أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار العدد 94















المزيد.....



طريق اليسار العدد 94


تجمع اليسار الماركسي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 5476 - 2017 / 3 / 30 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* آذار/مارس 2017 - [email protected] E-M: *



* الافتتاحية *

المجتمع السوري خلال ست سنوات من الأزمة


مثل الزلازل التي تكشف نوعية التربة في الطبيعة، فإن الزلازل في المجتمعات تكشف نوعية تربتها. كان الانفجار السوري، في مقياس الأزمات، أكبر أزمة مركّبة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية من حيث تراكب الطوابق الأربعة في بناء الأزمة كعوامل متداخلة في تحريكها: محلية ــ إقليمية ــ دولية ــ منظمات عابرة للحدود («النصرة» و«داعش»).
كان هناك حطب سوري كثير قابل للاشتعال وقد أتت دول إقليمية وقوى دولية عظمى وكبرى بطناجرها من أجل طبخ طبخاتها على الحطب السوري المشتعل إضافة إلى «النصرة» (الفرع السوري لتنظيم «القاعدة») و«داعش» التي لاقت نمواً كبيراً من خلال مناخ الأزمة السورية فاقت ما لاقته في التربة العراقية. يجب دراسة البذرة الأولى للأزمة السورية التي انفجرت في درعا في 18 آذار 2011 إن كانت عوامل البدء في تلك البذرة في أحد التواريخ التالية: 17 نيسان 1946، 22 شباط 1958، 8 آذار 1963، أم 16 تشرين الثاني 1970؟
في مجتمع صام عن السياسة بفعل قسر انتصار السلطة الأمني ــ العسكري (وليس الفكري ــ السياسي) على المعارضة بشقيها الإسلامي والديموقراطي في أحداث 1979 ــ 1982 فإن إفطاره البادئ في درعا بعد 29 سنة، كان مفاجئاً من حيث محتواه للسلطة والمعارضة، وكلاهما، وخصوصاً السلطة، قد دفعا فاتورة ذلك الصيام الذي كان إفطاره مثل السيل المفاجئ في مجرى نهر انقطع طويلاً عن الجريان وليجرف ذلك السيل ويظهر كل ما تراكم هناك في فترة اللاحركة. من نزل إلى الشارع في الحراك السوري، كان جيلاً جديداً شاباً، لم تكن السلطة التي اعتادت وعرفت وخبرت السياسيين الذين مروا على السجون والعمل السري، تعرفه ولا أحزاب المعارضة التي تحولت إلى جزر متناثرة في فترة آذار 1982 ــ آذار 2011 وهو ما منعها من القدرة على قيادة الحراك المعارض بخلاف لينين الذي فوجئ هو وحزبه البلشفي بثورة شباط 1917 هو وباقي الأحزاب المعارضة الروسية، ولكن هذا لم يمنعه من القدرة على وضع برنامج وصنع أداة ذاتية لقيادة ذهبت في روسيا إلى ثورة أكتوبر عام 1917. إذا حسبنا معارضة الحراك، عبر الطبقات الثلاث: اليد واللسان والقلب، فإنها كانت واسعة وهي أوسع من الجسم الاجتماعي لمعارضة 1979 ــ 1982 ومن الجسم الاجتماعي للمعارضة الناصرية لسلطة حزب البعث في مرحلة 18 تموز 1963 ــ 16 تشرين الثاني 1970. برغم هذا، فقد كانت هناك ثلاثة أثلاث متساوية بالحجم وما زلت كذلك في فترة السنوات الست التي تفصل عن يوم 18 آذار 2011 تجعل المجتمع السوري في خانات ثلاث: الموالاة والمعارضة والتردّد. كان الجسم الاجتماعي للحراك السوري المعارض في أرياف حوران ودمشق وحمص وحماة وادلب وحلب وديرالزور وفي مدينتي حمص ودرعا وعند الوافدين الريفيين في الأحياء المهمّشة من مدينة دمشق (التضامن ــ الحجر الأسود ــ دف الشوك)، وكانت القاعدة الاجتماعية الصلبة للسلطة في مدينتي دمشق وحلب عند التجار والصناعيين والفئات الوسطى وعند الأقليات الطائفية والدينية (25% من مجموع السكان)، فيما كان التردد يشمل بنى اجتماعية واسعة في مدن حماة وإدلب ودير الزور واللاذقية، بينما استغلت الأحزاب الكردية الأزمة كمنصة أو كممر لمحاولة فرض أجنداتها الخاصة، ولاقت في هذا تأييداً واسعاً في وسط الأكراد الاجتماعي (الأكراد 7 ــ 10%من السكان). لم يتصرف السنة، كطائفة في أزمة ما بعد 18 آذار 2011، وهم كانوا أيضاً كذلك في أحداث 1979 ــ 1982 عندما وقف تجار دمشق وأرياف حوران ودمشق وحلب بقوة مع السلطة، بل انقسم السنة العرب السوريون (66%من مجموع السكان) وفق تحديدات طبقية اقتصادية ــ اجتماعية ــ سياسية ــ ريف ومدينة، وتوزعوا على التخوم الثلاثة: الموالاة والمعارضة والتردد، وقد كان هذا هو الذي منع سوريا من الإاجرار إلى الحرب الأهلية بخلاف لبنان 1975-1990 وعراق 2006 ــ 2007 وليقتصر الصراع السوري على صراع سلطة ــ معارضة متراكب مع العوامل الإقليمية ــ الدولية ــ المنظمات العابرة للحدود. وعلى الأرجح كانت غرف تجارة وصناعة دمشق وحلب أهم للسلطة كجدار استناد من الفرقة الرابعة في أزمة 2011 ــ 2017 مثلما كان رئيس غرفة تجارة وصناعة دمشق بدر الدين الشلاح أهم عند السلطة في أحداث 1979 ــ 1982 من اللواء علي حيدر قائد الوحدات الخاصة.
ليست السلطة السورية سلطة ذات طابع طائفي من حيث القاعدة الاجتماعية. في الوقت نفسه فإن الطائفية في المجتمع السوري 2011-2017 هي أخف بكثير، ومن خلال مقارنة الحرائق، من لبنان 1975 ــ 1990 ومن عراق 2003 ــ 2017. الطائفية كنزعة توجد عند السني السوري من خلال عامل أيديولوجي سياسي متمثل في النزعة الإسلامية السياسية ولا توجد عند المتدين المسلم السني، هذه الطائفية هجومية وواعية لذاتها وتحدّد الآخر من خلال ذاتها، بينما الطائفية عند الكثير من أبناء الأقليات الطائفية والدينية في سوريا 2011 ــ 2017 تظهر وتتمظهر من خلال نزعة وقائية رهابية من الإسلاميين وتتحدد من خلال هذا الرهاب، وبالتالي فهي تحدد ذاتها الطائفية الخاصة من خلال (الآخر)، وهذا لا علاقة له بالتدين بل يشمل ملحدين ويساريين وعلمانيين في الأقليات الطائفية والدينية. في التعاملات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية الاعتيادية كانت سوريا 2011-2017 أرقى من لبنان 1975 -1990 وعراق 2003 ــ 2017، وخصوصاً في الساحل السوري الذي استقبل ملايين من حلب وغيرها في فترة 2012 ــ2017 حيث كان الاقتصاد والاجتماع والحياة في حالة عبور للطوائف وليسوا مختلطين أومشوبين بها.
كان لافتاً للنظر أن الريف كان القاعدة الاستنادية الأساسية للحراك المعارض بفترة ما بعد 18 آذار 2011، فيما استند الإسلاميون السوريون في أحداث 1979 ــ 1982 على الفئات الوسطى المدينية في مدينتي حلب وحماة، مع المشترك في المرحلتين وهو ريف محافظة ادلب المهمش الذي استند إليه الأصوليون الإسلاميون في الثمانينيات والسلفيون الجهاديون في 2011 ــ 2017. على الأرجح لولا الريف المهمش والمفقر، وخصوصاً بعد رفع أسعار المازوت في أيار 2008، ما كان لأزمة ما بعد 18 آذار 2011 أن تكون بهذا الاتساع، وقد كان واضحاً القاعدة الاجتماعية للمسلحين الاسلاميين في أرياف إدلب وحلب وديرالزور وحماة وحمص ودمشق فيما كان المسلحون في ريف حوران أقل نزعة إسلامية ولكن أيضاً بقاعدة ريفية أساساً.
يلفت النظر أن يكون هذا ضد سلطة استندت من خلال حزب البعث في صعودها إلى المسألة الزراعية، وهذا كان واضحاً في انتخابات برلمان 1954 حيث كان معظم أصوات البعث في أرياف حماة وحلب وإدلب واللاذقية، وإذا ظهرت قوة قاعدة السلطة السورية في الريف بأحداث 1979-1982 فإن من الواضح أن التحولات الليبرالية الاقتصادية في فترة 2004-2010 قد جعلت معظم الريف السوري في حالة نقمة ومعارضة وهو ما جعل السلفية الجهادية ترى أرضاً خصبة في أرياف حلب وديرالزور وإدلب مثل (الجماعة الإسلامية) في مصر التي لاقت في الثمانينيات أرضاً خصبة في الصعيد بخلاف (الإخوان المسلمون) الذين ظلت استناداتهم الاجتماعية في المدن أو في ريف الدلتا الأكثر تطوراً من الصعيد.
كان صادماً ومفاجئاً قدرة السوريين على التفوق على الجزائريين 1992 ــ 2002 والعراقيين 2004 ــ 2007 في استعمال العنف وتسويغه وتبريره في تخومي الموالاة والمعارضة، ومقدار انخفاض المستوى السياسي عند عموم السوريين في تخوم المعارضة والموالاة والتردد، وذلك عند مجتمع كان هو الأفضل ضمن العرب في انتاج سياسيين عابرين بتأثيراتهم للحدود (ميشال عفلق ــ خالد بكداش ــ ياسين الحافظ) ومفكرين سياسيين صيغت التيارات السياسية والأحزاب من خلال أفكارهم (ساطع الحصري ــ ميشال عفلق ــ ياسين الحافظ)، وأيضاً مقدار انخفاض مستوى المثقفين السوريين وكتاب المقالات الصحفية السياسية.
هذا يعود إلى التصحر السياسي بفترة 1982 ــ 2011 على الأرجح. كان لافتاً للنظر مقدار اتساع الميل عند المعارضة والموالاة لتسويغ وتبرير واعتناق (نزعة الاستعانة بالخارج) في أزمة 2011 ــ 2017 وبحيث «أصبحت كل البقرات سوداء في الليل» وفق تعبير هيغل. أيضاً هنا يجب تسجيل كيف ضعفت النزعة العروبية عند العرب السوريين في مجتمع من أقوى المتعلقين بالنزعة القومية بالمجتمعات العربية في القرن العشرين، بينما تخلى الأكراد السوريون عن ماركسيتهم التي كانت غالبة بالقرن العشرين بحياتهم السياسية لصالح النزعة القومية الكردية، وإن كانت لا تزال العروبة قوية في سوريا، وهي على الأرجح اللاصق الوطني الأقوى في بلد يشكل العرب 90% من سكانه وهي اللاصق الوحيد الباقي العابر للطوائف والأديان. يلاحظ هنا كيف أن نزعات جديدة عند السوريين، مثل «النزعة الفينيقية» و«سوريا أولاً»، هي نزعات أقلياتية دينية من حيث الاستناد الاجتماعي أساساً، فيما يلحظ اشتراك السلطة وأغلب المعارضة في نزعة عروبية قوية، ويلاحظ هنا أيضاً استمرار السلطة السورية في التفريق بين «الإسلام» و«الإسلاميين»، واتجاه الأكراد السوريين لتحبيذ الاتجاه القومي والابتعاد عن التدين فيما كانوا العكس في زمن العثمانيين.

--------------------------------------


تعريف الإرهاب
(اعداد مكتب الدراسات والتوثيق بهيئة التنسيق الوطنية)

بعد انجاز جدول الاعمال في( جنيف4 ) تم إضافة بند رابع وهو الإرهاب، ومن المهم حقاً البحث في هذا المفهوم في كل الجوانب التي تدرسه كي تتكون الصورة الكاملة عنه، وخصوصاً أنّ هناك مئات التعاريف التي تحاول أن تشرح الإرهاب في كل تعاريفة.
يشكل الإرهاب أحد أشكال الصراع السياسي-الاجتماعي وهو يعبر عن تفجر بيئة محلية، او عن صراع عالمي يأخذ شكل عقائدي في أغلب الأحيان.
وقد حددت محكمة الجنايات الدولية بأنه "استخدام القوة أو التهديد بها من أجل احداث تغيير سياسي، أو القتل المنظم والمتعمّد للمدنيين أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الأبرياء من أجل كسب سياسي، أو استخدام العنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم للخضوع لأهداف سياسية، او هو باختصار استخدام غير شرعي وغير مبرر للعنف المنظم من اجل تحقيق اهداف سياسية اجتماعية او حتى اقتصادية.".
وقد عُرف الإرهاب دولياً بأنه "استخدام للعنف ضد الأفراد الأبرياء من أجل الحصول على غايات عسكرية سياسية أو فلسفية من فريق ثالث، من الحكومة أو من مجموعة ما والعنف يجب أن يستهدف المدنيين الأبرياء.".
والإرهاب قد يكون سياسيًا أو عقائديًا من دون أي قيود قانونية أو خلقية وعلى كل حال فإن مكوِّنات العمل الإرهابي هي العنف المرتكب بأي وسيلة، والمسبِّب لأذى جسدي أو خسارة مادية، بحق الأفراد الأبرياء، بقصد ترويع الناس أو إهانتهم، ومن اجل الحصول على مكاسب معيَّنة، وذلك من دون تبرير ولا عذر.
وايضاً الإرهاب هو" استخدام أو تهديد باستخدام غير قانوني للقوة أو للعنف من قبل منظمة ثورية ضد الأفراد أو الممتلكات بقصد إكراه الحكومات أو المجتمعات وإذلالها لأغراض سياسية أو عقائدية.- الإرهاب هو استخدام غير شرعي للقوة ضد الأشخاص أو الممتلكات لإذلال أو إكراه الحكومة والسكان المدنيين أو أي شريحة أخرى وذلك لتحقيق أغراض سياسية.- الإرهاب هو عنف مخطَّط مسبقًا ومدفوع سياسيًا ضد أهداف غير عسكرية.".
والإرهاب سلوك جرمي عنيف يُقصد منه: إهانة أو إكراه السكان المدنيين، والتأثير على مسلك الحكومة لإذلالها وحملها على القيام أو الامتناع عن القيام بأمر ما.
-العمل الإرهابي الدولي: "هو ذلك الفعل الذي يُرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو مذهبية... "وتدخل فيه جميع الأفعال الإرهابية التي تحتوي على عنصر خارجي أو دولي سواء ارتكبها فرد أو مجموعة من الافراد أو من سلطات معيَّنة.
ويُستنتج من بعض هذه التعريفات أن معظمها يركِّز على السلوك المدفوع ببواعث سياسية وليس بدافع الربح ولا بدافع الدين. كما أن هذه التعريفات تشير إلى ممارسة العنف أو التهديد به
. ويستنتج أيضًا أن العمل الإرهابي يتضمَّن عددًا من العناصر المكمِّلة له بدءًا بممارسة العنف بحق ضحيَّة مدنيَّة معيَّنة سواء كانت فردًا أو مجموعة من الأفراد وذلك عن طريق الترويع أو الأذى وذلك انتظارًا لتحقيق مطلب معيَّن. وينتظر، في هذه الحالة، وانسجامًا مع مقتضيات الإرهاب الدولي، أن تكون الجريمة قد وقعت في أكثر من دولة أو أن يكون ضحاياها ينتمون إلى أكثر من دولة.
بالإضافة إلى ذلك فإن عددًا من الاتفاقيات الإقليمية الأخرى وعلى مستوى المنظمات الإقليمية ذاتها، قد أصدرت تعريفًا محدًدًا، في نظرها، للإرهاب الدولي. ويبدو أن معظم هذه التعريفات متفقٌ على العناصر الثلاثة للإرهاب الدولي: (العنف) (أو التهديد به) (واستهداف المدنيين الأبرياء أي غير المتحاربين، تحقيقاً لأهداف سياسية أو تنفيذًا لدوافع سياسية). ولا بد من الإشارة، هنا، إلى إرهاب الدولة بالذات وهو الذي يمكن أن يُعرَّف بالاستناد إلى بعض الوقائع من دون التأكيد على تعريف دقيق وواضح لهذا الإرهاب. فقد يتمُّ إرهاب الدولة في خطف أعداء الحكومة أو اغتيالهم بواسطة مخابراتها أو قواتها العسكرية، أو يتمثَّل باعتقالهم بشكل تعسُّفي أو تعذيبهم أو ترحيلهم...إلخ
والواقع أن هذه الأنماط من إرهاب الدولة لا تقتصر على الأنظمة الديكتاتورية فحسب فقد تحصل كذلك، وإن بحالات أقل تداولاً، في الأنظمة الديمقراطية أحيانًا والمعروف أن الحكومة، أي حكومة، ملزمة حماية حقوق الإنسان واحترامها، وبذلك فهي تلجأ إلى العنف إلا في حالات خاصة واستثنائية ومبرَّرة، وفقًا لمعايير القانون الدولي وليس فيما يبرِّره النظام السياسي وحده. ومن الأمور المستقرة في القانون الدولي أن استهداف المدنيين الأبرياء واستخدام العنف غير المبرَّر بحقِّهم إنما يشكِّل انتهاكًا فاضحًا للقانون الإنساني الدولي.
وأن الدولة التي ترعى الإرهاب ضد دول أو مجتمعات أخرى إنما تكون قد تورَّطت في حرب غير معلنة معها، وبالتالي تصبح مسؤولة دوليًا عن هذه الحرب ذات الشحن المنخفض(Low – Intensity Warfare.)وإذا كانت أعمال "إرهاب -الدولة" تتمُّ غالبًا بشكل غير مباشر فإنها قد تُقدِم أحيانًا على أعمال إرهابية مباشرة عن طريق قواتها المسلحة النظامية ضد دولة أخرى أو عن طريق ترويع هذه الدولة الأخرى أو ترويع السكان المدنيين فيها وذلك من أجل تحقيق أغراض سياسية معيَّنة، وهنا يمكن أن يتداخل العمل وتعريفه ضمن جرائم متعدِّدة. فقد يصنَّف عملاً عدوانيًا بصرف النظر عن ذرائع الدفاع عن النفس إذا خالف العمل أحكام المادة 51 وشروطها من ميثاق الأمم المتحدة. وقد يُصنَّف أيضًا عملاً انتقاميًا أو زاجرًا ولكن من دون تبرير موضوعي مقنع. وقد يُصنَّف أيضًا إساءة استخدام حق الدفاع عن مواطني الدولة (المعتدية) في الخارج.
ف (الإرهاب) مهما كثرة تعريفاته القانونية او السياسية او حتى الفلسفية فهو يقع ضمن العنف المنظم والغير مبرر بالنسبة للسلطات الدولية.
------------------------------------------------------------------------------------------
شعارات الجمع في الحراك السوري المعارض2011-2013

(اعداد مكتب الدراسات والتوثيق بهيئة التنسيق الوطنية)
مما لا شك فيه أن الحراك السوري هو حراك عفوي، في بدايته فمعظم الذين خرجوا نادوا بمطالب سياسية محقة, ولكن بسبب غياب العمل السياسي لدى الجمهور العام لمدة أكثر من ثلاثين عاماً، كان تنظيم ذاك الحراك ضعيفاً من قبل الشباب والذين خرجوا، وهذا ما فتح الباب أمام التكتلات السياسية في الخارج أن تحدد أسماء الجمع و شعاراتها، فصفحة الثورة السورية الفيسبوكية "كان مشغلوها يقطنون في السويد" هي التي كانت تسمي الجمع و الآخرون يتبنوها ، ولأسماء الجمع دلالة على تطور الحراك ومراحلة المتعدد من الإصلاح الى اسقاط النظام الى الشعارات التي عبرت عن تحول الحراك الى صراع مسلح .
2011

1 - الجمعة18آذار 2011 ( الكرامة)
2 -الجمعة25 آذار 2011 (العزة)
3 – الجمعة 1نيسان 2011 (الشهداء)
4 –الجمعة8 نيسان 2011 (الصمود)...
5 - الجمعة 15 نيسان 2011 (الإصرار)
6 - الجمعة 22 نيسان 2011 (الجمعة العظيمة)
7 - الجمعة 29 نيسان 2011 (الغضب)
8 - الجمعة 6 أيار 2011 (التحدي)
9 - الجمعة 13 أيار 2011 (الحرائر)
10 - الجمعة 20 أيار 2011 (أزادي)
11 - الجمعة 27 أيار 2011 (حماة الديار)
12 - الجمعة3حزيران2011(أطفال الحرية)
13 - الجمعة 10 حزيران 2011 (العشائر)
14 - الجمعة17حزيران2011 (صالح العلي ـ الشرفاء)
15 - الجمعة 24 حزيران 2011 (سقوط الشرعية)
16 - الجمعة 1 تمّوز 2011 ( ارحل ) /هنا كان لأول مرة يظهر الشعار المطالب بالرحيل و إسقاط النظام /
17 - الجمعة 8 تموز 2011 ( لا للحوار )
18 - الجمعة 15 تمّوز 2011 ( أسرى الحريّة )
19 - الجمعة 22 تموز 2011 (أحفاد خالد)
20 - الجمعة 29 تمّوز 2011 (صمتكم يقتلنا)
21 - الجمعة 5 آب (اللهمعنا)
22 - الجمعة 12 آب 2011 ( لن نركع )
23 - الجمعة 19 آب 2011 (بشائرالنصر)
24 - الجمعة 26 آب 2011 (الصبروالثبات)
25 - الجمعة 2 أيلول 2011 (الموت ولاالمَذلّة)
26 - الجمعة 9 أيلول 2011(الحماية الدولية)
27 - الجمعة 16 أيلول2011( ماضون )
28 - الجمعة 23 أيلول 2011(وحدة المعارضة)
29 - الجمعة 30 أيلول 2011( النصرلشامنا ويمننا )
30 - الجمعة 7 تشرينالأول 2011 (المجلس الوطني يمثّلني )
31 - الجمعة 14 تشرينالأول 2011(أحرارالجيش)
32 - الجمعة 21 تشرينالأول 2011 (شهداء المهلة العربية)
33 - الجمعة 28 تشرينالأول 2011 (الحظرالجوّي)
34 - الجمعة 4 تشرينالثاني 2011(الله أكبر)
35 - الجمعة 11 تشرينالثاني 2011( تجميدالعضوية من الجامعة العربية مطلبنا )
36 - الجمعة 18 تشرينالثاني 2011( جمعة طردالسفراء )
37 - الجمعة25تشرينالثاني 2011 (الجيش الحر يحميني )
38 - الجمعة2 كانونالاول 2011 ( المنطقة العازلة مطلبنا )
39 - الجمعة 9 كانونالاول2011 ( اضراب الكرامة )
40 - الجمعة 16 كانونالاول 2011 ( الجامعة العربية تقتلنا )
41 - الجمعة 23 كانونالاول 2011 ( بروتوكول الموت )
42 - الجمعة 30 كانونالاول 2011 ( الزحف الى ساحات الحرية )

2012

43 - الجمعة 6 كانونالثاني 2012 ( إن تنصرواالله ينصركم )
44 - الجمعة 13 كانونالثاني 2012 ( دعم الجيش السوري الحر)
45 - الجمعة 20 كانونالثاني 2012 ( معتقلي الثورة )
46 - الجمعة 27 كانونالثاني 2012 ( حق الدفاع عن النفس )
47 - الجمعة 3 شباط 2012 ( عذرأً حماة سامحينا )
48 - الجمعة 10 شباط 2012 ( النفيرالعام – روسيا تقتل أطفالنا )
49 - الجمعة 17 شباط 2012 ( المقاومة الشعبية )
50 - الجمعة 24 شباط 2012 ( سننتفض لأجلك باباعمرو )
51 - الجمعة 2 آذار 2012 ( تسليح الجيش الحر)
52 - الجمعة 9 آذار 2012 ( ذكرى الانتفاضة الكردية)
53- الجمعة 16/3/2012 جمعة التدخل العسكري الفوري
54- الجمعة 23/3/2012 جمعة قادمون يادمشق
55- الجمعة 30/3/2012 جمعة خذلنا العرب والمسلمون
56- الجمعة 6/4/201 جمعة من جهزغازيا ًفقدغزا
57- الجمعة 13/4/2012 جمعة ثورة لكل السوريين
58- الجمعة 20/4/2012 جمعة سننتصرويهزم الاسد
59- الجمعة 27/4/2012 جمعة اتى امرالله فلاتستعجلوه
60- الجمعة 4/5/2012 جمعة اخلاصنا خلاصنا
61- الجمعة 11/5/2012 جمعة نصرمن الله وفتح قريب
62- الجمعة 18/5/2012 جمعة ابطال جامعة حلب
63- الجمعة 25/5/2012 جمعة دمشق موعدنا القريب
64- الجمعة 1/6/2012 جمعة أطفال الحولة...مشاعل النصر
65- الجمعة 8/6/2012 جمعة ثوار وتجار يدا بيد حتى الانتصار
66- الجمعة 15/6/2012جمعة الاستعداد التام للنفيرالعام .. روسيا عدوة الشعب السوري
67- الجمعة 22/6/2012 جمعة إذاكان الحكام متخاذلين ... فأين الشعوب؟؟؟
68- الجمعة 29/6/2012 جمعة واثقون بنصرالله
69- الجمعة 6/7/2012 جمعة حرب التحريرالشعبية
70- الجمعة 13/7/2012 ( جمعة الغضب لشهداء التريمسة )
71- الجمعة 20/7/2012 جمعة رمضان النصر سيكتب في دمشق
73- الجمعة 27/7/2012جمعة انتفاضة العاصمتين
74- الجمعة 3/8/2012جمعة ديرالزورالنصر قادم من الشرق
75- الجمعة 10/8/2012جمعة سلحونا بمضادات الطيران
76- الجمعة 17/8/2012جمعة بوحدة جيشنا الحريتحقق النصر
77- الجمعة 24/8/2012جمعة لاتحزني درعا إن الله معنا
78- الجمعة 31/8/2012جمعةالوفاء لطرابلس الشام وأحرارلبنان
79- الجمعة 7/9/2012 جمعة حمص المحاصرة تناديكم
80- الجمعة 14/9/2012 جمعة إدلب مقبرة الطائرات ورمزالانتصارات
81- الجمعة 21/9/2012جمعة أحباب رسول الله في سوريا يذبحون
82- الجمعة 28/9/2012 جمعة توحيد كتائب الجيش الحر
83- الجمعة 5/10/2012جمعة نريد سلاحا ًلاتصريحات
84- الجمعة 12/10/2012جمعة أحرارالساحل يصنعون النصر
85- الجمعة 19/10/2012جمعة أمريكا ألم يشبع حقدك من دمائنا
86- الجمعة 26/10/2012 جمعةالله أكبر نصرعبده وأعزّ جنده وهزم الاحزاب وحده
87- الجمعة 2/11/2012جمعة داريا أخوة العنب والدم
88- الجمعة 9/11/2012جمعة آن أوان الزحف إلى دمشق
89- الجمعة 16/11/2012جمعة دعم الائتلاف الوطني
90- الجمعة 23/11/2012جمعة اقتربت الساعة وآن الانتصار
91- الجمعة 30/11/2012جمعة ريف الشام أصابع النصرفوق القصر
92- الجمعة 7/12/2012 جمعة لا القوات حفظالسلام على أرض الشام
93- الجمعة 14/12/2012 جمعة لاإرهاب في سوريا إلاإرهاب الأسد (بمناسبة قرار الإدارة الأميركية باعتبار أن جبهة النصرة إرهابية )
94- الجمعة 21/12/2012 جمعة جمعة النصر انكتب عَبوابك ياحلب
95- الجمعة 28/12/2012جمعة خبزالدم

2013

96- الجمعة 4/1/2013جمعة حمص تنادي الأحرارلفك الحصار
97- الجمعة 11/1/2013جمعة مخيمات الموت
98- الجمعة 18/1/2013 جمعة جامعة الثورة .. هندسة الشهادة
99- الجمعة 25/1/2013 جمعة قائدنا للأبد سيدنا محمد
100- الجمعة 1/2/2013 جمعة المجتمع الدولي شريك الأسد في مجازره
101- الجمعة 8/2/2013جمعة واعتصموا بحبل الله جميعاً
102- الجمعة 15/2/2013جمعة وكفى بالله نصيرا
103- الجمعة 22/2/2013 جمعة الرقة الأبية على طريق الحرية
104- الجمعة 1/3/2013جمعة أمة واحدة راية واحد ة حرب واحدة
105- الجمعة 8/3/2013جمعة لن تمر دولتكم الطائفية
106- الجمعة 15/3/2013جمعة عامان على الكفاح ونصرثورتنا قدلاح

118- الجمعة 22/3/2013جمعة أسلحتكم الكيميائية لن توقف مدّ الحرية
119- الجمعة 29/3/2013جمعة وبشرالصّابرين.

ريما خلف
ريما خلف، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، إسيكوا، قدمت إستقالتها إلى انطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، على خلفية ضغوطات سياسية مارستها دول عدة، منها أمريكا بالتأكيد، من أجل سحب تقرير اللجنة المذكورة والمتعلق بممارسة إسرائيل نظام الأبارتهايد ضد الفلسطينيين.
ليست المرة الأولى التي تمارس الضغوط السياسية من أجل سحب تقارير تدين أسرائيل، أو دول أخرى، السعودية قبل عدة أشهر، بل ان هذه الضغوط تتواصل، كلما تعرضت دولة من الدول المحيمية أمريكيا إلى الإدانة، أو قُدمت الأدلة التي تثبت خروقاتها وإنتهاكاتها ضد البشر من فلسطينيين ويمنيين.....الخ. التقرير المكون من ست صفحات، المعنون، " الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري (الأبارتايد)، شكل فضيحة للدولة، إسرائيل، التي يتم تصديرها كدولة ديمقراطية نموذجية في شرق أوسط ملتبس ويعيش على وقائع جمر الحروب والتدمير الممنهج بشكل متواصل. وإدانة فاضحة لكل الذين يروجون للعنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ويدعون لتسليم العديد من الدول العربية، سوريا والعراق، على سبيل المثال، إلى هذه الدولة الفاشية، للاستفادة من خبرتها، وتجربتها الديمقراطية!.
نص إستقالة ريما خلف، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، إيسكوا
حضرة الأمين العام،
لقد فكرت مليا في الرسالة التي بعثتها لي من خلال مديرة ديوانك. وأؤكد أنني لم أشكك للحظة في حقك بإصدار تعليماتك بسحب التقرير من موقع الإسكوا الالكتروني، كما لم أشكك في أن علينا جميعا كموظفين لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة أن ننفذ تعليمات أمينها العام. وأنا أعرف على وجه اليقين التزامك بمبادئ حقوق الإنسان عامة وموقفك إزاء حقوق الشعب الفلسطيني خاصة. وأنا أتفهم كذلك القلق الذي ينتابك بسبب هذه الأيام الصعبة والتي لا تترك لك خيارات كثيرة.
وليس خافياً علي ما تتعرض له الأمم المتحدة، وما تتعرض له أنت شخصياً، من ضغوط وتهديدات على يد دول من ذوات السطوة والنفوذ، بسبب إصدار تقرير الإسكوا (الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبارتايد). وأنا لا أستغرب أن تلجأ هذه الدول، التي تديرها اليوم حكومات قليلة الاكتراث بالقيم الدولية وحقوق الإنسان، إلى أساليب التخويف والتهديد حين تعجز عن الدفاع عن سياساتها وممارساتها المنتهكة للقانون. وبديهي أن يهاجم المجرم من يدافعون عن قضايا ضحاياه. لكنني أجد نفسي غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط.
لا بصفتي موظفةً دوليةً، بل بصفتي إنساناً سوياً فحسب، أؤمن –شأني في ذلك شأنك-بالقيم والمبادئ الإنسانية السامية التي طالما شكلت قوى الخير في التاريخ، والتي أُسست عليها منظمتنا هذه، الأمم المتحدة. وأؤمن مثلك أيضاً بأن التمييز ضد أي إنسان على أساس الدين أو لون البشرة أو الجنس أو العرق أمر غير مقبول، ولا يمكن أن يصبح مقبولاً بفعل الحسابات السياسية أو سلطان القوة. وأؤمن أن قول كلمة الحق في وجه جائر متسلط، ليس حقاً للناس فحسب، بل هو واجب عليهم.
في فترة لا تتجاوز الشهرين، وجهت لي تعليمات بسحب تقريرين أصدرتهما الإسكوا، لا لشوائبَ تعيب المضمون ولا بالضرورة لأنك تختلف مع هذا المضمون، بل بسبب الضغوطات السياسية لدول مسؤولة عن انتهاكات صارخة لحقوق شعوب المنطقة ولحقوق الإنسان عموماً.
لقد رأيتَ رأي العين كيف أن أهل هذه المنطقة يمرون بمرحلة من المعاناة والألم غير مسبوقة في تاريخهم الحديث؛ وإن طوفان الكوارث الذي يعمهم اليوم لم يكن إلا نتيجة لسيل من المظالم، تم التغاضي عنها، أو التغطية عليها، أو المساهمة المعلنة فيها من قبل حكومات ذات هيمنة وتجبر، من المنطقة ومن خارجها. إن هذه الحكومات ذاتها هي التي تضغط عليك اليوم لتكتم صوت الحق والدعوة للعدل الماثلة في هذا التقرير.
واضعةً في الاعتبار كل ما سبق، لا يسعني إلا أن أؤكد على إصراري على استنتاجات تقرير الإسكوا القائلة بأن إسرائيل قد أسست نظام فصل عنصري، أبارتايد، يهدف إلى تسلط جماعة عرقية على أخرى.
إن الأدلة التي يقدمها التقرير قاطعة، وتكفيني هنا الإشارة إلى أن أياً ممن هاجموا التقرير لم يمسوا محتواه بكلمة واحدة. وإني أرى واجبي أن أسلط الضوء على الحقيقة لا أن أتستر عليها وأكتم الشهادة والدليل. والحقيقة المؤلمة هي أن نظام فصل عنصري، أبارتايد، ما زال قائما في القرن الحادي والعشرين، وهذا أمر لا يمكن قبوله في أي قانون، ولا أن يبرر أخلاقياً بأي شكل من الأشكال.
وإنني في قولي هذا لا أدعي لنفسي أخلاقاً أسمى من أخلاقك أو نظرا أثقب من نظرك، غاية الأمر أن موقفي هذا قد يكون نتيجة لعمر كامل قضيته هنا، في هذه المنطقة، شاهدة على العواقب الوخيمة لكبت الناس ومنعهم من التعبير عن مظالمهم بالوسائل السلمية.
وعليه، وبعد إمعان النظر في الأمر، أدركت أنني أنا أيضاً لا خيار لي.

أنا لا أستطيع أن أسحب، مرة أخرى، تقريراً للأمم المتحدة، ممتازَ البحثِ والتوثيقِ، عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. غير أنني أدرك أيضاً، أن التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بد من أن تنفذ. ولذلك، فإن هذه العقدة لا تحل إلا بأن أتنحى جانباً وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به. وإنني أدرك أنه لم يبق لي في الخدمة غير أسبوعين، لذلك فاستقالتي هذه لا تهدف إلى الضغط السياسي عليك. إنما أستقيل، ببساطة، لأنني أرى أن واجبي تجاه الشعوب التي نعمل لها، وتجاه الأمم المتحدة، وتجاه نفسي، ألا أكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة تسبب كل هذه المعاناة لكل هذه الأعداد من البشر.
وبناء عليه، أقدم إليك استقالتي من الأمم المتحدة.

دمشق
مظفر النواب
شقيقة بغداد اللدودة، ومصيدة بيروت، حسد القاهرة، وحلم عمان، ضمير مكة، غيرة قرطبة، مقلة القدس، مغناج المدن وعكاز تاريخ لخليفة هرم.
......
إنها دمشق، امرأة بسبعة مستحيلات، وخمسة أسماء وعشرة ألقاب، مثوى ألف ولي، ومدرسة عشرين نبياً، وفكرة خمسة عشر إلهاً خرافياً لحضارات شنقت نفسها على أبوابها.
.....
إنها دمشق الأقدم والأيتم، ملتقى الحلم ونهايته، بداية الفتح وقوافله، شرود القصيدة ومصيدة الشعراء.
من على شرفتها أطل هشام ليغازل غيمة أموية عابرة، (أنى تهطلي خيرك لي) بعد أن فرغ من إرواء غوطتها بالدم، ومنها طار صقر قريش حالماً، ليدفن تحت بلاطه في جبال البرينيه.
.....
إنها دمشق التي تحملت الجميع، متقاعسين وحالمين، صغار كسبة وثوريين، عابرين ومقيمين، مدمني عضها، مقلمي أظفارها وخائبين وملوثين، طهرانيين وشهوانيين...
رضعت حتى جف بردى، فسارعت بدمها، بشجرها وظلالها، ولما نفقت الغوطة، أسلمت قاسيونها (شامتها الأثيرة) يلعقونه، يتسلقونه، يطلون منه على جسدها، ويدعون كل السفلة ليأخذوا حصتهم من براءتها، حتى باتت هذه مهنة من يحبها ومن لا يقوى على ذلك. لكنها دمشق تعود فتية كلما شرق نقي عظامها.
إنها دمشق ايها العرب العاربة والمستعربة، قبلة سياحكم، ومحط مطيكم، تمنح لقب الشيخ لكل من لبس صندلا واعتمر دشداشة، ولا تعترف إلا بشيخها محي الدين بن عربي. هو من لم تتسع له الأرض، حضنته دمشق تحت ثديها وألبسته حياً من أحيائها، فغنى لها «كل ما لا يؤنث لا يعول عليه».
.....
إنها دمشق لا تعبأ باثنين: الجلادين والضحايا، تؤرشفهم وتعيدهم بعد لأي على شكل منمنمات تزين بها جدرانها أو أخباراً في صفحات كتبها، فيتململ ابن عساكر قليلاً يغسل يديه ويتوضأ لوجه الله ويشرع بتغطيس الريشة في المحبرة، لا ليكتب بل ليمرر الحبر على حروف دمشق المنجمة في كتابها. دمشق التي تتقن كل اللغات ولا أحد يفهم عليها إلا الله جل شأنه وملائكة عرشه.
دمر هولاكو بغداد وصار مسلما في دمشق. حرر صلاح الدين القدس وطاب موتاً في دمشق. قدم لها الحسين ابن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم كي ترضى دمشق. وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمسة فراسخ ودفلى على طريقة دمشق. إنها دمشق لا تحب أحداً، ولا تعبأ بكارهيها، متغاوية ووقحة. تركت عشاقها خارجا بقسوة نادرة كي لا ينسفح كثير من دمهم، وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا فجأة وإذ بهم عالقون تحت أظافرها.
.....
لديها من الغبار ما يكفي لتقص أثر من سرقها فتحيله متذرذراً على جسدها.
لديها من العشاق ما يكفي حبر العالم، ومن الأزرق ما يكفي لتغرق القارات الخمس.
لديها من المآذن ما يكفي ليتنفس ملحدوها عبق الملائكة، ومن المداخن ما يكفي «لتشحير» وجه الكون.
ولديها من الوقت ما يكفي لترتب قبلة مع مذنب عابر، ومن الشهوة ما يدعو نحل الكون لرحيقها.
لديها من الصبر ما يكفي لتنتشي بهزة أرضية، ومن الأحذية و«الشحاحيط» المعلقة في سوق الحميدية ما يكفي للاحتفال بخمسين دكتاتوراً.
لديها من الحبال ما يكفي لنشر الغسيل الوسخ للعالم أجمع، ومن الشرفات ما يكفي سكان آسيا ليحتسوا قهوتهم ويدخنوا سجائرهم على مهل.
لديها من القبل ما يكفي كل حرمان المجذومين، ومن الصراخ ما يكفي ضحايا نكازاكي وهيروشيما.
لديها من النهايات ما يكفي ثمانين ألف رواية، ومن الأجنة ما يكفي لتشغيل الحروب القادمة.
لديها شعراء بعدد شرطة السير، وقصائد بعدد مخالفات التموين، ونساء بكل ألوان الطيف وما فوق وتحت البنفسجي والأحمر.
.....
لا فضول لدمشق، لا تريد أن تعرف ولا أن تسرع الخطى. ثابتة على هيئة لغز، الكل يلهث، يرمح، يسبح، وهي تنتظرهم هناك إلى حيث سيصلون.
.....
دمشق هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا تقبل القسمة على اثنين. في أرقى أحيائها تسمع وجع «الطبالة»، وفي ظلمة «حجرها الأسود» يتسلق كشاشو الحمام كتف قاسيون ليصطادوا حمامة شاردة من «المهاجرين».
دمشق لا تقسم إلى محورين. فليست كبيروت غربية وشرقية، ولا كما القاهرة أهلي وزملكاوي ولا كما باريس ديغول وفيشي، ولا هي مثل لندن شرق وغرب نهر التايمز، ولا كمدن الخليج العربي مواطنين ووافدين، ولن تكون كعمان فدائيين وأردنيين، ولا كبغداد منطقة خضراء واخرى بلون الدم...
دمشق مكان واحد، فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية، وإذا أقفل باب مصلى فلديك مفاتيح باب السريجة، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، فستدلك عليه «كنيسة السيدة».
لا تتعب نفسك مع دمشق ولا تحتار، فهي تسخر من كل من يدعي أنه يحميها ومن يهدد بترويضها، فتود أن تعانقها أو تهرب منها، تلتقط لها صورة أو تحمضها كلها، تود أن تدخلها فاتحاً أو سائحاً، مدافعا أو ضحية، ماحياً أو متذكراً كل شيء دفعة واحدة.
فتخرج سيجارة «حمرا» طويلة تشعلها بخمسة أعواد كبريت ماركة «الفرس»، وتقول جملة واحدة للجميع: إنها دمشق.
-----------------------------------------------------------------
ماركسيات:

كتبه: فريديريك انغلز أكتوبر–نوفمبر 1847
نسخ الكتروني: وجدي حمدي (مارس 2001)
________________________________________
1. فريدريك انجلز
أوكتوبر – نوفمبر 1847
2. ما هي الشيوعية ؟
الشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا.
2. ما هي البروليتاريا ؟
البروليتاريا هي الطبقة التي – من بين كل طبقات المجتمع – تعيش كليا من بيع عملها فقط، لا من أرباح أي نوع من أنواع رأس المال. ولا تتوقف معيشتها بل وجودها ذاته، على مدى حاجة المجتمع إلى عملها، أي أنها رهينة فترات الأزمة والازدهار الصناعي وتقلبات المنافسة الجامحة. بإيجاز إن البروليتاريا هي الطبقة الكادحة لعصرنا الراهن.
3. هل وجدت البروليتاريا منذ القدم ؟
كلا. لقد وجدت دائما طبقات فقيرة كادحة بل إن الطبقات الكادحة كانت في أغلب الأحيان فقيرة. أما الفقراء والعمال الذين يعيشون في ظروف كالتي أشرنا إليها سابقا – أي البروليتاري – فهم لم يكونوا موجودين في كل الأزمنة. كما لم تكن المنافسة حرة وبلا أي حدود.
4. كيف ظهرت البروليتاريا ؟
لقد نشأت البروليتاريا في إنجلترا خلال النصف الثاني من القرن الماضي (الثامن عشر) على إثر الثورة الصناعية التي قامت منذ ذلك الحين في جميع البلدان المتحضرة في العالم.

كان الحافز لهذه الثورة الصناعية هو اختراع الآلة البخارية ومختلف أنواع آلات الغزل والأنوال الآلية وعددا كبيرا من الأجهزة الميكانيكية الأخرى، التي بحكم ثمنها الباهض لم يكن قادرا على شرائها سوى كبار الرأسماليين، مما أدى إلى تغيير شامل لنمط الإنتاج السابق وإلى إزاحة الحرفيين القدامى نظرا لأن هذه الآلات أصبحت تنتج سلعا أفضل وأرخص من تلك التي أنتجها أولائك الحرفيين بأنوالهم اليدوية وأدواتهم البدائية.

وهذا ما يفسر كيف أدى دخول الآلة على النشاط الصناعي برمته إلى تحويله بين أيدي كبار الرأسماليين وإلى إفقاد الملكية الحرفية الصغيرة (أنوال، أدوات عمل...) كل ما لها قيمة، مما مكّن الرأسماليين من السيطرة على كل شيء في حين فقد العمال كل شيء.

ولقد أدخل نظام المانيفاكتورة – أول الأمر – في صناعة النسيج والملابس ثم ما أن كانت الانطلاقة الأولى لهذا النظام حتى انتشر سريعا ليشمل سائر الفروع الصناعية كالطباعة وصناعة الخزف والمعادن وأصبح العمل مقسما أكثر فأكثر بين مختلف فئات العمال، بحيث أن العامل الذي كان في السابق ينجز عمله كاملا صار لا يؤدي إلا جزءا فقط من هذا العمل. وقد سمح تقسيم العمل هذا بإنتاج سلع على نحو أسرع وبالتالي بكلفة أقل و صار دور العامل مقتصرا على أداء حركة آلية جدُّ بسيطة ومكررة باستمرار تستطيع الآلة أداءها ليس فقط بنفس الجودة بل بأفضل منها.

وسرعان ما سيطرت المكننة والصناعة الكبيرة على جميع فروع الإنتاج الواحد تلو الآخر تماما مثلما حصل بالنسبة للغزل والنسيج وهكذا وقعت كل الفروع الصناعية بين أيدي كبار الرأسماليين وفقد العمّال بذلك هامش الحرية الذي كانوا يتمتعون به سابقا. وزيادة عن المانيفاكتورة ذاتها وقعت الأنشطة الحرفية شيئا فشيئا تحت سيطرة الصناعة الكبيرة، إذ تمكن كبار الرأسماليين من إزاحة المنتجين الصغار المستقلين وذلك بإنشاء الورشات الكبرى حيث المصاريف العامة أقل وإمكانية تقسيم العمل أوفر. وهذا ما يفسر الإفلاس المتزايد من يوم لآخر للطبقة الحرفية الوسطى والتغيير الشامل في وضعية العمال ونشوء طبقتين جديدتين سرعان ما انصهرت فيها بقية الطبقات شيئا فشيئا ألا وهي:

– طبقة كبار الرأسماليين الذين يحتكرون في كل البلدان المتحضرة ملكية وسائل العيش والمواد الأولية وأدوات العمل (الآلات والمصانع) اللازمة لإنتاج وسائل العيش. إنها طبقة البرجوازيين أو البرجوازية.

– طبقة الذين لا يملكون شيئا والمضطرين إلى بيع عملهم للبرجوازيين مقابل الحصول على الضروريات لإبقائهم على قيد الحياة. إنها طبقة البروليتاريا أو البروليتارييون.
5. ما هي الظروف التي يبيع فيها البروليتارييون عملهم للبرجوازية ؟
إن العمل سلعة كغيرها من السلع وبالتالي يتحدد سعرها على أساس نفس القوانين المعمول بها بالنسبة لأية سلعة أخرى. وفي ظل سيادة الصناعة الكبرى أو المنافسة الحرة (مما يعني نفس الشيء كما سنبين فيما بعد) يساوي سعر أي بضاعة ما – دائما – ما يعادل كلفة إنتاجها. وبالتالي يكون سعر العمل هو أيضا مساو لكلفة إنتاج العمل. لكن كلفة إنتاج العمل تتمثل في كمية وسائل العيش الضرورية لجعل العامل قادرا على استئناف ومواصلة عمله ولإبقاء الطبقة العاملة بصفة عامة على قيد الحياة. فالعامل إذن لا يتقاضى مقابل عمله سوى الحد الأدنى الضروري لتأمين تلك الغاية. وهكذا يكون سعر العمل – أو الأجر – هو الحد الأدنى الضروري لإبقاء العامل على قيد الحياة. وبما أن الأحوال الاقتصادية قد تسوء تارة وتزدهر تارة أخرى فإن العامل يتقاضى مقابل عمله أقل أو أكثر حسب تلك الأحوال، تماما مثلما يتقاضى الرأسمالي مقابل بيع سلعة ثمنها قد يرتفع أو ينخفض حسب الأحوال الاقتصادية.

وهكذا، كما يتقاضى الرأسمالي – إذا عادلنا بين ازدهار الأحوال و كساده – ما يساوي كلفة الإنتاج لا أكثر ولا أقل، فإن العامل لن يتقاضى كذلك أكثر أو أقل من الحد الأدنى لإبقائه على قيد الحياة. ومع تغلغل التصنيع الكبير في جميع فروع الإنتاج، يتعاظم التطبيق الصارم لهذا القانون الاقتصادي للأجور.
6. ما هي الطبقات الكادحة التي وجدت قبل الثورة الصناعية ؟
عرفت الطبقات الكادحة مختلف الظروف واحتلت مواقع متباينة في مواجهة الطبقات المالكة والمسيطرة وذلك لاختلاف مراحل تطور المجتمع. وقديما كان الكادحون عبيدا للمالكين مثلما يزال الحال في عدد كبير من البلدان المتخلفة وحتى في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي القرون الوسطى كان الكادحون هم الأقنان الذين تملكهم الأرستقراطية العقارية كما هو حتى الآن في المجر وبولونيا وروسيا. وعرفت المدن طوال القرون الوسطى وحتى قيام الثورة الصناعية ما يسمى بـ "الصناع" الذين يعملون تحت إمرة حرفيين بورجوازيين صغار. ومع تطور المانيفاكتورة، برز شيئا فشيئا العمال الذين أصبحوا يشتغلون فيما بعد لدى كبار الرأسماليين.
7. بما يتميز البروليتاري عن العبد ؟
في حين يُباع العبد دفعة واحدة، يتعين على البروليتاري أن يبيع نفسه كل يوم، بل كل ساعة. والعبد بمفرده هو على ملك سيّد واحد تقتضي مصلحته ذاتها أن تكون معيشة عبده مضمونة مهما كانت يائسة وحقيرة. أما البروليتاري بمفرده فهو تحت تصرف الطبقة البرجوازية بأسرها إن صح التعبير. فمعيشته ليست مؤمَّنة لأن عمله لا يتم شراؤه إلا عندما تكون ثمة حاجة إلى ذلك. وهكذا لا يكون وجود الطبقة العاملة مضمونا و مؤمَّنا إلا بصفتها طبقة بمجملها. في حين لا يعرف النظام العبودي المنافسة، يوجد البروليتاري في صميمها. وهو بالتالي يعاني من كل تقلباتها. وبينما يُنظر إلى العبد كبقية الأشياء، لا كعضو في المجتمع المدني، يُعتبر العامل كائنا بشريا وعضوا في المجتمع. لذا قد يكون للعبد عيشة أفضل من العامل لكن هذا الأخير ينتمي إلى مرحلة أرقى من مراحل تطور المجتمع ويجد نفسه بالتالي في منزلة أرقى بكثير من منزلة العبد.

ويتم تحرير العبيد بمجرد القضاء على علاقة واحدة فقط: ألا وهي العلاقة العبودية من بين جميع علاقات الملكية الخاصة مما يسمح له بالتحول إلى أكثر من عامل. أما البروليتاري نفسه فإنه لن يحرر إلا بالقضاء على الملكية الخاصة بوجه عام.
8. بماذا يتميز البروليتاري عن القن ؟
يتمتع القن بأدوات إنتاج وقطعة أرض صغيرة مقابل تسليم "سيده" حصة من محصوله أو القيام ببعض الأعمال المعينة بينما يشتغل البروليتاري بأدوات إنتاج هي على ملك شخص آخر ولحساب نفس ذلك الشخص ومقابل حصة معينة من الإنتاج. فالقن يعطي والبروليتاري يأخذ. معيشة القن مؤمَّنة، في حين ليس للعامل أي ضمان في معيشته. القن يوجد خارج علاقات المنافسة، أما البروليتاري فإنه يقع في صميمها. ويمكن للقن أن يتحرر:

– إما باللجوء إلى المدن متحولا فيها إلى حرفي.
– إما بتقديم المال لسيده عوضا عن المحصول والعمل المطالب بهما متحولا بذلك إلى مزارع حر.
– أو بطرد سيده الإقطاعي متحولا هو نفسه إلى ملاك إقطاعي.

وبإيجاز يصبح القن منتميا إلى الطبقة المالكة ومنخرطا في دائرة المنافسة، في حين ليس للبروليتاري من أمل في التحرر إلا بالقضاء على المنافسة ذاتها والملكية الخاصة وجميع الفوارق الطبقية.
9. بماذا يتميز البروليتاري عن الحرفي ؟
في الورشات الحرفية القديمة، لم يكن الحرفي الشاب أكثر من عامل مأجور حتى بعد أن ينهي فترة تدريبه. لكنه يتحول بدوره إلى معلم بعد عدد معين من السنوات. هذا في حين أن البروليتاري يبقى عاملا مأجورا طوال حياته. الحرفي قبل أن يصبح معلما يكون زميلا للمعلم يعيش في بيته ويأكل على مائدته. أما العلاقة الوحيدة بين البروليتاري والرأسمالي فهي مجرد علاقة مالية. الصانع في الورشة الحرفية ينتمي للفئة الاجتماعية ذاتها التي ينتمي إليها معلمه ويشاركه عاداته وتقاليده، بينما البروليتاري يفصله عن الرأسمالي عالم كامل من التمايزات الطبقية. إنه يعيش في بيئة أخرى ويتبع نمط حياة يختلف جذريا عن نمط حياة الرأسمالي وتختلف مفاهيمه عن مفاهيم الرأسمالي. ثم إن الحرفي يستخدم في عمله أدوات تكون عادة على ملكه أو يسهل عليه امتلاكها إن شاء ذلك، أما البروليتاري فهو يشتغل بآلة أو جزء من آلة ليست ملكا له ويستحيل عليه امتلاكها. الحرفي ينتج بضاعة كاملة في معظم الأحيان وتلعب مهارته في استخدام أدواته دائما الدور الحاسم في إنتاج هذه البضاعة، أما البروليتاري فهو لا ينتج في أغلب الأحيان سوى جزء صغير من آلة أو جهاز، أو يساهم فقط في أداء عملية جزئية من مجمل العمل اللازم لإنتاج هذا الجزء، وتأتي مهارته الشخصية في المرتبة الثانية بعد عمل الآلة. وغالبا ما تكون الآلة – على كل حال – أجدى منه من حيث كمية المنتجات أو تركيبها.

الحرفي – تماما مثل معلمه – محميّ من المنافسة طوال أجيال عبر القيود الحرفية والأعراف السائدة، بينما العامل مضطر إلى التضامن مع زملائه أو الالتجاء للقانون حتى لا تسحقه المنافسة. ذلك أن الفائض في اليد العاملة يسحق العامل لا سيده الرأسمالي. الحرفي – مثله مثل معلمه – كائن محدود، ضيق الأفق، خاضع للعصبية الفئوية وعدو لكل ما هو جديد، بينما العامل في المقابل مضطر لأن يضع نصب عينيه في كل لحظة التعارض الكبير بين مصالح طبقته ومصالح الطبقة الرأسمالية. عند العامل، يحل الوعي محل العصبية الفئوية فيدرك أن تحسين أحوال طبقته لا يتم إلا بتقدم المجتمع بأسره. الحرفي – في نهاية الأمر – محافظ ورجعي حتى عندما يتمرد بينما العامل مجبر باطراد على أن يكون ثوريا. إن أول تقدم اجتماعي تمرّد عليه الحرفيون هو بروز نظام المانفكتورة، الذي يتمثل في إخضاع الحرفة – بما فيها المعلم والصانع – لرأس المال المرابي (المركنتلي) الذي انقسم فيما بعد إلى رأس مال تجاري ورأس مال صناعي.
10. بماذا يتميز العامل عن عامل المانيفاكتورة ؟
كان عامل المانفكتورة منذ القرن الثامن عشر لا يزال يملك أدوات عمله: نول الحياكة ومغزله العائلي وحقل صغير يزرعه أثناء أوقات فراغه. أما العامل فلم يكن يملك أي شيء من ذلك. ويعيش عامل المانيفاكتورة بصفة دائمة تقريبا في الريف ويرتبط بعلاقات أبوية مع الملاك الإقطاعي و صاحب العمل، بينما يعيش العامل في المدن الكبرى ولا تربطه بالرأسمالي سوى علاقة مالية صرفة. وتقوم الصناعات الكبرى بانتزاع العامل المانيفاكتوري من علاقته الأبوية فيخسر ما تبقى له من ملكية صغيرة متحولا بذلك إلى عامل.
11. ما هي النتائج المباشرة لقيام الثورة الصناعية ولانقسام المجتمع إلى برجوازيين وبروليتاريين ؟
أولا: لقد تم القضاء نهائيا على نظام المانيفاكتورة القديم وعلى التصنيع المعتمد على العمل اليدوي بسبب انخفاض ثمن المنتوجات الصناعية في جميع البلدان الناتج عن إدخال المكننة. كما انتزعت بعنف من عزلتها جميع البلدان شبه الهمجية حيث كان التصنيع مرتكزا على نظام المانيفاكتورة بعد أن ظلت حتى ذلك الحين على هامش التطور التاريخي، و راحت تشتري البضائع الإنجليزية الأرخص ثمنا تاركة بذلك عمّال المانيفاكتورات المحليين يموتون جوعا. وهكذا عرفت عدة بلدان لم تحقق أي تقدم منذ قرون، تحولات شاملة مثلما هو الشأن بالنسبة للهند. حتى أن الصين نفسها توجد الآن على عتبة تحول ثوري شامل.

وهكذا يؤدي اختراع آلة جديدة في إنجلترا بملايين العمال الصينيين إلى حافة المجاعة في غضون بضع سنوات. وبهذه الطريقة، ربطت الصناعة الكبرى جميع شعوب الأرض فيما بينها وحوّلت الأسواق المحلية إلى سوق عالمية واسعة ومهدت السبيل في كل مكان للتقدم والحضارة بحيث أصبح لكل ما يحدث في البلدان المتحضرة انعكاسات حتمية على جميع البلدان. فإذا تحرر العمّال في إنجلترا أو فرنسا فإن ذلك سوف يجر بالضرورة إلى اندلاع ثورات تؤدي إن آجلا أو عاجلا إلى تحرير العمال في البلدان الأخرى.

ثانيا: وقد أدى قيام الثورة الصناعية أينما حلّت الصناعة الكبرى محل الإنتاج المانيفاكتوري، إلى نمو منقطع النظير للطبقة البرجوازية و ثرواتها ونفوذها مما جعل منها الطبقة الأولى في المجتمع. وحيثما حدث ذلك، استولت البرجوازية على السلطة السياسية وكذلك أزاحت الطبقات التي كانت سائدة آنذاك الأرستقراطية وأمناء الحرفيين والحكم الفردي المطلق الذي كان يمثّل هاتين الطبقتين.

لقد قضت البرجوازية على نفوذ الأرستقراطية والنبلاء وذلك بإلغاء الأوقاف (أو ما يسمى بحق الإبن الأكبر) وجميع الامتيازات الإقطاعية. كما حطّمت سلطة البرجوازيين الصغار بالمدن عندما قامت بإلغاء كل التجمعات الحرفية وجميع امتيازاتها وصلوحياتها، وأحلّت محل ذلك نظام المنافسة الحرة الذي يسمح لكل فرد بأن يتعاطى النشاط الاقتصادي الذي يروق له ولا يمكن أن يُعيقه عن ذلك سوى عدم توفر رأس المال اللازم لهذا الغرض.

وهكذا كان إدخال المنافسة الحرة بمثابة الإعلان الرسمي بأن أفراد المجتمع ليسوا متفاوتين إلا بنسبة تفاوت رساميلهم وأصبح الرأسمال هو القوة الحاسمة والمحددة وبالتالي أصبح الرأسماليون البرجوازيون هم الطبقة الأولى في المجتمع.

ولكن بقيت المنافسة الحرة ضرورية، أول الأمر، لتطوير الصناعة الكبيرة بما أنها النظام الوحيد الذي يسمح لها بالنمو.

وما إن غدت البرجوازية الطبقة الأولى على الصعيد الاقتصادي حتى أعلنت كذلك أولويتها على الصعيد السياسي. وقد تم لها ذلك بواسطة إدخال النظام التمثيلي القائم على أساس المساواة البرجوازية أمام القانون و الاعتراف بشرعية المنافسة الحرة. وهذا ما وقع إقراره في البلدان الأوروبية في شكل "نظام ملكي دستوري" حيث لا يتمتع بالحق الانتخابي إلا الذين يملكون رأسمال معين أي البرجوازيين وحدهم، وهكذا يرشح الناخبون البرجوازيون نوابا من بينهم يقومون باستخدام حقهم في رفض المصادقة على الضرائب لتنصيب حكومة برجوازية أيضا.

ثالثا: ومثلما سمحت الثورة الصناعية في كل مكان بنمو البرجوازية سمحت أيضا بنمو العمال. وكلما ازدادت البرجوازية غنى ازدادت الطبقة العاملة عددا وبما أن العمال لا يمكن تشكيلهم إلا بواسطة رأس المال وأن هذا الأخير لا يستطيع النمو إلا بتشغيل العمال فإذا تكاثر عدد العمال يزداد بارتباط وثيق مع تراكم رأس المال.

كما أدت الثورة الصناعية أيضا إلى حشد البرجوازيين، تماما مثل العمال، في تجمعات كبيرة يمارس فيها الرأسماليون النشاط الصناعي بمزيد من الفوائد والأرباح، وتمكن العمال، بحكم تمركزها بأعداد هائلة في رقعة محدودة، من أن تدرك مدى قوتها.

ومن ناحية أخرى، كلما تطورت الثورة الصناعية، كلما وقع اختراع المزيد من الآلات الحديثة، الشيء الذي يؤدي إلى الاستغناء أكثر فأكثر عن العمل اليدوي. بحيث تسعى الصناعة الكبيرة – كما بينا سابق – إلى التخفيض من الأجر إلى حده الأدنى متسببة بذلك في تردي أوضاع العمال من سيئ إلى أسوأ. وهكذا تمهد الثورة الصناعية إلى قيام ثورة اجتماعية بقيادة الطبقة العاملة نتيجة تفاقم استياء وتذمر العمال من ناحية، وتعاظم قوتها من ناحية أخرى.
12. ما هي النتائج الأخرى للثورة الصناعية ؟
لقد أوجدت الصناعة الكبرى، عبر الآلة البخارية وغيرها، وسائل زيادة الإنتاج الصناعي بسرعة فائقة وكلفة أقل إلى أقصى الحدود. وسرعان ما اكتسبت المنافسة، التي فرضتها الصناعة الكبرى، طابعا عنيفا جدا. وتهافت عدد ضخم من الرأسماليين على ممارسة النشاط الصناعي ولم يلبث أن أصبح الإنتاج يفوق بكثير ما يمكن استهلاكه. ولم تجد البضائع من يشتريها وتكدست السلع فكانت "الأزمة التجارية" واضطرت المصانع إلى التوقف عن العمل وأعلن الكثير من الصناعيين إفلاسهم ووجد العمال أنفسهم مهددين بالمجاعة وعم البؤس الرهيب كل مكان. وبعد فترة، بيعت كل السلع الزائدة عن الحاجة واستأنفت المصانع نشاطها وارتفعت الأجور شيئا فشيئا وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي، بل أحسن من أي وقت مضى. ولكن لم يدم ذلك طويلا، إذ سرعان ما أنتجت سلع زائدة عن الحاجة وحصلت أزمة جديدة اتخذت مسار سابقتها. وهكذا منذ بداية هذا القرن (التاسع عشر)، تأرجحت باستمرار الأوضاع الاقتصادية بين فترات الازدهار وفترات الأزمة، وبصفة شبه منتظمة، أي كل خمس أو سبع سنوات، تحت أزمة دورية تجلب للعمال البؤس وتنفث فيهم روح الهيحان الثوري العام وتشكل خطرا بالغا على النظام القائم كله.
13. ما هي نتائج الأزمات الاقتصادية الدورية ؟
أولا: إن الصناعة الكبيرة، رغم كونها هي التي ولدت نظام المنافسة الحرة أثناء المرحلة الأولى لنموها، لم يعد يلائمها هذا النظام. ثم إن المزاحمة الحرة، وبصفة عامة ممارسة النشاط الصناعي من قبل مختلف الأفراد، أصبحا يشكلان بالنسبة للصناعة الكبيرة عقبة مطروح عليها تجاوزها. وطالما بقيت الصناعة الكبيرة تمارس على هذا الأساس فإنه لا يمكن لها أن تبقى وتستمر دون أن تؤدي كل خمس أو سبع سنوات إلى حالة من الفوضى العامة تهدد في كل مرة بدمار الحضارة البشرية بأسرها ولا تقتصر فقط على إلقاء ملايين العمال في مهاوي البؤس والشقاء، بل تلقي قسما كبيرا من العمال على حافة الإفلاس والخراب. وهكذا فإما أن تدمر الصناعة الكبيرة نفسها بنفسها – وهذا محال إطلاقا – وإما أن تعمد إلى تركيز تنظيم جديد تماما للمجتمع لا يكون فيه الإنتاج الصناعي موجها لا من قبل بضعة صناعيين قلائل يزاحم بعضهم بعضا بل من طرف المجتمع بأسره وفقا لخطة مرسومة حسب حاجيات كل أفراد المجتمع

ثانيا: إن الصناعة الكبيرة وما تتيحه من إمكانية لا متناهية لتوسيع الإنتاج، تفسح المجال لإحلال نظام اجتماعي سيبلغ فيه إنتاج وسائل العيش حدا يمكّن كل فرد في المجتمع من إمكانية تنمية قدراته ومؤهلاته الخاصة واستخدامها بكل حرية. بحيث أن الصناعة الكبيرة التي عودتنا على خلق الأزمات الاقتصادية ونشر البؤس في المجتمع الراهن، يمكن توظيفها بفضل تنظيم اجتماعي آخر في سبيل إلغاء البؤس وكل الأزمات. ومن هنا يتضح ما يلي:

أ – أن جميع هذه الأمراض اليوم ليس لها من سبب سوى النظام الاجتماعي القائم الذي لم يعد يستجيب لحاجيات المجتمع.
ب – إن وسائل القضاء على جميع هذه الأمراض أصبح الآن متوفرا وذلك بفضل بناء نظام اجتماعي جديد.
14. كيف ينبغي أن يكون هذا النظام الاجتماعي الجديد ؟
ينبغي قبل كل شيء انتزاع المصانع وفروع الإنتاج الأخرى من أيدي الأفراد الخواص المتنافسين فيما بينهم ووضعها تحت إدارة وتسيير المجتمع بأسره. مما يعني أنها ستصبح مسيّرة في خدمة المصلحة العامة طبقا لخطة مشتركة وبمساهمة جميع أفراد المجتمع. وبالتالي يقع القضاء على المنافسة ويستعاض عنها بمبدأ المشاركة والتعاون. ومن ناحية أخرى، فإن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة وعن ممارسة أشخاص منفردين للنشاط الاقتصادي. ذلك أن ممارسة هؤلاء الأشخاص للنشاط الصناعي يفترض بالضرورة وجود الملكية الخاصة، كما أن الملكية الخاصة لا يمكن فصلها عن المنافسة نظرا لكون هذه المنافسة ليست سوى أسلوبا لممارسة نشاط صناعي مفتوح أمام بضعة أشخاص منفردين لإدارته وتسييره وهكذا فلا بد من إلغاء الملكية الخاصة والاستعاضة عنها بالاستخدام الجماعي لكل وسائل الإنتاج وبالتوزيع العادل لكل المنتوج وذلك بمقتضى اتفاق مشترك او ما يسمى بـ "اشتراكية الخيرات". بل إن إلغاء الملكية الخاصة هو التعبير الأوجز والأكثر دلالة عن ذلك التحول الشامل، الذي حتمه التطور الصناعي، في النظام الاجتماعي. ولهذا السبب يعتبر إلغاء الملكية الفردية المطلب الرئيسي بحق لكافة الشيوعيين.
15. أ فلم يكن إلغاء الملكية الخاصة ممكنا في الماضي ؟
كلا. إن كل تحول في علاقات الملكية وكل تغير في النظام الاجتماعي هما النتيجة الضرورية لظهور قوى منتجة جديدة لم تعد تتلاءم مع علاقة الملكية القديمة. إذ هكذا برزت الملكية الفردية للوجود. ذلك أنها لم تكن موجودة منذ بدء التاريخ. وعندما انبثق في أواخر القرون الوسطى نمط جديد للإنتاج في شكل ماينفاكتورة، أخذ ينمو في تناقض تام مع الملكية الإقطاعية والحرفية السائدة آنذاك. وبحكم عدم ملاءمة الإنتاج المانيفاكتوري لعلاقات الملكية القديمة، ولد ذلك شكلا جديدا من أشكال الملكية هي الملكية الخاصة. وفعلا، فبالنسبة للمانيفاكتورة، كما بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل نمو الصناعة الكبرى، لم يكن ثمة من شكل ممكن للملكية غير الملكية الخاصة. كما لم يكن ثمة شكل مجتمعي ممكن غير المجتمع المرتكز أساسا على الملكية الخاصة. وطالما لم يكن بالإمكان إنتاج كمية من البضائع تكفي، لا فقط لسد حاجيات المجتمع، بل لإبقاء فائض معين منها يسمح بتراكم الرأسمال الاجتماعي وبتطوير القوى المنتجة، لا بد أن توجد طبقة مسيطرة تتصرف بالقوى المنتجة وطبقة أخرى فقيرة ومضطهدة. إن تركيبة كل هاتين الطبقتين وطابعهما يتوقفان على درجة تطور الإنتاج. فمجتمع القرون الوسطى، القائم على زراعة الأرض، يعطينا السيد الإقطاعي والقن. وفي نهاية القرون الوسطى تعطينا المدن المعلم الحرفي والصانع والعامل اليومي. ويعطينا القرن السابع عشر صاحب المانيفاكتورة والعامل. والقرن التاسع عشر، الصناعي الكبير (البرجوازي) والبروليتاريا.

وهكذا يتضح أن القوى المنتجة لم تبلغ بعد بما فيه الكفاية درجة من النمو تمكنها من إنتاج ما يكفي الجميع وتجعل من الملكية الخاصة عبئا وعائقا لنموها. أما اليوم:

إثر نمو الصناعة الكبيرة، أنشأت الرساميل وتطورت القوى المنتجة على نحو لم يسبق له مثيل وتوفرت الوسائل الضرورية للزيادة سريعا في القوى المنتجة إلى ما لا نهاية له.
تمركزت القوى المنتجة أكثر فأكثر بين أيدي حفنة من البرجوازيين، بينما يُـقذف بالأغلبية الكبرى من الشعب إلى مصاف العمال التي يغدو وضعها أشد بؤسا وأصعب احتمالا في الوقت الذي تتضاعف فيه ثروات البرجوازيين.

تضاعفت القوى المنتجة بسهولة كبيرة مما جعلها تتجاوز إطار الملكية الخاصة والنظام البرجوازي إلى حد أنها أصبحت تثير بلا انقطاع أعنف الاضطرابات الخطيرة على النظام الاجتماعي. اليوم إذن والحالة تلك، فإن القضاء على الملكية الخاصة لم يعد فقط ممكنا بل أصبح ضروريا على الإطلاق.
16. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة بالطرق السلمية ؟
حبذا لو كان ذلك ممكنا، وسيكون الشيوعيون بالتأكيد هم آخر من يشتكي من ذلك، لأنهم يدركون جيدا أن التآمر مهما كان ليس فقط عديم الجدوى بل ضار أيضا. كما أنهم يعلمون تمام العلم أن الثورات لا تقوم اعتباطا أو على إثر مرسوم، بل إنها كانت في كل مكان وزمان نتيجة حتمية لظروف مستقلة كليا عن إرادة وقيادة الأحزاب وحتى الطبقات بأسرها. ولكن الشيوعيين يرون من جهة أخرى أن نمو الطبقة العاملة يصطدم في جميع البلدان المتحضرة تقريبا بهجمة قمعية شرسة وأن خصوم الشيوعيين أنفسهم يساهمون بذلك في قيام الثورة بكل ما أوتوا من قوة. ولما كان ذلك يدفع في نهاية الأمر الطبقة العاملة المضطهدة إلى الثورة فإننا نحن الشيوعيون سندافع آنذاك عن قضية العمال بالفعل وبكل حزم مثلما ندافع عنها حاليا بالكلمة.
17. هل يمكن إزالة الملكية الخاصة دفعة واحدة ؟
كلا. مثلما لا يمكن تنمية القوى المنتجة الموجودة حاليا دفعة واحدة بطريقة تجعل بالإمكان إقامة اقتصاد جماعي مشترك بين عشية وضحاها، فكذلك الثورة العمالية، التي تشير كل الدلائل إلى اقترابها، لا تستطيع سوى تحويل المجتمع تدريجيا. ولن يكون في وسعها إلغاء الملكية الخاصة بصفة نهائية إلا بعد توفر الكمية الضرورية من وسائل الإنتاج.
18. ما هو المسار الذي ستسلكه هذه الثورة ؟
بادئ ذي بدء ستركز الثورة نظاما ديمقراطيا مكرسة بالتالي سيطرة الطبقة العاملة سياسيا بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

بصفة مباشرة في إنجلترا حيث تشكل الطبقة العاملة غالبية الشعب وبصفة غير مباشرة في فرنسا وألمانيا حيث الأغلبية مكونة لا فقط من العمال بل أيضا من صغار الفلاحين والبرجوازيين الصغار الذين لا يزالون بعد بصدد التحول إلى عمال والذين يتزايد ارتباطهم بالعمال خاصة فيما يتعلق بتحقيق مطالبهم السياسية، وبالتالي يتعين عليهم الانضمام فورا إلى مطالب الطبقة العاملة. وقد يقتضي الحال خوض مرحلة جديدة من النضال لا بد أن تتوج بانتصار الطبقة العاملة.

ولا يمكن أن تكون الديمقراطية ذات جدوى بالنسبة للطبقة العاملة إذا لم تستخدمها مباشرة لاتخاذ إجراءات شاملة تقتضي المس من الملكية الخاصة وتكفل وجود الطبقة العاملة ذاتها.
ولعل أهم هذه الإجراءات، كما تمليها بالضرورة الأوضاع الراهنة، هي التالية.

1 – الحد من الملكية الخاصة بواسطة الضرائب التصاعدية على الدخل والضرائب المرتفعة على الإرث. إلغاء حق الإرث بالنسبة للحواشي (الاخوة وأبناء الخال) الخ...
2 – المصادرة التدريجية لأملاك كبار العقاريين والصناعيين وأصحاب خطوط السكك الحديدية والبواخر وذلك بواسطة منافسة القطاع العام في الصناعة من جهة وبواسطة المصادرة المباشرة مقابل تعويضات معينة من جهة أخرى.
3 – مصادرة أملاك جميع المهاجرين والمتمردين ضد مصلحة غالبية الشعب.
4 – تنظيم العمل وتشغيل العمال في ممتلكات ومصانع ومؤسسات الدولة مما يقضي على تنافس العمال فيما بينهم ويضطر ما تبقى من الرأسماليين على دفع أجور مرتفعة مساوية لما تدفعه الدولة.
5 – إلزامية العمل لجميع أفراد المجتمع حتى القضاء التام على الملكية الخاصة. تكثيف حشود المشتغلين بالصناعة وخاصة لخدمة أغراض الأنشطة الفلاحية.
6 – مركزة نظام القروض وتبادل العملة في أيدي الدولة وذلك بواسطة إنشاء بنك وطني ذي رأسمال حكومي وإلغاء كل البنوك الخاصة.
7 – مضاعفة عدد المصانع والمشاغل والسكك الحديدية والسفن التابعة للقطاع العام واستصلاح الأراضي المهملة وترشيد استغلال الأراضي الفلاحية وبذلك تقع الزيادة في الرساميل وتنمو القوى العاملة بالبلاد.
8 – تعليم جميع الأطفال في مؤسسات الدولة وعلى نفقتها منذ أن يصبح بإمكانهم الاستغناء عن عناية أمهاتهم (التنسيق بين التعليم والعمل الصناعي).
9 – بناء مجمعات في الصناعة أو الفلاحة مع الحرص على توفير جميع إيجابيات الحياة في كل من المدينة والريف مع التخلص من سلبياتها.
10 – تهديم جميع المساكن والأحياء غير الصحية والسيئة البناء.
11 – تمتيع الأبناء الشرعيين وغير الشرعيين بنفس حقوق الإرث.
12 – مركزة جميع وسائل النقل في أيدي الدولة.

طبعا لا يمكن تطبيق كل هذه الإجراءات دفعة واحدة، ولكن كل إجراء يجر حتما إلى تطبيق الإجراء الموالي. إذ يكفي أن يقع المساس بصفة جذرية بالملكية الخاصة حتى تجد الطبقة العاملة نفسها مدفوعة إلى المضي قدما وإلى تعزيز مركزة الرساميل والصناعة والفلاحة والنقل والمبادلات بين أيدي الدولة.

ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه كل هذه الإجراءات. وبقدر ما تتعاظم وتنمو قوى الإنتاج بقدر ما تصبح هذه الإجراءات قابلة للتطبيق وتؤدي دورها الممركز وبفضل عمل ومجهود العمال.

وأخيرا عندما يتحقق تمركز رأس المال والإنتاج والمبادلات بيد الدولة تسقط الملكية الخاصة من تلقاء نفسها وتصبح النقود بلا أي قيمة ويتضاعف الإنتاج ويتخير الناس على نحو يصبح معه من الممكن إزالة ما تبقى من علاقات المجتمع القديم.
19. هل سيكون من الممكن لهذه الثورة أن تقع في بلد واحد فقط ؟
لا. بخلق السوق العالمية، تكون الصناعات الكبرى قد جعلت كل شعوب الأرض، خاصة الشعوب المتحضرة، في علاقات قريبة فيما بينها مما لا يمكّّن إحداها من أن تكون مستقلة عما يجري للأخرى.

كما أنها أوثـقت التطور الاجتماعي للشعوب المتحضرة لدرجة أنه في كل منها، أصبحت الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا هما الطبقاتان الحاسمتان، وأصبح الصراع بينهما هو الصراع المرحليّ الكبير. هذا ما يجرّ إلى أن الثورة الشيوعية لن تكون مجرد ظاهرة قومية بل يجب أن تقع في نفس الوقت في كل البلدان المتحضرة. هذا يعني، على الأقل في إنجلترا وأمريكا وفرنسا وألمانيا.

ستتطور في كل هذه البلدان بسرعات متفاوتة حسب تطور الصناعة والثروة وأهمية كتلة القوى المنتجة. من هنا، ستبدأ بطيئة ثم ستواجه أكثر العراقيل في ألمانيا، وبأكثر سرعة وبأقل عراقيل في إنجلترا. وسيكون لها مفعول قوي على بقية بلدان العالم، وستغير جذريا مسار التطور الذي كانت تتبعه حتى الآن متجاوزة رقعتها.
20. ما هي نتائج إلغاء الملكية الخاصة ؟
إن انتزاع جميع القوى المنتجة وكل وسائل النقل وتبادل وتوزيع المنتجات من أيدي الرأسماليين الخواص وتسييرها حسب خطة مضبوطة للموارد والحاجات المشتركة يمكن المجتمع قبل كل شيء من القضاء على العواقب الوخيمة المرتبطة بالنظام الحالي لإدارة وتسيير الصناعة الكبيرة. وستختفي جميع الأزمات وسيصبح الإنتاج الواسع غير كاف لسد حاجيات المجتمع، بعد أن كان سببا هاما من أسباب البؤس، بل ينبغي توسيعه أكثر فأكثر. وبدلا من التسبب في إحلال البؤس سيمكن فائض الإنتاج الواسع من تلبية حاجيات الجميع بل سيخلق حاجات جديدة مع وسائل تلبيتها في نفس الوقت.

كما سيكون فائض الإنتاج هذا شرطا من شروط إحراز خطوات جديدة على درب التقدم وسببا من أسبابه دون أن يلقى بالمجتمع بصفة دورية في دوامة الاضطرابات مثلما هو الشأن إلى حد الآن.

وبتحررها من نير الملكية الخاصة ستشهد الصناعة الكبيرة توسعا هائلا إلى درجة أن توسعها الراهن سيبدو ضئيلا في مثل ضآلة المانيفاكتورة إذا ما قيست بالصناعة الكبيرة والحديثة. وسيوفر تطور الصناعة الكبيرة للمجتمع مقادير من المنتوجات تكفي لسد حاجيات الجميع. أما الفلاحة فبعد أن تعذر عليها الاستفادة من التحسينات والاختراعات العلمية الجديدة من إجراء نظام الملكية الخاصة ولتجزئة (الإرث) فإنها سوف تشهد انطلاقة جديدة وتوفر للمجتمع كمية كافية من المنتوجات الفلاحية. وهكذا سيصبح بإمكان المجتمع إنتاج ما يكفي لتنظيم التوزيع بما يؤمن تلبية حاجيات جميع أفراده. وبذلك سيصبح انقسام المجتمع إلى مختلف الطبقات المتعارضة أمرا لا مجال له. وليس هذا فحسب، بل وغير متطابق مع النظام الاجتماعي الجديد، وبما أن وجود الطبقات ناجم عن تقسيم العمل نفسه وبأشكاله الحالية، سيختفي نهائيا. ذلك أن رفع الإنتاج الصناعي والفلاحي إلى المستوى المذكور لا يتطلب الوسائل الميكانيكية والكيميائية فقط، ولكن يتطلب أيضا الرفع من مستوى الأشخاص الذين يستعملون هذه الوسائل بنفس الدرجة. وكما غير عمال المانيفاكتورة والفلاحون من طريقة عيشهم وتغيروا هم أنفسهم منذ انخراطهم في حلبة الصناعة الكبيرة، فإن التسيير الجماعي للقوى المنتجة وما ينجر عنه من نمو مطرد لمجمل الإنتاج سيحتم بل سيخلق أناسا اليوم. ولا يمكن تأمين هذا التسيير الجماعي بواسطة أناس مرتبطين أشد الارتباط بفرع معين من الإنتاج مكبلين به، مستغلين من طرفه، عاجزين عن تنمية أكثر من موهبة واحدة من مواهبهم على حساب مداركهم الأخرى وغير مستوعبين سوى فرع واحد من فروع الإنتاج، بل جزء صغير جدا من ذلك الفرع. إن الصناعة الكبيرة أصبحت حاليا في غنى أكثر عن مثل هؤلاء الناس. أما الصناعة المسيرة جماعيا، حسب مخطط تضبطه المجموعة بأسرها، فإنها تفترض توفر أناس ذوي كفاءات عالية ومتطورة في كل المجالات والقادرين على الإحاطة بمجمل نظام الإنتاج والسيطرة عليه. وسيختفي نهائيا تقسيم العمل الذي قوضته المكننة بعد أن تحول البعض إلى فلاح والبعض الآخر إلى إسكافي والثالث إلى عامل والرابع إلى مضارب في البورصة. وسيتيح نظام التعليم لجميع الشبان إمكانية استيعاب مجمل نظام الإنتاج بصفة سريعة وعملية وسيمكنهم من الإنتقال من فرع إلى آخر حسب حاجيات المجتمع أو حسب ميولاتهم الشخصية وسيتحررون بالتالي من الطابع الأحادي الذي يفرضه عليهم التقسيم الحالي للعمل. وهكذا يتيح المجتمع المنظم على أساس قواعد شيوعية لأفراده إمكانية استخدام مواهبهم المصقولة على نحو متناسق في جميع المجالات وتكون النتيجة زوال الفوارق الطبقية. كما سيزول، بإزالة الملكية الخاصة، التناقض الموجود بين المدينة والريف. وتعتبر ممارسة نفس الأشخاص عوضا عن مختلف الطبقات للنشاط الصناعي والفلاحي هي إحدى الشروط الضرورية لتركيز التنظيم الشيوعي، على الأقل لأسباب مادية بحتة. إن تشتت السكان الريفيين وتجمع السكان الصناعيين في المدن ظاهرة تمثل مرحلة متدنية من مراحل تطور الفلاحة والصناعة وتشكل عقبة هامة أمام التقدم بدأنا نشعر به منذ الآن. وأخيرا، إن النتائج الرئيسية لإلغاء الملكية الفردية هي التالية :

– تكاتف جميع أفراد المجتمع من أجل الاستغلال الجماعي والعقلاني للقوى المنتجة.
– تزايد الإنتاج بمقادير كافية لتلبية حاجيات الجميع.
– إلغاء الوضعية التي بمقتضاها يشبع البعض حاجاتهم على حساب الآخرين.
– إزالة الطبقات والفوارق الطبقية بصفة نهائية.
– تنمية مؤهلات ومواهب جميع أفراد المجتمع بفضل إلغاء تقسيم العمل كما عرفناه لحد الآن وبفضل نظام التعليم المرتكز على العمل وبفضل تنويع النشاطات التي يتعاطاها الناس وتشريك الجميع في التمتع بالخيرات المبدعة من قبل الجميع وكذلك بفضل إدماج المدينة بالريف.
21. ماذا سيكون تأثير المجتمع الشيوعي على العائلة ؟
سيُحوّل (المجتمع الشيوعي) العلاقات بين الجنسين إلى قضية شخصية صرفة لا تهم إلا الأشخاص المعنيين بحيث لن توجد هناك فرصة للمجتمع للتدخل. سيتمكن (المجتمع الشيوعي) من هذا بما أنه تخلص من الملكية الخاصة وعلّم الأطفال على قاعدة مشتركة. بهذه الطريقة يكون قد أزال قاعدتي الزواج التقليدي – الاستقلال المتجذر في الملكية الخاصة، وفي المرأة على الرجل، وفي الأطفال على الوالدين.

وفي ما يلي الجواب على صرخة ضيّقي الأفق ضد "مجتمع النساء". مجتمع النساء هو حالة تنتمي بأكملها إلى المجتمع البرجوازي الذي يجد اليوم تعبيره الكامل في البغاء. لكن البغاء يقوم على الملكية الخاصة التي بها تسقط المرأة. هكذا، فالمجتمع الشيوعي، عوض إن يقدّم مجتمع النساء، يلغيه.
22. ماذا سيكون موقف الشيوعية من القوميات الموجودة ؟
ستُرغم قوميات الشعوب التي ألزمت نفسها بمقتضى مبادئ جماعية، على الاختلاط فيما بينها كنتيجة لهذه الشراكة وعليه لتحل أنفسها، تماما مثل الإرث وتباين الطبقات المختلفة التي يجب أن تختفي عبر إلغاء أساسها، الملكية الخاصة.
23. ماذا سيكون موقفها من الديانات الموجودة ؟
كانت كل الأديان إلى حد اليوم تعبير لتطور المراحل التاريخية لشعوب مفردة أو مجمعة. لكن الشيوعية هي مرحلة التطور التاريخي الذي يجعل كل الأديان الموجودة سطحية وتؤدي إلى اضمحلالها.
فريدريك انجلز
أوكتوبر – نوفمبر 1847








"استخدام اليمين لكارل ماركس"
محمد سيد رصاص

تاريخ النشر: 31/10/2010 - 11:02"الأخبار"


قد تكون عبارة ماكس فيبر (توفي عام1920) «إن الفكر الأوروبي هو منذ عام 1848 إلى اليوم، حوار مع ماركس، فهو إما معه أو ضده» صحيحة في وصف الحركة العامة للتاريخ الغربي الحديث. إلا أنها لا تقبض تماماً على الواقع الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى، حيث شهدنا منذ العشرينيات، ابتعاداً عن النزعة الخنادقية بين اليمين واليسار في النظر إلى ما قدمه كارل ماركس، هذا إذا لم نقل إنه كما كانت هناك نظرات مختلفة بين اليساريين الماركسيين إلى ماركس، امتدت خريطتها بدءاً من أوكتوبر 1917 بين لينين وستالين من جهة، إلى كاوتسكي وبرنشتاين ولوكاتش و«مدرسة فرانكفورت» من جهة أخرى، فإن اليمين كانت له أيضاً نظرات جديدة إلى ماركس منذئذ.

أتى هذا من إشكالية التحولات البنيوية التي حدثت في النظام الرأسمالي، التي نقلته من الشكل الكلاسيكي الذي كان عليه في القرنين الثامن والتاسع عشر إلى تشكّل جديد، أصبح فيه رأس المال المادّي بارزاً في العملية الاقتصادية على ضفتي الأطلسي، ولم تعد فيه السلعة هي أساس العملية الرأسمالية، لتكون هي «الجوهر» كما كان الاقتصاديون الكلاسيكيون البورجوازيون يرون منذ كتاب «ثروة الأمم» لآدم سميث الصادر عام 1776 فيما «التداول» و«التراكم النقدي» مجرد أعراض لذلك الجوهر.

انقسم اقتصاديّو اليمين حيال ذلك: استمر جون مينارد كينز (1883-1946) على الموقف الكلاسيكي، الذي يعتبر الاقتصاد الحقيقي في «السلعة» وحركتها، معتبراً أن «النقد والأرصدة» مجرد اقتصاد رمزي يعبّر عن «الحقيقي»، أو هو مجرد مرآة له، إذا لم يكن تعبيراً افتراضياً عنه.

في الجهة الأخرى المضادة يمينياً، رأى جوزف شومبيتر (1883-1950) أن قراءته (التي أسست لليمين الليبرالي الجديد المعادي للكينزية وصولاً إلى ميلتون فريدمان الذي وضع السياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة من إدارة ريغان وصولاً لبوش الابن)، تعود إلى ماركس.

ويقول شومبتير «وفي معالجتنا للرأسمالية، إنما نعالج عملية متطورة. وقد يبدو من الغريب كل الغرابة أن يعجز إنسان عن رؤية هذه الحقيقة الواضحة التي أكّدها ماركس منذ أمد طويل. فالرأسمالية في طبيعتها والحالة هذه، شكل أو أسلوب من أشكال التحول الاقتصادي وأساليبه. ولا يمكن أن تكون جامدة».

من خلال هذا الرأي المأخوذ من ماركس، والمتناقض مع الاقتصاد السياسي البورجوازي الكلاسيكي الذي كان يرى الرأسمالية نقطة اكتمال ستكون أزلية وثابتة في شكلها القائم آنذاك لـ«انسجامها مع الطبيعة البشرية»، رأى شومبيتر أن هناك مساراً حوَّل بنية الرأسمالية من اقتصاد يعتمد على «السلعة» أساساً للحركة إلى اقتصاد أصبح أُسّه متمثلاً في «النقد والأرصدة»، وأن رجل الأعمال هو عماد الرأسمالية في القرن العشرين، لا الصناعي أو التاجر.
إلا أن ذلك الاقتصادي النمساوي، المهاجر للغرب الأميركي منذ العشرينيات، يخالف ماركس بأن تجديدات رأس المال، المتمثلة في أساليب وطرق الإنتاج بما تحدثه من تطوير في قوى الإنتاج، لا تؤدي ــ كما يقول ماركس إلى تدمير بنية الرأسمالية في النهاية بحكم التناقض بين تطور القوى المنتجة وثبات علاقات الإنتاج ــ بل إلى «عملية من الخلق الهدَّام» التي هي الحقيقة الجوهرية في الواقع الرأسمالي، وهي أساس حياة الرأسمالية ومصدر العيش للمشروعات الرأسمالية»، معتبراً أزمة 1929 وآثارها ليست «مجرد كساد بل علائم تحوّل بنياني في العملية الرأسمالية من النوع الذي توقّعه ماركس»، ويختم بأن سياسة «نيوديل» التي اتبعها روزفلت لمعالجة الأزمة معتمداً على وصفات كينز الداعية لتدخلية الدولة وضبط حركة الأرصدة و«تغول» النقد على السلعة «لا يمكن أن تنسجم على المدى الطويل مع العمل الفعال لنظام المشاريع الفردية» متنبئاً بانسداد الحل الكينزي.

لم يكتف شومبيتر ببناء نظريته عن «التحول البنيوي في الرأسمالية» اعتماداً على نظرية ماركس عن «تجديدات رأس المال»، أو باستخدامها لتفسير الأزمات الرأسمالية بوصفها «تدميرات خلاَّقة» داخل البنية ذاتها وضمنها، بل قبِلَ أيضاً بالافتراض الأساس في الماركسية الذي يقول بإخضاع «الأحداث التاريخية والأنظمة الاجتماعية نفسها لعملية الشرح والإيضاح القائمة على التحليل الاقتصادي»، وليقول إنه يقبل من خلال ذلك بنظرية ماركس عن «تراكم رأس المال وتركزه»، وإنه يتبنى عبارته الواردة في «البيان الشيوعي» بأن «تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ صراع بين الطبقات».

هنا، يقوم شومبيتر بمحاولة عزل ماركس المُنظِّر الاقتصادي ــ الاجتماعي ــ السياسي عن ماركس الثوري والسياسي العملي، معلناً «أن ماركس إذا عُرِّيَ من التعبيرات المتألقة يقر بتفسيرات تحمل طابعاً محافظاً، هو الوحيد الذي يجعلنا نحمل هذه التفسيرات على محمل الجد»، ومحاولاً تقليصه إلى حدود أن «نظريته الاقتصادية هي التي تعرض أجهزة المجتمع الرأسمالي وحيله»، والتي يعتبرها شومبيتر «من أعظم منجزات علم الاجتماع الفردية حتى يومنا هذا».

وإذا ابتعدنا عن شومبيتر، نجد عبارة قالها مستشار الرئيس الأميركي جونسون لشؤون الأمن القومي والت روستو إنّ ماركس هو، بإختصار، «مرشد هائل للسياسة الحكومية»، وهو الذي كان رئيساً لمجلس تخطيط السياسات بالخارجية الأميركية في عهد كينيدي، وقبلها أستاذاً للتاريخ الاقتصادي بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا بين عامي1950 ــ 1961، فيما ستكون عملية تلمّس ظلال ماركس في كتب هنري كيسنجر وزبغنيو بريجنسكي مجالاً لبحث علمي خصب.

كخاتمة، يمكن القول إن هذا المقال ما كان يمكن أن يكتب لولا أزمة «وول ستريت» وما أعقبها بشهر من خبر تناقلته أشرطة الفضائيات المتحركة عن أن كتاب «رأس المال» لماركس كان الأكثر مبيعاً في معرض فرانكفورت للكتاب: هل

ستتكرر استخدامات اليمين لماركس بعد أزمة 2008 المالية ــ الاقتصادية الأميركية (ثم العالمية)، كما فعل شومبيتر على أثر أزمة 1929، وخاصة في ظل أزمة اليسار الماركسي الذي لم يفق بعد من صدمة انهيار الكتلة السوفياتية ثم الاتحاد السوفياتي 1989ــ1991؟

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------




















الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715




للاطلاع على صفحة الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي على الفيسبوك على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/pages/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي/1509678585952833



#تجمع_اليسار_الماركسي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق اليسار العدد 93 شباط/فبراير 2017
- طريق اليسار - العدد 92 كانون ثاني/يناير 2017
- طريق اليسار - العدد 91
- طريق اليسار 90
- طريق اليسار 89
- طريق اليسار 88
- طريق اليسار - العدد 87 آب / أغسطس 2016
- طريق اليسار - العدد 86 تموز / يوليو 2016
- طريق اليسار - العدد 85
- طريق اليسار - العدد 84
- طريق اليسار - العدد 83
- طريق اليسار - العدد 82 آذار / مارس 2016
- طريق اليسار - العدد 81
- طريق اليسار - العدد 80
- طريق اليسار - العدد 79
- طريق اليسار - العدد 78
- طريق اليسار - العدد 77
- طريق اليسار - العدد 76
- طريق اليسار - العدد 75
- طريق اليسار - العدد 74 تموز / يوليو 2015


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار العدد 94