|
اتفاق لافروف كيري يحتضر إلى شهداء جبل ثردة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5289 - 2016 / 9 / 19 - 14:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد قدم العدوان الأميركي الغادر ، على الجيش السوري ، في جبل ثردة ، بمحيط دير الزور ، الذي أوقع ( 62 شهيداً و120 مصاباً ) من جنود الجيش السوري ، وحقق تسهيلاً منسقاً " لداعش " لإ عادة سيطرته على تلك المواقع ، ولتعزيز حصاره للمدينة ، ولمنحه ثغرة هامة للتقدم نحو المطار .. قدم الدليل الكبير ، على أن أميركا زعيمة التحالف الدولي ، وتركيا ، والمملكة السعودية ، وقطر ، وإسرائيل ، والأردن ، والجماعات الإرهابية المسلحة وفي مقدمها " داعش والنصرة " ، هي منظومة إرهابية دولية واحدة ، وقوى عدوانية واحدة ، تتوزع الأدوار فيما بينها ، في العدوان على سوريا .
كما كشف العدوان لغز امتناع أميركا عن الموافقة على نشر ( اتفاق كيري ـ لافروف ) المتضمن خريطة طريق ، وقف العمليات القتالية ، والتهدئة ، والمساعدات الإنسانية ، والتصدي المشترك لقوى الإرهاب ، وخاصة " داعش والنصرة " والجماعات الإرهابية المسلحة التي ترفض الاتفاق وما نص عليه وتواصل القتال .
العذر الأقبح من الذنب في العدوان الأميركي ، هو ادعاء القيادة الأميركية ، أن العدوان الأميركي على الجيش السوري في جبل ثردة ، قد حدث عن طريق الخطأ .. بمعنى سامحونا . ما يطرح السؤال : إذا كانت الدولة المعتدية ، متطورة علمياً وتكنولوجياً ، وقادرة على متابعة الأجسام الدقيقة في الفضاء ، ومتابعة دبيب النمل تحت الأرض ، تدعي أنها أخطأت في تحديد هدفها الضخم كجبل ثردة ، فكم من الاعتداءات الأميركية " الخاطئة " في مناطق صغيرة الحجم ، ستقع في سوريا ، وعلى السوريين أن يتحملوا ، وأن يبرموا صكوك حسن النية لأميركا " الخبيثة " .. ؟ ..
إنه منتهى النفاق .. ومنتهى الاستغباء لشريكها الروسي في الاتفاق ، قبل استغباء الجيش السوري المعتدى عليه . إنه بوضوح هجوم على ( اتفاق كيري ـ لافروف ) لنسفه ، بعد أن فشلت أساليب النفاق والتمييع الدبلوماسية الأميركية ، بمواجهة الطلب الروسي بنشره ، وتوثيقه من قبل مجلس الأمن الدولي .
إن التداعيات التي يمر بها ( اتفاق كيري ـ لافروف ) ، من حيث استمرار الجماعات المسلحة بقصف المدن والبلدات السورية بالصواريخ ، والهجمات النوعية المعتادة ، على مواقع الجيش السوري ، والأماكن الحيوية في البلاد ، ومحاولات التوسع الوحشية إلى أماكن جديدة ، تشير إلى هشاشة الاتفاق المتأتية عن الثقة الروسية ـ بغير محلها ـ " بالشريك الأميركي " ، وعن هشاشة الاعتقاد ، أنه يمكن في عالم رأسمالي واحد ، متجانس ، ومستقر بتوازنات الردع النووي ، يمكن أن تتم اتفاقيات دولية " ندية " في المسائل ذات الطابع الدولي العام .
وفي أي حال ، ينبغي على من يعتقد ذلك ، ويبحث عن أميركا معتدلة ، للتوصل معها إلى تفاهمات ، وتسويات دولية مستقرة ، أن منسوب الإحساس الأميركي بالتفوق ، والعظمة ، لدى أميركا ، لم يهبط بعد إلى مستوى القبول بندية العلاقة مع روسيا وغيرها . فإذا أسقطنا الردع النووي من الحساب ، فإن روسيا ماتزال تصنف ، مقارنة بأميركا والاتحاد الأوربي ، من الدرجة الثالثة اقتصادياً ، إذ يبلغ استحواذ أميركا من الناتج الإجمالي الدولي (20 % ) ، يماثله بنفس النسبة الاستحواذ الأوربي ، بينما الاستحواذ الروسي لا يتجاوز ( 4 % ) فقط .
لكن أميركا كنوع من الضغوط على الآخرين ، تقبل أحياناً بالحوار ، لفرض وجهات نظرها ، وتمرير مخططاتها ، عبر الغش والنفاق الدبلوماسي . فإن لم تحصل على ما تريد في هذا السبيل ، تعود إلى ممارسة القوة والعدوان بوقاحة .. مباشرة .. أو بإثارة النزاعات والصراعات الداخلية للآخرين .. أو ممارسة العدوان بالوكالة ، كما يحدث الآن في حرب الإرهاب الدولي على سوريا .
من هنا فإن من الأهمية بمكان ، نشر ( اتفاق كيري ـ لافروف ) حول سوريا ، ليطلع عليه الشعب السوري ، صاحب العلاقة أولاً بتقرير مصيره . وليبدي رأيه بما يعد له الآخرون من مصير ، وليبحث في متن الاتفاق عن إجابات على تساؤلاته ، في شؤونه عامة ، والشأن الوطني خاصة . منها : هل عالج الاتفاق شرعية احتلال أميركا لعدد من المواقع السورية ، في عين العب ـ كوباني ، ومنبج ، للقيام بدعم قوات الحماية الكردية ، وقوات سوريا الديمقراطية الانفصالية ـ بزعم مواجهة داعش ، دون أي تنسيق مع الحكومة السورية ؟ .. وهل عالج احتلال تركيا التوسعي لمدينة جرابلس ، وما سيليها من مناطق أخرى هي تحت العين التركية ، بحجة إبعاد " داعش " والدولة الكردية المزعومة عن الحدود التركية ؟ .. وهل عالج العدوان الإسرائيلي الداعم " لجبهة النصرة " الإرهابية وغيرها ، في الجنوب السوري ؟ .. وهل عالج وقف العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة ظلماً على الشعب السري ؟ .
حسب ما نشر إعلامياً عن ( اتفاق كيري ـ لافروف ) ، أن الحكومة السورية هي على علم بتفاصيل الاتفاق ، وأعلنت موافقتها عليه . بمعنى ، على ذمة الإعلام ، أن الاتفاق إيجابي من منظور الحكومة السورية وروسيا . ما يستدعي السؤال : هل رفض أميركا نشر الاتفاق وتوثيقه يضر بسوريا وروسيا ، ويفتح الآفاق للتلاعب به ، من قبل القوى التي لم يأت الاتفاق على هواها وحسب مصالحها ، إن سياسياً ، أو عسكرياً .. ومن هي هذه القوى ؟ .
إن مفرزات الحرب السورية الدموية المدمرة ، لم تعد تحتمل .. الكر .. والفر .. في لعبة الدبلوماسية . لا أحد لديه بعضاً من ضمير وطني ، وإنساني ، يؤثر مواصلة الحرب والقتل والتدمير والتشريد في أبشع جريمة بحق الإنسانية في التاريخ ، على البحث الجاد ، والمبدئي ، عن صيغة لاتفاق وطني ، يأتي بالسلام والأمان للشعب السوري . ولا أحد أيضاً لديه بعضاً من الأخلاق والإنسانية ، والعقلانية ، يقبل أن تستمر مسرحية الحوارات ، والتسويات الخائبة ، لرفع مستويات الربح الحقير، من تجارة الأسلحة ، والطاقة ، واستثمار الجغرافيا ساسياً ، ولتغطية مواصلة هذه الحرب .
إن العدوان الأميركي القذر على الجيش السوري ، الداعم " لداعش " في جبل ثردة ، الذي يشكل سور حماية لمطار دير الزور ، يرمي كل مداولات التفاضل اللفظي ، بين الحل السياسي والحرب العسكري في سلة المهملات .
إن خيار السلم والحرب .. في الحروب الوطنية .. التي تجري بين معتد على وجود ومقدرات الآخر .. وبين مدافع عن وجوده ومقدراته .. لا يجري بناء على الرغبات والطلب ، وإنما له خلفيات ، وموازين قوى ، وقوى شريفة قادرة على تكريس حقوق المعتدى عليه . بمعنى أن اللجوء إلى وقف العدوان ، وإنهاء مثل هذه الحرب ، لا يعني حلاً سياسياً .. يتضمن قواسم مشتركة بين المعتدي والمعتدى عليه ، وإنما ينبغي أن يضمن وجود الوطن ووحدته والحفاظ على مقدراته .. بانسحاب المعتدي .
لقد قدم العدوان الأميركي على المواقع العسكرية السورية في جبل ثردة .. الجواب على سؤال : لماذا يصر كير على أن يلحس توقيعه على الاتفاق مع لافروف .. آملاً نسيان المنزلق الدبلوماسي الفاشل الذي وقع فيه ، غير آبه بالنتائج الكارثية ، والآلام ، والدماء ، من مواصلة العدوان .. لكن دماء الجنود السوريين المغدورين .. الشهداء والمصابين .. لن تستطيع كل ألسنة وحوش العدوان والإرهاب ، محوها من فوق صخور ثردة .. ومن ذاكرة زملائهم .. وذويهم .. وشعبهم .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين تحل التسويات الدولية محل الشعب
-
متغيرات السياسة الحتمية في الحرب
-
سوريا واللعبة الدولية المتجددة
-
سوريا بين لعبة دولية انتهت وأخرى قادمة
-
رمز طائفي قاتل لهجوم إرهابي فاشل
-
آن أوان تجديد رؤى القوى الوطنية
-
حلب تنتصر على القتل والتدمير والتقسيم
-
افتضاح الهوى الإسرائيلي القاتل عند آل سعود
-
- بواية النبي - المجهول
-
ما بعد المعارضة
-
من أجل عالم بلا إرهاب
-
العيد في الحرب .. تحد وكرامة
-
الرفيق ..
-
حتى لا تبقى الخيانة وجهة نظر
-
الحملة الداعشية الأميركية الجديدة على سوريا
-
الخطة - ب - الأميركية والمعارك الكبرى القادمة
-
جرائم سياسية وحربية .. في الحرب السورية
-
ما بين حزيران 67 .. وحزيران 2016
-
حين يستعيد الشعب دوره
-
المعارضات الزاحفة إلى الرياض .. ماذا بعد ؟
المزيد.....
-
تسببت بوميض ساطع.. كاميرا ترصد تحليق سيارة جوًا بعد فقدان ال
...
-
الساحة الحمراء تشهد استعراضا لفرقة من العسكريين المنخرطين في
...
-
اتهامات حقوقية لـ -الدعم السريع- السودانية بارتكاب -إبادة- م
...
-
ترامب ينشر فيديو يسخر فيه من بايدن
-
على غرار ديدان العلق.. تطوير طريقة لأخذ عينات الدم دون ألم ا
...
-
بوتين: لن نسمح بوقوع صدام عالمي رغم سياسات النخب الغربية
-
حزب الله يهاجم 12 موقعا إسرائيليا وتل أبيب تهدده بـ-صيف ساخن
...
-
مخصصة لغوث أهالي غزة.. سفينة تركية قطرية تنطلق من مرسين إلى
...
-
نزوح عائلات من حي الزيتون بعد توغل بري إسرائيلي
-
مفاوضات غزة.. سيناريوهات الحرب بعد موافقة حماس ورفض إسرائيل
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|