أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فواد الكنجي - هذا ما قدمته المسيحية لهذا الشرق .. وهذا ما قدمته التكفيرية للإسلام السياسي















المزيد.....



هذا ما قدمته المسيحية لهذا الشرق .. وهذا ما قدمته التكفيرية للإسلام السياسي


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 5370 - 2016 / 12 / 13 - 07:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الباب الأول ... المدخل

في سماء الشرق، فكر ظلامي تصاعد ليتلبد رؤيته بغيوم سوداء تكاثفت لتسقط أمطاره المتطرفة فتغرق مدن الشرق جميعها بإقصاء ونبذ الأخر المخالف للعقيدة والمذهب والدين، بفعل تنامي قوى التطرف للإسلام السياسي التكفيري الذي كشر عن أنيابه الشريرة باتجاه مسيحيي الشرق لينقبض عليهم لافتراسهم متوغلين في دنس معالم التحضر والتمدن بالجريمة وإيقاع المظالم ضدهم دون وجه الحق، وبغير مبرر، بقدر ما يراد من أفعالهم الدنيئة نفث السموم وترسيخ الفكر ألظلامي بين أبناء هذا الشرق باسم (الإسلام) وجوهر الإسلام منهم براء.
فاليوم نبتغي من أصحاب الفكر والضمائر الحية من الكتاب العرب، مسلمين و مسيحيين، الاستنارة بأفكارهم التنويرية في قول الحقائق لإجهاض الفكر ألظلامي الذي يقود المنطقة إلى الهاوية بعد إن كان هذا الشرق منبر لاشعاء الفكر ألتسامحي وقبول الأخر والتعايش السلمي والتآخي والمفاضلة لمن يرفد رفوف المعرفة بالعلم والأدب والفن وبذخائر الفكر ونوره ليستنير بها أجيال هذا الشرق.
فبعد إن تكالبت قوى الشر والظلام لنيل من مسيحيي الشرق، والذي لا يمكن قراءته من دونهم، بكون ما تركوه وما أنجزوه من ارث حضاري وثقافي وفكري وفلسفي وسياسي له بصمات تاريخية في كل مفاصل الحياة الشرقية لا يمكن تجاهلها وشطبها بشخطة قلم في لحظة من البصر، كما يريدونها الظالمين. فالمسيحيون سواء الذين يتواجدون في العراق أو في سوريا أو في لبنان و مصر وفلسطين والأردن وغيرها، ليسوا طارئين فيها فهم لم يأتوا مع الحملات الصليبيين التي شنها ألاوربيون من أواخر القرن الحادي عشر وحتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر( 1096 – 1291 )، ولم يجئ بهم الاستعمار الغربي كمبشرين، وإنما هم أبناء هذا الشرق ولدوا ونشئوا و وجدوا منذ أكثر من سبعة ألاف سنه قبل الميلاد في وادي الرافدين وفي ارض النيل وأسسوا حضارة سومر و أكد وأشور وحضارة الفرعونية، أقدم حضارات العالم قاطبة، ظهرت على هذه الأرض، وقد دخلوا المسيحية بمجيئها قبل إلفين عام وظل مؤمنين بها إلى يومنا هذا، كما ظلوا يعيشون على أرض الشرق منذ ظهور الديانة الإسلامية قبل إلف وخمسمائة سنة، وعلى هذه الأرض عاشوا متشبثين بأصولهم وبعقيدتهم، وبتقاليدهم وبعاداتهم، وعليه فـ(أصل) وجودهم هو بحد ذاته شرعية لا يحتاج إلى إثبات، وعليه لا يمكن محو تاريخ (المسيحيين) من هذا الشرق العريق بحضارته المسيحية - الإسلامية، اللذان تخندقتا منذ البدا معا لبناء حضارة عربية - إسلامية متسامحة تسعى لتنوير عقول هذه الأمة لتواكب مجتمعات الكون بعد إن أصبحت العولمة بفعل تطور التكنولوجيا قرية صغيرة يتبادل إفرادها المعرفة والتسامح وقبول الأخر بقلب مفتوح يسمع ويبصر ويحاور ويسامح من اجل إنارة الفكر بكل ما هو صائب وسليم .
فهذه الأمة التي برزت في الحضارة، إنما برزت بعقلائها ومفكريها و بقوة معطيات الفكر والمفكرين العرب المسيحيين والإسلاميين الذين تجالسوا معا، جنبا إلى جنب، في المكتبات وبين مؤلفات وذخائر الكتب مبصرين لإعطاء أفكارهم التنويرية لخير شعوب هذا الشرق، فبقدر ما كانوا يدعون و يناشدون بالتسامح والانفتاح والإخاء والمحبة والعيش مع الآخر وبناء مستقيل واعد بالحرية والديمقراطية لينعم أهل الشرق بالأمن والسلام والاستقرار من اجل إن يعم الخير والبناء والأمن والأمان في أوطاننا ليسعوا بكل ما أتى بالعز والرفاهية لإنجاح النهضة الفكرية العربية المسيحية - الإسلامية، فكرا وفلسفة وأخلاق وتربية من اجل تقدم أوطاننا الشرقية وبما يؤهلها لمواكبة نهضة الشعوب والأمم في بلدان العالم .
وعلى هذه المعطيات تربى أجيال المسلمين والمسيحيين، برؤية موحدة متطلعين ومشاركين في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصاد وفي القيم الثقافية والفنية والاجتماعية والأخلاقية والوطنية، وهكذا سرنا في رحلة الحياة نحو الإمام لحين إن جاء (الظلاميون) بفكر إسلامي تكفيري هدام، والذين أساءوا إلى الإسلام أكثر مما أساءوا إلى المسيحيين، لان الإساءة مست فكر الإسلام في الصميم بينما ما مس المسيحية هو استهداف الإنسان على الهوية في القتل والذبح والخطف والتهجير ولم يستهدف جوهر الدين و فلسفته . فان كانت أدواتهم في تصدير الإسلام يأتي عبر القتل والحقد والدم والعنف وقطع الرقاب وهتك الإعراض وسبي النساء وبكل فعل من أفعال الإرهاب وبألوية (القاعدة وشقيقاتها من داعش وملحقاتها، ليعم الشرق خطب وفتاوى تحريضية لأئمة المساجد والجوامع والمشايخ يدعون في قتل الأخر ليس فحسب المغاير لدينهم بل لمذهبهم ليعم الحقد والبغض والخطاب الكراهية عموم المنطقة .

الباب الثاني ... المسيحية و الرسالة المحمدية

و رغم هذا التصعيد الخطير في الخطاب، والذي أثار استهجان كل شعوب الأرض وليس مسيحيي الشرق فحسب، وما يرسل رسالة خاطئة لهم، هو صمت وسكوت فقهاء ومشايخ وعلماء الدين للإسلام الوسطي، لأنه لا يمكن اختزال الإسلام بفكر زمر متطرفة أصلا لا تمت أفكارهم بجوهر الإسلام، لان الإسلام الوسطي الذي تخندق مع المسيحيين منذ مجيء رسولهم برسالة الإسلام، وهم الغالبية السائدة في مجتمعاتنا الشرقية يتعاطفون مع مسيحيي الشرق ويشارك تطلعاتهم الوطنية والسياسية، ولأكنهم بفعل تنامي هذه القوى المتطرفة لإسلام السياسي التكفيري التي هي أول ما قوضت، قوضت تطلعاتهم قبل تطلعات مسيحيي الشرق، ولهذا أصبحوا بفعل تنامي هذه القوى مغيبون ومحاصرون وسط أعاصير الموجة التكفيرية الإسلامية السلفية المتطرفة والمتشددة وفق قراءة متعصبة وخاطئة ومجتزئه عن روح الإسلام ونبيهم (محمد)، فإذ ما رجعنا سيرته الأولى، نرى في عهده كيف أبقى في (مكة) على الوجود (المسيحي) والتي استمرت بوجود الكهنة ومعابدهم وكنائسهم دون إن يمسها ويهدمها ويقضي عليهم وقد كان بالإمكان إن يفعلها آنذاك لحجم قوته ولكن ما نراه انه تعاون معهم بكون المسيحيون لم يضمر له العداء ولدعوته وإنما ساندوها، لان وقائع التاريخ تذكر حين هاجر المسلمون الأوائل إلى (يثرب) بدعوة منه، وهنا في (يثرب) حيث نرى بان ممن استقبلهم قبيلة (الازد) النصرانية، وكذلك نرى بأنهم احتموا بملك (الحبشة النجاشي) وهو مسيحي، لنفهم من هذه المعطيات التاريخية وغيرها، بان المسيحيون دعموا النهضة الإيمانية والحضارية التي أتى بها الإسلام للمجتمع، واستمر هذا الدعم والتعاون قائم بين الطرفيين بما تجاوز عن قرن كامل .
وحين نمعن في (القرآن) الذي هو مصدر الأساسي لديانة المؤمنين بالإسلام نرى في سور وآياته ما يذكر (المسيحيين) ولأكثر من آية وسوره، فقد أشير إليهم في (127) آية وفي (23) سورة، والمسيحيون كما جاء في القرآن، هم (أهل الكتاب) حيث يقول... (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن - العنكبوت 46)) و(( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة - النحل 125)) و(( لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى- المائدة 82)) .
ويرد ذكر السيد المسيح (عيسى ) عشر مرات، حيث يذكر: ((هو الوجيه في الدنيا والآخرة - آل عمران 45)). وتذكر العذراء مريم 34 مرة، يذكر(( الله طهرك واصطفاك على نساء العالمين - آل عمران 42)). إما (الإنجيل) فيرد ذكره 13 مرة: (( وفيه هدى ونور... وموعظة للمتقين - المائدة 46)) .
وقد قيم الإسلام الديانة (المسيحية) تقيما عاليا حيث يذكرهم ((... والنصارى ومن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم - المائدة 69..)). و((لهم أجرهم عند ربهم - البقرة 62...)) و((أمنا بالله ما أنزل إلينا... وما أوتي موسى وعيسى... لا نفرق بين أحد منهم - البقرة 136..)) والله يقول لعيسى ((... وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة - آل عمران 55)) و(( آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وألهنا وألهكم واحد - العنكبوت 46)) .
فيا ترى لماذا لا يقرؤون هؤلاء الإسلاميون التكفيريون هذه الآيات ويذهبون إلى الأحاديث في شن حملتهم التكفيرية ضد المسيحيين....!
فالذي يئول (القرآن) حسب أمزجته هو وهم الذين ينعتون أنفسهم بأنفسهم بـ(ألكفره) قبل إن ننعتهم بـ(التكفيريين) فهؤلاء هم جهلة حقيقيون ويجب فضح أفعالهم والحد من توسيع أفكارهم، وهذا لا يأتي إلا بازدراء منهم وردهم ورجمهم، وهذا ما يتم وسيتم مهما طال يوم القصاص منهم فهؤلاء الجهلة الذين يجهلون ما ورد في كتابهم، هم لا محال جاهلين بتاريخ (المسيحية) وانجازاتها في رقي الحضارة العربية وحتى الإسلامية، كون (المسيحية) نبتة شرقية نبتت ولها جذور في عمق و روح هذا الشرق فهي ليست نبتة طارئة غريبة عن هذا الشرق أو دخيلة، والمؤمنين بها من أبناء هذا الشرق بأصولهم الشرقية، هم أصل هذا الشرق، ومن هذا الشرق انطلقت (المسيحية) إلى العالم .
فالمسيحيون هم أصحاب الأرض لهذا الشرق واصله الأصليين، وفي هذا الشرق ترسم جغرافيتهم وتاريخهم، فهم ليسوا طارئين عليه وليسوا أهل الذمة ولا مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة. وكل ما يتعرضون عليه، ما هو إلى لسعة مسمومة من عقارب وأفاعي (الإسلام التكفيري) بغية إفراغ الشرق من وجودهم ليعبثوا بمقدراته بتعميم الفوضى الخلاقة مستعينين بعصابات منحرفة من الإرهابيين القاعدة وداعش وأذيالهم ليمارسوا في كل المجتمعات الشرقية أبشع الجرائم وبأبشع الوسائل وبروح من التعصب والبغض والكراهية دون رحمة ولا تعاطف، لان قلوبهم متحجرة بما يرتكبون من جرائم، حيث أداتهم هي العنف وحز الرؤوس وخلع الألسن وقلع القلوب وشرب الدماء واكل لحوم البشر، لترعيب الآمنين الإبراء لإشاعة الرعب في قلوبهم ليتم إطاعتهم إطاعة عمياء ليتم تعميم أفكارهم السوداء بأساليب سوداء تلك هي جل أفعالهم وإعمالهم وإنتاجهم في هذا الشرق على حساب انحسار الثقافي والفكري والذي كانت للمسيحية دورها الريادي قادت الشرق إلى النهضة والازدهار بجد و بجهد و بفكر تنويري لنهضة الشرق، وقد عملوا كل ذلك لا من اجل المسيحية فحسب، رغم اعتزازهم بمسيحيتهم، وإنما انطلقوا من اجل العروبة وانتمائهم الوطني ووطنيتهم، لان نظرة (المسيحية) كانت وما تزال تنظر إلى (الدين) باعتباره أخلاق وقيم وهي نقاط الجامعة بين كل الديانات، وهي مرتكزات أساسيه، إذ لا يمكن القياس الدين على الاختلافات في الجزئيات أو المعتقدات أو الطقوس أو التركيز على الطائفة والمذهب لأنها هي سلبية تهدد كيان الأمة، ومن هنا على المؤسسة الدينية البحث عن عوامل المشتركة والجامعة بين شعوب الأرض وليس فحسب بين شعوب المنطقة، لأننا أولا وأخيرا بشر نعيش على كرة أرضية التي أصبحت بفعل التطور وتنامي التكنولوجيا قرية صغيره لا يمكن بأي شكل من الإشكال تجاوز إفرادها وأسرها، لأنها هي التي تقوم المجتمع وفق مبادئ و القيم المشتركة في التربية والأخلاق ليتعاظم المجتمع بكل مكوناته لكي نحافظ على أمنه واستقلاله و حريته و وحدته، ويجب الاعتماد على تاريخ والحضارة والابتعاد عن الدين والطائفة، كونها هي من تسعر العداوات في المجتمع، وعلينا بدولة المواطنة والعلمانية لكي نحافظ على نسيج المجتمع، لان الانجرار في الخط المعاكس سنقود الواقع كما تريد إن تقوده القوى التكفيرية للإسلام السياسي، حيث الانحسار الثقافي والفكري بضرب المسيحية في الشرق لإحداث تغير ديموغرافي في عموم منطقتنا الشرقية، وهذا خطر سيهدد الوجود الحضاري للشرق، لان التنشئة الدينية لهؤلاء التكفيريين للإسلام السياسي جاءت قاصرة بجهلهم تاريخ المسيحيين ودورهم في بناء الحضارة العربية الإسلامية منذ ظهور الإسلام وما بعده وقبله .

الباب الثالث ... المسيحية في ظل الخلافة الإسلامية

فالمسيحيون في هذا الشرق عاشوا قبل رسالة الإسلام وفي ظل الرسالة، كما وعاشوا في ظل ألخلافة الإسلامية بدءا بالخلافة الراشدة و الأموية والعباسية و المماليك ولغاية انتهاء الخلافة العثمانية إي للفترة ما بين( 633 م - 1918 م) وما زالوا يعيشون في هذا الشرق ومصرين على البقاء فيه لأنه الأرض التي أنجبتهم رغم الهجمة الشرسة التي يواجهونها من الإسلام السياسي المتطرف ومن الإرهابيين التكفيريين القاعدة وداعش وأذيالهم، ولهذا فان دور المسيحيين الشرقيين لا يمكن تجاهله في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية أو بما يطلق عليه بالتمدن العربي الإسلامي . وخاصة اذ عرفنا ما حل بتاريخ المنطقة بعد غزو (المغول) لبغداد في عام 1258، حيث تعاقبت المحن والكوارث وساد الواقع العربي، وفي عموم منطقتنا، الجهل والتخلف لحين مجيء القرن التاسع عشر حيث شهد العالم العربي موجة من اليقظة و النهضة وكان لمسيحيي الشرق دورا فعال في نشر هذه اليقظة في عقول أبناء هذا المشرق منتصرين لأفكار الإصلاح والتحديث والرقي، وكانت لهم الجرأة في نقد الواقع العربي الإسلامي وانتقاد كل مظاهر التعصب و التزمت والتحجر، ويعود الفضل عليهم بما قاموا بنشر الوعي عبر الصحافة التي ادخلوها إلى المنطقة حيث كانوا يحثون المواطنين على الثورة ضد طغيان السلاطين العثمانيين وهيمنتهم على العرب المسلمين . ولهذا فإننا من غير ممكن نسيان تاريخهم المسيحيين ودورهم في نهضة المنطقة، أو تجاهل دورهم إبان الفتوحات الإسلامية وفي تثبيت أركان الحكم الدولة الإسلامية، ففي وقت الذي ظلت كل المجتمعات المسيحية على ديانتهم المسيحية مثل أقباط مصر، وموارنة لبنان، والأشوريين في العراق وسوريا .
فـ(مسيحيو الشرق) هم من العرب والأشوريون والأرمن، و معتنقي المسيحية من) العرب( يشمل )الروم الأرثوذكس ) والذين هم منظمين في ثلاث بطريركيات في أنطاكية والقدس والإسكندرية، ويتفرع من هذه الكنيسة الروم الكاثوليك إلى جانب الروم الكاثوليك أو اللاتين والبروتستانت، ويضاف كل من) الأقباط ( و(الموارنة (وهما أكبر طائفتين على التتالي ضمن الطوائف المصنف أتباعها كـ(مسيحيين العرب)، إما (الأشوريين) بطوائفها ومذاهبها الكنسية المتعددة فهم من (القومية الأشورية)، إما (الأرمن)الشرقيين وضمن مذاهب المتعددة التي يؤمنون بها فهم من القومية (الارمنية)، و القوميتين الأخيرتين يتحدث أبنائها إضافة إلى لغة إلام اللغة العربية كلغة ثانية رئيسية لهم ويجدون آدابها وعلومها البلاغية والصرفية والنحوية والإملائية وآدابها.
و المسيحية امتدت إلى مختلف المناطق الشرقية والتي ترتفع فيها كثافة السكان العربية، وقد تكونت بهذه المناطق أسقفيات عديدة منذ منتصف القرن الرابع، وكانت قبائل )قضاعة )التي ينتسب لها بعض القبائل الحميرية و هي أول القبائل التي هاجرت من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وتنصرت هناك، ثم لحق بها قبائل أخرى، أشهرها غسان، التي نزحت من اليمن بعد انهيار سد مأرب في القرن الثالث واستوطنت البلقاء والبادية السورية و حوران ودرعا والجولان، وكان يرأسها يومئذ( جفنة بن عمرو بن عامر(، الذي تنصر هو وسائر من معه وأقاموا هناك مملكة تابعة للروم، وكان آل (جفنة) أعرق العرب حضارة، إذ أنشئوا ثقافة عربية امتزجت بالعناصر الأشورية واليونانية. علاوة على ذلك فقد تنصر قبائل عربية الأخرى كقبيلة (تغلب) التي كانت تسكن في الأصل في تهامة، ثم انتشرت فنزلت الحجاز ونجد والبحرين، ثم زحفت نحو الشمال حتى بلغت أطراف الجزيرة، و أول من نزل بطون تغلب في الجزيرة الفراتية هو (علقمة بن سيف بن شرحبيل بن مالك بن سعد بن جشم بن بكر) وقد قاتل أهل الجزيرة حتى غلبهم، وأنزل قومه بها، وقد أدى اتصال قبائل (تغلب) بالروم وبمسيحيي العراق والجزيرة وبلاد الشام إلى دخول قسم منهم في المسيحية كمعظم القبائل التي دخلت العراق وبلاد الشام و مصر.
وكان (مسيحيو الشرق) يشكلون سندا للأمويين في الجيش، حيث اعتمدت الدولة الإسلامية على المسيحيين في إدارة الدولة ودواوينها، وفي إنشاء الدواوين، فاستفاد (الأمويون) و (العباسيون) من جهودهم وخبرتهم في تعريب الدواوين والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم، وكذلك فعل (الفاطميون) في مصر، ولم يقتصر الأمر على موظفي الإدارة، بل تعداه إلى الوظائف الكبيرة في الدولة، فقد عمل (الأشوريين) من الطوائف السريان والنساطرة للكنائس المشرقية خلال العصر (العباسي) كمستشارين لخلفاء هذا العصر وفي الترجمة والعلوم والفلك والطب .
كما وقاد مسيحيي الشرق النهضة القومية العربية، وقد أطلقوا بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية النهضة العربية في القرن التاسع عشر والتي سرعان ما اتسعت لتشمل أطياف المجتمع برمته. وقد سطع أيضا نجم عدد كثير من الشخصيات المسيحية العربية في الوطن العربي والمهجر في مناصب السياسية والاقتصادية بارزة، كما ولا يزال للطوائف المسيحية، دور بارز في المجتمع العربي، لم ينقطع، ولعلا أبرز مراحله هي في مرحلة النهضة العربية في القرن التاسع عشر ولغاية منتصف قرن العشرين .
فمسيحيو الشرق الأوسط هم أناس واقعيون مخلصون وأوفياء ومثقفون ومهذبون ويقدمون مستوى عالي من الخدمات ويبرزون في كل أنشطة الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وإذ ما أخذنا العصر( الأموي )، فإننا سنجد للمسيحيين مكانة خاصة، فقد برز في هذا العصر عدد كثير من الأطباء والوزراء والشعراء المسيحيين، فقد عين (معاوية) الطبيب (ابن أثال) عاملا على ولاية حمص، وكان (منصور بن ياسر سرجيون) وزيرا، وكان طبيبه الخاص عربيا مسيحيا، كما وتقلد بعض المسيحيين الوزارة كـ(سعيد بن ثابت)، وكان شاعر البلاط في عهده الشاعر الكبير (الأخطل)، الذي كان ثالث أشهر شعراء (النقائض) مع (جرير) و(الفرزدق)، وكان منهم أيضا حرفيون مهرة، شارك عدد غير قليل منهم في بناء (الجامع الأموي الكبير) في قلب دمشق، الذي أمر الخليفة (الوليد بن عبد الملك) ببنائه، كما وعين (سليمان بن عبد الملك) كاتبا مسيحيا خاصا في ديوانه الشخصي، وكما عين (المأمون) ( اسطيفان بن يعقوب) مديرا لخزينة الخليفة، وتم تقليد ديوان الجيش لمسيحي مرتين، وشغل (سعيد بن ثابت) وزارة، وتولى (عبيد بن فضل) قيادة الجيش، وكان (عيسى بن نسطورس) وزيرا في بلاط (العزيز) الخليفة (الفاطمي)، وكان (لعضد الدولة) وزير مسيحيا (اسمه نصر بن هارون)، وهكذا يستمرون الخلفاء في هذا العصر في تكلف الكثير من المسيحيين بمسؤوليات حكومية أيام الدولة (الفاطمية) .
إما في العصر (العباسي)، فقد كان لمسيحيون وخاصة من الأشوريين السريان و من (اليعاقبة) و (النساطرة) وهم من أبناء (كنيسة المشرق الأشورية)، دور مهم في الترجمة وتطور العلوم، خاصة أيام الدولة (العباسية)، وكان لدور الترجمة دورا مهما في ازدهار (الحضارة العربية الإسلامية)، وقد أتقن (الأشوريين) المسيحيون الترجمة واستوعبوا محتويات الكتب المترجمة، بعدما عربوها وأعادوا صياغتها مطورين مضامينها ومضفين عليها أبواب جديدة، وأجروا عمليات نقد عليها وأعادوا إنتاج الثقافات السابقة ووضعوها بين يدي العالم في ما بعد .
لقد ترجم المسيحيون من اليونانية والأشورية والفارسية، واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية، خصوصا مدارس مدن (الرها) و (نصيبين) و (جنديسابور) و (إنطاكية) و (الإسكندرية) المسيحية والتي تخرج من هذه المدارس عدد وفير من الفلاسفة والأطباء والعلماء والمشرعين والمؤرخين والفلكيين، وقد احتوت هذه المدارس مستشفى ومختبرا ودار لترجمة ومكتبةً ومرصد، واشتهر عدد من المترجمين الذين عملوا وتخرجوا من هذه المدارس، وأشهرهم كان (شمعون الراهب) و(كوركيس أسقف حوران) و ( وجبريل بن بختيشوع) الذين اشتهروا في الطب خصوصا، وبقيت أسرتهم (آل بختيشوع) مسؤولةً عن الطب في الدولة (العباسية) طوال ثلاثة قرون، وخدم أبناؤها كأطباء خاصين للخلفاء (العباسيين)، وعين الخليفة (المأمون) مترجما خاصا له وهو ( يوحنا بن ماسويه) الذي ترجم الكتب الفلسفية من (اليونانية) و (الأشورية) إلى العربية وألف خمسين كتابا رئيسا لـ(بيت الحكمة) وكان أبوه أيضا طبيبا، و (حنين بن إسحق) كان أيضا رئيسا لـ(بيت الحكمة) ومن بعده ابن أخته (حبيش بن الأعسم)، وقد ترجم (حنين بن إسحق) ما يقارب عن (95 ) كتابا، و (سعيد بن البطريق) وله عدد من المصنفات، و (قسطا بن لوقا)، ومنهم أيضا (إسحق الدمشقي) و (يحيى بن يونس) و (الحجاج بن مطر) و (عيسى بن يحيى) و (يحيى بن عدي) و (عبد المسيح الكندي)، وكل هؤلاء المفكرون المسيحيين رفدوا المكتبة العربية بذخائر الكتب وقد ترجموا وألفوا في (الفلسفة والنواميس والتوحيد والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والطب والرياضيات والنجوم والموسيقى) وغيرها. وهنا يذكر عدد من الباحثين بتطور الفيزياء في اللغة (الأشورية) والتي استفادوا منها علماء أوربا وبنو عليا علومهم في الفيزياء والتي أخذت بعدها العلمي فيما بعد، كما وكانت لترجمتهم للكتب الفلسفة إلى العربية أثر كبير في ظهور (فرق المعتزلة) جنوب العراق التي تجعل من العقل (الحكم) الوحيد في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد وصف (الجاحظ ) وضع المسيحيين خلال العصر (العباسي) بقوله : ((.. إن النصارى متكلمون وأطباء ومنجمون وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء... وان منهم كتاب السلاطين.. وأطباء الأشراف والعطارين والصيارفة..)).
وفي الثقافة (العباسية) الشعبية ظهرت العديد من الشخصيات المسيحية (الفلكلورية) الأسطورية في مجموعة متنوعة من القصص الشعبية والأشعار منها على سبيل المثال وليس الحصر (ألف ليلة وليلة) التي تحتوي على شخصيات أدبية مسيحية خيالية مشهورة منها (السمسار القبطي) و(الخطاط السرياني) و(حكاية الأميرة شيرين) و(رهبان عمورية) وتتكرر شخصية الطبيب والتاجر المسيحي بكثرة، كما وتضمنت الشخصيات مسيحية خيالية من بغداد وسائر العالم الإسلامي ومن روم الإمبراطورية (البيزنطية) .
إما في العصر (العثماني)، فقد كان المسيحيون من (الأرمن) و (اليونانيين) عماد النخبة المثقفة في عهد الدولة (العثمانية)، وكانوا أكثر الجماعات الدينية تعلما وثقافة وخبرة ونشاط، ولعبوا دورا كبير في تطوير العلم والتعليم واللغة والحياة الثقافية والاقتصادية .
وفي القرن الثامن عشر، أيام الدولة (العثمانية) ظهر نفوذ (يونان الفنار)، و (يونان الفنار) هم من المسيحيين أبناء عائلات يونانية أرستقراطية سكنت في حي (الفنار) في مدينة (إسطنبول)، و (حي الفنار) هو مركز بطريركية (القسطنطينية المسكونية)، أي مركز (الأرثوذكسية الشرقية)، كان لهذه العائلات نفوذ سياسي داخل الدولة (العثمانية) ونفوذ ديني في تعيين البطريرك( الزعيم المسيحي) في الدولة (العثمانية) .
خلال القرن التاسع عشر أيضا، تحسنت أوضاع (الأرمن) الشرقيين من المذهب (الأرثوذكسية) لتصبح أكثر طوائف الدولة (العثمانية) تنظيما وتعليما، وعاشت النخبة (الأرمن) في عاصمة الإمبراطورية (العثمانية) مدينة (اسطنبول) حيث تميزوا في المجتمع بكون اغلبهم من الطبقات الارستقراطية وعلى وجه الخصوص العائلات الكبيرة المعروفة آنذاك كعائلة (دوزيان) و (باليان ودادايان ) حيث كان لهم نفوذ اقتصادي كبير في الدولة إلى جانب الاستفادة من تطور أبنية المدارس (الأرمن) التابعة للكنيسة (الارثوذكسية)، كما وعملوا (الأرمن) في التجارة والمهن الحرة مما أدى إلى تحسن أوضاعهم الاجتماعية، وقد ظهر أشخاص احتلت مناصب هامة وعينوا كمستشارين لخليفة العثماني في بغداد وسوريا ولبنان.
ويعود الفضل إلى (الأرمن) في إنشاء أول صحافة في الدولة (العثمانية) وكان المؤسس الأول هو الصحفي (دريان كليكيان)، مؤسس أولى الصحف في تركيا وقد شغل منصب بروفسور في جامعة (اسطنبول)، ولعب (أرمن تركيا) دور في تطوير الأدب (ألأرمني) والذين ترجموا الكثير من الآداب العالمية إلى العربة عن طريق اقرأنهم من الأرمن القاطنين في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وبرزت أسرة (باليان) ألأرمنيه في مجال العمارة والهندسة ولمدة خمسة أجيال صممت سلالة باليان عدد هام من المباني الرئيسية في الدولة (العثمانية) بما في ذلك القصور والأكشاك والحمامات العامة والمساجد والكنائس والمباني العامة المختلفة، ومعظمها في (الآساتنة)، كما وخدم تسعة من أعضاء العائلة ستة سلاطين في سياق قرن كامل، وكانوا مسؤولين عن الهندسة المعمارية للعاصمة، كما و نظم (الأرمن) أنفسهم فأنشئوا النوادي وأحزاب سياسية، وجمعيات خيرية بالإضافة إلى المدارس والكنائس والمستشفيات.
ومن هنا فان دور الذي لعبه (مسيحيي الشرق) في التطور ونهضة الحياة الاجتماعية لا يمكن تجاهلها لا في المجال العلمي ولا في المجال الثقافي ولا في المجال الحضاري والصناعي والتجاري، ولهم الفضل في التمدن والنهضة العربية في كل بلدان الشرق بكون اطلاعهم واختلاطهم مع الحضارات (اليونانية) و(الرومانية) و(الفارسية) وعلى لغاتها ليبرز دورهم في الترجمة الذين نقلوا للعربية عن (اليونانية والفارسية والأشورية) أمهات الكتب الفلسفية وشتى العلوم. يقول (الفارابي):- ((.. إن الفضل يعود للنصارى في تعليم المسلم الفلسفة..)) فكان ( مسيحيو الشرق) ثروة علمية وثقافية لأمة (العربية الإسلامية) انطلقت من بداوة وجاهلية الصحراء لصناعة تمدنها وحضارتها.

الباب الرابع ... دور المسيحيون في نهضة الشرق

برز دور (مسيحيي الشرق) في عصر (الخلافة الإسلامية) في بناء وإدارة الحكم والدواوين (الوزارات) والمالية والفلسفة وعلوم الطب والكيمياء والحساب والفلك والبناء والعمارة والفنون من الرسم والنقوش والموسيقى والغناء والآداب و صناعة السلاح وبناء السفن والتجارة والزراعة وشتى الحرف، ولم يكن (لمسيحيي الشرق) الذين تم دعم جهودهم الثقافية والعلمية من قبل لدن الخلفاء المسلمين بدرجة أولى ثم المسلمين العرب من عامة المجتمع الشرقي، الذين عملوا معهم جنبا إلى جنب فساعدوا بعضهم البعض من اجل ازدهار الحياة والمجتمع في بلدانهم الشرقية، ولم يكونوا هؤلاء مجرد متلقين وناسخين ومترجمين لكتب الغربة ولحضارة الأوربية، وإنما كانوا مطورين لها ومبدعين فيها، وانجازاتهم العظيمة في مختلف المجالات العلمية والحضارية شكلت فيما بعد مقدمة غنية لـ(أوربا) لصناعة نهضتها الحديثة بعد السبات والتخلف الطويل في القرون الوسطى .
إما في المجال الديني (المسيحي - الإسلامي)، وتحديدا في مجال اللاهوت والفقه، فلقد كان لـ(مسيحيي الشرق) حوارات دينية مع (المسلمين) في العقود الأخيرة للخلافة (الأموية) والقرون الأولى للخلافة (العباسية)، وكان التأثير البارز في علوم الفلسفة وتحديدا المنطق (اللاهوتي المسيحي) على علم الكلام (الإسلامي)، وللرهبانية على الصوفية، هذا عدا عن مسائل (الإرادية) و(الجبرية) و (حق الاجتهاد) و(تغليب العقل على النسخ والنقل) .
اما في عصر التنوير العربي، فقد جمع المؤرخون والباحثون على تحديد عصر (التنوير العربي الحديث) للفترة المحصورة ما بين عام (1798 – 1920م )، إي منذ بداية حملة (نابليون بونابرت) على دولة (مصر) وانتهاء بانهيار الخلافة (العثمانية) وتجزئة العالم العربي وفق اتفاقية (سايكس – بيكو) السيئة الصيت، وبدء حكم (الانتداب البريطاني والفرنسي) على بلاد الشام والعراق، وكانت بلاد الشام( لبنان وسوريا وفلسطين) وهي البلاد التي سكنت و قطنت فيها الغالبية من (المسيحيين) والذين يتكلمون العربية والأشوري، وهي المنطقة التي تعتبر مهد للتنوير، حيث برز مساهمات (المتنورين والنهضويين العرب المسيحيين) كونهم هؤلاء المسيحيون القاطنين في الشام من الطبقات البرجوازية الأساسية ليس في الشام فحسب بل حتى في مصر، مما جعل مساهمتهم في النهضة الاقتصادية ذات أثر كبير، على نحو ما كانوا أصحاب أثر كبير في النهضة الثقافية، وفي الثورة على الاستعمار بفكرهم ومؤلفاتهم وعملهم، وما أنجزه (المسيحيين) في هذه الفترة يصعب حصرها في هذه الأسطر، كما ويصعب ذكر كل الأعلام المسيحية الشرقية الرائدة في مجال (الثقافي والأدبي والتعليمي والصحفي والعلمي والاجتماعي، بما فيه السياسي والاقتصادي والفكري القومي والوطني)، ولكن مع ذلك سنذكر بإيجاز ما قامت (الإرساليات) بفتح مئات المدارس الابتدائية والثانوية في عشرات البلدات حيث يتواجد عرب مسيحيون، حيث تنوعت فيها مواضيع التدريس في ( اللغة العربية وآدابها والحساب والتاريخ) واللغات الأجنبية (الانجليزية والفرنسية والروسية والألمانية وغيرها)، وكانت لكل مدرسة من مدارس الإرسالية تدرس بلغة الدولة التي تتبع لها، كذلك جرى فتح مدارس مهنية، وتم فتح أول مدرسة ثانوية للبنات عام ( 1833) في (بيروت) حيث بلغ عدد المدارس (الإنجيلية) وحدها (390) مدرسة حتى عام (1885)، إما عدد المدارس( الروسية ) في بلاد الشام فقد تجاوز عددها عن (120) مدرسة في مطلع القرن العشرين، وبعدها يلاحظ المسيحيون العرب أهمية المدارس فيسارعون إلى فتح مدارس (وطنية)، ليؤسس (بطرس البستاني) مدرسة وطنية عام(1863) ويؤسس المطران (يوسف الدبس) مدرسة الحكمة، وهكذا يفعل آخرون، ثم واكب التطور إلى بناء أول جامعتين في الشرق العربي (الجامعة الأمريكية) في بيروت عام (1866) و (جامعة القديس يوسف) عام(1874)، إما (الروس) فيفتتحون معهدين لإعداد وتخريج المدرسين (سيمينار)، الأول دار للمعلمين في (الناصرة) عام (1886) والثاني للمعلمات في بيت (جالا) عام (1890( .
وكان لهذه المدارس الدور الأكبر في (محو الأمية) في دول الشرق، وإكساب الطلاب ملكية إتقان اللغات الأجنبية، ليكونوا أكثر المتعلمين في عموم دولة الخلافة (العثمانية) في القرن التاسع عشر من خريجي تلك المدارس. وقد أتيح المجال لعامة الشعب العربي المسيحي والمسلم إن يقصدوا إلى أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وبقية بلدان أوربا لمواصلة دراستهم الجامعية بعد إن تسلحوا بقسط كبير من العلم والمعرفة في هذه المدارس التي مهد لها المسيحيين بنائها وتأسيسها وتزويدها بالمدرسين والكتب والمكتبات والمناهج التدريسية العريقة على ارض الشرق، إضافة إلى ذلك فان هناك مئات الأكاديميين والمدرسين والمترجمين الذين تخرجوا من (الجامعتين الأمريكيتين في لبنان) ومن (المعهدين الروسيين لإعداد المعلمين)، ومن جامعات في أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا.
ومن خريجي الدفعات الأولى وتحديدا من خرجي المدارس (الروسية) في بلاد الشام ومن جامعاتها نذكر بعض من لمع اسمه في العالم العربي : (ميخائيل نعيمه وبندلي الجوزي وخليل بيدس ونسيب عريضه وفارس نمر واسكندر الخوري البيتجالي) وغيرهم. وبفضل مدارس ومعاهد وجامعات (الإرساليات) ظهرت كوكبة واسعة من المترجمين الذين نقلوا إلى العربية عن اللغات الأوروبية شتى المقالات والأبحاث العلمية والفكرية والكتب الأدبية، ليوصلوا لشعبهم العربي المسيحي - الإسلامي منجزات النهضة الأوروبية في شتى المجالات بما فيها الإبداع الأدبي الحديث الروائي والقصصي والمسرحي والشعري، ولا نبالغ إن قلنا إن المدرسين والأطباء والمحامين والمحاسبين والمفكرين في بلاد الشام، كانوا من خريجي تلك المدارس والمعاهد والجامعات، ولا ننسى أيضا الصحفيين واللغويين والمترجمين والأدباء والكتاب المؤرخين والباحثين، وكوكبة من المع الشخصيات التي أسست للفكر القومي والوطني والعروبي .
ولا ننسى ما لدور الطباعة والصحافة في نشر الوعي والثقافة والتربية لتطوير الحياة العامة وعلى كل الأصعدة السياسية والثقافية وكان لـ(مسيحيي الشرق) دورا بارزا في انتشار وتوسيع وازدهار في هذا المجال حيث يؤسس الشماس السوري (عبد الله الزاخر) من حلب، بمساعدة البطريرك (اثناسيوس دباس) المطبعة العربية الأولى سنة( 1734) في دير (الشور)، وتقوم (إرساليتان أمريكيتان) بفتح مطبعتين عام( 1834 وعام 1848)، وتتابع بناء عدة مطابع عربية بين الأعوام ( 1855-1874)، يكون بعض مؤسسيها (حنا الروماني) و (خليل طوري) و (إبراهيم النجار) و (يوسف شلفون) و (جرجس شاهين) و (بطرس البستاني) و (حنا جرجس) و (خليل سركيس) الذين يعود الفضل إليهم في إنشاء هذه المطابع العربية والتي قامت بطبع الكتب المدرسية والصحف وإعادة ونشر كتب التراث وكتب الإنتاج الأدبي والفكري والسياسي الحديث، فدور الذي قام به ( بطرس البستاني (1819-1883) وهو من عائلة لبنانية (بروتستانتية) كان أول هؤلاء المتنورين، الذي ظل مؤمنا بكون التعليم هو أساس تقدم الشعوب ورقيها، فبادر بفتح مدارس لـ(مسيحيين ولمسلمين) لكي يتعلموا العلوم واللغات الحية ولكي يتعرفوا إلى الحضارة العالم والحداثة، وهو أول من أنشأ (دائرة للمعارف) في وقت الذي كانت الأمية طاغية في المجتمعات الشرقية ومهيمنة بشكل واسع وخطير، وكان يرى أن (اللغة العربية) هي الأداة الوحيدة والمثلى في توحيد العرب، وإزالة الفرقة بينهم وبين شعوبها وقبائلها وطوائفها.
أما على صعيد إصدار الصحف والمجلات فيكون أول من يصدر دورية عربية غير رسمية، أي غير تابعة للسلطنة، هو الأستاذ (رزق الله حسون) ويسميها (مرآة الأحوال) وذلك سنة( 1855)، ويليه في إصدار الصحف (اسكندر شلهوب) صحيفة (السلطنة) عام (1857)، و (خليل خوري) صحيفة (حديقة الاخبار) عام ( 1857)، ثم يليه (فارس الشدياق) و (بطرس البستاني)، وتصدر (هند نوفل) في (مصر) عام( 1892 ) أول مجلة للـمرأة هي (مجلة الفتاة) وبعدها تنشط حركة إصدار الصحف من قبل المتنورين العرب المسيحيين بين أعوام (1870 و 1898)، إذ يصدرون ( 17 ) صحيفة ومجلة في كل من لبنان ومصر و منها(الأهرام) لـ(سليم وبشارة تقلا) و(الهلال) لـ(جرجي زيدان) و(البيان) و(الضياء) لـ(ابراهيم اليازجي) و(الجنان) لـ(بطرس البستاني) و(الجنة) لـ(سليم البستاني)، و(لسان الحال) لـ(خليل سركيس) و(المقتطف) لـ(يعقوب صروف وفارس نمر) و(مصر) و(مصر الفتاة) لـ(أديب اسحق)، و(المشرق) للكاهن (لويس شيخو)، و(النحلة) و(النجاح) للقس (لويس الصابونجي)، وغيرها من صحف ومن مصدرين لها، إما أول مجلة مختصة بالأدب فيصدرها (خليل مطران) عام ( 1900)، وتصدر في فلسطين صحف ومجلات نذكر منها (الكرمل) لـ(نجيب نصار) عام ( 1908)، و(الأصمعي) لـ(حنا العيسى)عام (1908 ) و(فلسطين) لـ(عيسى العيسى)عام ( 1911 ) و(المنادي) لـ(سعيد جارالله) عام ( 1912)، وكل هذه الإصدارات تخصص حيزا واسعا من صفحاتها للتحذير من خطر الكيان (الصهيوني) ولتدوين نشاط الحركة الوطنية الفلسطينية التي بدأت تتأسس ولنقد ممارسات القيادة الدينية في البطريركية المقدسية وللدعوة لوحدة الأمة العربية وتحقيق الاستقلال لشعوبها.
إما على صعيد الإبداع الأدبي نذكر ما أنتجه من مؤلفات (ناصيف اليازجي) و (ابراهيم اليازجي) و (بطرس البستاني) و (سليم البستاني) و (سليمان البستاني) و (جورجي زيدان) و (فارس الشدياق) و(لويس شيخو) و (جرمانُس فرحات) و (ماري انسطاس الكرملي) و (سليم تقلا) و (بشارة تقلا) و (فارس نمر) و (يعقوب صروف) و (خليل القباني) ابو المسرح العربي الذي ترجم 60 مسرحية وغيرهم.
ولا يفوتنا ذكر المساهمات الأدبية الراقية لأدباء وكتاب (الرابطة القلمية)، ومنهم (جبران خليل جبران) و(ميخائيل نعيمة) و(ايليا ابو ماضي) و(فوزي معلوف) و(أمين الريحاني) و(نسيب عريضه) و(ندره حداد) و(الياس فرحات) وغيرهم من أعضاء الرابطة. وإما للمسيحية (أسيا داغر) تعود بداية التأسيس الفن السينمائي، أما أعلام الرواد للفن المسرحي فيبرز منهم (مارون النقاش) و(سليم النقاش) و(خليل القباني) و(جورج ابيض) و(نجيب حداد) و(يوسف فرح) و(اسكندر فرح) و(اديب اسحق) .
كما نذكر ما قام به المفكر اللبناني (شبلي شميل-1850-1917) الذي درس في باريس، وكان ذو عقلية تنويرية بالمعنى الحقيقي للكلمة لجهد الذي بذله عبر الصحف التي أنشأها مدافعا بقوة عن أفكار ونظرية (داروين) في النشوء والارتقاء، وعن أفكار (كارل ماركس)، داعيا إلى العدالة والمساواة، ومعتبرا أن التعصب الديني هو أساس كل محن بلاد العرب، فنادي بضرورة فصل الدين عن الدولة، حيث كان يدعو بقوله: ((....لا حرية، ولا عدالة، ولا مساواة، ولا تمدن، ولا رقيا، ولا حياة سياسية سليمة من دون فصل الدين عن كل مظهر من مظاهر الحياة السياسية...))، وفي عام ( 1914) أسس مع صديقه المصري القبطي ( سلامة موسى1887- 1958) جريدة (المستقبل)، غير أن هذه الجريدة سرعان ما صودرت بسبب الانتقادات اللاذعة التي كانت توجهها إلى السلطات السياسية والدينية.
إما في مجال اللغة والتراث والأدب فقد أولي (المسيحيون) اهتماما خاصا لإحياء (اللغة العربية) الفصحى التي هي لغة (القران الكريم) ولكن الاهتمام الواسع بها جاء من لدن (المسيحيين) الشرقيين بكون (اللغة) وعاء وأداة الثقافة، ولتخطي التفرقة والتجزئة الجغرافية والقبلية بلهجاتها المحلية ولغتها العامية، وكذلك لعصرنه اللغة ولتأسس للغة الصحافة، هذا إلى جانب إحياء التراث العربي القديم، والملفت للنظر إن من فعل هذا أولا هم رجال (دين المسيحيين) وفي أديرتهم، نذكر منهم الأب (انتساس الكرملي) الذي رد على المستشرقين وصحح آراءهم وصحح أغلاط الأقدمين، ومن أبرز الكتاب المسيحيين الذين عنوا بدراسات اللغة العربية نذكر (جبر ضومط) الذي ألف فلسفة اللغة العربية وتطورها، وكذلك (جرجي زيدان) الذي اهتم باللغة العربية والألفاظ العربية والفلسفة اللغوية، فألف كتاب تاريخ آداب اللغة العربية، انساب العرب القدماء، تاريخ التمدن الإسلامي والكثير من روايات تاريخ الإسلام ومؤلفات أخرى، إما الكاتب (لويس شيخو) فقد ألف كتاب بعنوان ( الآداب العربية و بيروت تاريخها وآثارها و روض الأدب و معاني الأدب، إما (ناصيف اليازجي) فألف ما يزيد عن( 22 ) كتابا ومجلدا في الصرف والنحو واللغة والمنطق والبيان والطب والشعر والتاريخ وأشهرها ( قطب الصناعة في أصول المنطق) و( جوهر الفرد في أصول الصرف والنحو) و (مجموع الأدب في فنون العرب)، إما ما ألفه (ابراهيم اليازجي) فألف في اللغة( تحفة الرائد في المترادف والمتوارد) و( الفرائد الحسان في قلائد اللسان) و(لغة الجرائد)، إما (بطرس البستاني) فألف في اللغة العربية كتاب (آداب العرب) و( قاموس محيط المحيط) و( قاموس قطر المحيط).
بالإضافة إلى كوكبة من باحثين والأدباء المسيحيين الشرقيين أنتجوا أدبا وترجموا ونقلوا للعربية منجزات النهضة الأوروبية وثقافتها، فأصدروا كتب القواعد والنحو وشتى قواميس اللغة العربية وإعادة إصدار أمهات كتب التراث، عدا عن وضع مؤلفات وأبحاث عن الأدب العربي وتاريخ العرب القديم وعن التمدن والحضارة العربية الإسلامية في عصور الخلافة، وكان (مسيحيي الشرق) يدعون إلى النهضة في كل الأزمنة، وخاصة في زمن (التتريك العثماني)، ويعود الفضل لهم في الحفاظ على اللغة العربية في عموم الشرق وعلى التراث والثقافة والتاريخ ومنجزات العرب الحضارية، حيث اعتمدوا على اللغة العربية ومنها انطلقوا لبناء ثقافتنا العربية بدون انعزال عن التواصل والتلاقح مع مكتسبات ومساهمات الغرب الأوربي، وحتى اليوم ما يزال المسيحيون في الشرق الأوسط يلعبون دورا حضاريا وثقافيا وعلميا وقوميا ويشكلون النخبة في مجتمعاتهم.
ولم تلبث الأفكار الإصلاحية والتنويرية التي دعا إليها وروجوها (مسيحيو الشرق) أن لاقى تأثيرها على النخب المثقفة من مفكرين العربية من أصول إسلامية، فأصدر الكاتب المصري (قاسم امين- 1863-1908) كتابا مهما يدعو فيه إلى تحرر (المرأة المسلمة)، ودعي إلى تحطيم القيود التي تكبلها لكي تباشر الاختلاط والمساهمة مع أخيها الرجل في البناء والعمل على إصلاح أوضاعها الاجتماعية والتربوية، وقد أثار الكتاب هذا ودعوته إلى تحرير المرأة غضب شيوخ (جامعة الأزهر) فتصدوا له بالانتقادات الجارحة، وفي عام 1904 أصدر الشيخ (عبد العزيز الثعالبي - 1874-1943) كتابه (روح التحرر في القرآن) دعا فيه إلى ضرورة نزع الحجاب عن المرأة، والى الانفتاح على الحضارة الغربية لأنكما قال (( القرآن، كتاب تحرر وليس كتابا للاستعباد)) غير أن شيوخ جامع (الزيتونة) في تونس عارضوا بشدة أفكار الشيخ (الثعالبي) الذي مثَل في النهاية أمام القضاء ليمضي ثلاثة أشهر في السجن، وعلى صعيد ذاته كانت أفكار التنوير ذات تأثير على (طه حسين) في كتابيه (في الشعر الجاهلي)، وكتابه ( مستقبل الثقافة في مصر)، وأيضا على الكاتب (علي عبد الرازق) في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) وهناك نخب من ذلك الجيل المتفتح من المفكرين العرب المسلمين يصعب حصرها في هذه الأسطر وما ذكرنا منهم إلا كنماذج وليس حصرا.
ومن هنا يجب إن لا ننسى الدور المهم الذي لعبه (مسيحيي الشرق) في مقاومة الاستعمار الانكليزي و الفرنسي الايطالي، وفي التصدي للمخططات الصهيونية والإمبريالية في عموم بلدان الشرق الأوسطية، وفي تأسيس أحزاب قومية عربية انخرط فيها مسلمين ومسيحيين مؤمنين بما جاء في أفكارهم ومنهم نذكر( ميشيل عفلق) مؤسس حزب (البعث)، وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب الشيوعية التي أسست في الأقطار العربية كان نشطائها من مسيحيين ولكن انخرط المسلمون والمسيحيين فيها مؤمنين بمبادئها وعملوا معا في خندقها.

الباب الخامس ... الإسلام التكفيري ودوره في تدمير ما أنجزه مسيحيي الشرق

غير أنه ما يبدو عليه الأوضاع الآن أن كل هذه الإسهامات والخدمات والأعمال الرائعة التي قاموا بها (مسيحيي الشرق) وقدموها لأبناء الشرق نسيت وأهملت ليتم في الخفاء وفي العلن مصادرتها بأيدي زمر تكفيرية تعمل بكل ما أتى لها من وسائل وأساليب قذرة لامحاء آثارها، بل يتعدى فعلهم الإجرامي إلى ابعد من ذلك في تمادي لتصفية وجودهم من منطقة الشرق الأوسط في العراق وسوريا ومصر ولبنان حيث يقوم المتطرفون من الإسلاميين المتعصبين بقتل المسيحيين وذبحهم وترويع أطفالهم واغتصاب نسائهم، وتدمير معالمهم الدينية والثقافية وتهديم بيوتهم وإحراق مزارعهم وممتلكاتهم بل وصلت جرائمهم إلى تخريب آثار حضارة هذه الأمة، الأمة العربية المسيحية والإسلامية، التي تمتد جذورهم إلى الحضارة الأشورية كما حدثت في العراق وسوريا، وكل ذلك يتم لهدف واحد ولغاية واحده هي محو كل أثر من آثار المسيحيين في بلاد الشرق، ليتم إجبارهم على الهجرة والنزوح من المنطقة.
وأمام هذه الجرائم والمأساة، لا نسمع صوت الإسلام المعتدل يدين جرائم هؤلاء المتطرفين الإسلاميين العرب، وان سمعنا أصوات هنا وهنا فهي أصوات لا ترتقي لمستوى التنفيذ بقدر ما تكون لاستهلاك إلا علامي ليس إلا....!
وهذا ما شجع المتطرفون التكفيريون عنفا ووحشية وقسوة ليمضوا في غيهم قدما في تحقيق مخططهم الإجرامي في تصفية الوجود المسيحي من الشرق ، وإذا ما ترك الأمر على ما هو عليه فان المجرمين لا محال سيبلغون أهدافهم الشريرة، ليبلغ الشرق العربي إلى أفظع كارثة حضارية وثقافية وعقائدية لم يسبق لها مثيل في جميع العصور والدهور منذ مجيء الإسلامية .
ان سردنا لهذه الوقائع إنما يأتي لان الكثير من المسلمين العرب يجهلون تاريخ (مسيحيي الشرق) في تنشئتهم الدينية والفكرية، وإسهامهم في بناء حضارة شرقنا الأوسطي، وحتى الإسلامي، بينما أصبح ضروريا أن نتحدث عن العلاقات التاريخية الإيجابية بين المسلمين والمسيحيين والتراث الثقافي والقيم المشتركة بينهم، بكون (مسيحيي الشرق) هم أول من ساهم في تأسيس النهضة الفكرية، خاصة في الفترة العصيبة التي كان المجتمع الشرقي يمر بها في الجهل والتخلف، بما كان يتركه الاحتلال العثماني من استبداد وتدمير لكل ما هو حضاري وعربي، وانصراف الناس عن التعليم، وانهماكهم بحروب زجوا فيها بسبب طمع (العثمانيين) وظلمهم وجر المنطقة إلى مآسي خلفت مجتمعا غارقا في جهله، حيث إن (أربعمائة واثنتان) سنة من (الاحتلال العثماني) كان كفيلة بتدمير كل ما هو ثقافي وفكري في منطقتنا العربية، فانتفض أبناء بلاد الشام ومصر والعراق ومسيحيوه بشكل خاص لتأسيس نهضة ويقظة فكرية تجلت بمظاهر عدة لا يغيب عن بالنا وكما ذكرناه سابقا ما لدورهم في نشر المعارف والعلوم التي رفع راياتها (مسيحيي الشرق) بين أبناء الشعب بما يتماشى مع روح العصر ومتطلباته، وكان بغيتهم من طرح مشروع النهضة الفكرية والثقافية للجماهير الشرق هي لكي تعي وتواكب المجتمعات المتحضرة، ولهذا بذلوا المفكرين الشرقيين جهودا جبارة وعلى كافة الأصعدة لإحداث نهضة شامله، ولهذا فكروا المسيحيين الشرق بإنشاء الصحف والمطابع لما لها دور كبير في نشر الأفكار الثورية والتحريض على مقاومة الاستعمار والجهل والتخلف والدعوة إلى التخلص من الاستبداد التركي.
ليشهد التاريخ الشرق أي دور لعبوه (مسيحيي الشرق) في النهضة والتقدم، ولم يفكروا يوما بمعاداة الإسلام بل كانوا في الصف الأول للدفاع عن أرضهم ضد كل احتلال وعدوان وقدموا من اجله ملاين الشهداء دفاعا عن تربة هذا الشرق، كما وقدموا لهذا الشرق الفكر البناء والعقل المتنور الذي يستطيع العيش مع كل أطياف الشرقيين بدون تمييز، ولعبوا دورا قوميا وحضاريا في نهضة الأمة شعوب الشرق الأوسطية ونهضة الإسلام، وكانوا روافد لا ينضب عطاؤها، فتفوقوا على إخوانهم المسلمين في معارك التحرر الوطني والقومي، وقدموا من اجل قضايا التحرير ملايين الشهداء على تربة هذا الشرق، بل واصل نضالهم من اجل مناصرة قضايا التحرر دول الشرق إن يكون نصف عدد أعضاء المؤتمر العربي الأول في باريس (1913) من المسيحيين الشرقيين الذين لعبوا دورا كبيرا في مناهضة الاستعمار العثماني، لذلك عملوا في التنظير والدعوة للقومية العربية وللاستقلال الوطني ولوحدة الأمة، على اختلاف أقطارها وانتماءاتها الدينية والمذهبية والقومية، وانطلقوا دوما من كونهم شرقيين وناصرين لعرب المسلمين بغض النظر عن انتمائهم الديني ومذهبية، وكان ذلك يأتي من حرصهم الشديد من إن لا يعم الفوضى مفاصل الحياة في هذا الشرق الذي لا يمكن إن يعرف الا بهويته المسيحية - الإسلامية.
ولكن أين هذا الوعي وهذا الروح في العطاء من اجل نهضة الشعوب الشرقية من الخليج إلى المحيط، ليتم رفدها بالعطاء الفكري الأخلاقي والتربوي والثقافي والسياسي والاقتصادي والزراعي و الصناعي ليواكب شعوب العالم في النمو والازدهار والرقي ولكي لا يكون اقل شئنا منهم تحضرا و وعيا وتقدما.
فأين نحن من تلك الأفكار....!
فبقدر ما كان لمسيحيي الشرق دورا فعال في نشر اليقظة والوعي والنهضة في عقول أبناء هذا الشرق منتصرين لأفكار الإصلاح والتحديث والرقي، بقدر ما يكون لهؤلاء الإسلاميين التكفيريين والمتثوبين بثوب الإسلام زورا وبهتانا من فصائل القاعدة وفصائل دولة الإسلام التكفيرية داعش ومن لف لفهم من الأحزاب الإسلام السياسي الاقصائي دور في تدمير وتخريب الحضارة العربية والإسلامية، ليتم إرجاع شعوب المنطقة إلى عصور ما قبل التاريخ حيث التخلف والجهل والأمية والجريمة والفساد والاستحواذ والحكم بقوة السلاح والسطو والهيمنة والعبودية ومصادرة حق الرأي والإبداع والحرية.
وها بوادر حملتهم التدميرية لحضارة الشرق التي جاهدة (المسيحية الشرقية) كل الجهاد وقدمت الكثير- الكثير من العطاء والتضحية من اجل ازدهار منطقتنا الشرقية ونهضتها، فها اليوم في هذا الشرق ذاته موجة عاصفة تعصف بالشرق بتصاعد الفكر المتطرف للإسلام السياسي الذي جل ما يقدمه لأبناء هذا الشرق هو تدمير ذات الإنسان لإعاقتها من التفكير والإبداع، بفكر تثوب بثوب القاعدة و داعش وأذيالها ليس لهم وسيلة للإقناع إلا بطريقة العنف وإشاعة الرعب في النفوس بالقتل والذبح لكل من هو مغاير ومعارض لعقيدتهم المنحرفة المشوهة لروح الإسلام وهم دعاته زورا لتشويه ما في جوهر إسلام الحق من قيم الخير والمحبة والتسامح والسلام والعدالة والإنصاف والنهي عن المنكر.
فأي عقيدة يريدون تصديرها لهذا الشرق، وجلها قيم تكمن تطلعاتها بالغدر والإرهاب والقتال والنحر الرؤوس والتفجيرات وقتل الأبرياء وسبي النساء وممارسة الجنس مع المحرمات والأستقواء على الأسير وقتله وإرعاب الأطفال وخطفهم.....!
أهذه هي عقيدة يريدون تصديرها باسم الإسلام، وهم ابعد عنها، والذين يتخذون من تعاليمها برقعا وحجابا وستارا لتمرير أفعالها الإجرامية تحت عنوان الجهاد في حروبهم التي يشنها تنظيماتهم الإرهابية المتطرفة بحجة كونها ضد الأنظمة العربية أو ضد المستعمر، في وقت الذي تؤكد لنا كل الوقائع التي عصفت المنطقة منذ( 2003 ) والى يومنا هذا، بأن كل جرائمهم التي ارتكبوها في تخريب مدن الشرق، لم تمس ولم تؤثر لا على الأنظمة ولا على المستعمر الغازي، بل أنهم لم يستطيعوا إن يغيروا من مسارات السياسية للدول الغربية أو من سياسة الأنظمة العربية الحاكمة، بقدر ما كان حربهم موجه ضد الأبرياء والمدنيين من أبناء هذا الشرق دون غيرهم، بمعنى إن جل حقدهم وغضبهم وحربهم هو موجه ضد الإنسان الشرقي وضد الإنسانية وضد النهضة والتقدم والرقي في بلداننا الشرقية .
فجرائم الإرهابيين والتي تمثل اليوم بجناحها الأكبر، المنظمة الإرهابية الداعشة التي تتبنى مشروع ما يسمى بـ(دولة الإسلام في بلاد العراق والشام) وقيام الخلافة الإسلامية على يد كبار مجرميها من قيادي هذا التنظيم الإرهاب الذين في تفكيرهم وعقيدتهم الجديدة، كل مواطن في بلاد الشرق وليس في بلاد العراق و الشام فحسب مستهدف، أكان مواطن عادي أو مسؤول في الدولة أو سياسي أو مستقل، فقير أو غني، عسكري أو مدني، طفل أو عجوز، شاب أو أمراه، الكل في نظرهم مستهدف و مشروع للقتل والاختطاف والذبح والاغتصاب، ليصبح الكل في موقع غير امن على حياته ومستقبله وعرضه وأرضة وماله وحلاله، فكل من هو في هذا الشرق أصبح موضوعا يخطط لاستهدافه دون سبب كثمن رخيص يتقاضاه القتلة والسفاحين الدواعش وأذيالهم، وهكذا لتصبح حجتهم في تكفير الأخر أفتة وبلاء ابتلت بها مجتمعاتنا الشرقية، بكونها ذريعة وخطوة يتخذونها هؤلاء الإرهابيين لاستباحة دم الآخرين المغايرين لدينهم ولعقيدتهم ولمذهبهم التكفيري، سواء من المسيحيين أو من الإسلام أنفسهم، لذ لم يسلم أي شخص من شر أفكارهم الشيطانية، وكل من يخالف أطروحاتهم التكفيرية، ولهذا أصبحت أفعالهم وسلوكيات هؤلاء ظاهرة خطيرة على المجتمعات الشرقية بما يسلكون من سلوك شاذ في تدمير معنويات الإنسان كانسان، حيث يتم انتهاك الحرمات وتدنيس المقدسات وخطف الأبرياء والقتل على الهوية، مما بث تصرفاتهم وسلوكياتهم الشريرة الرعب في نفوس عامة الشعب بعد إن أعاقوا المواطنين من ممارسة حياتهم الطبيعية، وهذا ما الحق ضررا بكل قطاعات الخدمة والصناعية والزراعي والإنتاج والثقافية والاجتماعية والنمو والبناء، نتيجة إعمال العنف والتهديدات في كل مناطق التي أصبحت تحت سيطرتهم، وأصبح بث الرعب في نفوس المواطنين الرازحين تحت حكمهم سمة من سمات هذه الفصائل الإرهابية المتثوبة بثوب الإسلام السياسي، يتميزون بها ويتباهون و يتفاخروا بقيامهم بعمليات إرهابية ينتج عنها اكبر حجم من الدمار واكبر عدد من قتل ألأبرياء والمدنيين ليدخلوا الرعب في قلوب الآخرين , ولم يقتصر الأمر على العمليات الإرهابية سواء بالمفخخات أو بالانتحاريين بل تعدى الأمر لإيصال صوتهم وبياناتهم وخطاباتهم عبر تسجيلات صوتية ومصورة بأشرطة (الفيديو تيب) ليتم بثها عبر الإنترنيت بواسطة صفحات ومواقع تابعة لهم، حيث يباشرون العمل بتصوير عمليات الذبح و القتل وإحراق الأجساد البشرية وهي ما تزال على قيد الحياة بطريقة وحشية وبشعة، حيث ينحرون الرؤوس الرهائن والأبرياء بالسكين و يصورن المخطوفين وهم يتوسلون بالحكومات ومن أهاليهم لتنفيذ رغبات الإرهابيين، إلى أخره من مشاهد مقززه تقشعر منها الأبدان، وبالتالي فان تصوير عمليات الذبح وقطع الرؤوس وتسجيل التصوير على أشرطة وتوزيعها لتبثها القنوات الفضائيات التي تمكنوا هؤلاء الإرهابيين استميالهم إلى جانبهم بقصد بث الرعب والخوف والرهبة بين المواطنين، لإيصال جرائمهم وصوتهم وتهديداتهم إلى كل المجتمعات الشرقية تحت غطاء الحرية، وهنا تكمن مخاطر استمالة الإعلام الشرقي لخدمة أفعالهم الإجرامية، في وقت الذي إن استمكنوا هؤلاء الإرهابيين سيكونون هم أول ضحاياهم .
إن أساليب الإرهاب التي تمارسها التنظيمات الإرهابية لدولة الإسلام الدواعش والقاعدة وأذيالهم في قطع رؤوس الأبرياء أو في إحراق الإنسان وهو حي أو نبش القبور و التمثيل في جثث الموتى وممارسة الجنس مع المحرمات، لا ظن لها صلة بجوهر الدين الإسلامي، وإنما هذه الممارسات ما هي إلا إساءة لدين الإسلامي وجوهره، فالإسلام الحقيقي والوسطي لم يأتي بآية او نص يحفز المؤمنين إلى الانتحار وتفجير أنفسهم وإيقاع الأذى بإخوتهم من المسلمين ذاتهم بكونهم مغاير في المذهب بل قال ((.. "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" وكما قال "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" وقال أيضا " من قتل نفسا بغير نفس أَو فساد في الأَرض فكأَنما قتل الناس جميعا ومن أَحياها فكأنها أَحيا الناس جميعا". )) ، ولم يدعو الدين إلى الانتحار بتفجير أنفسهم وسط عامة الناس أو وسط حشود المواطنين في الأسواق المكتظة أو في مجالس العزاء او في الأعراس أو في أماكن المقدسة في الجوامع والمساجد والكنائس والمراقد، فهذه سلوكيات ما هي إلا لمصادرة حقيقة (الإسلام) وجوهره، كما تفعل داعش والقاعدة وأذيالهم، فهذه الأساليب الإرهابية القذرة، هي وسائل لتمزيق (الإسلام)، هي وسائل ليسخط عليه لا لاستمال إليها أو التعاطف معها، هي وسائل تنفر وتشمئز منها النفوس ولا تهديها إلى الصراط المستقيم والإيمان والمحبة والسلام والتآخي والجيرة الحسنة، هي نظرة متعصبة عدوانية تثوب الدين الإسلامي بالسياسة، و(السياسة) فن النفاق والكذب والشيطنة والاحتيال، فن ليس فيه صديق ولا عدو دائم، والنظرة تقوم وفق المصالح وليس المبادئ، فكيف الدين بالشاكلة السياسية يبرر ما في كنهه من إيمان الراسخ بقيم الأخلاق من فعل الخير والفضيلة والإحسان والأمر بالمعروف ونهي عن المنكر والعدالة والإنصاف والمحبة والتسامح وقبول الأخر.
إن تسييس (الدين) وشرعنته لقتل النفوس البريئة والمغاير لدينه وعقيدته ومذهبه من الأديان السماوية الأخرى، واستحلال ذبحهم وإحراقهم وهم إحياء وتشريدهم وإجبارهم إلى النزوح والهجرة او إعلان إسلامهم بمذهبهم فحسب، هي ممارسات إرهابية ومن يحمل (دينه) بهذه المواصفات، إنما يحمل فكرا تكفيريا لا يمت بالإسلام الحقيقي أية صلة ولا بالحضارات او الديانات السماوية الأخرى، ومن يواكب إعماله بالممارسات الإرهابية في المجتمعات ويبث الرعب في نفوس الإبراء بالتعصب والتطرف والعنف والقتل والذبح، إنما يقطع عن نفسه كل الروابط والصلات الإنسانية ويفصل نفسه عن المجتمعات والشعوب المتحضرة، لان سياسة الفكر الواحد والمذهب الواحد غير القابل للنقاش وعدم قبول التحاور، وعلى الكل الإطاعة و الرضوخ للرأي المطروح بالقوة، فأن مثل هكذا طرح واعتقاد من قبل هذه المنظمات والمجموعات الإرهابية للإسلام السياسي، والتي ترى بأنها لا يمكن لها أن تحقق أهدافها وسياستها ما لم تجنح إلى القوة والعنف والإرهاب كطريق يوصل إلى الغايات المنشودة، هي التي تحكم على نفسها بالفشل قبل إن يحكم عليها الشعوب، لان مثل هكذا تصرف، ونحن نعيش العولمة شاء من شاء أو أبى من أبى، أمره ما هو إلا استخفاف بالحياة الإنسانية وبحرية المعتقد والدين وحق تقرير المصير، وهي المبادئ التي اقرها القانون الدولي و وافقت عليها كل المجتمعات الإنسانية على هذا الكوكب، فكيف يستقيم أمر أي عداء على هذه الحقوق وهي حقوق مدنية مشروعة لأي مجتمع من المجتمعات البشرية في هذا العالم، فإلى أي مدى في ظن هؤلاء الإرهابيين إن يواصلوا ويستمروا في تنفيذ مآربهم الدنيئة في قتل الإنسان على الهوية و قتل معتنقي الأديان الأخرى وخاصة من الديانة المسيحية والأيزيديه والمندائيه دون سبب سوى أيمانهم بدياناتهم وبالله الواحد الأحد وكما هؤلاء المجرمين من القاعدة والدواعش وأذيالهم الذي يؤمنون به - ونحن نشك بانهم يؤمنون بالله، وإنما اتخذوا من دعوتهم الإيمانية ستارا لتمرير جرائمهم - ويقينا هم بكم تصرفاتهم من حيث القتل والذبح وتمثيل بالجثث وممارسة الرذائل مع المحرمات ومع الجثث هم ليسوا بمؤمنين، وإنما هم تجارون وسماسرة يتاجرون بالدين ويأخذون منه ستار لتمرير جرائمهم ونواياهم الشريرة في مجتمعاتنا الشرقية التي تشرفت في احتضان مولد ( موسى) و(المسيح) و(محمد) وكل الأنبياء وجميع الديانات الشرقية. فلا احد يفاضل على احد، ولا احد من حقه تهميش الأخر وتصنيفه بدرجة أولى أو ثانية أو ثالثة ، وإلغاء هويته، فكل الشرقيين هم أبناء هذا الشرق، أنبيائهم ولدوا هنا، ودفنوا في هذا الشرق، والكل له الحق واعتزاز بما نشئا عليه من دين وثقافة وقومية ونسب، هذه هي المنظومة العرفية والاجتماعية في هذا الشرق، فان يأتي فصيل من المجرمين متثوب بثوب الإسلام زورا وبهتانا ويعمدون لإحلال الفساد وإقامة الرذائل والجرائم محل قيم التي تربى أبناء هذا الشرق منذ إن ظهرت أولى الحضارات البشرية على شرقنا، وفي غمضة عين يريد هؤلاء الدواعش والقاعدة وأذيالهم إن يحل محلها بقيم ساقطة خسيسة و بذيئة بقصد تخريب المجتمع وبذر قيم تكفيرية متناقضة ومريضة في روح مجتمعاتنا ليرزح تحت نيران المذهبية والطائفية والفتن الدينية مستغلين القضايا القومية والدينية والمذهبية لتأجيجها واتخاذها ستارا لتنفيذ أعمالهم وأهدافهم الشريرة.
فولادة ونموا وتوسيع قاعدة هذه الفصائل الإجرامية التكفيرية في المنطقة قد خلق واتى ألينا بفعل قوى الشر والطغيان من (أمريكا) و(الصهيونية)، فقد جاء خلقها بدعوة ودعم وتدريب أمريكي كمقاتلين مجاهدين تم تجنيدهم من مختلف بلاد الإسلامية كمجاهدين لنجدة مسلمي (أفغانستان) بدعوة أمريكية إلى (المسلمين) لتجنيدهم لمحاربة (روسيا) كون روسا دخلت هذا البلد للقضاء على (المسلمين) كذبا ونفاق، لان حقيقة الأمر كونه آنذاك بان (روسيا) دخلت (أفغانستان) لاستبداد الأمن بعد ان شد الصراع بين أبنائها وهي تقع على حدودها، فجاء الأمر لكي لا يتسع رقعة الصراع إلى أراضيها، ولكن (أمريكا) أرادت إرباك عمل روسيا هناك، وبعد ان انسحبت روسيا من (أفغانستان) لأسباب لا يتسع ذكرها هنا، قلبت تلك الفصائل بعد إن اشتدت قوتها التي دعمتها (أمريكا) على الداعم والمساند وصانعها، لينقلوا شرورهم إلى أراض أمريكا والأراضي التي انتشرت خيوطها التنظيمية فيها ، لتروع الإنسان ضمن أبشع وأقذر عمليات إرهابية سجلها العالم في تاريخه ليتم ممارسة العنف من خلالها بشكله العشوائي والأعمى والبشع ضد كل تجمعات البشر دون قيود أو تحديد ، لتتطور ظاهرة الإرهاب من القاعدة إلى منظمات وليدة لها كداعش ونصرة وأذيالهما في عموم منطقتنا الشرقية لتنتقل بشكل سريع من منطقة إلى أخرى بحكم ظروف المنطقة .
ورغم إعلان (أمريكا) تنصلها من دعم هذه المنظمات الإرهابية التي هي من صنعتها في (أفغانستان) بعد إحداث (الحادي عشر من أيلول سبتمبر- 2001 ) وإنها ستلاحقهم في كل دول العالم ولكن الحقائق فيما بعد أظهرت بان أمريكا اتخذت من هؤلاء بعد إن قضت على رؤساء التنظيم ممن خرج عن طاعتها وراحت تنصب قيادات جديدة بفصائل جديدة لها مسميات شتى اتخذت منهم ستارا لتمرير سياساتها في منطقة الشرق الأوسط أوكلت مهام تجهيزها مجددا عبر عملائها في المنطقة لتقوم أجهزة الاستخبارات الأمريكية ومخابراتها ومخابرات المنطقة بدعمها لوجستيا في السر والعلن وحسب ما يتطلبه الظرف والحاجة للوي اضرع الأنظمة العربية وفق متطلبات أمريكية والصهيونية وعملائهم من بعض أنظمة الإقليمية والخليج - للأسف - حيث تم توفر الأموال والسلاح والقدرات الفنية والتقنية في تجهيز جوازات وسمات الدخول والخروج والاتصالات ، بالإضافة إلى توفر الإمكانيات البشرية المتمثلة بتطوع الجهاديين للقتال ضمن هذه الفصائل الإرهابية، وتم توفر أعداد أخرى من المقاتلين ممن كان سجين في سجون (أمريكا) التي إقامتها في (أفغانستان) و (العراق) و ممن تم غسل أدمغتهم ليكون (الدين) وسيلة ليتم تنفيذ جرائمهم بعد إن يتم غسيل أدمغتهم بمفاهيم يتم تشويهها للتأثير على بعض من العناصر الضالة ومن المنحرفين ومن المراهقين والمصابين بهوس وجنون ومدمنين ليكونوا على استعداد لتفجير أجسادهم أو شحن المركبات بالمتفجرات ليقودها المنتحر ليفجرها بين حشود المواطنين لتحدث قوة تدميرية كبيرة لتخريب الممتلكات والقتل اعتقادا منهم أن هذا الطريق الوحيد المضمون إلى الجنة ليفوز بسبعين حورية هناك، ومما شجع هؤلاء المنحرفين لسلوك هذا المسلك فتأوي من مشايخ الدين تم شراء ذممهم ليفتوا حتى بما حرمه كل الديانات السماوية ومنها الإسلام ذاته ، من زواج بالقاصر وتبادل بين زوجات الجهاديين وحتى الزواج مع المحرمات وسبي النساء ..إلى أخره من هذه الأفعال الشنيعة، وهكذا استخدموا هؤلاء في تفجير الكنائس و الجوامع وتهديم وتفجير الأماكن المقدسة والإساءة إلى الأديان والمذاهب ليتم إشعال الفتن الدينية والمذهبية والطائفية وتفرقة العنصرية في عموم منطقتنا الشرقية ليتم تقسيمها مجدا باسوا مما كان مقسما في اتفاقية (سايكس بيكو) وبما يخدم مصالح (أمريكا) و (الكيان الصهيوني) والا لماذا لم نسمع قيام هؤلاء التكفيريين بالتفجير في قلب إسرائيل - رغم إننا نرفض أي عمل إجرامي يرتكب بحق المواطنين الأبرياء كائن من كان - ولكن الحقائق تقال، أليس (إسرائيل) دولة غاصبه احتلوا الأراضي العربية، ونظامها نظام استبدادي، وهؤلاء الإرهابيون المتثوبون بثوب الإسلام، كما يدعون جاءوا إلى منطقنا للقضاء على المستعمر وتغير الأنظمة القمعية، فلماذا إذا لا يذهبون لتحرير أرضنا العربية في فلسطين المحتلة من قبل المستعمر الإسرائيلي....!
وهكذا صدروا الإسلام متثوبا بهذا الزى الإرهابي عبر تحرف النصوص المقدسة والأحاديث النبوية الشريفة من قبل بعض رجال الدين وجعلها وسائل إعلامية مضللة للعقيدة الإسلامية وتشكيل مفاهيم نازعة لتأسيس (دين جديد) لا علاقة بالدين الإسلامي بصلة، كونه مبني على تحريف نصوصه، ويتعارض مع جوهر الدين، وذلك بغية بلورة أفكار نازعة لنشر الإرهاب والرعب بين الناس، والتي اليوم أصبحت سمة مميزة واضحة وضوح الشمس بعد تبلور الفكر المتطرف في أماكن عديدة من منطقتنا الشرقية، ولكن واهما من يعتقد بان بالذبح والقتل وتفجير الكنائس والجوامع والأماكن المقدسة والإساءة إلى الأديان والمذاهب وتدمير الآثار وحرق الكتب والمكتبات وتكفير الفن والإبداع ، وبان بقتل المسيحي والبسيط من المواطنين والفقراء وتأجيج الطائفية والمذهبية سيحققون أهدافهم، وان الشعوب سترضخ لمخططاتهم وتقمع بأدواتهم الإرهابية القذرة وبإطالة لحاهم وتقصير ملابسهم وبهتك إعراض المواطنين وسبي النساء واغتصاب والممارسة الجنس مع المحارم والرقص فوق دماء الأبرياء وأشلاء الفقراء سيوصلهم إلى رفع راياتهم السوداء كوجوههم القذرة في كل عواصم الشرق وستنحي الجماهير مباركين و محيين قدومهم ولا يدركون إن كل جريمة من جرائم التي يرتكبونها يوميا بحق شعوب هذه المنطقة، إنما يسارعون بحفر قبورهم بأيدهم لان الجماهير الشرق ساخطة كل السخط عليهم وتوعد باجتثاث جذورهم وأصولهم ومنظريه والداعين له والمحرضين و كل إرهاب ومجرم، لأنه من فصيلة واحدة وهدفهم واحد في تدمير حضارة هذا الشرق.
وهذا الكلام الذي قلناه هو مستقي من خلال ملاحظاتنا اليومية ومنذ عام (2003) والى يومنا هذا، إذ لم نسمع عن هؤلاء الإرهابيين من القاعدة والداعش وأذيالهم ومن لف لفهم، أي عمل بناء في نهضة وفي خير شعوب المنطقة، فلم نسمع عن بناء أو إنشاء مصانع وتحسين الإنتاج الزراعة وإقامة مشاريع تخدم المجتمعات، ولا بوضع أسس علمية لتطوير منهاج العلم والدراسة والتربية والأخلاق الفاضلة، غير جرائم القتل وإباحة إعراض الناس الأبرياء الخاضعين لسيطرتهم، وتدمير المدن وتحويلها إلى خرابات، بمصادرة ممتلكات المواطنين النازحين وقيامهم بتدمير الكنائس واثأر الحضارات وإحراق المكتبات بما كانت تزخر بملاين الكتب والمجلدات والمخطوطات التاريخية والعلمية والأدبية والفنية، وإغلاق مدارس الفنية وصالات المسرح والفنون التشكيلية وتجريف مقابر المسيحيين والمراقد، وفرض زى إسلامي على عامة الناس في كل مدن التي احتلوها، حجاب وبرقع للمرأة ولباس قصير للرجل وإطلاق اللحية لهم، وتحريم خروج النساء إلا برفقة محرم ومنعها من الذهاب إلى مدارس العلم والعمل، فهل هذه هي نهضة هؤلاء الإرهابيين من القاعدة وداعش وأذيالهم من الإسلام السياسي التكفيري....!
وهل هذا هو مشروعهم في إقامة دولتهم المسمى بـ(دولة الإسلام)....؟
ولا نعرف كيف ستكون شكل حكوماتهم وكيف سيبنون علاقاتهم الدولية مع شعوب الأرض....!
أم إن في عقليتهم المريضة سيخضعون كل شعوب الأرض بقوة سلاحهم، و السلاح الذي بين أيديهم قد أتى من الغرب الذي يكفرونه، ولا نعلم كيف ستستقيم مثل هكذا معادلة......!
أنهم هم سيحكمون على أنفسهم بالنهاية والزوال أجلا أو عاجلا .
فأين هؤلاء التكفيريون من الإسلام السياسي (القاعدة وداعش ومن لف لفهم)، من أفعال وإنتاج وممارسات التي قدمها (مسيحيي الشرق) خلال أكثر من إلفين عام لهذا الشرق، من العلم والمعرفة والبناء والنهضة ليمتثل أبناء هذا الشرق في محافل الدولية - بما يشرفه ويشرف أبناءه من المسيحيين ومن الإسلاميين المعتدلين المؤمنين بمبادئ السلام والتعايش السلمي والتآخي ومن كل الديانات الأخرى- باستطلاع على ما أنجزوه ابناء الشرق الاوسط ليتم تبادل المعرفة والخبرات بين الطرفين، الشرقي والغربي، وفق أسس علمية وبراغماتية لخدمة النهضة ولشعوب الأرض .....!



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيبقى (كاسترو) كما (جيفارا) رموز الثوار على الظلم
- الشعب يريد الحوار والمصالحة الوطنية
- رؤية مستقبلية لملامح سياسة ترامب اتجاه منطقتنا الشرقية
- العبادي، يناشد المسيحيين بالعودة إلى مناطقهم المحررة واصفا إ ...
- هل قرار منع الخمور دون تلميح بمنع الملاهي وصالات القمار ... ...
- تركيا حرضت الدواعش للهجوم على كركوك لإرباك حكومة العراق
- كركوك تقبر مخططات الدواعش لاحتلالها
- عاش العراق .. محرر أراضيه من الدواعش وأذيالهم
- السريالية و الكتابة الأوتوماتيكية في الشعر
- السريالية بين الحلم والنفس والإبداع الفني
- وستسير العربة الأشورية قدما و خلفها لتبقى الكلاب تنبح
- وتأوهت فينا الآهات
- كلمه مفخخة .. أهكذا تدار الدولة يا ساسة العراق ....!
- الأخرى، في البطاقة الوطنية، إقصاء لأشوريي العراق
- لماذا يتم كتم سيرة الملفات الشائكة في جلسات البرلمان العراقي ...
- كلمه مفخخه .... البرلمان العراقي وظاهرة رمي القناني
- أزمة تركية سعودية بسبب ....!
- المنطقة ما بعد اللقاء الروسي – التركي
- الفساد السياسي هو من يمهد الأرضية لبقاء الدواعش في البلاد
- الملك فيصل الأول أول من كرس الطائفية في العراق ونفذ الإبادة ...


المزيد.....




- 54 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى
- ترامب: اليهود المصوتون للديمقراطيين يكرهون إسرائيل واليهودية ...
- ترامب يتهم اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي بكراهية دينهم وإ ...
- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فواد الكنجي - هذا ما قدمته المسيحية لهذا الشرق .. وهذا ما قدمته التكفيرية للإسلام السياسي