أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر طلبه - جلب الحبيب - قصة قصيرة














المزيد.....

جلب الحبيب - قصة قصيرة


ماهر طلبه
(Maher Tolba)


الحوار المتمدن-العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 17:04
المحور: الادب والفن
    



قال يعقوب ليوسف: أخفِ حُلمَك حتى لا يَقتلك.
لكن إخوة يوسف كانوا دائمي التفتيش في ذاكرته ومذكراته وموبايله حتى عثروا بالصدفة أو بلعبة القدر الغادرة والتي يمارسها دائمًا الآلهة على الحُلم الجنين؛ فألقِيَ يوسف في البئر حتى يَغرق حُلمه.
***
أَخرجَ السقا يوسفَ من البئر ونسى حُلمَه فيه، وذهبَ به إلى عزيز مصر عارضًا بضاعتَه عليه، فضَمّه عزيز مصر إلى قصره خادمًا أمينًا.
***
ما كان يوسف دونَ حُلمِه ليصير خازن مصر، ولا كانت لتطمع فيه زليخة وتُقطَّع الأيدي من أجْله، لذلك كان دائمًا ما يذهب إلى بئره المذكور في القرآن كل صباح، يَنظر جثة حلمِه الملقاة في قاع البئر أمامَه، يسأل كل مَن يُلقي دلوَه فيه أن يساعده على انتشاله.. لكن مَن يرغب في الحصول على جثةٍ في بداية نهاره؟. لذلك كان لا يَلتفِت إليه أحد، ولذلك ظَل يوسف على جدار البئر مرسومًا تمثالا للحزن والآسى والأمل.
***
محصورًا ما بين الجنة والنار وقفَ يوسف.. "إنْ لم يفعل لأفعلن به".. احتار يوسف لكنه وجد الحل في المَعنى الساقط مِن عبارة أبيه عليه "أخفِ حُلمَك".. فذهب إلى السجن بقدميه.
***
منذ أن اختفى يوسف وهى تَبحث، ليس في المكان والجغرافيا، لكن في الوجوه.. تحاول أن تجده ولو في نظرة عين، ابتسامةِ وجْه، لونِ بشرة، اسودادِ شَعر، أو حتى في قامته الفارعة وهذا الجسد الذى أضاع برودتَها وأثار شهوتَها.. "لماذا تختفي كل هذه العلامات مِن أجساد الرجال الآخرين؟!. لماذا خَصّه إله أبيه يعقوب بما لم يَنلْه رَجل في كل بَر مصر؟!".. الشهوة لم تنقطع، لكن غياب يوسف شغل البالَ عنها.. حتى ما عادت تستطيع أن تصِل إليه برغم بحثِها في كل ذكرياتها القديمة وفي الجثث الملقاة ليلَ نهار فوق سريرها البارد.
***
اليوم جاءه مَن حَلُمَ.. كانت الطيور تأكل مِن رأسه.. لم يَحزن يوسف.. هو يحِب الطيور، يعرف أنها المُسالِم الوحيد في هذا الكون، أنها ما كانت لتسرق الحُلمَ لولا الجوع.. لذلك تَعلَّق بها منذ صغره..
قال له: لكن ألَمَ النقرِ كان فظيعًا..
يَعرف يوسف.. ليس كاشفًا للغيب كيعقوب.. لكن فقط متذكرًا تلك المَخالب التي تعلقت بقميصه.. الجِلد وهو يُمزق ويَخْرج مخلبُها بالدم.. ذكرى الدم أنقذته مِن تخيلاته.. حين فاجَأه الآخر بأنه يعصر النبيذَ ويسقي منه.. تشاءمَ يوسف وندم أنه يعبر الرؤى.
***
"لولا أن رأى برهان ربه" مَزقتها العبارة، وضعَتها في مواجهةٍ مباشرة مع البرهان، لو تأخر قليلا، لو أحكمت الجارية إغلاقَ الأبواب ، لو امتطته كما كانت تجيد امتطاء العبيد والجياد.. لكنه حَظّها العاثِر، والرب الذي عاد فجأة دون ميعاده اليومي.. كل شئ كان ضدها يومَها.. القميص المنفلِت مِن بين أظافرها.. هذه الرواية التي تَبنّاها الراوي وجعل منها قصة ليوسفَ ولها، الحُلم الذي ضرب رأس الملك فألزمها باعتراف سبَق أن روَّجت له مع كل مفردات الطبيعة، والجسد المُشْتَهِي والمُشتهَى.. كل شئ كان ضدها حتى النسوة اللاتي قَطّعن الأيدي فنزفت دماء الغَيرة من قلبها حتى جف وصار الارتواء هو أمله الأخير ليعود ينبض بالحياة.
***
أكلت الطيور الرأسَ، ومر الشراب من فم ليَخْرج ماءً مالحًا.
**
ما كان بحاجة لأن يطلبها للشهادة، هى أنبأت الطرُقَ والحجارة، النهرَ والأشجار، الهواءَ العابر لحدود مصر والأزهارَ أنها عاشقة، وأن الغياب مثل الحضور وسيلة عذابٍ وشهوة وشوق.. لم يفاجئها حضورُه أمامَها ولا سؤالهم المفاجئ.. كانت تعلم أن شوقها وحبها سيتجسد في نهاية عذابها بشرًا سويًا، وأنها ستعيده كما فعلت مَن سبَقَتها وجمعتْ أجزاءَ حبيبها ومليكِها التي قُطّعت جثته – كما هى العادة - ووزِّعت في كل بَر مصر.. لذلك حين سُئلتْ أجابت.. حين اتهمت لم تبحث عن البراءة بل اشتاقت إلى الذنب مِن جديد... خرجت تجر مشاعرَها خلفها.. مختلطة، متناقضة كأنها تَخرج من قلوب متعددة وعقول عدة لكنها تشتاق لجسدٍ واحد..
***
مَن مِنّا يملك الفأس كى يَقطع الرأس؟؟ الجوع الذي يضرب الأرض، الجفاف الذي يحلق بالسحاب.. الحُلم الذي كنت أظن أنِّي انتشلتُه من قاع البئر، فإذا بي أجففه وأقتله بالجلوس على الكرسي..
***
غابت عن الوعى منذ الظهور.. في المعبد، أمام محراب الآلهة، حيث الصدق التام والنقاء التام والأمان التام والحُب الذي ليس بعدَه حُب، حاولت أن تُخرِج هذه الفكرة المسيطرة، هذه الشهوةَ الجامحة القاتلة.. بكت كما لم تَبك حتى في غيابه.. ظنوا حين لمحوا الدموعَ أنها تَقَربٌ للآلهة، قربان للآلهة.. لكنهم واهِمون.. هى الآلهة فقط، ولآنها آلهة فقط أدركت أنها دموع شوقٍ ورغبة، ولأنها آلهة فقط تركتها تبكي حتى تجف الدموع لكنها لم تُهْدِه إليها أبدًا..
***
وصلت العائلة إلى مصر.. نزل معها الغدر والخيانة يصاحبها كمصاحبة الدود للجثث المتعفنة.. "أنزلتهم مكانًا عليًا.. ركعت لي الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا.. نسيتُ أن أسأل أبي.. كيف خانت الإلهَ القدرةُ على الإشارة؟!!.. كيف للنجم المضئ أن يكون مَصدرًا لكل هذا الغدر والحقد الأسود؟!!".. لا بدّ أن الإله كان يقصد شيئًا آخر وأن يعقوب أخطأ تفسيرَ الحُلم.
***
عادت شابةً لم يمسسها بشرٌ سوِي، دماء الرغبة تجري في عروقها كأنها نهر لا تجف مياهه.. تبحث عنه كحلمٍ في الكتب الصفراء، في الآيات البيّنات، في التاريخ الغابر، في الجثة التي جمَعتها في أحشائها وأخرجتها دون روح.. كيف عادت شابةً رغم كل هذا العفن، رغم كل هذا الحقد.. إنها إرادة الحياة، إرادة الإله.
***
صار كهلا، يبست الدماءُ في عروقه، تفرقت القبيلة بين قاتلٍ ومأجور، دُفِن يعقوب في مدافن الدماء.. الجوع الذي أجلسه على الكرسي زاد ولم يَقِل، لم يؤمِن القادمون أنه الأمل فانهار بنيان الكذب... وسقطت الكواكب والنجوم هامدة..!

ماهر طلبه
[email protected]
http://mahertolba62.blogspot.com.eg/



#ماهر_طلبه (هاشتاغ)       Maher_Tolba#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهاجر شرعى - قصص قصيرة جدا
- انتقام.. صورة - قصة قصيرة
- الإطار - قصص قصيرة جدا
- ذاتُ ليلى
- الثمرة المحيرة
- الذبيحة - قصة قصيرة
- ... وبعد - قصة قصيرة
- فقط ... أمل - قصة قصيرة
- بصيرة - قصص قصيرة جدا
- نتيجة طبيعية وقصص قصيرة جدا اخرى
- السيدة
- عشيقة وزير - قصص قصيرة جدا
- سِرُ من رأى
- خواطر قيسية 7
- لحظة فارقة - قصص قصيرة جدا
- دليل دامغ قصص قصيرة جدا
- خواطر قيسية 6
- جرافيتى
- عن عنترة
- للقصة أصل - قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماهر طلبه - جلب الحبيب - قصة قصيرة