أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال















المزيد.....

عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5460 - 2017 / 3 / 14 - 11:57
المحور: الادب والفن
    


صدر عن "منشورات الجَمل" كتابٌ جديد يحمل عنوان "عام السرطان" للقّاصّة والروائية العراقية سالمة صالح المُقيمة في برلين حاليًا. ونظرًا لصعوبة تصنيف هذا الكتاب السرديّ فقد وضَعَتهُ الكاتبة في خانة "تجارب" بينما ارتأى الشاعر فاضل العزاوي أن يسمّيه "رواية" في الكلمة المُعبِّرة على دبّجها على الغلاف الأخير. وعلى الرغم من صحّة التصنيفَين أعلاه إلاّ أن سالمة صالح تُعرِّج في الصفحات الأخيرة من الكتاب لتصِفهُ بما يُشبه "التقرير "عن تجاربها الشخصية مع مرض السرطان. وبما أن العمل أدبيٌ بامتياز وليس تقريرًا، فيمكن تصنيفه "بالسيرة الروائية" التي تتماهى فيها المؤلفة مع راوية النص، كما يذهب الناقد عبدالله إبراهيم، لتقدّم لنا في خاتمة المطاف خطابًا أدبيًا مُهجّنًا يستمد مادته الأساسية من الرواية والسيرة الذاتية في آنٍ معا.
تُشْبِه بِنية هذه السيرة الروائية سجادة مُتقنة الصنع لا تحتمل الخطأ في حياكة نسيجها، ورسم أشكالها المجسّمة بطريقة فنية مُبهِرة لا تُخطِئها العين الحصيفة. فعلى الرغم من ضراوة المرض الذي تعرّضت له الراوية إلاّ أنها حافظت على حبكة الرواية، وحرصت على إيقاعها الداخلي المُتوازن، والتزمت بلغة مشذّبة خالية من الزوائد والاستطرادات.
تمتلك سالمة صالح رؤية أدبية في تجربتها القصصية والروائية، ويستطع القارئ الكريم أن يتلمّس في منجزها السردي بعض المحمولات الفنية والفكرية والجمالية التي استلهمتها من قراءاتها الواسعة، وتخصصاتها الدقيقة فهي ترسم، وتعزف، وتصوِّر، وتترجم، وتكتب نصوصًا قصصية وروائية يعتمد بعضها على أبحاثٍ عميقة كما هو الحال في سيرتها الروائية "عام السرطان" التي تغصّ بمعلومات علمية دقيقة عن نوعين من السرطان وهما بالألمانية " الموربوس هودجكِن" " والكارزينوم" اللذين أُصيبَت بهما في بداية 2013 وتماثلت للشفاء قبل نهاية العام ذاته بثلاثة أيام، وقد أسمت ذلك العام بـ "العام المفقود" وهو توصيف مجازي جميل كان يصلح أن يكون عنوانًا مثيرًا للسيرة الروائية برمتها.
الإحساس بالفراغ
لم تشعر الراوية بالصدمة حتى بعدما عرفت أنّها مُصابة بالسرطان وأنّ هذين النوعين غير قابلين للشفاء لكنها شعرت بفراغ كبير، وتوصّلت إلى قرار سنعرفه عند اللحظة الحاسمة التي تمثلت بصدمة زوجها "فاضل" وهو يتلقّى خبر إصابتها بصوت متهدِّج اضطّرها لأن تشدّ من عزيمته قائلة:"لا تبكِ فإنني لم أمتْ"(ص11) وكأنها توحي لنا بأنها ستقاتل هذا المرض اللعين بكلِ ما أوتيتْ به من قوة. لم يحضر فاضل كثيرًا في النص السيري ولا الابن الوحيد محمد لكننا نتحسس وجودهما وانعكاس ظلالهما على تطورات الأحداث التي تشهدها بطله النص وكائنته السرديّة الوحيدة وتحسبًا لأسوأ الاحتمالات أوضحت لفاضل طريقة استعمال الغسّالة الكهربائية، والصرّاف الآلي، وأين يجد المواد الاستهلاكية في السوق في أثناء غيابها في أروقة المستشفى التي تتحمّلها على مضض.
لا يمكن متابعة مراحل المرض كلها بدءًا من التشخيص الأولي وانتقاله من الغدد اللمفاوية في الرقبة إلى الطحال، مرورًا بالعلاج الكيمياوي والتأثيرات الجانبية لبعض الأدوية، وانتهاءً بمرحلة الشفاء التام وقهر المرض كليًا بعد أن سبّب لها الكثير من الألم، والأرهاق، وسقوط الشعر، وتخفيض الكريّات البيض، وتضاعف دقّات القلب، والشعور بالغثيان، وألم شديد في الأسنان وعظام الجمجمة، ووجع في المعدة والأمعاء، وتجلّط في الرئة، وتورّم في الساقين، والتهاب في الأوردة، وخدر في أصابع اليدين والقدمين، وحالات الإغماء القصيرة وسواها من الأعراض المُوجعة والمُحرجة في بعض الأحيان. لنمعن النظر في هذه الجُمل المُقتضبة التي تكشف عن حجم الألم الذي كانت تعانية الراوية حينما تقول:"أَفقتُ في الهزيع الأخير من الليل وصرتُ أعوي مثل ذئب جريح وأنا أتنقّلُ في المنزل"(ص28). وفي موضع آخر سبّب لها بعض الحُقَن الطبيّة ذعرًا لا مثيل له حيث تصفه الساردة كالآتي:"كنتُ أسمع ضربات قلبي تدقُّ طوال الوقت فتجعل النوم متعذرًا، كان ذلك هو الجحيم بعينه"(ص64).
المعطيات الثقافية
من أبرز المحمولات الفكرية في هذا النص السيري هو إحساس الراوية التي دهمها المرض العُضال في سنّ متقدمة بعض الشيء بأنها أصبحت مثل "ذرّة غبار معلّقة في الهواء"(ص86). يمكن استنتاج أفكار عديدة من متن هذا النص الذي يتمحور في جانب منه على الضعف البشري من جهة، وعلى المكابرة من جهة أخرى وقد رفضت زيارات جميع المعارف والأصدقاء لأنها لا تريد لأحد أن يراها في أشدّ حالاتها ضعفًا.
على الرغم من المخاطر الجمّة التي كانت تُحاصرها من الجهات الأربع إلاّ أنها كانت تفكر بشجيرة "الحبّة الخضراء" وقد طلبت من أحد أصدقاء البستنة أن ينقلها من الحديقة المُستأجرة إلى أصيص، كما كانت تستمع إلى مقاطع من سمفونية لبرامز، وتتمنى لو أنها سجّلت الموسيقى الوحشية التي انطلقت من إحدى الكنائس المجاورة، وترغب في تصوير بعض الأزهار النادرة التي تشبه قناديل مشتعلة.
لابد أن تُثير الراوية طبيعة العناية المركّزة التي تتلقاها سواء في المستشفى أو في دار النقاهة وتستغرب لهذه المؤسسة الطبية التي تبذل قصارى جهدها لإنقاذ حياة أي مريض سواء أكان طفلاً رضيعًا أم شيخًا طاعنًا في السن فتبوح لأحد الأطبّاء قائلة:"إننا نُجاهد هنا من أجل حياتي الشائخة، وفي مكان آخر يموت في الحروب آلاف من الشبّان"(ص85).
تُمجِّد الكاتبة أهمية المعرفة، فلا المنصب، ولا الجاه، ولا اللقب هو ما يضفي على الإنسان هيبته لأنها موقنة تمامًا بأنّ "المعرفة تمنح المرء مهابة لا يمنحها المال ولا المركز الوظيفي أو السلطة"(98). وهي تنتمي من دون شك إلى أصحاب المعرفة الذين يرون الأشياء على حقيقتها، ويتلذذون بالمعطيات الثقافية والفكرية والجمالية.
وعلى الرغم من الآلام الممضّة التي تعرّضت لها الراوية إلاّ أنها تمكنت في خاتمة المطاف من قهر هذا المرض اللعين، ولعل النهاية السعيدة التي رسمتها الكاتبة سالمة صالح تعزّز انتصارها في هذه الملحمة الفردية حينما واجهت ضراوة الموت بأقسى أشكاله المرعبة. صحيح أنها نسيت بعض الأشياء التي جاءت لشرائها من السوق وهي في طريقها إلى محطة القطار لكنها رأت شخصًا في "مايباخ أوفر" لم تتذكر اسمه، وربما لم تعرف اسمه من قبل لكنها تذكّرت هذا الإنسان الذي كان طالبًا في معهد الفنون الجميلة قبل 47 سنة فقالت في سرِّها:"لازلتُ أحتفظ بذاكرة يقظة. لقد نجوت"(ص118).
تتمتع هذه السيرة الروائية بحضور قوي لعنصري الزمان والمكان ومن خلالهما يمكن التعرّف على شبكة العلاقات الشخصية للكائنة السيرية وأنشطتها الثقافية المتعددة سواء في برلين أو بعض المدن الألمانية أو خارج البلاد. كما أن حركتها خلال عام كامل من البيت إلى المستشفى أو دار النقاهة أو السوق أو الأندية الثقافية تكشف عن خارطة المدينة وما تنطوي عليه من معالم عمرانية حديثة، وحدائق غنّاء طالما توقفت الكاتبة عند شجيراتها وأزهارها الجميلة التي لا يكّف بعضها عن مقارعة الموت الذي يختبئ وراء أقنعة مخيفة.
لا مفرّ من الإشادة بالبناء العضوي الرصين لهذه السيرة الروائية الصادقة التي عالجت فيها الكاتبة ثيمة حسّاسة وخطيرة دوّنت تفاصيلها بلغة أدبيّة رفيعة لا تخلو من الجديّة والدُعابة والفرح.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رولان بارت الكاتب الذي أماتَ المؤلف، وأحيا القارئ
- فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين
- فيديل كاسترو: عدوّ أميركا اللدود
- النكهة المحليّة في قصص فاتحة مرشيد
- مانشستر على البحر: قوّة التقمّص وبراعة الأداء
- نساء في الظل يقوّضنَ جدران الفصل العنصري
- عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء
- الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا
- المصداقية والإبهار في فيلم مواقع مقدسة: البتراء
- الأدب الإنجليزي ومراحل تطوره عبر ستة عصور
- جيرنيكا: أيقونة الألم البشري
- جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك
- مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في ...
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم
- المنحى العجائبي في رواية -ياقوت- لمريم مشتاوي
- الدَّادائية والسِّريالية: دعوة لتجاوز المتعة والتأثير في حيا ...
- البنية النفسية والثقافية في رواية عِشق لمريم مشتاوي
- جمالية اللغة البصرية في فيلم -بأقصى سرعة- لرينغر هوفل
- الشكل الفني الجديد في -جوهرة التَّعْكَر-
- إشكالات الحَبْكة في رواية سماء قريبة من بيتنا


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال