أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار - العدد 79















المزيد.....



طريق اليسار - العدد 79


تجمع اليسار الماركسي في سورية

الحوار المتمدن-العدد: 5028 - 2015 / 12 / 29 - 20:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* العدد 79 ـ كانون أول / ديسمبر 2015 - [email protected] E-M: *


* الافتتاحية *
صعود القوى الاقليمية مع انكفاء واشنطن عن الشرق الأوسط


عندما جرى غزو واحتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق عام2003كانت الرياض والقاهرة وأنقرة ضد الغزو،فيماوقفت طهران معه ،وهي المتخاصمة مع واشنطن منذ عام1979.أدار جورج بوش الابن ظهره للحلفاء الاقليميين،كمالم يعر التفاتاً لمعارضة باريس وبرلين وموسكو.غزا الرئيس الأميركي أرض الرافدين من "أجل إعادة صياغة المنطقة".كان مافعلته واشنطن في بغداد انخراطاً في دواخل الاقليم،مع السابقة الأفغانية عام2001،ثم لبنان2004-2005،وكان ارسال الجندي الأميركي لصياغة الدواخل ،ومعها الاقليم،كماحاول بول بريمر في العراق،يعني "نزع الشوك بيد أميركية" واستغناء عن أدوار الحلفاء الاقليميين،مثل اسرائيل في حربي1967و1982وشاه ايران منذ عام1972في دور"شرطي الخليج"عقب الانسحاب البريطاني من شرقي السويس.

عندما أطلقت كوندوليسا رايس بعد قليل من بدء حرب2006في لبنان تصريحها عن أن ماتفعله اسرائيل "آلام مخاض ضرورية من أجل ولادة الشرق الأوسط الجديد"،الذي بدأ الحبل به مع سقوط بغداد يوم9نيسانإبريل2003،كان هذا يعني انحرافاً أميركياً نحو الاستعانة ثانية بالحلفاء الاقليميين بعد أن تعثرت المهمة الأميركية في العراق وخاصة إثر بدء الانشقاق الأميركي- الايراني مع استئناف طهران لبرنامجها في تخصيب اليورانيوم منذ آب/أغسطس2005.أُجهض المولود الأميركي مع فشل اسرائيل في حرب2006التي كانت حرباً بالوكالة عن واشنطن وطهران.في تشرين أول/أوكتوبر2006أعطت رايس تصوراً جديداً للمنطقة:"الصراع الآن هو بين معتدلين ومتطرفين".كان من الواضح منذ ذلك الوقت أن التناقض الرئيسي الأميركي قد أصبح ضد التمدد الاقليمي الايراني الذي أخذ قوة اندفاعه الأولى والكبرى من مافعلته واشنطن بصدام حسين.عملياً ،قادت المجابهة الأميركية- الايرانية على مدار الاقليم من كابول إلى الشاطىء الشرقي للمتوسط ،مع مكاسب ايرانية في غزة14حزيران2007وبيروت7أيار2008وبغداد نوري المالكي25تشرين ثاني2010واسقاط حزب الله لحكومة سعد الحريري في كانون ثاني2011،إلى تصعيد أميركي للدور الاقليمي التركي لمجابهة ايران في ظل الانسحاب الأميركي العسكري من العراق الذي وقع عملياً بأيد ايرانية مع حكومة المالكي الثانية وفشل مشروع تولي ( قائمة العراقية) السلطة ببغداد بعد انتخابات برلمان2010.لم تكن موافقة باراك أوباما على صعود الاسلام الأصولي الإخواني ،مع "الربيع العربي"عام2011،إلى السلطة بالقاهرة وتونس وتولي أنقرة ملف المعارضة السورية مع اعلان"المجلس الوطني "من اسطنبول يوم2تشرين أول/أوكتوبر2011ببعيدة عن الاتجاه الأميركي إلى تصعيد الدور الاقليمي التركي بل إلى تزييته بأيديولوجية "مناسبة "تشابه النموذج الأردوغاني وإلى وضع المنطقة في إطار صراع سني- شيعي لتحجيم المد الاقليمي الايراني ولكن ليس عبر صيغة 2006:"معتدلون ضد متطرفين"بل من خلال "أصولية إخوانية سنية ضد أصولية خمينية- خامنئية شيعية".

فشل هذا المشروع الأميركي مع تفاجىء أميركي من "اليوم التالي"الذي أنتجه "الربيع العربي"لماقتل اسلاميون ليبيون،أصعدتهم واشنطن و(الناتو) إلى السلطة مع اسقاط القذافي،السفير الأميركي بليبيا في (11سبتمبر جديدة)ولكن في عام2012،تماماً كماتفاجأت واشنطن من "اليوم التالي"لمافعلته في عراق2003.منذ ماجرى في بنغازي 11سبتمبر2012بدأ الانقلاب الأميركي على الذات ليتجسد في محطات عدة:تصريح هيلاري كلينتون في زغرب يوم31تشرين أول/أوكتوبر2012ضد"المجلس الوطني السوري"وهو ماقاد عملياً لتشكيل "الائتلاف"بعد أحد عشر يوماً،ثم اتفاق 7أيار2013بين كيري ولافروف بموسكو حول الأزمة السورية والذي كان يعني نزع التولية الأميركية لأردوغان عن الملف السوري واتجاه لاعطاء موسكو هذا الدور من قبل واشنطن.حصلت ترجمات لهذا الاتجاه الأميركي الجديد في دوحة25حزيران/يونيو2013لماتخلى أمير قطر عن منصبه لولي العهد ثم في 3يوليو2013مع سقوط حكم مرسي في القاهرة وبعده نهاية حكم (حركة النهضة)في تونس.

كان هذا الاتجاه الأميركي عند باراك أوباما لتولية الحلفاء الاقليميين شؤون الشرق الأوسط بالوكالة عن واشنطن مختلفاً عن ماكان لدى جورج بوش الإبن منذ خريف2006:في يوم17تشرين ثاني/نوفمبر2011قال أوباما الكلمات التالية أمام البرلمان الأوسترالي:"منطقة الباسفيك(المحيط الهادىء)- آسيا هي مجال اهتمامنا الرئيسي".يبدو أن الرئيس الأميركي يعي أن الخطر الرئيسي قد أصبح في الشرق الأقصى بعد أن بدأ مركز ثقل الاقتصاد العالمي ينزاح عن ضفتي الأطلسي(لندن بعد معركة الأرمادا عام1588وانتصار الانكليز على الاسبان،ثم نيويورك إثر الأزمة الاقتصادية العالمية1929-1932)باتجاه آسية الشرقية والجنوبية وأوقيانوسيا(34%من حجم الاقتصاد العالمي عام2014محسوباً عبر مقياس الناتج المحلي العالمي،والصين وحدها17%من الاقتصاد العالمي).لم يعد قائماً التركيز الأميركي على الشرق الأوسط ،البادىء منذ لقاء الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود عام1945في باخرة عند قناة السويس أثناء عودة الرئيس الأميركي من مؤتمر يالطا مع ستالين وتشرشل،بسبب النفط،ثم من أجل مجابهة السوفيات عبر "الجدار الجنوبي"الشرق أوسطي منذ بدء الحرب الباردة عام1947.ظهرت ملامح جديدة لتركيز أميركي على الشرق الأوسط ولكن عبر رد فعل على حدث(2آب1990)،أي الغزو العراقي للكويت،تمثل في حرب خليج1991ثم في مؤتمر مدريد،ثم في رد فعل أميركي على(11سبتمبر2001)عبر حربي أفغانستان2001وعراق2003.جاء التركيز الأميركي هنا من الاتجاه إلى منع "خرائط جديدة"عبر مافعله صدام حسين بالكويت،ثم من الاتجاه إلى"إعادة صياغة المنطقة"بعد(11سبتمبر)إثر احساس جورج بوش الابن بأن منطقة الشرق الأوسط كانت مصدراً لكرات اللهب التي أصابت نيويورك وواشنطن في ذلك الصباح.ليس أوباما في هذا الخط،بل هو يريد توكيل اقليم الشرق الأوسط الذي لم يعد مهماً لواشنطن لوكلاء في ظل انزياح أميركي نحو التركيز على الشرق الأقصى.

يوحي اتجاه أوباما بأن اتفاق14تموز/يوليو2015مع ايران هو باتجاه تحويلها لوكيل اقليمي عبر "المكافأة العراقية".بالمقابل الدخول العسكري الروسي إلى سورية منذ30أيلول/سبتمبر2015ليس ضد الإرادة الأميركية. ليست روسيا دولة عظمى مادامت ليست سوى الرقم عشرة في الاقتصاد العالمي وراء الهند وايطاليا والبرازيل عام2014بل هي بحجم قوة اقليمية كبرى في شرق أوروبة وآسيا الوسطى والشرقية وهي ليست أكثر من ذلك في محاولة تواجدها بالشرق الأوسط ولكن برضا أميركي.يولد الاقتراب الأميركي من ايران قلقاً اسرائيلياً كان علنياً عند ناتنياهو.في المقابل كان هذا التقارب،إضافة للاتجاه الأميركي بجعل روسيا الرقم واحد في سوريا القادمة،سبباً في التقارب السعودي- التركي منذ شباط/فبراير2015،وهناك مؤشرات كثيرة على أن هذا التقارب الذي ترجم بدعم أكبر للجماعات المسلحة المعارضة في سوريا الشمالية بدءاً من ماجرى بمدينة ادلب يوم24آذار/مارس2015كان رد فعل على التقارب الأميركي- الايراني- الروسي،وعملياً كان الوجود العسكري الروسي ،برضا أميركي،هو من أجل وقف تمدد الجماعات المسلحة المعارضة في محافظة ادلب ومنطقة الغاب والذي كاد أن يصل للساحل مهدداً بقلب المشهد السوري ،والذي بدأت قوة اندفاع هذا التمدد منذ ماجرى بإدلب24آذار2015.أيضاً هناك مؤشرات على أن ماجرى سعودياً في اليمن منذ26مارس2015لم يكن برضا أميركي.يوحي التقارب السعودي- التركي بأن الإنكفاء الأميركي عن الاقليم يتيح مجالاً للقوى الاقليمية بالصعود،كماأن هذا الانكفاء يدفع واشنطن لتصعيد قوى اقليمية مثل ايران،ولعدم الممانعة الأميركية في وجود روسي بالمياه الدافئة بشرق المتوسط وفي الوقت نفسه لعدم الممانعة عند واشنطن في أن تكون التسوية السورية أساساً عبر اتفاق روسي- سعودي أولاً ثم تركي،وفي هذا يحوي مؤتمر المعارضة السورية بالرياض ،الذي كانت موسكو في فيينا من أكثر المتحمسين لعقده مع تحفظ ايراني،دلالات رمزية عدة من حيث شبهه بماكان في مؤتمر طائف1989اللبناني لماكانت واشنطن ثالثة التسوية بين دمشق والرياض ومن حيث ايحاءاته بماسيكون عليه(جنيف3).أيضاً إن الانكفاء الأميركي عن الاقليم هو الذي يتيح حرية حركة لمصر لم تكن منذ(كامب دافيد) جعلتها أكثر قرباً من موسكو وطهران تجاه الأزمتين السورية واليمنية،وأتاحت لها اقتراباً من الكرملين هو غير مسبوق منذ قطيعة السادات عام1974.

------------------------------------------------------------------------------------------------------


مجلس الأمن الدولي
القرار 2254- بالاجماع-18/12/2015


في الآتي النص الكامل للبيان الذي أقرّه مجلس الامن الدولي بإجماع أعضائه الخمسة عشر، في نيويورك، بشأن حل الازمة في سوريا، والذي حمل الرقم 2254.

إن مجلس الأمن،
إذ يشير إلى قراراته 2042 (2012)، و2043 (2012)، و 2118 (2013)، و2139 (2014)، و2165 (2014)، و2170 (2014)، و2175 (2014)، و2178 (2014)، و2191 (2014)، و2199 (2015)، و2235 (2015)، و2249 (2015)، والبيانات الرئاسية المؤرخة 3 آب/أغسطس 2011 (S/PRST/2011/16)، و21 آذار/مارس 2012 (S/PRST/2012/6)، و5 نيسان/أبريل 2012 (S/PRST/2012/10)، و2 تشرين الأول/أكتوبر 2013 (S/PRST/2013/15)، و24 نيسان/أبريل 2015 (S/PRST/2015/10) و17 آب/أغسطس 2015 (S/PRST/2015/15)،

وإذ يؤكد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه،

وإذ يعرب عن أشد القلق إزاء استمرار معاناة الشعب السوري، وتدهور الحالة الإنسانية الأليمة، واستمرار الصراع الدائر والعنف الوحشي المتواصل الذي يتسم به، والأثر السلبي للإرهاب والأيديولوجية المتطرفة العنيفة في دعم الإرهاب، وما تخلفه الأزمة من أثر مزعزع للاستقرار في المنطقة وخارجها، بما يشمل الزيادة المترتبة على ذلك في أعداد الإرهابيين الذين يجتذبهم القتال في سوريا، والدمار المادي الذي لحق بالبلد، وتزايد النزعة الطائفية، وإذ يؤكد أن الحالة ستستمر في التدهور في ظل غياب الحل السياسي،
وإذ يشير إلى مطالبته بأن تتخذ جميع الأطراف كل الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، بمن فيهم أفراد الجماعات العرقية والدينية والمذهبية، وإذ يؤكد في هذا الصدد أن السلطات السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها،

وإذ يكرر التأكيد أنه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سوريا إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونيو 2012، الذي أيده القرار 2118 (2013)، وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية،
وإذ يشجع، في هذا الصدد، الجهود الديبلوماسية التي يبذلها الفريق الدولي لدعم سوريا (الفريق الدولي) للمساعدة على إنهاء النزاع في سوريا،

وإذ يثني على التزام الفريق الدولي، على النحو الوارد في البيان المشترك عن نتائج المحادثات المتعددة الأطراف بشأن سوريا الصادر في فيينا بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2015 وبيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 (المشار إليهما في ما يلي بـ «بياني فيينا»)، بكفالة الانتقال السياسي تحت قيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، على أساس مجمل ما جاء في بيان جنيف، وإذ يشدد على الحاجة الملحة لأن تعمل جميع الأطراف في سوريا بشكل حثيث وبنّاء في سبيل تحقيق هذا الهدف،
وإذ يحث جميع الأطراف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها على الالتزام بالمبادئ التي حددها الفريق الدولي، بما في ذلك الالتزام بوحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي، وكفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، وحماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن العرق أو المذهب الديني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلد،

وإذ يشجع على مشاركة المرأة على نحو هادف في العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل سوريا،

وإذ يضع في اعتباره الهدف المتمثل في جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة، باختيار السوريين، الذين سيقررون من يمثلهم في المفاوضات ويحددون مواقفهم التفاوضية، وذلك حتى يتسنى للعملية السياسية أن تنطلق، وإذ يحيط علما بالاجتماعات التي عقدت في موسكو والقاهرة وبما اتخذ من مبادرات أخرى تحقيقا لهذه الغاية، وإذ يلاحظ على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض، المعقود في الفترة من 9 إلى 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع، وفقا لبيان جنيف و «بياني فيينا»، وإذ يتطلع إلى قيام المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا بوضع اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة تحقيقا لهذه الغاية،

1 ـ يؤكد من جديد تأييده لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونيو 2012، ويؤيد «بياني فيينا» في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سوريا، ويشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سوريا؛
2 ـ يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سوريا، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، مستهدفا أوائل كانون الثاني/يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات، عملا ببيان جنيف وتماشيا مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة؛
3 ـ يقر بدور الفريق الدولي باعتباره المنبر الرئيسي لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا؛

4 ـ يعرب عن دعمه، في هذا الصدد، لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015؛
5 ـ يسلّم بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملا ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع قدماً بكلتا المبادرتين، ويعرب في هذا الصدد عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وهو ما التزم الفريق الدولي بدعمه والمساعدة على تنفيذه، على أن يدخل حيز النفاذ بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى بيان جنيف، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، على أن يتم ذلك على وجه السرعة؛
6 ـ يطلب إلى الأمين العام أن يقود، من خلال مكتب مبعوثه الخاص وبالتشاور مع الأطراف المعنية، الجهود الرامية إلى تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار، ومواصلة التخطيط لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار، ويحث الدول الأعضاء، ولا سيما أعضاء الفريق الدولي لدعم سوريا، على دعم وتسريع كل الجهود المبذولة لتحقيق وقف لإطلاق النار، بسبل منها الضغط على جميع الأطراف المعنية للموافقة على وقف إطلاق النار والتقيد به؛
7 ـ يشدد على الحاجة إلى آلية لرصد وقف إطلاق النار والتحقق منه والإبلاغ عنه، ويطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى مجلس الأمن تقريراً عن الخيارات المتاحة بشأن إنشاء آلية تحظى بدعم المجلس، وذلك في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهرا من تاريخ اتخاذ هذا القرار، ويشجع الدول الأعضاء، بما في ذلك أعضاء مجلس الأمن، على تقديم المساعدة، بسبل منها الخبرة الفنية والمساهمات العينية، لدعم هذه الآلية؛

8 ـ يكرر دعوته الواردة في القرار 2249 (2015) والموجهة إلى الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف أيضا باسم داعش) وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقا الفريق الدولي لدعم سوريا ويحدده مجلس الأمن، وفقا لبيان الفريق الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سوريا، ويلاحظ أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي لدعم سوريا الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015؛

9 ـ يرحب بالجهود التي بذلتها حكومة الأردن للمساعدة في إيجاد فهم مشترك داخل الفريق الدولي لدعم سوريا للأفراد والجماعات الذين يمكن أن يحددوا بوصفهم إرهابيين وهو سينظر على وجه السرعة في التوصية التي قدمها الفريق لغرض تحديد الجماعات الإرهابية؛
10 ـ يشدد على ضرورة قيام جميع الأطراف في سوريا باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ويدعو جميع الدول إلى استخدام نفوذها لدى حكومة سوريا والمعارضة السورية من أجل المضي قدماً بعملية السلام وتدابير بناء الثقة والخطوات الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار؛

11 ـ يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرا إلى المجلس، في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهرا واحدا من تاريخ اتخاذ هذا القرار، عن الخيارات المتاحة للقيام بالمزيد من تدابير بناء الثقة؛
12 ـ يدعو الأطراف إلى أن تتيح فورا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين تعسفيا، لا سيما النساء والأطفال، ويدعو دول الفريق الدولي لدعم سوريا إلى استخدام نفوذها على الفور تحقيقا لهذه الغايات، ويطالب بالتنفيذ الكامل للقرارات 2139 (2014) و2165 (2014) و2191 (2014) وأي قرارات منطبقة أخرى؛

13 ـ يطالب بأن توقف جميع الأطراف فورا أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي، ويرحب بالتزام الفريق الدولي لدعم سوريا بالضغط على الأطراف في هذا الصدد، ويطالب كذلك بأن تتقيد جميع الأطراف فورا بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء؛

14 ـ يؤكد الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك الأحكام الواجبة التطبيق من الاتفاقية والبروتوكول المتعلقين بمركز اللاجئين، وأخذ مصالح البلدان التي تستضيف اللاجئين بالحسبان، ويحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الصدد، ويتطلع إلى مؤتمر لندن بشأن سوريا الذي سيعقد في شباط/فبراير 2016 وتستضيفه المملكة المتحدة وألمانيا والكويت والنرويج والأمم المتحدة، بوصفه إسهاما هاما في هذا المسعى، ويعرب كذلك عن دعمه لتعمير سوريا وتأهيلها بعد انتهاء النزاع؛
15 ـ يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرا إلى مجلس الأمن في غضون 60 يوما عن تنفيذ هذا القرار، بما في ذلك عن التقدم المحرز في العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة؛
16 ـ يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------


ملف العدد:
الماركسية والدين:


رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإسلامية


http://www.alawan.org/article8166.html

الثلاثاء 10 آب (أغسطس) 2010
بقلم: فريد العليبي

تتضمّن مقاربة ماركس وأنجلس للمسألة الدينية مجموعة من الإشكاليات المتّصلة بالفلسفة وتاريخ الأديان، منها ماهية الدين و نشأته ووظائفه، وتستند تلك المقاربة على مستوى منهج التحليل إلى المادّيتين الديالكتيكية والتاريخية. وتتمثّل النتائج الكبرى التي توصّل إليها الفيلسوفان في أنّ الآلهة مصنوعات بشرية وأنّ الدين ظاهرة تاريخية اجتماعية، وأنّه يؤدّي وظيفته في علاقة بالطبقة التي تستعمله، ممّا يعني أنّه يمكن أن يكون له دور تاريخيّ ايجابيّ حينا، ودور سلبيّ أحيانا أخرى، ولكنه في الحالتين يظلّ أفيونا يمنع المؤمنين به من إدراك الحقيقة، ويدفعهم ناحية بحور الأوهام، فالدين شمس وهمية تدور حول الإنسان ما دام الإنسان لا يدور حول حياته الواقعية.

وقد أخضع الفيلسوفان أديانا مختلفة إلى الدراسة منها الإسلام لاستنتاج تلك الأطروحات، وتمكّننا العودة إلى الرسائل المتبادلة بينهما بشكل خاص، من الوقوف على آرائهما حول الديانة الإسلامية وهو ما نبتغي الإبانة عنه هنا، ففي كتاب حول الدين يتضمّن مواقفهما منه مقتطفة من مؤلفاتهما، نجد رسائل ثلاثا حول الدين الإسلامي. ونلفت عناية القارئ إلى وجود خطأ في تأريخ إحداها، ونقصد تأريخ رسالة كارل ماركس، ففي النسختين العربية والفرنسية من الكتاب المذكور تعود سنة كتابة الرسالة إلى 1853، ونحن نرجّح أنّ السنة هي 1853 لا 1855 ، بناء على ترتيب الرسائل، فالرسالة الأولى كتبها أنجلس في 24 ماي / أيار 1853، فكان جواب ماركس عليها في 2 جوان 1853، ثم تأتي رسالة أنجلس الثانية في 6 جوان حزيران 1853 وهي التي يعلّق فيها على ردّ ماركس، ولا يعقل أن يكون ماركس قد كتب رسالته الجوابية بعد عامين من رسالة أنجلس الأولى أي سنة 1855، وأن هذا الأخير قد ردّ عليها قبل أن تصله أي سنة 1853.

في رسالة إلى ماركس بتاريخ 24 ماي / أيار 1853 يقول فريدريك أنجلس إنّه قرأ كتابا عنوانه الجغرافيا التاريخية لجزيرة العرب، تناول فيه صاحبه الأب تشارلز فورستر الكتابات العربية المحفورة، مؤكّدا أنّ المؤرّخ جيبون قد ارتكب بعض الهفوات في جغرافيا العالم القديم، وجيبون هذا مؤرخ انكليزي من القرن 18 كتب مؤلّفا عن تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية، اعتبر فيه أنّ المسيحية لعبت دورا حاسما في انهيار الإمبراطورية الرومانية، وفي المقابل يرى أنجلس أن العكس هو الصحيح فانحطاط تلك الإمبراطورية هو الذي مهّد لانتشار المسيحية.
وتتمثل الاستنتاجات التي توصّل إليها أنجلس من خلال قراءته لهذا المؤلف في أنّ الكتاب المقدّس la bible يقدّم لنا مادّة للبحث التاريخيّ فالإشارات الواردة فيه تصلح لذلك، وبالتالي يجب مقارنة ما يقوله الجغرافيون القدامى بما يرد في الكتب المقدّسة، فما تضمّنه سفر التكوين من ذكر للأنبياء وسلالاتهم يحيل إلى قبائل عاشت فعلا في هذه المنطقة أو تلك، بل إنّه يلاحظ أنّ تقليد تسمية القبيلة ببني صالح أو بني يوسف لا يزال مستمرّا، يقول “إنّ مؤسّسي الإمبراطورية البابلية وهم الكلدان مازالوا موجودين اليوم ويحملون الاسم نفسه، بني خالد، وفي المكان نفسه”كارل ماركس وفريدريك أنجلس، حول الدين، نقل ياسين الحافظ، بيروت، دار الطليعة، ص 94، ومن ثمّة فإنّ مدار الحديث هو ما حفل به الشرق العربي من أديان.

يلاحظ أنجلس وجود تطابق بين ما يقوله الجغرافيون والرحالة في العصر الحديث وما يرد في سفر التكوين عن تلك القبائل والأنساب. وهو ما يعني أنّ الكتاب المقدّس محمّل بوقائع تاريخية وأنتروبولوجية ، فهو مشبع بمشكلات عصره. ومن ثمّة يجب الكفّ عن التعامل معه بوصفه متعاليا عن الواقع التاريخي الذي أنتجه، إذ يكفي اختراق القشرة القدسية الخارجية للنفاذ إلى تلك الوقائع والمشكلات.

وإذا كان الكتاب المقدس يحدثنا بشكل خاص عن اليهود وصراعهم مع غيرهم من الأقوام، فإنّه بالاستناد إلى تلك الوقائع يمكن تبيّن أنّهم ليسوا من حيث أصولهم سوى قبيلة بدوية من بين القبائل التي عاشت في تلك المنطقة، وقد تعارضت مصالحها بعد ذلك مع بقية القبائل جرّاء اشتغالها بالزراعة واستقرارها، ويرجّح أن يكون سبب ذلك الاستقرار عائدا إلى عوامل جغرافية، ففلسطين تغلب على تضاريسها السهول بينما تحيط بها الصحارى. ويدرج أنجلس هذه التطوّرات التاريخية والاجتماعية ضمن حالة عربية سامية بقوله “إنّ الكتابات العربية القديمة، التقاليد، القرآن، السهولة التي يمكن بها جمع الأنساب الخ، ذلك كله يشهد بأنّ المحتوى الرئيسي كان عربيا أو بالأحرى ساميا بوجه عامّ” المصدر نفسه ص 94.

وليست الملاحظات العرضية التي أبداها حول اليهودية والمسيحية سوى مدخل للحديث عن الإسلام، حيث يبيّن أنّ الغزو المحمّديّ من حيث طابعه التاريخي لا يختلف كثيرا عن الغزوات البدوية التي سبقته، مثل تلك التي أدّت إلى تأسيس الإمبراطوريتين الأشورية والبابلية، ويشرح كيف يأتي الغزاة من البدو ويشنّون حربا ويخوضون معارك ضارية، وإذا ما انتصروا يؤسّسون مدنا، ومحمّد فعل الشيء نفسه.
وهو يرى أنّ العرب شعب لا يقلّ مدنية عن المصريين والأشوريين وغيرهم من الشعوب والدليل على ذلك المباني التي شيّدوها، وبالتالي فانّ الحركة التي قادها محمد ليست صاعقة في سماء صافية، فقد عبّرت عن مسعى العرب لبناء دولة مركزية وتطوير حضارة، مثلهم في ذلك مثل شعوب كثيرة أخرى، يقول “يبدو أنّ العرب حيث كانوا قد استوطنوا في الجنوب الغربي كانوا شعبا لا يقلّ مدنية عن المصريين والأشوريين وغيرهم، كما يتبيّن ذلك من المباني التي شيّدوها، هذا يفسر أيضا الشيء الكثير عن الفتح المحمّدي” المصدر نفسه والصفحة نفسها (يستعمل المترجم العربي مصطلح فتح بينما ترد في النسخة الفرنسية عبارة invasion التي تحسن ترجمتها بغزو، أنظر :

Karl MARX et Friedrich ENGELS .Textes choisis، traduits et annotés par G. Badia، P. Bange et Émile Bottigelli(

ومن هنا فإنّ طبيعة الثورة المحمّدية تجد تفسيرا لها في صميم التاريخ باعتبارها حدثا ارتدى لبوس الدين، كان من حيث الشكل رفضا للوهن والتفسخ والفساد الذي أصاب الحياة القبلية فكانت المناداة بالرجوع إلى الصفاء والاستقامة والبساطة والصدق، وفي هذا يتمظهر الرداء الأخلاقي الذي تلحّفت به تلك الثورة.

وإذا كانت الديانة الإسلامية قد اتّخذت شكل ديانة توحيدية فإنّ ذلك غير منفصل عن الموروث التوحيدي السائد زمن محمد، فقد كانت هناك الديانتان اليهودية والمسيحية، كما هناك ظاهرة الأحناف وقبل ذلك حاول اخناتون وقد تولّى الحكم في مصر القديمة توحيد آلهة المصريين في إله واحد هو آتون.

لذلك يلاحظ أنجلس أنّ تراث التوحيد كان غالبا في هذه المنطقة وأنّ التوحيد اليهودي هو جزء منه فقط، وملاحظته هذه تنطبق على الدين الإسلامي أيضا، فالاتجاه التاريخي كان يسير صوب التوحيد الديني، وهو اتجاه يعبّر عن ميل تاريخي لتجاوز التشتت القبلي، وبالنسبة إلى العرب فإنّ الإسلام مشبع بهذه الدعاوى من ذلك القول : كنتم شعوبا وقبائل فألّف بينكم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، والدعوة إلى أن يكون المؤمنون كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمّى، أما سياسيا واجتماعيا فقد كانت دولة محمّد في يثرب ومن بعدها الإمبراطوريتان العربيتان الأموية والعباسية تجسيدا لذلك.

وفي رسالة جوابية مؤرخة في 2 حزيران 1853 يبدي كارل ماركس موافقته على فكرة التمايز بين القبائل، من حيث اشتغال بعضها بالزراعة واستقرارها، بينما تظلّ أخرى مترحلة، ويحاول الوقوف على أسباب نشأة الدين الإسلامي، وهي تتمثّل برأيه في سبب اقتصادي هو انحطاط التجارة في الجزيرة العربية، ممّا أدّى إلى خراب الكثير من المدن التي كانت مزدهرة قبل ذلك مثل مكة، فقد تغيّر الطريق التجاري الذي كان يربط أوربا بآسيا، ففي السابق كان يمرّ بالجزيرة العربية والبحر الأحمر، غير أنه أصبح يمرّ عبر إيران و الخليج العربي وصولا إلى البحر الأسود.

وخلال بحثه في هذه السبب الاقتصادي يربط بين ما هو تجاري وما هو زراعي ملاحظا انعدام الملكية العقارية الخاصة في الشرق، فالدولة المركزية هي مالكة الأرض معتبرا ذلك مفتاح فهم الأرض والسماء الشرقيين، أي الواقع الاجتماعي و الايدولوجيا على حدّ سواء قائلا : “إن أساس كل ظواهر الشرق (....)هو عدم وجود الملكية الخاصة للأرض هذا هو المفتاح الحقيقي حتى بالنسبة للسماء الشرقية” المصدر نفسه، ص 96 .
وهنا تأتي الرسالة الثالثة، فتعليقا على تلك الملاحظات كتب أنجلس إلى ماركس بتاريخ 6 حزيران 1853، مركّزا نظره على أطروحة انعدام الملكية العقارية الخاصة في الشرق حتى في شكلها الإقطاعي وكيف يفسّر هذا السبب الاقتصادي تاريخ الشرق الديني والسياسي، فهو يوافق ماركس على هذا الصعيد متسائلا عن سرّ عدم وجود ذلك النمط من الملكية في الشرق، مرجعا إياه إلى عامل المناخ وطبيعة التربة، حيث نجد مساحات صحراوية شاسعة. فالصحراء تمتدّ من إفريقيا عبر جزيرة العرب وفارس والهند وبلاد التتر حتى الهضبة الآسيوية العليا، مما يحول دون الملكية الخاصة للأرض، وفي المقابل فإنّ الدولة المركزية وملحقاتها في الأقاليم والمقاطعات هي التي تبسط هيمنتها على الأرض وتتصرف في مساحات كبيرة، فهي المشرف الرئيسي على الزراعة، أي إنها المالك الإقطاعي الوحيد تقريبا، وإذا ما سقطت بفعل غزو خارجي فإنّ الزراعة تتأثر مباشرة وهو ما حدث في الهند على سبيل المثال جراء الغزو البريطاني، يقول “الري الصناعي هو أوّل شرط للزراعة، وهذا عمل البلديات أو المقاطعات أو الحكومة المركزية، إنّ حكومة شرقية تشمل دائما ثلاثة فروع فقط : المالية (النهب في الداخل) الحرب (النهب في الداخل والخارج) والأشغال العامة (تأمين تجديد الإنتاج). ولقد أدارت الحكومة البريطانية في الهند الفرع الأول والفرع الثاني بعقلية ضيقة وأسقطت الفرع الثالث كليا ممّا أدّى إلى خراب الزراعة الهندية” المصدر نفسه والصفحة نفسها.

عندما يأتي الغزاة يدمّرون الزراعة التي كانت تؤمّنها الدولة المركزية فتصبح المساحات الخضراء القديمة جرداء، وهذا ما عرفته مدن شرقية مختلفة، ومن شأن ذلك إلحاق دمار شبه تامّ بحضارة هذا الشعب أو ذاك من الشعوب الشرقية، يقول "هذا الري الصناعي للأرض الذي انقطع فور تدهور جهاز الريّ يعلل تلك الظاهرة الغريبة، وهي أنّ مساحات كبيرة كانت في الماضي مساحات زراعية مزدهرة هي اليوم قاحلة جرداء ( تدمر، البتراء، الخرائب في اليمن، أقاليم في مصر وفارس وهندوستان) كما يعلّل الحقيقة التالية وهي أنّ حربا واحدة مدمّرة تستطيع أن تقضي على سكان بلد لمدة قرون وأن تجرد هذا البلد من كلّ حضارته. المصدر نفسه ، ص ص96 / 97.

واستنادا إلى هذه الملاحظة يحاول الإحاطة بالظرفية التاريخية التي تفسّر الثورة المحمدية، فقبلها كان خراب التجارة في الجزيرة العربية قائلا : “هنا أيضا يأتي دور خراب تجارة الجنوب العربي قبل محمد وهو العامل الذي اعتبرته بحقّ واحدا من العوامل الرئيسية في الثورة المحمدية”. المصدر نفسه، ص97
ولكن كيف حدث هذا الخراب ؟؟ يفسر ذلك بالغزوين الحبشي والفارسي والظروف العامة للتجارة أي ما أشرنا إليه آنفا ممثلا في تغيّر الطريق التجارية بين أوربا وآسيا، وبالنسبة إلى العامل الأخير يعترف بعدم امتلاكه تفسيرا نهائيا لذلك التغير لعدم دراسته التاريخ التجاري للقرون الميلادية الستة الأولى بصورة عميقة، ولكنه يرجح أن يكون العامل الأمني هو السبب، فـ“في جميع الحالات كان لأمن القوافل النسبي في إمبراطورية الفرس الساسانيين المنظمة أثر ضخم ، بينما كانت اليمن بين أعوام 200م و600 م تعاني بصورة دائمة تقريبا من سيطرة الأحباش وغزوهم ونهبهم، إنّ مدن الجنوب العربي التي كانت لا تزال مزدهرة في عصر الرومان غدت مقفرة ومخرّبة في القرن السابع” المصدر نفسه والصفحة نفسها.

مما يعني أنّ الربط بين الغزو الخارجي وخراب التجارة والزراعة وما نتج عن ذلك من أزمة عصفت بمجتمع شبه الجزيرة العربية كان تاريخيا الحاضن الموضوعي للثورة المحمدية، فالغزو الحبشي الفارسي أدّى إلى تحريك العواطف القومية للعرب، يقول : “إنّ طرد الأحباش حدث قبل محمد بزهاء أربعين سنة، وكان بشكل واضح الفعل الأوّل للشعور (للوعي) القومي العربي المستيقظ، الذي حركته من جهة أخرى غزوات الفرس من الشمال التي اندفعت إلى مكة تقريبا” المصدر نفسه والصفحة نفسها.
ويعد أنجلس بأنه سينكب على دراسة تاريخ محمد نفسه لمزيد التعمق في الملاحظات التي ساقها في رسالته : “وسأدرس في الأيام القليلة القادمة تاريخ محمد نفسه” المصدر نفسه والصفحة نفسها.

من خلال قراءة هذه الرسائل يمكننا استخلاص النتائج التالية :
أولا : كان أنجلس وماركس على اطلاع على القرآن وبعض ما كتبه الجغرافيون والمؤرخون الأوربيون والعرب حول الإسلام والعرب والشرق، ومن بينهم شهاب الدين النويري وبرنييه وفورستر.

ثانيا : تنسيبهما لمواقفهما في علاقة بخصوصية الوضع المدروس، فملكية الأرض في الشرق غير ملكيتها في مناطق أخرى، ممّا يفسّر نشأة الأديان التوحيدية في الشرق على وجه التحديد.
ثالثا : إنّ الحديث عن الشعور القومي المبكّر لدى العرب والطبيعة المخصوصة لملكية الأرض يمكنان من تبين الاختلاف بين تشكّل الأمم الشرقية والأمم الغربية، فإذا كانت هذه الأخيرة قد رأت النور مع الثورة البرجوازية الديمقراطية وتوفر عامل الوحدة الاقتصادية، فإنّ الأمم الشرقية ومن بينها الأمّة العربية أقدم من ذلك، فالدولة المركزية العربية على سبيل المثال اكتسبت أبرز ملامحها مع الإمبراطوريتين الأموية والعباسية، حيث توفّرت بشكل ما تلك الوحدة الاقتصادية، وكانت الدولة هي المالك الرئيس للأرض، حتى أنّ هارون الرشيد خاطب يوما غمامة قائلا : أمطري حيث شئت فخراجك لي.


---------------------------------------------


الماركسية والدين:
التباسات العلاقة وأسس المصالحة

عبد الحسين شعبان
باحث وأكاديمي عراقي
مجلة المستقبل العربي، العدد 409 (آذار/مارس) 2013.


مقدمة
تستحق ندوة الدين والدولة التي نظّمها مركز دراسات الوحدة العربية، والتي شارك فيها ما يقارب من 100 باحث ومختص ومفكر، وبدعم من المعهد السويدي بالاسكندرية، وقفة تأمل، فهي تشكّل إحدى منتديات الحوار الجادة والجريئة، ولا سيما أنه قد اجتمع في هذه الندوة متديّنون وغير متدينين، إسلاميون وعلمانيون، حداثيون وتقليديون، وجرى فيها نقاش عميق ومسؤول في الموقف من علاقة الدين بالدولة.
وإذا كانت الندوة قد فتحت شهية الحوار، فإن هناك الكثير الذي يمكن مناقشته على هذا الصعيد، فقد غاب مثلاً الموقف الماركسي من الدين والدولة، وهو الذي شكّل أحد أركان المشهد السياسي الخمسيني والستيني من القرن الماضي، والذي يمكن أن يستقطب اليوم بعد إعادة قراءته على نحو جديد، ولا سيما بعد الربيع العربي، أوساطاً جديدة مهتمة باحتدام الصراع والجدل بين الإسلاميين والمتدينين من جهة، وأوساطاً واسعة من اليسار الماركسي والعروبي، أو ما يمكن أن نطلق عليهم العلمانيين أو الليبراليين، من جهة أخرى، فضلاً عن فكرة الدولة بعد الثورة العلمية- التقنية، ولا سيما ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا اإعلام، وموضوع سوسيولوجيا الدين والتديّن، إضافة إلى العولمة وإفرازاتها والأزمة الاقتصادية والمالية، بما فيها موضوع الدولة الريعية...إلخ.

وأعتقد أن الندوة، بحكم تنوّعها وغناها، كانت أقرب إلى طرح أسئلة، بحاجة إلى المزيد من الدراسة والقراءة وإعادة النظر، خصوصاً في ظل المستجدات والمتغيّرات العربية والكونية. لذلك تأتي هذه المساهمة لتعرض موقف الماركسية من الدين، لما له من قيمة تحليلية ومعرفية، مثلما يفيد الإلمام بجوانب الفكر الماركسي من الدين، الفكر النقدي بوجه عام، وخصوصاً أن الهدف هو التنوير ودوره في إثراء الجدل الدائر حول العلاقة بين الدين والدولة، بما يتجاوز المعنى العام والفهم السطحي لمقولات ماركس حول الدين، ناهيكم عن موقف الماركسية لاحقاً.

أولاً: الدين أفيون الشعوب

إذا كان ماركس قد قال «"الدين أفيون الشعوب" فإنه كان يقصد العلاقات الملموسة بين الدولة البروسية والكنيسة البروتستانتية في ألمانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وقد ظلّ لهذه الجملة رنين خاص، فالدين يمكن أن يكون أفيوناً مثلما يمكن للفن والأدب أن يكونا أفيوناً، والسياسة يمكن أن تكون أفيوناً هي الأخرى، وهو ما عبّر عنه فيديل كاسترو في حواره الطريف والعميق مع فراي بيتو، رجل الدين المسيحي، لمجلة أنفيو (ANVIO).[1]
وإذا كان ماركس لا يتحدث على نحو تعميمي وتجريدي يصلح لكل العصور والتشكيلات الاجتماعية، كما هو إنجلز وفيما بعد لينين، فقد تحدث هؤلاء على فعل ملموس وإيجابي، في الكثير من الأحيان، فيما يتعلق بالدين كعنصر يسهم في دعم نضال الكادحين، وهو ما قصده ماركس عند حديثه عن الفلاحين في ألمانيا. ولا يهم في ذلك إن كان الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن، لكنّ الباحث ولا سيما الماركسي هو الذي يحاول قراءة الواقع لاستنباط الأحكام والقواعد التي يمكنها الإسهام في تغييره بتعزيز الجوانب الإيجابية فيه وتوظيفها لهذا الغرض، سواء كان ديناً أم غيره، وبتشخيص الجوانب السلبية التي تعيق عملية التغيير لمواجتها ودراسة تأثيراتها المعرقلة على مسار التطور الاجتماعي.

بحسب قراءاتي الماركسية، لم يكن ماركس، كما أشرت في كتاب (تحطيم المرايا- في الماركسية والاختلاف)، قد تحدّث عن الدين وناقشه كأطروحة متكاملة، لكنّ إسهام ماركس بالذات كان في البحث في وظيفة الدين وأسباب حاجة البشر إليه باعتباره "الزهرة الوهمية على قيد العبد" أو "زفرة المقهور". وقد استفاد ماركس من رؤية فيورباخ إزاء الدين، ولم يكن له موقف عدائي مسبق. وأظنّ أنّ أي مواقف مسبقة من الدين ستكون نقيضاً للماركسية التي هي أداة لتحليل الظواهر لا نفيها.

إنّ الماركسي الذي ينظر إلى الفكرة التي تكوّنت خارج الواقع لا يمكنه أن يكون ماركسياً؛ فالماركسية نظرية لفهم الواقع، وبالتالي العمل على تغييره، لكنها لا تتطابق مع الواقع الجديد الذي تريد تغييره، بل ستسعى، هي ذاتها، إلى عدم ثباته أو النظر إليه كشيء ساكن. ولعلّ الكثير من الماركسيين، بمن فيهم العرب والعالمثالثيين، عند بحثهم المسألة الدينية لم يخضعونها للمنهج الجدلي، وهو موقف غريب، ولذلك كانت استنتاجاتهم غريبة أيضاً، لأنها نقيض للماركسية، لا سيّما عدم إدراك طبيعة التناقضات في الظاهرة الدينية.

لا يمكن، في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية والإسلامية والعالمثالثية، إلى حدود كبيرة، لأيِّ جماعة ثورية أن تتجاهل الظاهرة الدينية، لا سيّما أنها ظاهرة مجتمعية، وإلاّ فإنها، هي ذاتها، سوف لا تكون ثورية. وإذا ما فعلت ذلك فلن يعود بإمكانها القيام بالتغيير الاجتماعي الحقيقي للمجتمع. وحتى اليوم لا يوجد استثناء لذلك، فقد أفادت أمريكا اللاتينية وحركتها الثورية، إلى حدود كبيرة، من لاهوت التحرير المسيحي، فالتديّن الشعبي هو أحد معطيات الواقع الاجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر الاعتبار، ولذلك فإنّ من يعتبر نفسه طليعة الشعب لا بدّ وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات، الأمر الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه، لا سيّما القيم الإنسانية المشتركة التي تمثل، في الوقت نفسه، قيماً للماركسية.

لقد ساد فهم ستاليني ميتافيزيقي للماركسية بحيث طغت أحياناً فوق التناقضات والنزعات في التشكيلات الاجتماعية، وهو ما أعادني إلى قراءة رسالة باكونين، الثوري الروسي، إلى ماركس عند تأسيس الأممية الشيوعية الأولى في إنكلترا، حين اقترح فيها أن تضمّ العمال الملحدين فقط، وكان جواب ماركس أنه يقبل بالعمال الشيوعيين بغضِّ النظر عن موقفهم من الدين، سواء كانوا ملحدين أم غير ملحدين، لأنّ الاقتصار على الملحدين سيؤدي إلى قبول نسبة ضئيلة من العمال، وهو الموقف الذي اتّخذه لينين لاحقاً في الحزب البلشفي، باعتبار المسألة مسألة ضمير، وإن كانت في التطبيق العملي قد اتّخذت بعداً سلبياً بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917، لا سيّما إزاء رجال الكنيسة، وهو ما شرحته مطولاً في كتابي "تحطيم المرايا- في الماركسية والاختلاف"، خصوصاً الإجراءات التعسفية والانتهاكات السافرة لحرية الضمير والدين والحق في الاعتقاد، وهو ما سارت عليه معظم التجارب الاشتراكية لاحقاً.

وعلينا الاعتراف بشجاعة أنه كان بيننا تيار محدود أو حتى غير معلن يروّج للإلحاد، وذلك تقليداً لوجود مثل هذا التيار في الماركسية التاريخية، ففي الأربعينيات نشر السوفييت كتاباً يقول إنّ المسيح لم يوجد، بل هو اختلاق وهمي لعبيد الإمبراطورية الرومانية. كما حاولنا تفسير التاريخ بمنظور طبقي مادي بعيداً عن الدين، وهو تفسير يصلح لعهد الرأسمالية، خصوصاً بعد فكّ الاشتباك بين الدولة والكنيسة، إلاّ أنّ مثل هذا التفسير، لوحده أو بكامله، لا يصلح لمجتمعاتنا التي ما زال الدين فيها قوياً ومؤثراً، بل ويتدخّل في الشؤون العامة والخاصة، الأمر الذي احتاج إلى تكييف، دون أن يعني نكران، الصراع بين السيّد والعبد والمالك والمُعدم، ولكن ليس باستبعاد الدين أو عبر ثنوية لا ثالث لهما.
كانت بعض الأحزاب الشيوعية قد أقلعت عن التبشير بالإلحاد علناً أو سرًّا، عن قناعة حقيقية أو تكتيكية، وهو ما أخذت به كوبا والجبهة الساندينية في نيكاراغوا عام 1980 التي اعتبرت الدين عامل تحرر. وهذا الأمر يحتاج إلى عمل من نوع آخر في أحزابنا الشيوعية العربية، لا بهدف المصالحة وحسب، بل للحديث عن وظيفة الدين وكيف يمكنه تعبئة الناس للنضال من أجل حقوقها ومصالحها، وما هو دور الحركة الشيوعية في ذلك، سواء في مرحلة التحرر الوطني والانعتاق من ربقة الاستعمار أم في مرحلة ما بعد الاستقلال، مع بقاء فلسطين والعديد من الأراضي العربية محتلةً، وهو ما يمكن فحصه من خلال الواقع: حزب الله في لبنان مثلاً، أو حماس في غزّة، ناهيكم عن صعود تيار الإسلام السياسي في الغالبية الساحقة من البلدان العربية بعد الربيع العربي، وتلك إحدى مفارقات التغيير، وخصوصاً فوز الإسلاميين في انتخابات حرّة، الأمر الذي يحتاج إلى وقفة مراجعة لدور الدين ووظيفته وكيفية استخدامه أو التعاطي معه.[2]
أما بخصوص أزلية المادة، التي كان معظم سجالاتنا تتم على أساسها مع الإسلاميين أو غيرهم، فقد كان الاعتقاد قبل اكتشاف أينشتاين أنّ للكون ثلاثة أبعاد: السرعة والزمان والمكان، وذلك تجاوزاً على العلوم الفيزيائية والكيميائية في عهد إنجلز. لقد كان ماركس مادياً ديالكتيكياً، أي ضد المثالية وفي الوقت نفسه ضد المادية المبتذلة التي تريد اختزال كل شيء إلى عقلانية علمية وتجريبية مادية وضعية، في حين أنّ هناك بعداً رمزياً وذاتياً للعالم، مثلما له بعده المادي، وبهذا المعنى فقد كان ماركس ضد الماركسية الميكانيكية، وهو ما ينبغي على الماركسيين تمثله، آخذين بنظر الاعتبار ظروف مجتمعاتهم.
لا وجود لماركسية خارج الإنسان وخارج المجتمع، وبما أنّ الإيمان الديني موجود، فالإنسان المؤمن أو غير المؤمن له علاقة بالسماء، وكلّ الذين حاولوا توظيف العقلانية العلمية الخاصة وصلوا إلى مجتمعات مغلقة، بل وحتى ظلامية، ولعلّ تجربة الثورة الصينية في العام 1965 دليل على ذلك، تلك الثورة التي روّضت الصين والثقافة والتاريخ على نحو خطير. لا يمكن لأيّ أحد أن يصبح شكسبير أو دوستوييفسكي أو تولستوي أو المتنبي أو الجواهري أو بتهوفن أو أينشتاين أو بيكاسو، فهؤلاء يملكون مواهب نادرة تفوق العقلانية بتحليل الثقافتية. لعليّ أنظر إلى العلمانية باعتبارها إنجازاً للعقلانية.
منذ كتابة ماركس كتاب (أصول فلسفة الحق لهيغل)،[3] فإنه يعترف بالمحتوى الآيديولوجي للدين وبدوره في الصراع الطبقي، وفي الوقت نفسه يعترف بمحتواه التحرري حين وضعه "روحاً لعالم بلا روح". وقد قرأ ماركس وإنجلز المنجز الثوري للتقليد المسيحي، حيث تمثل المسيحية نتاجاً وهمياً لعالم معذّب وإسقاطاً ذهنياً لوعيٍّ مُستلب، ما يتطلّب إخضاعها للنقد لا التهجم عليها.
لعلّ المادية تقوم على ثلاث أطروحات أساسية هي:
- الوجود الواقعي للعالم موضوعياً، أي أسبقية المادة على الفكر الذي هو نتاجها، وليس العكس.
- إنّ العالم قابل للإدراك (ابن رشد: العالم قابل للإدراك ).
- الأفكار انعكاس للواقع.
إنّ نصوص الماركسية الفلسفية، لا سيّما مقدمته لأطروحة الحق لدى هيغل أو لأطروحات فيورباخ، لا سيّما الأطروحة الرابعة، تمسّ الدين بوصفه مسعىً إنسانياً لا يقتصر على المسيحية، وكذلك أطروحاته السياسية حول المسألة اليهودية، فقد عالج فيها المسيحية لأنها دين أوروبا السائد، وحتى عندما عالج المسألة اليهودية فإنّ معالجته لم تمسّ جوهر الدين اليهودي، بقدر ممارساته في ذلك العهد في أوروبا. من هنا ينبغي النظر إلى ازدواجية المفهوم لدى ماركس، وذلك حين يجمع بين الروح والأفيون، تلك الازدواجية التي هي في أصل الدين ذاته.
وبحسب غرامشي في (دفاتر السجن)[4] الدين هو أحد أركان البنيان الفوقي الآيديولوجي للتشكيلة الاجتماعية الملموسة، وهو متداخل مع بنيتها السوسيو-اقتصادية، وهنا يمكن التفريق في وظيفته من خلال مستويين أساسيين: الأول يتعلق بالمجتمع المدني، والثاني له علاقة بالمجتمع السياسي- الدولة التي تعتمد على وظيفة الهيمنة.
وإذا كانت المسألة الدينية في العالم العربي من أعقد المشكلات، بل وأخطرها، وقد ازدادت اشتباكاً والتباساً منذ أواسط السبعينيات، فقد ارتبطت هذه المسألة، أولاً، بصعود التيار الديني، وبشكل خاص الإسلامي أو الإسلاموي، وثانياً، الأمر له علاقة بالمواقف الانتهازية للغالبية الساحقة من السلطات الحاكمة التي حاولت مداهنة الإسلاميين، بل وحتى تملّّقهم، عسى أن يرضوا عنها، وقدّم الحكام التنازل تلو الآخر لها على الصعيد الدستوري أو القانوني أو على الصعيد العملي، أما ثالثاً فيتعلّق بفشل اليسار، لا سيّما الماركسي، في برنامجه الفكري والسياسي، وتراجعه عن مواقعه، إضافةً إلى بقائه على هامش وعي الجماهير ومعتقداتها اليومية.
لعلّ الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، بعد توليّه الأمور، هو من شجّع على وضع دستور بصياغات إسلامية غير معهودة من قبل، من قبيل اعتبار "الشريعة الإسلامية" "مصدراً أساسياً" للتشريع، وهو ما دار النقاش حوله، ولا يزال يدور، في العديد من البلدان العربية، علماً أنّ من غير الممكن عملياً تحديد قواعد هذه الشريعة أو الاتفاق عليها من جانب الفقهاء، ناهيكم عن تدخّل أصابع مفسّري ومؤولي النص الديني، وقد اندلع مثل هذا النقاش على نحو واسع في العديد من البلدان العربية بعد موجة الربيع العربي. وقد أقرّت لجنة صياغة الدستور المصرية، بعد الربيع العربي، هذا النص الذي اعتبره مفتي الأزهر الشريف محمد الطيب نصاً واقعياً وعملياً.[5] وأضيف إلى ذلك، رابعاً، نجاح الحركات الإسلامية الأصولية والمعتدلة في حكم العديد من دول المنطقة، بغضِّ النظر عن اختلافاتها المذهبية والعقائدية، فهي تحكم باسم الإسلام، وقد تعزز دورها بعد الربيع العربي كما جرت الإشارة إلى ذلك.
ولعلّ هذه الظاهرة بحاجة إلى دراسة سوسيوثقافية بعد فشل مشروع اليسار، بشقيه الماركسي والعروبي (القومي). وقد اكتسبت غالبية المناقشات حول المسألة الدينية طابعاً عاطفياً وراهنياً، دون النظر إليها كبعد ستراتيجي، فضلاً عن تبسيطية وإرادوية، لا سيّما بغياب منهج واقعي، الأمر الذي راكم في تعقيد المسألة، ناهيكم عن استخدامها من جانب القوى الرجعية والإمبريالية.
للدين، دون أدنى شك، قيمة علمية، نظرية وعملية، لأنه يشكّل أساس علاقة الفرد مع الذات، خصوصاً إحساس الإنسان وعاطفته وسلوكه واعتناقه عقيدة معينة، ومن جهة أخرى فإنّ الأشكال الاجتماعية التي يمثلها للوعي، كأنساق وتمثّلات، هي في جوهرها مجموعة من الأفكار والنظريات والآراء التي تعبّر عن حزمة بشرية من الكيان الاجتماعي في إطار قوانين وقواعد معيّنة.
وبحسب ماركس فإنّ هذه التمثّلات قد تكون منسجمة مع الواقع أو متعارضة معه، بل وحتى وهمية أو خيالية، إلاّ أنّ هذا الخيال لا يمكن اعتباره مفرغاً تماماً من الواقع، بل إنه يتجسّد ويتموضع في نتاج نشاط الناس.[6]
ثانياً: الماركسية والإيمان الديني: المنظور وزاوية النظر
إنّ بحث المسألة الدينية من منظور ماركسي يستهدف فهم العلاقة بين الدين كخطاب، من جهة، وبينه وبين الممارسة الاجتماعية "البراكسيس" من جهة أخرى. ويرى ألتوسير أنّ إشكالية ماركس مع الدين هي بالأساس إشكالية فيورباخية، كما سبق وأن عرضنا ذلك في كتابنا (تحطيم المرايا- في الماركسية والاختلاف)، وهو ما تم التطرق إليه بشأن كتابه (المسألة اليهودية)، وكذلك كتابه (نقد فلسفة الحق لدى هيغل).[7]
وبما أنّ الدين أوسع من الآيديولوجيا، فضلاً عن توجّهه لمخاطبة فئات واسعة من السكان، لا سيّما الفئات الشعبية، الأمر الذي يمكن أن يصبح سلاحاً ذا حدين بيد الحاكم وكذلك بيد المحكوم، فهل يصبح هدف محاربة الدين ثورياً؟ وأيّ ماركسية تلك التي تتوجه إلى معارضة دين ومعتقدات الغالبية الساحقة من السكان، لا سيّما الفئات الشعبية؟ أظنّ أنّ في ذلك ضربٌ من الصبيانية وعدم الشعور بالمسؤولية، ناهيكم عن الجهل، إلاّ إذا كان ناجماً عن وعي وسابق إصرار، فإنه يبقى يدور في نخبوية نظرية خارج الماركسية وليس مهمة نضالية تغييرية كما هي الماركسية.
جديرٌ بالذكر، فيمكن القول، أنّ الماركسية لم تقم بصياغة أطروحة كاملة حول المسألة الدينية، أو السوسيولوجيا الدينية، وإذا كان الاستغلال والقمع والاضطهاد في أوروبا قد ارتبط بالدين، فقد كان من المنطقي شنّ الكفاح على المستوى العملي والنظري، لا سيّما على مستوى الثقافة والوعي، ضد استثماره ليكون عائقاً بوجه التقدم الإنساني، خصوصاً وأنّ استغلال الدين قد عرقل تقدم المجتمع، ناهيكم عن إدامة السيطرة عليه.
وإذا كانت البرجوازية قد توجّهت إلى محاربة الإقطاع، لا سيّما في القرن الثامن عشر، فلأنه كان مرتبطاً بالكنيسة أيضاً، الأمر الذي اقتضى محاربة السلطة السياسية وكيانيتها الروحية ومنظومتها السلوكية العملية، وهو ما أدّى إلى ظهور حركات إصلاح ديني وتمرّدات واحتجاجات ضد الكنيسة من جهة، ناهيكم عن ظهور تيارات إلحادية كرد فعل على دور الكنيسة المتحالفة مع الإقطاع من جهة أخرى. وقد عمد ماركس وإنجلز إلى نقد وظيفة الدين و"السلطة الدينية" لكونهما كانتا مختفيتين خلف ستار الفلسفة، وبسبب هذا التستر حصل استلاب للجوهر الإنساني، وإذا اقتضى تحرير الإنسان ذلك فلا بدّ من تحطيم هذا الاستلاب المغلّف بالقناع الديني.
وقد حاول رجال الكنيسة، بحكم نظرتهم القاصرة إلى الإنسان، اعتباره قاصراً وضعيفاً، الأمر الذي يعني الإبقاء عليه بعيداً عن واقعه، بتقديم عالم خيالي ومثالي له بديلاً عن الواقع المعيشي.[8]
إنّ ما ورد على لسان ماركس في كتابه (نقد فلسفة الحق لدى هيغل) من أنّ "الدين أفيون الشعوب" لم يفهم في سياقه. أولاً، فالأفيون في القرن التاسع عشر كان علاجاً طبياً وقانونياً يستعمل في الطب، وتتعامل به المستشفيات والمراكز الصحية، لا باعتباره مخدّراً ساماً أو مدمّراً لجسم الإنسان، وإنما هو مسكّن مؤقت من الآلام والأوجاع، ولم يكن النظر إليه كعمل إجرامي أو فعل مخالف للقانون، كما هي الحال في الوقت الحاضر، بل كان أمراً مرخصاً له ومسموحاً به ومفيداً.
وأودّ أن أشير هنا إلى أنّ ماركس قد اقتبس عبارة "الدين أفيون الشعوب" من عمانوئيل كانط، حيث وردت هذه العبارة في كتابه (الدين في حدود الفعل البسيط)، أما عن السياقات المستفحلة فيه فهي التطمينات التي كان الرهبان يقدّمونها عند رؤوس الموتى، فالخوف الجسدي من الموت هو الذي يعطي الشرعية لهذا التطمين، وليس الألم الأخلاقي أو وخز الضمير.[9]
وإذا كان هناك في الدين المسيحي ما نطلق عليه اسم الإكليروس، وهي مؤسسة منظمة طبقاً لتسلسل هرمي وفقاً لتعاليم الكنيسة، وهؤلاء يلعبون دوراً وسيطاً تستمد منه الكنيسة سلطتها ووجودها، فلا يوجد في الإسلام مثل هذا الهيكل التنظيمي، علماً أنه توجد في الإسلام فِرَق ومذاهب واجتهادات فقهية تلتقي وتتعارض، ولذلك كان من خطأ الماركسيين العرب استعمال نفس تعاليم ماركس وإنجلز بشأن الدين، نظراً لاختلاف الظروف والأوضاع بينهما. لقد حاكمنا الدين من موقع أوروبي ومسيحي، وكان ذلك أحد أخطائنا الفكرية الفادحة.
لعلّ أطروحة ماركس بشأن انقراض الدين لم تكن صحيحة، وهو ما دحضته الحياة ذاتها، فالدين لم ينقرض أو يتراجع، على الرغم من تقدّم العلم. وقد حاول غرامشي، بعد ماركس وإنجلز، إعادة النظر في المسألة الدينية، لكنّ نهجه ظلّ بعيداً عن توجهات الماركسيين العرب، وقد استمدّ غرامشي نهجه من البراكسيس، أي الممارسة الكفاحية العملية، ولم يستمدّه من الكتب والتعليمات. لعلّ ذلك يجعلني أميل إلى استنتاج أساس بشأن موقفي من المسألة الدينية بالقول: "إنّ الظاهرة الدينية ظاهرة دائمة ترتبط بالوعي والثقافة الشعبية، وهي تعبير عن الإحساس المشترك الذي كان علينا إدراكه والتعامل معه من موقع نقدي، وليس من موقف نفي، وكان علينا الاستفادة منها بدلاً من صدمها أو التصدّي لها، وقد التفّت الجماهير حولنا يوم التقطنا مدى تعلّقها بهذه الظاهرة التي وظّفناها بالاتجاه الصحيح."[10] وقد أورد الباحث، من ذاكرته الطفلية التي احتفظ بها، كيف كان الناس يردّدون شعارات الحزب الشيوعي في المواكب الحسينية، أعوام 1954 و1956 و1957، وهناك شذرات أخرى في أواسط الستينيات.[11] ويوم ترفّعنا عليهم، بل وتصادمنا معهم ومن خلالهم مع الدين ككل (بعد ثورة 14 تموز/يوليو/1958 وفيما بعد 17 تموز (يوليو) 1968) حين اتّخذنا موقفاً مماثلاً لموقف حكومة البعث، بل ومزايداً أحياناً من قِبل بعض القياديين، لا سيّما خلال أحداث شباط (فبراير) 1977، وطالبنا باتخاذ إجراءات قسرية ضد المحتجيّن، خسرنا بيئة كان يمكن كسبها لصالح قضية التغيير، وهي البيئة التي تغنّينا بها وتغذّينا عليها طيلة عقود، لأنها بيئة الفقراء والكادحين والمحرومين.
وبدلاً من أن نوجّه بعض النقد إلى إجراءات القمع المشدَّد، وإلى بعض رجال الدين الفاسدين، وجّهنا نقدنا أحياناً، حتى دون أن ندري، إلى الدين والإيمان الديني والجماهير المؤمنة التي اتهمناها بالرجعية، وطالبنا بإنزال العقاب الصارم بحقها، بل سَخِرنا من بعض الممارسات الدينية، أو أهملنا التعاطي معها، من موقع متعالٍ ومترفّع، وهو ما عملت على استثماره الحركة الدينية، ووظفته لاحقاً ضدنا على نحو مسيء.[12]
إنّ إلغاء الدين يعني إلغاء التاريخ، وهذا الأخير لا يمكن للحاضر أن يوجد دونه، ولا يمكن البدء من الصفر، وهو ما تبنّاه غرامشي على مستوى المنهج، لا سيّما للحزب الشيوعي الرديكالي.[13]
وبحسب المفهوم التقليدي بشأن الدين، فإنّ الماركسية تعتبره نتاجاً خاصاً بالمجتمعات الطبقية، ومحكوم عليه بالاختفاء مع انتفاء الملكية الخاصة. وهكذا ربط التأويل الماركسي التقليدي الأرثوذكسي ذلك بالصراع الاقتصادي، في المجتمع الرأسمالي، بين البرجوازية والبروليتاريا، وبانتصار الأخيرة يكون الدين قد اضمحلّ تدريجياً. ولعلّ هذه الاستنتاجات النظرية المجرّدة هي التي اعتُمدت لدينا كنماذج للتعبير الثقافي في النظر إلى الظاهرة الدينية، في حين أنّ الحقيقة كانت باتجاه آخر، وهو ما لمسته خلال فترة عيشي وتنقّلي في الدول الاشتراكية، في السبعينيات، وما كان له من تأثير في التطورات اللاحقة التي أدت إلى انهيار الأنظمة الشمولية.
استناداً إلى هذه النظرة المسبقة اُعتبِر التاريخ الإنساني واحداً ويتطوّر باتجاه حتمي واحد ووحيد، والدين لديها مجرّد جهاز اضطهاد اجتماعي أو "آيديولوجيا متدنيّة" لا مكان لها في المجتمعات ما بعد الرأسمالية، لأنه معرقل للتقدم ولا تصبح له أي ضرورة تدريجياً، وهي النظرة التي تمّ اكتشاف هزالها في الواقع العملي.
يقسّم بليخانوف الوعي الديني إلى عنصرين: الأول إيماني والثاني اجتماعي، ويلعب الوعي الديني، حسب كارل ماركس، أدواراً متناقضة، سلباً أو إيجاباً، فهو من جهة "زفرة المضطهدين" في التعبير عن احتجاج الجماهير على الواقع، ومن جهة أخرى يساهم في "صياغة الوهم"، بتوظيفه من جانب القوى الاستغلالية لإدامة استغلالها، ولعلّ هذا الجانب الثاني هو المفهوم الذي شاع عن رؤية ماركس للدين، لا سيّما أنّ الوعي الديني كان هو السائد على أشكال الوعي الأخرى من فلسفة وعلوم وأخلاق، وشكّل الدين آنذاك الشكل الخارجي للصراعات الاجتماعية.
الآيديولوجيا الدينية، بذاتها ولذاتها، ليست رجعية أو ثورية، وإنما هي تتلون باللون الذي تعطيه إياه القوى الاجتماعية الحاملة لذلك الوعي وتكييفها لمضامينها لمصالحها. ولعلّ النقد لا ينبغي أن يوجّه إلى العقيدة الدينية والإيمان الديني والرؤية الوجدانية والروحية، وهذه جزء من منظومة متكاملة وخاصة للكون والطبيعة والمجتمع، ولهذا ينبغي أن ينصّب النقد بشدّة ضد التوجه السياسي، الفكري والاجتماعي، وضدّ دور بعض رجال الدين، لا سيّما في استغلال المشاعر الوجدانية والإيمانية الروحانية لتخدير الناس والتأثير في وعيهم وتوظيفه بالوجهة التي تريدها.
وعندما استخدمت القوى الماركسية في العراق المناسبات الدينية، لا سيّما عاشوراء وثورة الحسين ومواكب العزاء الحسيني، على نحوٍ صحيح وسليم اكتسب الدين بُعداً تقدمياً ضد الاستعمار والإمبريالية والقوى الرجعية، وضد الاستغلال والظلم، في حين عندما استقلنا من دورنا هذا، وتوجهنا إلى المكاتب، استحوذت الحركة الإسلامية على الجماهير وضخّتها بوعي جديد حوّلها إلى أداة مطواعة بيدها، لا سيّما عندما نفخت فيها روح الطائفية المقيتة، فصوّتت لها في الانتخابات ووجَّهت تظاهراتها التي أسمتها بالمليونية، وهي المسيرات ذاتها التي كانت تندّد بمشروع النقطة الرابعة وتهتف ضد حلف بغداد والعدوان الثلاثي على الشقيقة مصر وتنتصر لثورة الجزائر وتطالب بالخبز والعمل والحرية.
ليس غريباً أن ترى عدداً من قرّاء المنابر الحسينية وسدنة الروضات الحيدرية والحسينية والعباسية والكاظمية كانوا قد انخرطوا في الحزب الشيوعي بكثير من الاعتزاز لأنه كان يعبّر عنهم، بل ويمثّلهم، في طموحهم نحو مجتمع أكثر عدلاً وحرية ومساواة، وقد كانت تلك الظاهرة طبيعية في ظروف حضور الحزب الشيوعي القوي، لكنها كادت تختفي منذ عقود من الزمن.
لهذا يكتسب الحديث اليوم عن الظاهرة الدينية والماركسية بشكل عام، لا سيّما الظاهرة الإسلامية، أهمية خاصة في بلادنا، نظراً للتابوهات والمحرّمات التي تميّز بها المجال الديني، والحساسية الكبيرة التي تكتنف الموضوع في نقاش هذه الظاهرة. ولعلّ واحداً من الأسباب هو الغموض الذي تمتد جذوره إلى الماضي أحياناً أو بعض التصرّفات الطفولية أو الحسابات القصيرة النظر المتعلقة ببعض المصالح، ناهيكم عن الدور السلبي لبعض رجال الدين الذين يشعرون أنّ أيَّ مرجعية عقلانية حداثية يمكنها أن تؤثر في مواقعهم.
ثالثاً: الدين هو روح عالم بلا روح
لم تولِ الحركة الشيوعية الرسمية العربية الحركة الدينية الاهتمام الكافي، بل إنها إما اتخذت منها موقفاً عدائياً أو تجاهلتها، وعندما اضطرّت إلى التعامل معها في التسعينيات، خصوصاً في العراق بعد الهجرة الواسعة، سعت لكسب ودّها ورضاها، وحصل الأمر على نحو شديد التزلّف بعد احتلال العراق عام 2003 وصعود الموجة الدينية الطائفية. والحركة الإسلامية من جانبها شعرت بالكثير من الغرور والتعالي وهي تتعامل مع الحركة الشيوعية والماركسية، وتعتبر أنها إنما تأتي إليها وهي صاغرة ومهزومة في صراعها مع الحركة الإسلامية، وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء المالكي مؤخراً في حديثه بمناسبة الذكرى 32 لغياب المفكّر الإسلامي السيد محمد باقر الصدر (نيسان، 2012).
في السابق كانت الحركة الشيوعية موجودة وسط الكادحين والفقراء في المدن وفي الريف أيضاً، وإذا كان الوسط الثقافي والطلابي هو ساحتها الأساسية، إلاّ أنّ مساحة حركتها أوسع بكثير لأنها أقرب إلى العقلانية، فإنّ الإبتعاد عن الشغيلة والكادحين، حيث يكون الإسلام قريباً، طرح مسألة الدين على بساط البحث، لا سيّما بصعود تيار الإسلام السياسي. وعلينا أن نأخذ الإسلام كقوانين شريعة بحاجة إلى جهد وضعي يتم تكييفه أو تعقيده حسب الجهة الممسكة بالسلطة، أي تسهيله أو تصعيبه، كما أنه جزء من مكوّنات الهوّية، بغضِّ النظر عن الإيمان من عدمه.
قد يشعر غير المؤمن أنّ هويته إسلامية لأنه جزء من حضارة لا يمكنه التبرؤ منها، كما أنها حضارة فيها الكثير من الجوانب الإنسانية والعقلانية التي يمكن توظيفها لخدمة أهداف الراهن، ولذلك فإنّ الايمانية حقٌّ للمسلم، وله حريته في الإيمان، ونقل الصراع إليها أمر خاطئ، بل وضارّ، ويدلّ على الاستخفاف بالمشاعر الإنسانية والإيمانية وبطبيعة مجتمعاتنا، وعلى عدم فهمها.
إنّ عبارة "الدين هو روح عالم بلا روح" هي ردٌّ على الفكرة المادية المبتذلة، من أنصارها أو من خصومها، التي تعتبر الماركسية تهتم بالماديات فقط، وهي نقيض الروح التي تجسّد القيم الأخلاقية والإنسانية والمثل العليا، ففي استخدام ماركس يرى أنّ الحضارة الرأسمالية هي التي سلبت البشر روحهم، أي قضت على دينهم الحقيقي، ولأنه يريد القضاء على الاستغلال فإنّه يريد تحرير الروح من الهيمنة الرأسمالية من جهة، ومن جهة أخرى منع استغلال تلك الروح من قِبل المؤسسات الدينية التي توظفها بالضدّ منها. وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في الردّة الحالية نحو التديّن تحديداً بسبب خواء رأسمالية عصر العولمة القيمي وفسادها الأخلاقي وفقرها الروحي، وهو ما يشير إليه المفكر اللبناني فوّاز طرابلسي.
يمكنني القول، دون وجل، إنّ ماركس كان طوباوياً في استنتاجاته الخاصة بالدين، والقائلة إنّ زوال المجتمعات الطبقية سينهي الحاجة إلى الدين، لا سيّما بزوال الظلم والاستغلال، الأمر الذي يتناقض مع الطبيعة البشرية، فألغاز البشر لا حصر لها، ولا يمكن الإجابة عنها بمثل هذه الاستنتاجات الخفيفة الوزن، كالحياة والموت والمخاوف الإنسانية من المجهول وعدم القدرة على تفسير بعض الظواهر، وهذه بحدّ ذاتها تستوجب بقاء الحاجة إلى الدين، الحاجة التي قد تكون أبدية.
إنّ وظيفة الدين تتجاوز النقد الفلسفي، وتمتد إلى الجوانب العملية، إذ بإمكانه تعبئة طاقات الناس نحو أهداف سياسية واجتماعية، وهذه تتموضع وتتحدد حسب المكان والزمان والمجتمع والجهات المهيمنة والمسحوقة.
للأسف فإنّ بعض من النقاد عند حديثهم عن الماركسية يقصدون ماركس دون غيره، أو معه إنجلز على أقل تقدير، وعلى الرغم من أنه يمثل النص الأول أو القراءة النقدية الوضعية الأولى، لكنّ تلك القراءة ليست الماركسية كاملة، خصوصاً وقد اغتنت بمعارف وعلوم القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، إذ لا ينبغي الوقوف عند استنتاجات كتاب (رأس المال) ونحن في عصر العولمة، وفي مرحلة ما بعد الكولونيالية والإمبريالية، على الرغم من أهميته واستناده إلى عدد من القوانين التي تمّت الإشارة إليها، والتي لا تزال صحيحة.
الماركسية الأولى هي علم الرأسمالية بامتياز، حين اكتشف ماركس قانون التطور التاريخي للمجتمعات البشرية، وقد اغتنت هذه الماركسية بكونها علم الكولونيالية والإمبريالية، وهي علم يتعلق بالتحرير القومي والاعتراف بالقوميات والأقليات التي أطلق عليها " التنوّع الثقافي"، وإذا كان ردّ بعضهم أنّ العالم العربي، والعالم الثالث بشكل عام، بلا طبقات واضحة ومحددة، فالماركسية لا تقتصر على ذلك، بل هي أكثر من غيرها أطاحت بالرأسمالية العولمية، لا سيّما رأسمالية التوسع الإمبريالي التي تستوجب ماركسية للتحرر الوطني والاجتماعي.
وتلك قيمة مضافة ينبغي على ماركسيينا التمسك بها، سواء في العالم العربي أم في العالم الثالث الذي لا يزال يعاني الاستغلال الإمبريالي المعولم والمركزية الأوروبية- الغربية الشديدة الإسقاط على مجتمعاتنا، خصوصاً محاولة تهميشها وإلحاقها واستغلال ثرواتها وشعوبها.
لقد حوّلت أوروبا الدين، لا سيّما بعد عصر التنوير، إلى مجرد تقليد ومحاكاة، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأنّ الله يمثل القوة الكامنة التي ينسب إليها كل شيء، وأنّ الفرد والمجتمع بحاجة إلى التقرب إليها، لكنّ الأمر، تدريجياً وفي ظلّ عالم الحداثة، اتّخذ بعداً جديداً، بإضعاف دور الدين على حساب دور الدولة التي حاولت التأثير على المؤسسات الدينية لتتساوق مع مؤسسة الدولة العليا.
كان اكتشاف إسحاق نيوتن قوانينَ الفيزياء الحركية والميكانيك صدمة مؤثرة لعالم الغيب الذي ظلّ الدين متمسّكاً به، الأمر الذي وضع هذه القوانين في إطار الدراسة والفهم والتطوير، دون العودة أحياناً إلى نصوص دينية بإضفاء طابع التقديس عليها، وبالتالي جعلها فوق العلم وتجاربه!
ومع أنّ مثل هذه القوانين لا تلغي الحاجة إلى الدين وإلى الروحانيات، فقد أخذ نجم العلم يرتفع عالياً، وقد ترافق هذا الأمر مع نظرية داروين واكتشافاته، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي دعا فيها إلى اعتبار أنّ الكائنات البشرية قد تطوّرت من أصل واحد بسبب طفرات جينية ووراثية، الأمر الذي يتعارض مع الأطروحات الدينية التي تقول "كلّنا من آدم، وآدم من تراب"، وهكذا ارتفع رصيد العلم على حساب الدين.
وهكذا جرت محاولات لتبهيت صورة الدين، فقد نظر أوغست كونت،[14] مؤسس الفلسفة الوضعية، إلى الدين باعتباره استلاباً فكرياً أما فيورباخ، الذي تأثر به ماركس في موقفه من الدين، فاعتبره استلاباً أنتروبولوجياً (إنسانياً)، وذهب عالم النفس سيغموند فرويد[15] إلى اعتباره استلاباً نفسياً، بل وهماً يُصنع في العقل الباطن مثل بقية الأوهام. وحين قرر ماركس، في المسألة اليهودية، ملامسة موضوع الدين اعتبره استلاباً اقتصادياً واجتماعياً، لكن على الرغم من كل ذلك، فالدين لم ينقرض في الغرب، مثلما بشّرت بعض الأطروحات، وعاد بقوة في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية، مثلما لعبت الكنيسة في أمريكا اللاتينية دوراً في ما سمي لاهوت التحرير. فما بالك به في الشرق، خصوصاً في البلدان العربية والإسلامية، حيث الروحانيات وحيث المجتمعات ما زالت بعيدة، في الكثير من الأحيان، عن الماديات، كما هي في الغرب، لا سيّما حين تعجز الأرض عن إيجاد حلول لمشكلات الفقر والمرض والبطالة والعيش الإنساني والحرية، فلا بدّ من البحث عن معالجات لها في السماء، وبالوعد باليوم الآخر، فضلاً عن قلق الانسان وهواجسه منذ الأزل بشأن لغز الموت والحياة والولادة وأسرار الطبيعة التي تظلّ قائمة مهما تقدّم العلم، فهناك مناطق فراغ لا تشفي غليل الإنسان ولا تطمئن روحه.
يقول الباحث الفرنسي فردريك لينوار، المختص بفلسفة الأديان وسوسيولوجيا الدين، إنّ 93% من الأمريكيين و67 % من الأوروبيين يؤمنون بالله، لكنّ ذلك لا يعني أنهم جميعاً يمارسون الطقوس والشعائر الدينية أو يلتزمون بتعاليم الدين، فهذه المسألة إنسانية وتتعلق بالوجود الإنساني على مرّ التاريخ، وفي جميع المجتمعات والأمم.
ولعلّ نسبة الذين يذهبون إلى الكنائس والجوامع والحسينيات قد ازدادت في العالم خلال الثلاثين عاماً الماضية، لكنّ ارتفاعها كان هائلاً في بلدان الشرق، ومن جانب المسلمين، على نحو شديد.
إذا كان الوقوف عند بوابة الحداثة (MODERNISM ) التي تطلق باب الحرية للعقل والتفكير وتقلّل من سلطات المقدّس، فإنها، في الوقت نفسه، تؤكد أنّ التغيير أمرٌ لا مفرّ منه، فالقديم قديم بالتأكيد، مثلما أنّ الحاضر سيغدو قديماً، فتلك سنّة الحياة، إذ إنّ التطور والتغيير هما السمتان المطلقتان في الحياة، وما عداهما نسبي، الأمر الذي يحتاج إلى تحديث MODERNISATION وإلى حداثة MODERNITY ، كما أنه بحاجة إلى تجديد ورفض التقليد، وهذا حسب آلن تورين، يحتاج إلى العقلانية RATIONALISM وإلى انفجار معرفي، أي التركيز على العقل والعلم.[16]
مجلة المستقبل العربي، العدد 409 (آذار/مارس) 2013.


[1]- انظر شعبان، عبد الحسين: كوبا - الحلم الغامض، دار الفارابي، بيروت، 2011، ص158.
[2]- انظر الصعيب، حسن: الماركسية والدين، دار التنوير، بيروت، 2009، ص22.
[3]- انظر هيغل: أصول فلسفة الحق، ط2، مجلد1، دار التنوير، بيروت، 1983.
[4]- انظر غرامشي، انطونيو: دفاتر الجسن (وهي 33 كراساً بدأ العمل عليها في شباط (فبراير) 1929 وفرغ منها 1935) دار المستقبل العربي، القاهرة، 1994.
[5]- انظر شعبان، عبد الحسين: العراق- الدستور والدولة: من الاحتلال الى الاحتلال، دار المحروسة، القاهرة، 2004. انظر كذلك: شعبان، عبد الحسين: الشعب يريد..! تأملات فكرية في الربيع العربي، دار أطلس، بيروت، 2012.
[6]- انظر ماركس، كارل: الثامن عشر من برومير. قارن: بوجداد، أحمد: الماركسية والمسألة الدينية، كتاب: الماركسية والدين، دار التنوير، بيروت، 2009، ص82-83.
[7]- انظر المصدر السابق، ص85.
[8]- انظر: المصدر السابق، ص87.
[9]- انظر: ماركس، كارل: نقد فلسفة الحق لدى هيغل، مصدر سابق.
[10]- راجع: مواقف الحزب الشيوعي العراقي في الأربعينيات والخمسينيات ومشاركاته في المناسبات الدينية، بل وفي قيادته وتوجيهه لها، الوجهة الوطنية المعادية للقوى الإمبريالية والرجعية حينها، لا سيّما المطالبة بالحريات ورفض المعاهدات غير المتكافئة التنديد بالانضمام إلى حلف بغداد وبمواقف الحكومة إزاء العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر عام 1956، والتضامن مع الثورة الجزائرية، لا سيّما عام 1957، وغيرها.
[11]- انظر شعبان، عبد الحسين: مقهى ورواد ومدينة: ذاكرة المكان ونوستالجيا التاريخ، الحوار المتمدن، 27/1/2012.
[12]- انظر: أعداد متفرقة من جريدة "طريق الشعب" بغداد، شباط ، (فبراير)1977
[13]- انظر باسول: الديمقراطية والرأسمالية الجديدة، مجلة الأزمنة الحديثة، العدد 196، الرباط، 1962، ص511 وما بعدها. قارن: بوجداد، أحمد: الماركسية والمسألة الدينية، جريدة أنوال (الثقافية) الرباط، 1986.
[14]- أوغست كونت (1798-1857)عالم اجتماع وفيلسوف اجتماعي فرنسي، أعطى لعلم الاجتماع الاسم الذي يُعرف به الآن، وقد أكّد على ضرورة بناء النظريات العلمية المبنية على الملاحظة، إلاّ أن كتاباته كانت على جانب عظيم من التأمل الفلسفي، ويعدّ هو نفسه الأب الشرعي للفلسفة الوضعية ومؤسسها، وهو تلميذ سان سيمون، الفيلسوف الفرنسي. ولد في مدينة مونبلييه، وتخرج من مدرسة البوليتكنيك، ثم عمل سكرتيراً عند الفيلسوف سان سيمون الذي كان لأفكاره أثر كبير على نظرياته التي عرضها فيما بعد في أهم مؤلفاته: "محاضرات في الفلسفة الوضعية" و"نظام في السياسة الوضعية".
يرى كونت أنّ الفكر البشري قد مرّ خلال تطوره التاريخي بحالات ثلاث: المرحلة اللاهوتية التي تعلل الأشياء والظواهر بكائنات وقوى غيبية، والمرحلة الميتافيزيقية التي تعتمد على الإدراك المجرد، والمرحلة الوضعية التي يتوقف فيها الفكر عن تعليل الظواهر بالرجوع إلى المبادئ الأولى ويكتفي باكتشاف قوانين علاقات الأشياء عن طريق الملاحظة والتجربة الحسية. ويعتبر كونت أنّ العلم الذي يتفق مع المرحلة الوضعية ويساعد على فهم الإنسان ويستوعب جميع العلوم التي سبقته هو "علم الاجتماع".
ويرى كونت أنه توجد بين الفرد والإنسانية جماعات وسيطة هي الأسرة والوطن. ويعطي أهمية كبيرة للأسرة والمرأة على وجه الخصوص في التنشئة الأخلاقية. فالأسرة هي الوسيط بين الفرد والوطن، والوطن هو همزة الوصل بين الأسرة والإنسانية. إلا أنّ فكر كونت لا يدعو إلى المساواة على الصعيد السياسي، بل إنه يؤمن بدور النخب ويقيم تمييزاً حاداً بين الجماهير والاختصاصيين والحكام، وينيط أمر تحديد الأهداف والوسائل بالمختصين بالعلوم السياسية وحدهم، إذ يقول: "الجماهير تطلب والصحافيون يقترحون والحكام ينفذون. وما لم تكن هذه الوظائف متميزة فإن الالتباس والتعسف سيسودان المجتمع إلى درجة كبيرة". وهكذا فإنّ غاية السياسة عند كونت هي أن يصبح كل مواطن موظفاً اجتماعياً خاضعاً للسلطة بصورة تامة. و"السياسة الوضعية" تلتمس الطاعة الكاملة. فالنظام فيها ينتصر على التقدم.
انظر: موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990، بيروت، ط3، ج5، ص273.
[15] مفكر نمساوي ولد في مورافيا (التشيكية) التي كانت تابعة للإمبراطورية النمساوية، في 6 مايو 1856، وتوفي في 23 سبتمبر 1939، وهو طبيب نمساوي من أصل يهودي، اختص بدراسة الطب العصبي ، ومفكر حر. يعتبر مؤسس علم التحليل النفسي، واشتهر بنظريات العقل واللاوعي، وتفسير الأحلام، كمصادر للنظرة الثاقبة عن رغبات اللاوعي.
في حين أنه تم تجاوز الكثير من أفكار فرويد، أو تم تعديلها من قبل المحافظين الجدد و"الفرويديين" في نهاية القرن العشرين، ومع التقدم في مجال علم النفس، بدأت تظهر العديد من العيوب في كثير من نظرياته، ومع هذا تبقى أساليب وأفكار فرويد مهمة في تاريخ الطرق السريرية وديناميكية النفس وفي الأوساط الأكاديمية، وأفكاره لا تزال تؤثر في بعض العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.
[16]- انظر: تورين، آلن: نقد الحداثة، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1992. انظر أيضاً: عصفور، جابر: نظريات معاصرة، دار المدى، بيروت، 1998. وكذلك: المسيري، عبد الوهاب: الحداثة وما بعد الحداثة، سلسلة حوارات لقرن جديد، دار الفكر، دمشق، 1999. قارن: صالح، هاشم: الدين والحداثة. قارن: أدونيس: فاتحة نهايات قرن، دار العودة، بيروت، 1993
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيسبوكيات:
... Maher Al-mounnes

لا أدري إذا كان يُسمح بنشر هذا الكلام، لكن ما أدريه أن لا وسيلة إعلام تهتمّ به كثيرا، فصحافة اليوم شرهة للدماء والأخبار الحمراء..
صباح أمس، وحينما كانت النسوة يتقاتلن في فندق الشيراتون بدمشق أثناء مؤتمر "المعارضة الداخلية"، كان الهدوء يلفّ مدينة حمص، بينما كان الهواء يخرج من ثقب جدار إلى آخر، ومن شرفة ملوية إلى منزل مدمّر، ويصدر أثناء حركته بين دمار المدينة القديمة أصواتا، يمكن للشعراء لاحقا تسميتها نواحا أو صراخ..
بينما كان لا ضجيج في المكان سوى حركة الصحافيين على مدخل حي الوعر، وتشويش محركات الباصات البيضاء العشرة التي دارت، وامتلأت، بانتظار الباصات الخمسة الخضراء، التي من المفترض أن تمتلئ بمقاتلين وفق تسوية.
كانت أنظارنا تتطاول، هل حقا سيخرج المسلحون بسلاحهم كما أُشيع، إلى أن رأينا البنادق الملقّمة والممتلئة بالرصاص.
بالأمس القريب، ها هنا كانت أكبر المعارك تطحن بعضها بعضا بين مقاتلين باتوا اليوم وجها لوجه.
قد يكون فم البندقية موجها إلى القلب، لكن لم أرَ خوفا في المكان لا من الصحافيين ولا من الجنود ولا من المسلحين، بل اطمئنان تام، وثقة مطلقة، "وكلام رجال" بأن التسوية سوف تجري على ما يرام.
لا أخفيكم أن حلاوة ذابت في فمي حين علمت ألا وسيطا دوليا حاضرا بيننا، وأن الاتفاق حقا "سوري- سوري"
وإن كان هنالك دماء جرت حيث وقفنا، إلا أنها إرادة كانت أقوى بتسيير الحافلات، والبحث عن نصر "ولو معنوي" كلٌ يراه من زاويته..
أما ما لم نره في تقارير وسائل الإعلام، هو تبادل نظرات الثقة التي حصلت بين الجنود وبين المسلحين، وكأنما كلّ منهم يحمل عتابا للآخر بطريقته ومن وجهة نظره..
وما لم نره أيضا، هو الابتسامات التي وزعها راكبوا الباصات البيضاء على الجنود والصحافيين على حدّ سواء.
وما لم نره أيضا، هو قيام جندي سوري بمساعدة مسلح جريح للركوب بسيارة الإسعاف، أو النزول منها.
وما لم نره أيضا، أن هو الأمتار القليلة التي تفصل بين اثنين تقاتلا حتى أكل الملل من عيونهما..
وما لم نره أيضا، أن أحدا لم يشتم الآخر، وأنه رغم العداوة، إلا أن شيئا من الصمت بين المتقاتلين كان باديا، وأنه أحيانا يكون الصمت هو لغة السلاح الأخرس الذي كان الجندي يقلبه بيديه كسبحة بأصابع عجوز.
وما لم نره أيضا، التعب البادي على ملامح وجوه جنود قضوا خمسا من سنوات عمرهم بين الحديد والنار..
أنهكتهم الحرب، وأثقلتهم، وأثملتهم، وشاقت شوقهم للقاء ذويهم.. ملّوا.. ومللنا.. ولا زال البعض (منّا) من منزله الدافئ، وفوق بطنه الممتلئ، ومن خلف شاشته وجهله.. يصرخ جهرا.. لا تُصالح!!
#‏حلّو_يطلع_الضو‬‬‬
.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غلاف طريق اليسار الورقي


-------------------------------------------------------------------------------------------------------
حتى نلتقي .....
فضاءات4
* الشيخ *



لامرأة تهوى ألعاب الأطفال
عشقت فيها عبث الصغار
***
لامرأة تهوى الأسفار
عشقت فيها ما أدماه الزمان
***
لامرأة تهوى السير حافية القدمين
عشقت فيها رنين الحصى المتصادمة
***
لامرأة تهوى الطيران
عشقت فيها الجناحين
***
لامرأة تهوى ..
......










تجمع اليسار الماركسي " تيم "

تجمع لأحزاب وتنظيمات ماركسية . صدرت وثيقته الـتأسيسية في 20 نيسان2007.
يضم (تيم) في عضويته:
1- حزب العمل الشيوعي في سوريا .
2- الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي .
3- الحزب اليساري الكردي في سوريا .
4- هيئة الشيوعيين السوريين .
الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715




للاطلاع على صفحة الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي على الفيسبوك على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/pages/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي/1509678585952833



#تجمع_اليسار_الماركسي_في_سورية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طريق اليسار - العدد 78
- طريق اليسار - العدد 77
- طريق اليسار - العدد 76
- طريق اليسار - العدد 75
- طريق اليسار - العدد 74 تموز / يوليو 2015
- تصريح صحفي من رئيس مكتب الإعلام في (هيئة التنسيق الوطنية)
- طريق اليسار - العدد 73 حزيران / يونيو 2015
- طريق اليسار - العدد 72
- طريق اليسار - العدد 71
- طريق اليسار - العدد 70
- طريق اليسار - العدد 69
- طريق اليسار - العدد 68
- طريق اليسار - العدد 67
- طريق اليسار - العدد 66
- طريق اليسار - العدد 65
- طريق اليسار - العدد 64 أيلول / سبتمبر 2014
- طريق اليسار - العدد 63
- طريق اليسار - العدد 62 تموز / يوليو 2014
- طريق اليسار - العدد 61
- طريق اليسار - العدد 60 أيار / مايو 2014


المزيد.....




- لعلها -المرة الأولى بالتاريخ-.. فيديو رفع أذان المغرب بمنزل ...
- مصدر سوري: غارات إسرائيلية على حلب تسفر عن سقوط ضحايا عسكريي ...
- المرصد: ارتفاع حصيلة -الضربات الإسرائيلية- على سوريا إلى 42 ...
- سقوط قتلى وجرحى جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية بالقرب من م ...
- خبراء ألمان: نشر أحادي لقوات في أوكرانيا لن يجعل الناتو طرفا ...
- خبراء روس ينشرون مشاهد لمكونات صاروخ -ستورم شادو- بريطاني فر ...
- كم تستغرق وتكلف إعادة بناء الجسر المنهار في بالتيمور؟
- -بكرة هموت-.. 30 ثانية تشعل السوشيال ميديا وتنتهي بجثة -رحاب ...
- الهنود الحمر ووحش بحيرة شامبلين الغامض!
- مسلمو روسيا يقيمون الصلاة أمام مجمع -كروكوس- على أرواح ضحايا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تجمع اليسار الماركسي في سورية - طريق اليسار - العدد 79