس، التي تحولت في عهده إلى مدينة عالمية. وفي عام 70م، عندما هاجم تيطس الروماني، أورشليم، هدم هيكل حَرَد، ولم يبق منه سوى (مقطع قصير من السور الغربي)، سمّي لاحقاً: (حائط البُراق) – (فراس السوّاح: تاريخ أورشليم – ص265-273).
7. ملاحظات (3)
أولاً: يمكن القول، بأن الأدوميين، قبائل أمورية كنعانية عربية، تجلت حركتها في المرحلة القديمة (القرن الثالث عشرق.م.)، وربّما قبل ذلك في مناطق: سيناء، غزّة، بئر السبع، خليج العقبة، وادي عربة، البتراء، الطفيلة، والشوبك. أمّا في المرحلة الثانية، فقد اتجهوا تدريجيا، نحو: (بئر السبع، خليج العقبة، الخليل، بيت لحم، القدس، عسقلان)، ولم تنقطع صلتهم بالبتراء. ويرى (إحسان عباس)، أن الحدّ الشرقي لبلاد الأدوميين، هو طريق الحجّ الشامي. أمّا الحدّ الغربي، فهو وادي العريش. أما جنوباً، فقد كانت المنطقة التي تمتدّ حتى رأس خليج العقبة. أما حدّها الشمالي، فهو وادي الأحسى)، فهي بهذا التحديد تتكون من جزء جبلي غربي، يقع إلى الجنوب من (ولاية القدس، وما يتبعها)، ومن وادي عربة، ومن سلسلة شرقية). ويرى بعض الدارسين أن (نبونيدس) الأشوري، هو الذي قضى على دولة الأدوميين عام (552ق.م.) – (تاريخ دولة الأنباط: ص19-20).ويرى الباحثون أن الحركة الفعلية لدولة أدوم، كانت بين القرنين الثامن، والسادس ق.م. أما المرحلة الثانية، فربّما تكون قد اتجهت نحو جنوب فلسطين أكثر (بئر السبع، الخليل، بيت لحم، القدس، أريحا)، وربما حدث ذلك في القرن الأول ق.م.، وتكرّس وجودهم الفلسطيني في القرن الأول ق.م.، وربّما امتدّ نحو عسقلان، وغزة، وتلاشى وجودهم في سيناء. (وقد ذكر (أدوم)، ديودور الصقلي (80-20ق.م.) مرّتين عند حديثه عن حرب أنتيغونس ضدّ الأنباط، بصفتها: مرّة، (محافظة – Satrapy)، ومرّة أخرى: (قائمقامية – Eparchy) – ذكرها، كما لو كانت في قائمة في زمانه) – (زياد منى: ص113). وقد وُصف (أنتيباتر)، بصفة (حاكم أدوميا)، والأرجح عندي، أن تكون أدوم في مرحلتها الثانية، جنوب جبال القدس، بما يعني: (بيت لحم، الخليل، وبئر السبع، وبريَّة شرق الخليل، حتى عين جدي). ومن هنا، فإن الإشارة إلى (بلدة سعير) الخليليّة الحالية، يمكن أن تكون مفيدةً، لأنها بلدة كنعانية قديمة. والأرجح عندي أيضاً، أنّ الأدوميين: (فلسطيّون كنعانيون من أصول أمورية، وعربٌ سينائيون، وشرقيون أردنيون)، وهم جيران القدس في القرن الأول ق.م.
ثانياً: يمكن حصر (الدولة الفلسطينية الأدومية) زمنياً في الفترة، ما بين (48ق.م. – 100ق.م.)، أي منذ عيّن القيصر (أنتيباتر)، والد (حَرَد الكبير)، نائباً له في فلسطين في إحدى الروايات، عام 48 ق.م. وفي روايات أخرى، أنه ثبّته في موقعه (حاكماً) لولاية أدوم في فلسطين، ومعنى ذلك أن حكم (الهرادسة) قد بدأ عملياً، منذ أنتيباتر الأدومي، الذي سيطر على هيركانوس، (رئيس كهنة يهوه في أورشليم)، سياسياً، وشخصياً، وعسكرياً. وكان أنتيباتر يستثمر علاقته القوية بالأنباط، لصالح ترسيخ سلطته، وتوسيع صلاحياته، مما جعله شخصية كاريزمية، مقبولة شعبياً في فلسطين، وتحظى بمساندة قويّة من روما. كانت روما لا ترغب في التمركز المباشر في المناطق التي تحتلها، بل تعتمد في سلطتها على الحكّام المحليين، فالهدف السياسي والعسكري لروما، كان مواجهة عدوّها، أي (الفُرس)، ومن جهة أخرى، جباية الضرائب من السكّان، بوساطة هؤلاء الحكّام. وكانت السلطة المركزية في روما، عادةً ما تستدعي هؤلاء الحكّام إلى روما، إذا اقتضى الأمر ذلك. عندما اغتيل انتيباتر من قبل (اليهويين: كهنة يهوه في أورشليم)، ذهب (حَرَد) بن انتيباتر إلى روما، وحصل على قرار مجلس الشيوخ بتعيينه ملكاً على فلسطين، منذ عام 37ق.م.، بل وامتدّ مُلكه إلى جبل الشيخ، وحتى سيناء، وحكم أبناؤه فلسطين الشرقية، وشرق الأردن، والجليل، وعسقلان، وأجزاء من حوران السورية. وأطلق على (حَرَدْ الأدومي العربي)، لقب (هيرودوس الكبير). كان (حَرَد)، رجل الدولة القوي مع الحكمة والذكاء والمراوغة، والبراجماتية الدبلوماسية مع شيء من العنف ضدّ أعدائه، فهو كما يجمع الباحثون – شخصية كاريزمية جذّابة. أمّا صورته العُنفية، فقد أشاعها (اليَهْويّون)، كهنة أورشليم، الذين عادوه، لأنه فصل بين الدين والدولة، وحصرهم في سلطتهم الدينية الخاصة بطائفتهم، وشجّع (حَرَدْ) الأديان المتنوعة في أورشليم، مثل: الكنعانية الوثنية، وآلهة روما واليونان، حيث ساوى (حرد العربي) بين جميع الأديان في أورشليم. والأهم من كل ذلك، هو أنه كان (مثقفاً عالمياًَ)، اهتم بالعمران، حيث بنى عدة مدن، وقصور، وقلاع في فلسطين وخارجها في سوريا ولبنان، بل حتى في أثينا، وأسبرطة، وروما. والأهم هو بناؤه لهيكل القدس، الذي جعله (مُجمَّعاً عالمياً للأديان)، ليس فقط للطائفة اليهوية، بل للأديان الكنعانية الفلسطية، وآلهة اليونان والرومان. ويبدو أنه لم يكن مثل بقية وكلاء الاحتلال الروماني، بل كان يتصرف كشخصية قوية داهية مع قياصرة روما أنفسهم، يتعامل معهم تعاملاً ندّيًاً، لهذا كانت القدس في عهده، مدينة عالمية. لم يكن (أنتيباتر)، والده، ولا كان هو (يهوياً) على الإطلاق، كما أشاع اليهويون لاحقاً، بل العكس، فقد كان (حَرَد العربي)، كنعانياً فلسطياً، وثنياً، رغم أنه لم يكترث للمسألة الدينية، إلاّ من باب منح رعاياه كافة، بشتى مذاهبهم، حقّ التعبُّد، وحمى حرية الأديان في التعبير عن نفسها، لكنه كان حازماً وصارماً، إذْ لم يكن يميل إلى الدولة الدينية. ضعفت دولة الحرادسة، بعد حكم أغريبا الثاني، حفيد (حرد العربي الكبير)، حيث رأى البعض أنه (حكم حتى عام 90م)، وقيل (حتى عام 100م)، وقيل حتى عام 70م.
ثالثاً: يتعرض المؤرخون لعلاقة مملكة فلسطين الأدومية، بالأنباط في البتراء، وشرق الأردن، ومعظم سرد الوقائع، ينقله المؤرخون نقلاً شبه حرفي عن يوسيفوس (المؤرخ اليّهْوي في القرن الأول الميلادي)، فعندما كان الصراع بين كهنة أورشليم على السلطة الدينية، وممتلكاتها، أصبح هيركانوس، رئيساً للكهنة بعد صراعه مع شقيقه أرسطوبولس. وكان (أنتيباتر الأدومي – والي أدوميا)، يلعب بين أجنحة الصراع، معتمداً على صلته القوية بالحارث الثالث، ملك الأنباط من أجل السيطرة على منطقة ولاية القدس، بمساعدة الأنباط، فقد اشتدّ الصراع مرّة أخرى بين الأخوين (أرسطوبولس، وهيركانوس). هنا دخل أنتيباتر على الخط، وأقنع الحارث الثالث، بمنح اللجوء لهيركانوس إلى البتراء، ومساعدته في استعادة منصب رئيس كهنة يهوه في أورشليم في القدس، في مقابل استعادة الحارث لـِ(12 قرية)، كان رئيس كهة أورشليم السابق، ينايوس، والد هيركانوس، قد اغتصبها من الأنباط. سار الحارث في جيش مكوّن من خمسين ألف مقاتل إلى ولاية القدس وما جاورها، حيث هزم أرسطوبولس، فاختبأ في أورشليم، وتعقبه الحارث الثالث، وأحكم الحصار على القدس، وفي هذه اللحظة التاريخية، أرسل الرومان القائد سكاورس، باتجاه فلسطين، وحكم لصالح أرسطوبولس، بحق رئاسة كهنة يهوه في أورشليم، لأن أرسطوبولس، أهدى القائد الروماني، (300 طالن – Talents). وكان بومبي القائد الروماني يهدف بموافقته على منع هيركانوس، حليف أنتيباتر من رئاسة الكهنة، أن يمنع تأثيرات الأنباط في منطقة ولاية القدس، لكن أرسطوبولس ارتكب خطأ، هو التراجع عن تقديم مساعدة للرومان عندما قرروا دخول القدس، مما أغضب بومبي، الذي حاصر القدس ثلاثة أشهر، ودخلها، فأصبح هيركانوس رئيساً لكهنة (يهوه) من جديد. وهكذا كان خطأ أرسطوبولس، قد جاء لصالح الأنباط، حيث نعموا بالاستقرار لسنوات قليلة.
- وفي عهد مالك الأول (59-30ق.م.) النبطي، طلب أنتيباتر الأدومي، من الأنباط، مساعدة يوليوس قيصر في مصر، ضدّ منافسه بطليموس الثاني عشر، فأمدَّه (مالك) بفرقة من الفرسان في هجومه على الاسكندرية. وهنا كافأ يوليوس قيصر، أنتيباتر، بتعيينه حاكماً على ولاية القدس، وبهذه المساعدة ضمن الأنباط جاراً وصديقاً قوياً هو حاكم آدوم، أنتيباتر، ولكن مالك الأول، لاحقاً رفض مساعدة (حَرَد العربي بن أنتيباتر) في حربه ضدّ الفُرس (البارثيين)، فلجأ (حَرَدْ) إلى روما، وعينه مجلس الشيوخ، والياً على ولاية القدس. وهنا أخطأ مالك في تقديراته لهيرود. ويبدو أن (كليوباترا السابعة) ملكة مصر، طلبت من الرومان، أن يمنحوها (مملكة الأنباط، وولاية القدس)، غير أنّ أنطونيوس، قدَّم لها جانباً من الساحل الكنعاني (الفينيقي)، ومزارع البلسم في أريحا، التابعة لهيرود. بدأ هيرود الأدومي، بطلب من الرومان، غزو (حوران)، التابعة للأنباط، وانتصر في المعركة، غير أنّه هُزم في معركة (قنوات) في جبل السويداء، فطلب الصلح مع مالك، لكن مالكاً، رفض الصلح، وبدأ يفكر بغزو ولاية القدس، وما جاورها، غير أنّ هيرود، اجتاز نهر الأردن، شرقاً، وهزم الأنباط في موقع قرب (فيلادلفيا = عمّون)، واستسلم بعض الجنود الأنباط، ونادوا بـِ(هيرود) حاكماً لهم. أما كليوباترا السابعة، فقد وقفت إلى جانب الأنباط في معركة فيلادلفيا، خوفاً من اتساع نفوذ جارها القوي، (حرد العربي) في فلسطين وشرق الأردن، وسوريا. والصحيح أنّ كليوباترا، كانت تهدف إلى القضاء على الاثنين: (الأنباط، ومملكة حَرَد) معاً. وكان هيرود، قد استولى على أجزاء كبيرة من المملكة النبطية. وكان هيركانوس، رئيس كهنة يهوه في أورشليم، قد تواطأ سرّاً مع الأنباط، ضدّ هيرود، وعرف هيرود بالأمر، فقتل هيركانوس، رئيس لكهنة يهوه بسبب تآمره. سافر هيرود إلى روما عام (12ق.م.)، فحدث تمرّد في منطقة (اللجاة) التابعة له، بتحريض من (سلي)، وزير (عبادة الثالث النبطي – 30-9ق.م.)، لكنّ ضبّاط هيرود أخمدوا نار التمرد، وهرب أربعون شخصاً من قادة التمرد إلى بلاد الأنباط، فرحّب بهم (سلي)، وعندما عاد هيرود إلى فلسطين، طلب من (سلي)، إعادة الهاربين، وعدم حمايتهم، لكنّ (سلي) رفض ذلك، عندئذٍ، طلب هيرود من سلي، إعادة القرض المالي، الذي سبق له أن استدانه (عبادة)، فرفض سلي إعادة المال (خمسين طالن)، ويبدو أن (سلي)، قد أخذ المبلغ دون علم عبادة. وكان سلي شخصية كاريزمية قوية، مسيطرة في الدولة النبطية، وكانت علاقاته بالامبراطورية الرومانية قوية، لهذا سافر إلى روما يشكو هيرود، لكنَّ هيرود، هاجم دولة الأنباط، حيث واجه الأنباط بقيادة (نيقيب = Neceb)، جنودَ هيرود، فقتل نيقيب مع أربعة وعشرين جندياً في هذه المعركة. استغلّ سلي، الوزير النبطي الموجود في روما، خبر المعركة، وحرّض الرومان ضدّ هيرود. وفي عام (6ق.م.)، أعدم (سلي) في روما.
- وفي عهد (مالك الثاني – 40-70م)، جهّز مالك جيشاً، لمساعدة القائد الروماني (تيطس): وصل مالك إلى الاسكندرية (عام 67م)، وذلك أثناء تجهيز تيطس للحملة العسكرية على القدس، وكان عدد الجيش النبطي، الذي يساعد تيطس في حصار القدس: ألفين من الفرسان، وخمسة آلاف من المشاة، انتهى الهجوم، بتدمير القدس، وإحراق هيكل حَرَد العربي، عام 70م.
- أما في عهد (حارث الرابع، 9ق.م.-40ب.م.)، الذي عاش فيه الأنباط، فترة استقرار وطمأنينة، فقد تزوج (هيرود أنتيباس)، ابن حَرَد العربي من ابنة الملك الحارث الرابع. وكان أنتيباس، حاكماً للجليل وملحقاته عبر الأردن، لكنه في (عام 27م)، تزوج من (هيروديا)، فغضبت زوجته، الأميرة النبطية، وكانت قلعة (مكاور) قرب مادبا، هي الحدّ الفاصل بين أملاك زوجها، وأملاك أبيها الحارث، فلجأت إلى البتراء، وغضب الحارث، فشنّ حرباً على أنتيباس، وهزم جيشه، فشكى أنتيباس أمره إلى الامبراطور الروماني (طيباريوس)، فأرسل جيشاُ لمساعدة هيرود أنتيباس، ووصل الجيش إلى القدس، لكنّ مهمة مهاجمة الأنباط توقفت، بسبب وفاة طيباريوس. (انظر: إحسان عباس، ومسلم الرواحنة).
- وهكذا، فقد كانت علاقات (مملكة الأنباط) في شرق الأردن، مع (مملكة فلسطين الأدومية) في الفترة: (48ق.م.-44ب.م.)، علاقات تتسم بالتحالف والاتّحاد أحياناً، وأحياناً أخرى، يتم الصراع بينهما، أمّا المحرّك الرئيس لهذه الصراعات، فهو الاحتلال الروماني، الذي كان يلعب دور الحكم بين الأطراف المتصارعة، حسب مصلحة روما. وكان كل طرف، سواءٌ (الهرادسة)، أو (ملوك ووزراء الأنباط)، يحاول التقرب من روما على حساب شقيقه، وقد لعبت الأهواء الشخصية، والمصالح، دوراً مهمّاً في هذا الصراع الخفي، والظاهر، مثلما وطّدتْ (صلة القُربى) ورسّختْ العلاقات بينهم من جهة أخرى، حيث توحّدوا ضدّ طائفة أورشليم (اليهويّة)، وحوّل (حَرَد)، كهنة هذه الطائفة إلى مجرد موظفين رسميين في القدس. ويبدو أن الأحداث: زواج أنتيباس من (هيروديا)، ابنة أخيه، وغضب الأميرة النبطية، وقتل النبي يحيى بن زكريا، الخليلي، (يوحنا المعمدان)، شكّلت حدّاً فاصلاً في العلاقات النبطية – الأدومية. وإذا صحّ أن (أغريبا الثاني)، حفيد حَرَدْ الكبير الأدومي، قد حكم حتى عام 90م، وتوفي في روما عام 100م، مع ضمّ الرومان لبلاد الأنباط إليهم، وتحويلها إلى (ولاية العربية) التابعة لروما عام 106م، فإنّ النهايتين: (النبطية، والأدومية)، كانتا متقاربتين، وكانت النهاية لهما في مطلع القرن الثاني الميلادي، وقد لعب الطرفان، دوراً مهماً في تاريخ القدس في القرنين الأول ق.م.، والقرن الأول، ب. م.
رابعاً: يُجمع معظم المؤرخين المحدثين على أن مصطلح (يهودي، يهودية)، لم يظهر إلاّ في في القرن الثامن عشر الميلادي، وأنَّ (الطائفة اليَهْوية) الفلسطينية في مجمّع الأديان في (أورسالم)، لم تكن (يهودية!) بل وثنية، ولم تكن وحدها في المدينة في القرن الأول ق.م، وحتى 70م، عندما احتل تيطس القدس، بل كانت توازيها في الوجود، طوائف فلسطينية أخرى، وكانت (الوثنية الكنعانية)، بين سكان فلسطين كلها، تعمُّ أغلبية الشعب الفلسطيني، لكنّ كمال الصليبي (البحث عن يسوع ص25)، يقول: (كان الرسول بولس (توفي عام 67م تقريبا) – أوَّل من اشتقَّ لفظة (اليهودية)، (Joudaismos باليونانية) من اسم (اليهود)، (Joudaioi، باليونانية)، للدلالة على ديانتهم على ما يظهر، وذلك في رسالته الشهيرة إلى أهل أغلاطية، ولا توجد أيَّة إشارة معروفة إلى اسم لهذه الديانة من قبل). إذاً، هناك فارق شاسع بين (الطائفة اليهويَّة الفلسطينية) في القرن الأول، قبل الميلاد، وبين (مصطلح يهودية)، حيث ظهر لأول مرة في القرن الثامن عشر الميلادي. ورأى البعض، أنَّ مصطلح (يهودي، يهودية)، ظهر بعد تدمير (هيكل حَرَد الأدومي) في القدس، عام 70م، وليس قبل ذلك. وقد (ميَّز (القرآن الكريم)، بين (بني اسرءيل)، الذين امتدحهم، وبين (اليهود)، و(الذين هادوا...)، أعداء المؤمنين، الذين يتصفون بالكذب، كما ورد في سورتي (البقرة، والمائدة)، كما يقول (زياد منى: مقدمة في تاريخ فلسطين القديم: ص239). وقد أجمع معظم الباحثين المحدثين على أن (بني إسرءيل)، عاشوا، وانقرضوا في شبه الجزيرة العربية، في القرن الثامن ق.م.، وأنهم من العرب البائدة، مثل: عاد و ثمود وطسم وجديس. ولم يكن لهم وجود في عهد الرسول محمد (ص). ويبدو لي أن النظرية، التي تقول بأن (اليهود)، ظهروا بين بابل العراقية، وشبه الجزيرة العربية، صحيحة، ولم يكن لهم أيُّ وجود في فلسطين قبل القرن الرابع الميلادي، حيث كان (الدين الكنعاني الوثني)، هو المسيطر في فلسطين، بنسبة (90%)، فقد كانت نسبة اليهويين، عام 1337م في فلسطين هي (3.4%) من بين كل الأديان.
وبالتالي، لم تكن في فلسطين، أية مملكة، لا لداود، ولا لسليمان، ولا ليهوذا، ولا لعومري، فقد وصف فراس السواح (مملكة داود وسليمان!!) في بحثه عنها في أورشليم، بأنها (مملكة أشباح وهمية). كما أنَّ هيرودوت، المؤرخ اليوناني (أبو التاريخ)، لم يذكر في كتابه أية كلمة عن (يهوذا، واسرءيل!!). أما (مملكة عومري!!) في الشمال الفلسطيني، فهي ليست، إلاَّ مملكة آرامية، اسمها (بيت أموري)، وبالتالي، فإن ميشع المؤابي، لم ينتصر إلاَّ على إمارةٍ آرامية. والأرجح عندي، أن (المسيو كليرمون غانو)، قنصل فرنسا في القدس، هو من قام بتزوير النقش، وفق المثل العربي الشهير : (الجمل بدينارين، والهرُّ بمائتين، والبيع على الاثنين). كذلك يمكن قراءة الكلمة في نقش الفرعون مرنبتاح، التي زعم أنها (يسرال)، بأنها ليست كذلك، وأن القراءة الاستشراقية، خاطئة، فهي على الأرجح: (يزرع – إيل). وهما : (نقش مرنبتاح، ونقش ميشع) المرَّتان اللتان، ظهرت فيهما هذه الكلمة، رغم أن الأثريين، حفروا ونبشوا أرض فلسطين طولاً وعرضاً، طيلة أربعة قرون.

8. مدرسة نظريَّة كمال الصليبي : أورشليم في عسير:
- يقول كمال الصليبي في كتابه الشهير (التوراة جاءت من جزيرة العرب)، الصادر عام 1985 عن مدينة أورشليم، ما يلي : لا بُدَّ أنَّ (أورشليم) كانت تقع على مسافة ما صعوداً باتجاه الشرق، في جوار (النماص) أو (تنومة)، أي في مرتفعات السراة عبر جوف عسير. وفي ضوء ذلك، يجب البحث عن (أورشليم التوراتية) في منطقة ما إلى الشمال من (قعوة الصيان)، وهي (جبل صهيون) أو (صفَّون) في (رجال ألمع). ويمكن أن نعثر على أورشليم، (المختلفة عن أورشليم الفلسطينية) على مسافة 35كم إلى الشمال من بلدة النماص في سراة عسير، شمال (أبها). فأورشليم، هي القرية التي تسمَّى (اليوم): آل شريم (ءل شريم)، التي يحتوي اسمها على بعض التحريف التعريبي عن الأصل (يروشليم). والإسم (شليم) هو اسم قبيلة متفرعة من اليبوسيين، أما الاسم (يروشليم) فيعني مقر (سُلَيم)، أو مقر (شلم)، إله أورشليم. أما (حبرون)، فهي بلدة (خربانٍ) في منطقة المجاردة، المحاذية لمنطقة القنفذة، (وليست هناك عمليا أية حبرون في فلسطين)، لأنَّ اسم حبرون، أطلقه المسيحيون واليهود على (الخليل). أمّا بئر السبع، فهي: (شباعة) في مرتفعات (خميس مشيط). أمّا اسم (يسره ءل)، ومعناه (سراة الله)، فهو مرتفعات السراة بين الطائف واليمن. أمَّا (أريحا)، فهي (الرَخيَّة) الحالية في وادي أضم. أما (جرزيم وعيبال)، فهما جبلان في تهامة زهران. أما (شكيم)، فهي (قرية سقامة (سقم) في وادي سقامة. أما (لخيش)، فهي بالتأكيد – كما يقول الصليبي – ليست (تل الدوير الفلسطينية)، وإنما هي (آل قياس (ءل قيس)، أو قَياسة (قيس) أو بني قيس في منطقة القنفذة. أما بلدة (جت)، فهي: (غُطيط) في تهامة زهران، أو (قَطط) في وادي أضم، أو (القُطيطة) في منطقة القنفذة. أمّا (بيت لحم)، فهي: (أم لحم) في وادي أضم. أما (كنعان)، أي (كنْعَنْ)، فهي : آل كُنعان في وادي بيشة، حيث توجد قبيلة (القِنعان). أما (الفلسطيون)، فهم في قرية (الفَلْسَة) في وادي بيشة. أمّا (الأردن)، فهي ليست نهراً في فلسطين، وإنما، هي، جُرْفٌ في مرتفعات الجانب البحري من عسير وجنوب الحجاز).
- يبرهن كمال الصليبي على نظريته بمنهجية (التقليب اللغوي)، والقياس المنطقي للمسافات الجغرافية بين البلدات مع ربطها بالأحداث التوراتية، فهو ينقل كل الأحداث التوراتية، من خلال إعادة قراءة النصوص التوراتية، قراءة جديدة، حيث يستخدم أسلوب (إعادة الترجمة) لأسماء الأماكن. وتعتبر نظرية كمال الصليبي، أول إنقلاب على القراءات الاستشراقية التوراتية، وهي نقلة مهمة في التأريخ الحديث، لكنَّ الصليبي لا يضع أمامنا، أيَّ تاريخ لفلسطين القديمة، لأنه لو وضع هذا التاريخ المفترض لفلسطين القديمة، لتأكدت صحّة نظريته، لكنَّه ترك فلسطين، فارغةً من أيّ تاريخ. ويستشهد كمال الصليبي بالمؤرخين العرب القدامى، الذين يجمعون على أن نبوخذ نصَّر (بختنصر)، لم يُخضع فلسطين، وإنما أخضع (غربي جزيرة العرب). ويعود الصليبي في كتابه (عودة إلى كتاب: التوراة جاءت من جزيرة العرب)، ليقول بأن (أورشليم)، اسم مكان يعني (منطقة الإله شلم الجبلية)، وهي إقليم، وأنَّ (أوشليم)، احتلت أحد موقعين: إمّا قرية (الشريم)، قرب النماص، أوْ : القرى التوءم لأروى والسلام (ءرو / سلم) قرب بلدة (تنومة). وتقع بلدتا: (النماص، وتنومة) في السراة، أو المنطقة الجبلية للإقليم القبلي لعسير، ويسمّى اليوم: (سراة رجال الحجر). وكل ذلك من خلال قراءة نصوص توراتية أخرى، قراءة جديدة. ونحن نوافق على أن (التوراة) كانت في اليمن وجنوب الحجاز. أما وجود الأسماء الفلسطينية في اليمن وجنوب الحجاز، فهو نتاج (هجرة فلسطينية) في القرن التاسع عشر (ق.م.) من فلسطين إلى شبه الجزيرة وليس العكس.
9. الخلاصة: القدس الكنعانية:
الأرجح عندي، أنَّ القدس، بنيت حوالي (3200 ق.م.)، بصفتها – مزرعة أوحصناً صغيراً، في المرحلة الكنعانية الأمورية. وأقدم أسماء القدس، هو (هورسالم)، ومعناه (قرية سالم)، وله علاقة باسم عاصمة الهكسوس في مصر (أور)، وهم من بنى القدس. ثمّ تحولت إلى قرية صغيرة في العهد الكنعاني اليبوسي في القرن الرابع عشر ق.م.، وكادت تتلاشى بعد ذلك. أما فترة ازدهارها وتحوّلها إلى مركز حضري إقليمي، فقد كانت في القرن السابع ق.م.، بفعل أسوارها الجديدة. وكانت القدس حتى بعد ميلاد المسيح (كنعانية الثقافة والدين)، أي (وثنية) على الأغلب، لكنَّ القرن الأول ق.م.، شهد تعددية دينية: (الوثنية الكنعانية، والآلهة اليونانية، والرومانية، وكهنة الإله يهوه الوثني)، وقد تجلّت هذه التعددية في عصر (مملكة فلسطين الأدومية)، بقيادة (حَرَدْ الأدومي العربي)، الذي يُجمع الباحثون على أنه لم يكن (يَهْويّاً)، بل كان كنعانياً وثنياً، أقام (مجمّع الأديان)، في القدس، لكي يكون لكل الأديان، وفي مقدمتها، (دين يهوه)، الوثني أيضاً، رغم أن اليَهْويّين حاربوه، وتآمروا ضدّه، إلاّ أنه كان أول من فصل بين الدين والدولة في التاريخ القديم. وكان مثقفاً سياسياً عالمياً، تعامل مع أباطرة روما، بصفته وكيلاً لهم على فلسطين، وبيريا (شرق الأردن)، وأجزاء من حوران. وبما أن الأدوميين، تربطهم صلة قربى، مؤكدة، بالأنباط، فقد كانت علاقات والده (أنتيباتر) معهم، علاقة تحالف قوية. أما علاقة (حَرَدْ) بالأنباط، فقد كانت علاقة (تحالف وتوتر)، حيث كانت روما، تلعب بينهما، لصالحها. وكانت (القدس، بيت لحم، الخليل، بئر السبع، أريحا، غزَّة)، قد أصبحت (أدومية) بعد أن انتقل الأدوميون إليها من الشرق في القرن الرابع، ق.م. وفي كل الأحوال، كانت القدس، قد أصبحت في عصر (مملكة فلسطين الأدومية)، عاصمة إقليمية وعالمية في القرن الأول قبل الميلاد. وإذا كان الأموريون، واليبوسيون والهكسوس الأموريون، قد بنوا معابد لآلهتهم الكنعانية، فإنَّ الأدوميين العرب الكنعانيين، كانت آلهتهم، كنعانية أيضاً. أمّا (هيكل حَرَدْ الأدومي)، أي (هيرودوس الكبير)، فهو الهيكل الأول والأخير في تاريخ القدس، وهو عبارة عن مُجمًّع للأديان، وليس خاصاً، بالطائفة (اليَهْويَّة) الوثنية، الفلسطينية، وحدها. وقد ولد (حَرَدْ) لأبوين عربيين: الأب من أدوم، والأم نبطيّة، ولد في عسقلان، ودفن في (الفريديس)، (بيت لَخْمو)، وأقام دولة فلسطين الأدومية، وعاصمتها (القدس الكنعانية في الفترة 48ق.م. – 100 ب.م.)، تعامل بذكاء ودهاء مع سلطة الاحتلال الروماني، التي كان همُّها الأساس هو (جمع الضرائب)، والصراع مع إمبراطوية الفُرس. وقد اختار (حَرَدْ العربي)، أن يقف إلى جانب الإمبراطورية الرومانية، وأنْ يقف ضدّ إمبراطورية الفرس في صراعهما على فلسطين وسوريا، من أجل حماية مملكته، وعاصمتها القدس، لكنَّ الرومان، هم من أنهى هذه المملكة، بسبب ضعف ورثته. ولم يظهر مصطلح (اليهود – اليهودية) في أوروبا، إلاَّ في القرن الثامن عشر الميلادي.
مراجع
1. كمال الصليبي: التوراة جاءت من جزيرة العرب، ط3، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1986.
2. كمال الصليبي: عودة إلى (التوراة جاءت من حزيرة العرب)، دار قَدْمُس، دمشق، 2008.
3. كمال الصليبي: البحث عن يسوع: قراءة جديدة في الأناجيل، دار الشروق، عمّان، 1999.
4. زياد منى: مقدمة في تاريخ فلسطين القديم، دار بيسان، بيروت، 2000.
5. فراس السوَّاح: تاريخ أورشليم، ط3، دار علاء الدين، دمشق، 2003.
6. مصطفى مراد الدبَّاغ: بلادنا فلسطين، الجزء الأول، القسم الأول، ط2، منشورات رابطة الجامعيين، الخليل، فلسطين، 1972.
7. خزعل الماجدي: تاريخ القدس القديم، المؤسسة العربية، عمَّان-بيروت، 2005.
8. (مجموعة مؤلفين): الجديد في تاريخ فلسطين القديمة، ترجمة: عدنان حسين، وزياد منى، دار قَدمُس، دمشق، 2004.
9. قاسم الشوَّاف: فلسطين: التاريخ القديم الحقيقي، دار الساقي، بيروت، 2006.
10. مارغريت شتاينر: القدس في العصر الحديدي، ترجمة: رزق الله بطرس، وزياد منى، دار قَدْمُس، دمشق، 2006.
11. هـ.فرانكن: القدس في العصر البرونزي – في كتاب: القدس في التاريخ، ترجمة: كامل العسلي، الجامعة الأردنية، 1992.
12. جول مندنْهول: القدس من 1000-63 ق.م، المرجع السابق.
13. جون ولكنسون: القدس تحت حكم روما وبيزنطة، المرجع السابق.
14. علي فهمي خشيم: سفر العرب الأمازيغ، طرابلس، ليبيا، ط أولى، عام 1424م، (يقصد ميلاد الرسول محمد (ص)-).
15. إحسان عباس: تاريخ دولة الأنباط، دار الشروق، عمَّان، 1987.
16. مسلَّم الرواحنة: الحارث الرابع، مشروع بيت الأنباط، عمَّان، 2002.
17. توماس طومسون: التاريخ القديم للشعب الإسرءيلي، ترجمة : صالح سوداح، دار بيسان، بيروت، 1995.
18. وليم أولبرايت: آثار فلسطين، ترجمة: زكي اسكندر، ومحمد عبد القادر محمد، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1971.
19. خير نمر ياسين: الأدوميون، (مخطوط)، الجامعة الأردنية، عمَّان، 1994.
20. هيرودوت: تاريخ هيرودوت، ترجمة: عبد الإله الملاّح، المجمع الثقافي، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، 2001.
21. مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، الجزء الأول، ط2، منشورات رابطة الجامعيين بمحافظة الخليل، فلسطين، 1973.



#عزالدين_المناصرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيسى بن مريم (المسيح): كنعانيٌّ فلسطينيٌّ، جنوبي تلحميٌّ، ول ...
- إشكالية قصيدة النثر


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزالدين المناصرة - الآثار تتكلم: القدس الكنعانيَّة الفلسطينيَّة: 3200 ق.م.