|
افول الماركسية - الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (2)
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5491 - 2017 / 4 / 14 - 15:49
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الذات الثورية الجديدة (ص 15 ـ 18 ) :
كان نص لين بياو هذا و كتابات ماو التي ارتكز إليها ، المصدر الذي استقى منه هيوبرمان و سويزي الخطوط الكبرى لتحليلهما . و من الجهتين ، كانت تجري عملية قراءة و تفسير جريئة و جذرية تماما (راديكالية) للماركسية . لم تعد الطبقة العاملة ، بروليتاريا المصنع هي (( الذات الثورية )) الفاعل الثوري الواعي . لقد انتقل مركز الثورة من البلدان الصناعية إلى البلدان المتخلفة و هو قد ولّد بانتقاله هذا (( ذاتا ثورية جديدة )) : الفلاحون ، العوام الريفيون : و هي ذات لم تكن فقط غريبة عن تراث الماركسية و إنما أيضا و أكثر من ذلك فإن الماركسية (الكلاسيكية) غالبا ما وقفت منها موقف العداء .
إن الأفكار القديمة قد بدأت تظهر بمظهر التخلف و التأخر عن الزمن ... إن تاريخ التقدم الإنساني و هو الذي كان يقدم على الدوام على أساس أنه يتمحور حول المدن ، قد جرى لي عنقه بعنف شديد ، إلى حد تغيير و قلب معناه و مجراه . و أصبح من البداهة القول بأنه كان على التطور و التقدم العالميين أن يتأسسا و ينطلقا من المناطق الفلاحية المتخلفة .
هذا الكلام الجديد ، أو العنصر الجديد في التحليل ، كان يبرز فجأة ، و يتكرر بقوة ، و لو عبر أشكال متحفظة و صياغات منضبطة ، و أحيانا بشاعرية رقيقة ، من بين أسطر و صفحات لين بياو . لقد كان لين بياو لا يشبع من إعادة التذكير بأن (( المشكلة الفلاحية هي مشكلة شديدة الأهمية في كل المناطق المتخلفة )) . بل كان يذهب أبعد من ذلك بكثير حين يقول بأن (( الريف هو العالم بدون حدود ، حيث تستطيع الثورات أن تؤثر بحرية مطلقة . وحده الريف هو القاعدة الثورية التي يستطيع الثوريون أنطلاقا منها قيادة خطواتهم نحو النصر النهائي )) .
إن هذا التوجه كان محاولة لقراءة (أو التفكير في) الماركسية بطريقة مختلفة جذريا ، و بإجراء تحويل أو تغيير عميق فيها يتمحور حول تغيير (( الذات الثورية )) . و ليس من قبيل الصدفة أن يجري التطرق إلى هذه الموضوعة من قبل سويزي في العدد الخاص من مجلة مونتلي ريفيو المكرّس لمئوية رأس المال . إن المقال يبدأ بالتذكير في كيف أنه بالنسبة للكثيرين (و من ضمنهم الماركسيين) كانت نظرية ماركس القائلة بأن البروليتاريا الصناعية هي (( العامل الثوري )) ، تبدو على أنها النقطة الأضعف في مجمل النظام (الفكري السياسي الماركسي) . و يعيد سويزي التذكير بأن النقاد قد أشاروا إلى أن البروليتاريا الانكليزية و الأوروبية الغربية و هي التي كان ماركس يعتبرها طليعة الحركة الثورية العالمية ، قد أصبحت في الحقيقة قوة إصلاحية تساهم ، في الواقع ، بتقوية الرأسمالية حيث أنها تقبل فرضياتها و أسسها . و كان النقاد لاحظوا عن حق ، بأن بروليتاريا البلد الأكثر تقدما و قوة و عظمة ، الولايات المتحدة الأمريكية ، لم تنتج أبدا حركات أو مجموعات ثورية قائدة ذات أهمية ما .
لم يكن سويزي ليظن أن من واجبه استخلاص النتيجة المنطقية و هي أن تحليل ماركس كان خاطئا . بل على العكس فإنه كان يعتقد بأنه ينبغي تحديد الخصوصية التاريخية لنظرية (( الذات الثورية )) من ضمن إطار التحليل نفسه .
و قد لاحظ سويزي بأن ماركس كان يعتقد بأن البروليتاريا لم تكن قوة ثورية (( بحد ذاتها )) ، أو منذ ولادتها ، (أي (( ذاتا ثورية )) منذ نشوئها) . فهي قد اكتسبت هذه الصفة في لحظة معينة من التطور الرأسمالي . و خلال مرحلة (( المانيفكتورة )) ، حين كانت الرأسمالية (( محافظة )) في التكنولوجيا ، فإن الطبقة العاملة ، لم تقدم أي دليل على ديناميتها و حركيتها .
إن اتجاهاتها الثورية قد تطورت لاحقا ، في مرحلة المكننة حين بدأ رأس المال في إحداث انقلاب و تغيير جذريين (بفضل اختراعاته و تجديداته التكنولوجية المتواصلة) في قواعد الانتاج نفسه . إن التماهي الماركسي بين الطبقة العاملة و (( الذات الثورية )) يعود إلى سمات هذه المرحلة بالذات .
غير أنه ، و في مرحلة لاحقة ، أي في مرحلة المشاريع و المؤسسات الضخمة ، مرحلة الاتمتة (التألية : أي إحلال الآلة محل الإنسان) ، تغيّر الوضع مجددا . و نحن نشهد حاليا انخفاضا قويا في نسبة (( الياقات الزرق )) إضافة إلى الانخفاض الواضح في وزنهم النسبي ضمن مجمل قوى العمل . و بالمقابل فإن فئات العمال في قطاعات التوزيع و الخدمات تتكاثر و تنتشر . و إذا أضفنا إلى ذلك كله الزيادات الفعلية في الأجور (و هي هامة إلى حد ما) و التي حصل عليها العمال خلال نفس الفترة ، نستطيع أن نفسر (( الاندماج )) شبه التام نوعا ما ، للطبقة العاملة في البلدان الصناعية الغربية .
إن المخرج النظري الذي اقترحه سويزي تمثل في توسيع أو تعميم التحليل الماركسي ليشمل الوضع العالمي برمته بحيث يظهر التقدم و التخلف على أنهما الوجهان المتعارضان و لكن المتكاملان لنفس العملة . و هذا المخرج يقوم على اعتبار أن الاستغلال الامبريالي يأتي بالثروة إلى البلدان الصناعية و يسمح لها بزيادة و تحسين مستوى معيشة طبقاتها الكادحة . و لكنه ، و في الوقت نفسه ، و للسبب ذاته ، يُحدث فقرا و بؤسا متزايدين للأغلبية الساحقة من العمال في البلدان التابعة . و حينذاك تصبح جماهير هذه البلدان ذاتا أو أداة للتغيير الثوري ، أي بالتحديد وفق نفس المعنى الذي أعطاه ماركس للبروليتاريا الصناعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الماركسية الايديولوجيات : من 1968 حتى اليوم (1)
-
علم التاريخ و (( مضار التاريخ ! ))
-
شيء عن العلمانية
-
شيء عن الإصلاح
-
جامعة البحرين و جنرال إلكتريك .. أما بعد
-
ورقتي المقدمة في ندوة (( الشباب .. و تحديات المستقبل )) بالم
...
-
شيء عن إلغاء مجانية التعليم الجامعي
-
شيء عن جامعة البحرين - المستقبل ، و الدور المشبوه القادم
-
شيء عن جامعة البحرين - الثالوث المحرم
-
شيء عن جامعة البحرين - إحتكار الإعلام ، و قمع الأصوات الأخرى
-
شيء عن جامعة البحرين - السلطة المطلقة ، و تشتيت القوى التلمذ
...
-
شيء عن جامعة البحرين - التسلط الديني
-
شيء عن جامعة البحرين - وأد المثليين
-
شيء عن جامعة البحرين نظرية المؤامرة ؛ بين التكثيف و التأويل
-
شيء عن جامعة البحرين ظاهرة حب هتلر و حب صدام حسين
-
شيء عن جامعة البحرين - كراهية اليهود ، و العداء لإسرائيل
-
شيء عن جامعة البحرين - مقدمة
-
شيء عن التجنيس في البحرين - صياغة المشكلة
-
شيء عن التجنيس في البحرين - أدوار المثقفين و رجال الدين ، و
...
-
شيء عن التجنيس في البحرين - العمل في القطاعين العام و الخاص
المزيد.....
-
بيرني ساندرز يقف في مواجهة ترامب ويحذر: -غزة قد تكون فيتنام
...
-
الشرطة الهولندية تداهم مخيم متظاهرين طلبة مؤيدين لفلسطين وتع
...
-
طلبة محتجون في نيويورك يغلقون أكبر شوارع المدينة تضامنا مع غ
...
-
تايمز: مجموعة ضغط إسلامية تحدد 18 شرطا للتصويت لحزب العمال ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
استطلاع يورونيوز: تقدم اليمين المتطرف في إيطاليا قبل الانتخ
...
-
بعد أن تعهد رئيسها بتوظيف الطلبة المتظاهرين.. شركة أمريكية ت
...
-
أصالة وأهمية الندوة العالمية الأولى لمناهضة الفاشية المرتقب
...
-
الفصائل الفلسطينية تدين دعوات لرفع الأعلام الإسرائيلية بالمس
...
-
موقف لافت من حزب الشعب الجمهوري التركي بشأن فلسطين
المزيد.....
-
تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا
...
/ جيلاني الهمامي
-
كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع
...
/ شادي الشماوي
-
حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
/ مالك ابوعليا
-
بيان الأممية الشيوعية الثورية
/ التيار الماركسي الأممي
-
بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا)
/ مرتضى العبيدي
-
من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا
...
/ غازي الصوراني
-
لينين، الشيوعية وتحرر النساء
/ ماري فريدريكسن
المزيد.....
|