أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بلال البازي - في الهرمينوطيقا















المزيد.....

في الهرمينوطيقا


بلال البازي

الحوار المتمدن-العدد: 5703 - 2017 / 11 / 19 - 16:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1- الأصل الفلسفي للهرمينوطيقا:
يعود أصل مصطلح الهرمينوطيقا إلى الكلمة اليونانيةHermé ، وتعني التفسير والتأويل في مدلولها العام، وهي مشتقة من كلمة هرمس، وهو اسم إله إغريقي كان يطلق عليه رسول الالهة، لأنه كان يفهم لغة الملء الأعلى، مهمته هي تحقيق عملية التواصل بين العالم الإلهي والعالم البشري، عبر نقل كلام الآلهة للبشر، " وقد ظهرت كلمة هرمينوطيقا أول مرة سنة 1654 في عنوان كتاب لدنهاور، وتدل الهرمينوطيقا في علم اللاهوت على فن تأويل الكتاب المقدس وترجمته، فالتأويل هو العلم الديني بالأصالة والذي يكوّن لب فلسفة الدين، ويقوم عادة بمهمتين متمايزتين تماماً هما : البحث عن الصحة التاريخية للنص المقدس عن طريق النقد التاريخي، وفهم معنى النص عن طريق المبادئ اللغوية ". وقد ظهرت البوادر الأولى للتأويلية مع أرسطو كما أخبر بذلك غادمير، باعتباره أول من وضع معالم التجربة التأويلية داخل مذهب القانون من خلال مناقشته لمشكل القانون الطبيعي، وكذا مفهوم الإيبوخيه في كتاب " الأخلاق إلى نيقوماخوس" . وهنا تجدر الإشارة أيضاً إلى الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، الذي نعتبره من الأوائل الذين مهدوا لتأسيس مفهوم الهرمينوطيقا دون أن يدري، وذلك لكونه أول من دعا إلى تفسير الكتاب المقدس وتأويله، و ابتكر اسبينوزا لهذا الغرض، منهجاّ جديداً، يحاكي المنهج المعتمد في تفسير الطبيعة، وهو منهج تطلب آنذاك قدراً هائلاً من الذكاء والجرأة، حيث يمكننا اعتبار تطرقه للدين منعطفاً نوعياً، فتح المجال لتأويل الدين ونقده بشكل أوضح، وتأويله تأويلاً يتناسب مع روح العصر وقيم الإنسانية. إن هذا المنهج وضع حداً لتوجهين تقلدين وتجاوزهما، وهما المنهج اللاهوتي الذي ينص على أن معنى نصوص الكتاب المقدس عصية عن الفهم، وهو توجه دوغمائي يجهض كل محاولة لفهم وتفسير الكتاب المقدس، ومنهج يمثله التوجه اللاهوتي العقلاني، وهؤلاء يرون بأن نصوصه تتطلب فهماً عقلياً لحل رموزه وسبر أغواره.
وإذن فالمنهج الذي استقاه اسبينوزا لتأويل الكتاب المقدس، يعتمد على الكتاب نفسه دون حاجة لأي معرفة خارجة عنه وتاريخه النقدي، ويرى اسبينوزا أن هذه الطريقة هي الوحيدة الممكنة، وهي تتفق مع منهج تفسير الطبيعة. إن ما يدفعنا لاعتبار اسبينوزا من الأوائل الذين أسسوا للهرمينوطقا، هو كون الشروط التي يقوم عليها منهجه لتفسير الكتاب تفسيراً دقيقاَ، لا تختلف كثيراً في روحها عن تلك الخطوات التي نادى بها المتأخرين من قبيل الألماني شلايرماخر.
2- الهرمينوطيقا في التراث اليهودي والمسيحي القديم :
لقد عرفت الأوساط الدينية القديمة أي ؛ اليهودية والمسيحية على وجه التحديد، تأسيس مدرستين في الهرمينوطيقا، مدرسة الإسكندرية كما تذكرها الكتب، كانت تقوم بمهمة القراءة للكتاب المقدس، القراءة المجازية للنص الديني، ومدرسة أنطكية اليهودية، وكانت تهتم أساساً بالقراءة الحرفية للنصوص المقدسة. وقد عرف اليهود تفسير وتأويل النصوص المقدسة، وأطلقوا على هذه العملية أي عملية أو فعل التفسير مدراش Midrash، ويعرف " العالم اليهودي يعقوب نيوسنر Neusner المدراش بأنه تفسير توراتي قامت به سلطات يهودية قديمة. وكلمة مدراش Midrash مشتقة من الكلمة العبرية داراش Darash، التي تعني أن يدرس يحقق أو يبحث، ويتابع نيوسنر تفكيك الكلمة إلى عدة تصنيفات [...]" ويرى أن " أحبار اليهود القدامى كان لهم قراءة وفهم للنص، يختلفان عن الفهم والقراءة اللذان ندرسهما " ، أما المسيحيين فقد تأثروا بالفهم الأرسطي للنص، على أنه كلاً موحداً، وله مقدمة وعرض وخاتمة، وبقيت القراءات الإنجيلية تحوم حول هذا الفهم، حيث إننا نجد هذا واضحاً في الفلسفة المدرسية، كما نجده لدى القديس أوغسطين، خاصة في كتابه " حول العقيدة المسيحية"، والذي يعتبر من الكتب التي ساهمت وبشكل حقيقي في تطوير الهرمينوطيقا من خلال تناوله نظريته الخاصة فيما يطلق عليه بالإشارات، ومعنى ذلك؛ قراءة النص كمتكون من مجموعة من العلامات التي تحيل بشكل عام إلى المدلول الذي ينبغي ألا يختلط مع الشيء الذي يحيل عليه.
على هذا الأساس يمكن رصد الاختلاف الحاصل بين التقليد الإغريقي واليهودي، فإذا " كان أساس التقليد اليوناني فلسفياً، فإن التقليد العبري ليس كذلك. فاليهود لم يسعوا كثيراً وراء المعنى في الكلمات، بل رأوا في الكلمات شكلاً من محادثة لا تنتهي ولا تصل إلى نهاية استنتاج، إلاّ حين تختتم بالصمت في الله. الذي يبدأ وينهي كل شيء، لا توجد خاتمة للنص، ولمن هنالك نقاشاً داخل الفضاء الذي توفره الكتابات، هذا يعني أن فكرة النص نفسها بحاجة إلى مراجعة . "
إذن فإن الهرمينوطيقا قديمة، ولربما تاريخها هو تاريخ النصوص نفسها، ولادتها كانت مع صرخة ولادة أول نص مكتوب في التاريخ البشري وحاول الإنسان فهمه، غير وأن الهرمينوطيقا بمعناها الحديث كما هو متداول بين الدارسين، انطلقت مع شلايرماخر، وذلك لكونه يعد أول من اعتبر معنى النص يأتي من وجهة نظر القارئ المتلقي وليس من النص بحد ذاته، أي؛ أن المتلقي هو المحدد، وشرعت الهرمينوطيقا عند شلايرماخر في " البحث عن القوانين والمعايير التي تؤدي إلى تفسير صحيح وانتهت إلى وضع نظرية في تفسير النصوص الأدبية. ولكنها بين البداية وتطورها المعاصر فتحت آفاقاً جديدة من النظر، اهمها لفت الانتباه إلى دور المفسر، والمتلقي في تفسير العمل الأدبي والنص عموماً." فقد انتقلت الهرمينوطيقا مع شلايرماخر إلى حيز أرحب، انتقلت من الفهم والاستخدام اللاهوتي إلى ساحة الأدب، فأضحت تعنى بوظيفة تفسير الأدب، ويمكننا أن نقول وظيفة الهرمينوطيقا ورهانها هو التأسيس لمعايير يمكن التميز من خلالها بين ما هو صحيح وماهو خاطئ داخل النص أو فيما يرمي إليه النص، باعتباره عبارة عن وسيط ينقل فكر المؤلف إلى القارئ عند شلايرماخر كما أشار إلى ذلك نصر حامد أبو زيد، وكذا ربطها من قبل فلهم ديلتاي بالعلوم الإنسانية والاجتماعية واعتبرها أساساً لها.
3- وظيفة الهرمينوطيقا :
تسعى الهرمينوطيقا إلى تأسيس معايير وقوانين، من شأنها أن تمكننا من التميز بين الصحيح والخاطئ، أي تؤدي بنا إلى الفهم السليم للنص سواء أكان دينياً أم أدبيا...وبتعبير شلايرماخر " إن مهمة الهرمينوطيقا هي فهم النص كما فهمه مؤلفه، بل أفضل مما فهمه " ، كما تعلمنا الحذر في التعاطي مع هذا النص، وكيفية تأويله مع اتخاذ نوع من الحيطة والحذر تجاه التعاطي مع النصوص على أنها مطابقة لغايات كاتبها، ومحاولة التفكير بشكل موضوعي قدر الإمكان حيث " علينا في الهرمينوطيقا أن نفكر بطريقة مستقلة، وفي نفس الوقت، لا يمكن وضع قواعد للتفكير بأنفسنا مع قطع النظر عن الآخرين، أو التقاليد، او بالطبع متطلبات اللغة وضوابطها النحوية " . ولعل مشكلة الموضوعية هي أبرز ما يطرح نفسه في هذا الحقل، بحيث إن فهم وتأويل النص لا يعتمد على القوانين الكونية المشتركة بين الكل، بل يخضع في جزء منه إلى الوسط المعيش من ثقافة وتقاليد وعادات...والتي تشكل شخصية الشخص أو هويته. إن الهرمينوطيقا تسعى أيضاً للأخذ بعين الاعتبار التفاوت الحاصل بين القصد أي ما يقصده النص أو المؤلف و المعنى، بل تذهب أبعد من ذلك في هذا، فترى بأنه يمكن للنص الواحد ان يحصل على تأويلات مختلفة، تختلف من قارئ لآخر وباختلاف القراء، ولعل هذا ما يفسر تعدد تفسيرات فقهاء الإسلام بصدد النص الديني على سبيل المثال، وإذا أمكن القول فإن " الهرمينوطيقا تقوم على الجدل والنقاش أكثر من قيامها على الاتفاق والجواب الصحيح. كما لا توجد قراءة صحيحة بالكامل، كذلك لا توجد قراءة خاطئة بالكامل، علينا فقط أن نعيش مع اختلافاتنا " .
عموما فإن الهرمينوطيقا قضية قديمة، و لربما قدم النص نفسه، ولكنها جديدة أيضاً كما يقول نصر حامد أبو زيد، وهي ليست حكراً على الغرب فقط، " بل هي قضية لها وجودها الملح في تراثنا العربي القديم والحديث على السواء. وينبغي أن نكون على وعي دائم في تعاملنا مع الفكر الغربي في أي جانب من جوانبه بأننا في حالة حوار جدلي، وأننا يجب ان لا نكتفي بالاستيراد والتبني، بل علينا أن ننطلق من همومنا الراهنة في التعامل مع واقعنا الثقافي بجانبيه التاريخ والمعاصر".
وإذن فهي قضية فرضت وجودها في تراثنا الفكري والديني، فكيف نظر المفكرين العرب إلى مفهوم الهرمينوطيقا أو ما يعرف في الأوساط الثقافية العربية بمفهوم التأويل؟ وكيف تعاطوا معه ؟ وما هي أبرز التصورات بصدد هذا المفهوم في خضم ما تعرفه الساحة الفكرية العربية من ضجة بخصوص تفسير النصوص المقدسة ؟ .






لائحة المصادر والمراجع :
 حسن حنفي، تأويل الظاهريات الحالة الراهنة للمنهج الظاهراتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية، مكتبة النافذة، ط1،2006.
 غادمير، فلسفة التأويل، ترجمة محمد شوقي الزين، المركز الثقافي العربي، منشورات الاختلاف.
 سبينوزا، رسالة في اللاهوت والسياسة، ترجمة حسن حنفي، مراجعة فؤاد زكريا، مكتبة الأنجلو المصرية، ص: 23-24 بتصرف.
 دايفيد جاسبر، ترجمة وجيه قانصو، مقدمة في الهرمينوطيقا ، الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف،الطبعة الأولى2007.
 نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، ط التاسعة 2012.
 سعيد توفيق، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 2002.

 Kelkel, Arion Lothar, La legend de l’Etre langage et poésie chez Martin Heidegger librairie philosophique jean vrin . Paris.1980.P 186.



#بلال_البازي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الحرية عند باروخ اسبينوزا .
- النظام الأمثل للحكم في تصور اسبينوزا
- باروخ اسبينوزا : القانون الوضعي و الحق المدني كتجسيد للدولة
- الحالة المدنية عند باروخ اسبينوزا
- اسبينوزا: العقد الاجتماعي كمنعطف نوعي للانتقال إلى المدنية
- التأصيل للدولة : العودة إلى الحق و القانون الطبيعيان عند اسب ...
- حالة الطبيعة كتأصيل للدولة عند اسبينوزا


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بلال البازي - في الهرمينوطيقا