أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نغم المسلماني - منزل بلا روح














المزيد.....

منزل بلا روح


نغم المسلماني

الحوار المتمدن-العدد: 5519 - 2017 / 5 / 13 - 20:41
المحور: الادب والفن
    


ما إن وقفت على أعتابه حتى شعرت بغرابة، دخلته وأنا أتوقع مقابلة صاحبة المنزل، وأصبحت لا أطيق الانتظار والترقب لرؤيتها، فالمنزل يحمل صمتاً قاتلا، والبرد بدأ ينفض أوصالي، لم أرَ شمساً تلامس نوافذه، فهي لم تجد لها مكاناً فيه، لذا لملمت أحزمتها المشرقة ورحلت برفقة من رحل، وبينما أنا أطبق على يدي من شدة البرد، فإذا بطفلة صغيرة أقبلت لتخبرني ان والدتها ستأتي لاستقبالي بعد قليل.
مرت دقائق ثم سمعت صوت أقدام مقبلة نحوي، ظننتها هي، فإذا بطفلة أخرى اصغر سناً، عرفت عندها أنهما طفلتي الشهيد، ياسمين ونرجس، تنظران إلي بأعين بريئة وملامح نالت نصيبها مما خيم على المكان من الوجوم.
حاولت ملاطفتهما وإضحاكهما، دون جدوى، عندها أتت زوجة الشهيد وأوقدت المدفأة وهي تسألني :
ـ هل تشعرين بالبرد؟ آسفة فأنا لم أُشعل المدفأة اليوم لأن الجو دافئ.. وكأنني أنا الوحيدة التي تشعر بما يدور بالمكان من برد وصمت !
ـ نعم أشعر بالبرد، ومع ذلك شكراً لك.
ثم بدأت أكلمها واسألها عن زوجها حقي الذي قدم روحه قرباناً لهذه الأرض، فهو أحد أبطال الحشد الذين أبوا الهوان، فلم يكن هذا جهاده الأول، بل كانت له صولات أخرى بالانتفاض على النظام البائد .
جلستُ بقربها، أتطلع في وجهها الذي تتزاحم فيه الهموم، وأكتافها المثقلة بالمسؤولية .
بدأت أسألها عن زوجها الذي خلف غيابه كل هذا الفراغ والألم..
في البداية لم تستطع الكلام فقد كانت دموعها تسبق كلماتها، وبقيت الحروف مبعثرة في حلقها، تحمل إضمامة من الصفات الجميلة التي يتسم بها زوجها، تركتها تُنفس عن حزنها بالدموع، ومن ثم تكلمت وهي تختنق بالعبرة قائلة :
ـ كان حقي، نعم الزوج والأب، وعندما أراد الالتحاق في شعبان منذ صرخة الجهاد، عارضته كثيراً خوفاً عليه، لكنني بعد ذلك آزرته، وأصبحت أنا من يجهز ملابسه ويدفعه للالتحاق، حينها بدأ يريني مشاهد تصور العمليات الجهادية والشهداء أثناء إجازته، ويوصيني ببناته خيراً، وكأنني شريكته في الجهاد، وفي إجازته الأخيرة، وبينما كنت منشغلة أجهز الفطور، أتى الى المطبخ وقال لي :
ـ هذه المرة سأذهب لأربعة أيام فقط .
تركت إبريق الشاي وسألته باستغراب:
ـ لماذا؟ أنت عادة تذهب خمسة عشر يوماً أو أكثر !
ـ هذه المرة سأرجع إليكِ ملفوفاً بالعلم فلا تحزني بعدي.
أجهشت زوجته بالبكاء ثم سكتت قليلاً وأردفت قائلة: "إن حقي الآن في المكان والمنزلة التي يستحقها، فقد رأيت في منامي أن ثمة صورة معلقة في الشارع فيها الإمام الحسين وعلي الأكبر عليهما السلام والناس متجمهرة تنظر الى الصورة وضجيج أصواتهم يملأ المكان، فاقتربت لأرى ما يحصل، فإذا بزوجي حقي معهم في الصورة يقف بجانب الإمامين، لذا أنا أعرف تمام المعرفة، منزلته في الدنيا والآخرة، وأتمنى أن يدعو لنا عند الله سبحانه بمنزلته تلك، لكن فراقه مؤلم جداً ولا أكاد أقوى على العيش بعده".
سكتت ولم تتكلم أكثر.. الذكريات أججت لهيب حزنها من جديد .
أما أنا، فلم أعد اشعر بالبرد البتة، فقد شدني الحديث وتملكني الإحساس بالامتنان والتقدير لهؤلاء الأبطال، لما ضحوا به من أجل أمننا، وصرت أعرف سبب الصمت الذي يأسر هذه العائلة، فحقي.. ذلك البطل المغوار والزوج الصالح حمل معه كل شيء جميل عندما حزم أمتعته ورحل، وإن ما قدمه لدينه وبلده يغني عن كل قول، وما عرفته عنه يكفيني، لذا خرجت من خيام الصمت لأستنشق هواء الكتابة التي تتنفس بطولاتهم.



#نغم_المسلماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شراكة من نوع خاص
- خلف العتمة
- كلمة واحدة لا تكفي
- طوق ذهبي
- اعترافات خفية


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نغم المسلماني - منزل بلا روح