أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -12-















المزيد.....

كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -12-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 5707 - 2017 / 11 / 23 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


المقطع الثاني عشر
*****
ملاحظة: لا يَتبنَّى مُؤلف هذه الحوارية المُتْعِبة الآراء المنقولة عن شخوصها.
*****
قال الأب: لا تتحمسي كثيراً يا سناء، سأقرأ لكم ما كتبه صديق لي في صفحته الفيسبوكية. شغّل الفيسبوك على موبايله، وقرأ:
(أيها المساكين، وأنتم تأكلون وتشربون وتضحكون على حساب الآخرين في شوارع مدن ألمانيا والسويد وغيرها، ألا تخجلوا وأنتم تصرخون من شدة العزلة والضجر: الشعب يريد إسقاط النظام؟ إسقاط الأنظمة لا يتم عن طريق مسرحياتكم الهزيلة. ضجيجكم أَيُّها الثوار الهاربون في شوارع برلين، شعاراتكم الرديئة، رقصاتكم الهزلية، موسيقاكم الصاخبة، سجائركم، تكبيراتكم وتنسيقاتكم، كلها أشياء تثير التقيؤ، عودوا إلى مناطقكم المُحرّرة، لا مستقبل لكم في هذا البلد).
ضحكت سناء وقالت: ذكرتني يا أبو صلاح بالوطنيين الذين يفتحون الكتب الحمراء ليستشهدوا بما قاله ماركس ولينين. الصراع في سوريا ليس صراعاً فكرياً-طبقياً بين بلاشفة ومناشفة، بل صراع بين عصابات مُسلحّة لسرقة وطن، وعصابات قَرْوَسَطيّة تجهل فكرة وطن. ونحن ضحايا.
إبراهيم ضاحكاً: عندما تتوقف الحرب عن العويل في سوريا، سيتقاعد أغلب الفيسبوكيين!

الأم: الأولى بهؤلاء المجانين أن يبحثوا عن عمل يقتاتون منه، بدلاَ من أن يعيشوا على حساب دافعي الضرائب، ثم لهم الحق أن يتكلموا عمّا يشاؤون.
بيلسان: ولا أظنهم قادرين على العمل، ولا أظنهم يحتاجون للعمل، بدأوا يجدون آلاف اليوروهات منذ دخولهم إلى بلدان العطايا، وأنا لا أتكلم هنا عن عبث. منذ سنتين ونحن نعمل تحت إشراف المعلم محمد على توثيق ما يتقيأوونه في صفحاتهم من خراء. بدأت القصة في النصف الثاني من عام 2015، دون نهاية تلوح في الأفق. إذ وجد هارب مثالي مبلغاً وقدره حوالي خمسمائة يورو في جيب الجاكيت التي أُهديت له من قبل عائلة ألمانية، أعادها للبوليس وفرح البوليس وفرحت العائلة الألمانية وصفقت له. بعده وجدت هاربة مثالية حوالي ألف يورو في أحد الكراجات، أعادتها للبوليس وفرح البوليس وفرحت كل الكراجات وصفقت لها. ثم وجد الثالث حوالي عشرين ألف يورو في درج طاولة أُهديت له من قبل عائلة ألمانية، أعادها للبوليس وفرح البوليس وفرحت العائلة وصفقت له. أما الرابع فقد وجد حوالي مائة وخمسين ألف يورو في درفة خزانة أُهديت له من قبل محل محترم للأثاث المستعمَّل، أعادها للبوليس، فرح البوليس وصفق له الشعب الألماني، عاش الجميع في سعادة، وصار الشاب بطلاً. وها هو القبضاي أبو عبدالله، من أبناء المنطقة الشرقية، فقد وجد البارحة مبلغاً وقدره مائة ألف يورو دفعة واحدة وسلمه للشرطة الألمانية. وهكذ يجد الهارب سوري الجنسية كل أسبوع حوالي خمس وعشرين لقية ويسلمها للبوليس. ما الذي يحدث مع الهارب في ألمانيا؟ ما هذا الغباء الألماني في إضاعة النقود بعد مجيء الهاربين؟ ألا يوجد بنوك في ألمانيا؟ يا لتخلف المجتمعات الغربية؟

إبراهيم: أليس ما يفعلونه أشرف ألف مرة من التعفيش؟
الأب: ظاهرة التعفيش ليست حكراً على الموالين وحدهم، بل على الأطراف المتحاربة كلها، الجميع ينتقدها علانيةً ويسْتنكَرها ويلعنها ويتَبَرّأ منها باعتبارها عمل لا أخلاقي، رغم أنَّها ليست جديدة، لها جذورها الممتدة في التاريخ العتيق، سمعنا بها عندما نشب الصراع العسكري مع الإخوان المسلمين، وسمعنا بها أيضاً في حرب لبنان وفي كل بلد، حتى أنها حدثت في بعض حالات الاعتقال السياسي التي حدثت في نهايات القرن الماضي.

إبراهيم: هل تدافع عن الغلط يا أبي؟
الأب: ما زلت أشعر بأنني أمام أزمة بالمعنى الأخلاقي عندما أحاول التفكير في هذه الظاهرة، أشعر بجملة من المتناقضات، لا أستطيع تصنيفها أو قبولها أو رفضها، ولم أستطع حتى الآن بلورة موقفي النهائي منها. لا أراها رغم بشاعتها بشعة، لأنّ الأخلاق تموت في زمن الحروب. هذا من جهة ومن جهة أخرى ما الذي ننتظره من الشخص (الفقير) الذي يحمل روحه على كفه، مُعتقداً أنّه يحمي بلده وطائفته والفقراء أجمعين، أو من الشخص المضاد (الفقير أيضاً) الذي يحمل روحه على كفه أيضاً، معتقداً أنّه يدافع عن طائفته وثورته وناسه؟ كلاهما يحمل في أعماقه بذور الحقد الطبقي والطائفي دون قدرته على شرحها...

الأم: لا أعتقد أنّ الذي هرب إلى السويد وألمانيا وأخواتهم من بلدان رأسمالية شبيهة سيبكي لأنّ أحدهم سرق له آلة الغسيل أو التلفزيون أو غرفة نومه أو ما شابه، لأنّه ببساطة يجد هذه الأشياء مرميةً على ناصية الشارع في أوقات محددة من الشهر، أو قد يحصل عليها كهدايا عن طريق الإعلانات والجرائد، أو عن طريق الحكومة المضيفة له والتي تمنحه كل شيء بما فيه بطاقة بقيمة تصل إلى حوالي ألفي يورو فقط شراء ما يحتاج إليه من أساسيات الأثاث المنزلي. ما زلت أذكر، حين أمضيتُ مع والدكم عدة سنوات في ألمانيا، أنَّنا حصلنا على طاولة الطعام والكراسي والتلفاز والبراد والمسجل والصوفا وغيرها دون أن ندفع ماركاً واحداً مقابلها.

يتاب الأب حديثه: لم تتبلور وجهة نظري في هذه المسألة المعقدة بعد، أرى أنّ الموضوع ليس سطحياً كما نتوهم، بل يحمل في طياته أبعاداً فلسفية واجتماعية وطبقية. في الحرب، ولا سيما حين لا تكون المجتمعات مُحصّنة أخلاقياً وإنسانيأً، يعود الإنسان إلى تراثه البدوي في غزو المدن، إلى ثقافة إلتقاط الفتات عن موائد من غادرها طوعاً أو قسراً.
*****

الأم: سيندم الهارب السوري يوماً ما لأنّه وصل إلى ألمانيا، حيث لا شيء يشبهه هنا، سيندم حتماً لأنه لم يبق في أوروبا الشرقية، في بولونيا أو رومانيا أو بلغاريا مثلاً، حيث كل شيء يشبهه هناك. لقد أمضيت مع أبيكم أربع سنوات في ألمانيا، دون أن أتحدث مع ألماني واحد، جميعهم فوقيون.
الأب: وما العجب في ذلك؟ بين الألمانيتين الشرقية والغربية ثمة فارق حضاري يصل إلى حوالي عشرين عاماً، فما بالك بين ألمانيا وغيرها من بلدان العالم الثالث، هناك فارق حضاري يمكن تقديره بمئة عام على الأقل بين الشرق العربي والعالم الرأسمالي الاجتماعي في كافة النواحي والمناحي. وهذه حقيقة يدركها كل شخص شفّاف عايش تجربة المجتمعين ويتمتع بنظرة تحليلية للتفاصيل اليومية الصغيرة والكبيرة.

سناء: لماذا الندم؟ ماذا تقصدين يا أم صلاح؟ ما حدث مع الهاربين في بعض بلدان أوروبا الشرقية لم ولن يحصل معهم في بلد كبير مثل ألمانيا، في الوقت الذي استقبلهم الألمان بالورود والهدايا، هاجمهم الأوروبيون الشرقيون بشراسة وعاملوهم كالقرود. لو حزرَ الرِوائِيٌّ حنّا مينه سابقاً، ما سيحدث لاحقاً في دولة المجر مع السوريين وغيرهم من اللاجئين لعام 2015 من معاملة هولوكستية سيئة، كما وصفها المستشار النمساوي فيرنر فايمان، لَكتبَ روايته المعروفة الربيع والخريف بشكلٍ مختلف.
سلمى: الترحيب الحار بالهاربين في محطات القطارات الألمانية غير كافٍ لحل مشكلة سوريا المستعصية.
الأب: يجب على الحكومات العالمية مواجهة الاستعصاء القائم بطرقٍ سياسية أخرى.

الأم: أعتقد أنني يا دكتورة سناء أعلم ما أقول، وعندما أقول سيندم، لا أقلل بهذا من قيمته، فقيمة الإنسان المهاجر لا تتبع كبر قيمة الدولة التي هاجر إليها، أنا أتحدث عن الأشياء المشتركة، وأعتقد أنها بالنسبة للسوري بحدّها الأدنى في ألمانيا وهذه تلعب دوراً كبيراً في عدم التأقلم والشعور بالغربة، فلو هاجر لتركيا لتأقلم بسرعةٍ أكبر بكثير لأنَّ الأشياء المشتركة هامة جداً. معظم الأجانب الهاربين في ألمانيا غير قادرين على الاندماج مع النهر الحضاري الجاري في هذا البلد، لأنَّهم ببساطة لا يستطيعون ذلك لأسباب مادية ومعنوية، بعضها يكمن في التربية والطفولة تحت يافطة الدين الإسلامي، ناهيك عن الذاكرة الجمعية التي ترافقهم، ثم أنّ فلسفة المجتمعات الرأسمالية تقوم على معاداة الوضع التقتيري الذي تشرّبه الشرقي العربي بحكم الأسرة والمجتمع.

إبراهيم: الشباب الصغار لن يندموا لأنَّهم يستطيعون التأقلم بسرعة. أما التأقلم عند الكبار فهو صعب ولعلهم سيندمون.
سناء: السوريون من أكثر شعوب العالم قدرةً على التأقلم، أظن أنّه لا يصعب عليهم حتى العيش مع الأسكيمو وشرب كأس المتة في بيت الجليد.
الأب: الشعب يريد الحق في العودة إلى الوطن.
*****
يتبعه في المقطع الثالث عشر



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -11-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -10-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -9-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -8-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -7-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -6-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -5-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -4-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -3-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -2-
- كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -1-
- هكذا تكلَّمَ السيد قَرْوُّشْ
- مشايخ البيبا
- سوق العُنَّابة
- اليهودي حجر الجلخ
- حين تقع في غرام الرئيسة
- مسافة بؤرية
- شَذَرَات فيسبوكية
- إجهادات هصر
- المناضل السابق جهاد النِّمْس


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - كيف اِنهارَت كعكة العائلة؟ -12-