أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لنا الفاضل - قراءة في رواية (إستراحة مفيستو) للروائي برهان شاوي















المزيد.....


قراءة في رواية (إستراحة مفيستو) للروائي برهان شاوي


لنا الفاضل

الحوار المتمدن-العدد: 5261 - 2016 / 8 / 21 - 18:14
المحور: الادب والفن
    


إســــــتراحة مفيستو

روايه جديدة للروائي العراقي الكبير برهان شاوي. الروائي الذي تقف أعماله بتقنيتها وفرادتها إلى جانب الأعمال الأدبية العالمية بكل ثقة جامعا في قلمه البليغ التعبير، الشعرية والثقافة الباذخة التفاصيل ،والمحلية المغرقة بتفاصيل مجتمع كان قد بدأ يتداعى أمامه منذ أولى سنوات تفجر الوعي داخله، ليقودنا بسلاسة منقطعة النظير لعوالمه المتداخلة دون الاحساس ابدا ان خطواتنا تتعثر في هذا التداخل الثر .

هذه الروايه تُعدّ عملاً منفصلاً عن سلسلة الروايات التي بدأ الروائي في كتابتها منذ سنوات وأصدر منها ست روايات بعنوان مميز هو (المتاهات) ومازال منغمساً في كتابة هذه السلسلة التي أحدثت ضجة في موضوعاتها وفلسفتها المتجددة والرؤية التي تحملها في طريقة السرد والتلاحم الموضوعي بينها وبين كل ما تمر به مجتمعاتنا منذ بدأ تشكل الوعي في هذه الامة لغاية حلول كل المصائب بسبب الوعي الزائف المبرقع بكل ما يجعل التفكير فكرة خطيرة يحاسب عليها المجتمع مستمدا قوته من المقدسات والتقاليد والقانون العشائري والقانون المهني المدني الذي اصبح لا مهنياً بتحكم اصحاب النفوذ والسلطة والمصالح فيه.
الجيد في الموضوع انها تأخذ ستأخذ طريقها للانتاج التلفزيوني تجاوزا على الاعلام المكبل الذي لم يسلط الضوء عليها بما تستحقه فعلا .

تعتبر هذه الرواية الثالثة له بعد (الحجيم المقدس) و(مشرحة بغداد )لكنها تتميز بإنها كتبت في وقت قياسي هو شهر واحد فقط (21/02/2016....... 21/03/2016).وهذه المدة القصيرة تدفعنا للتساؤل هل كانت إلهاماً مميزا للكاتب أم إن الفكرة الوجودية كانت تضغط افكاره لتظهر في هذه (الاستراحة) التي تعتبر فانتازيا متميزة ،عالمية السرد محلية الوجع ، ليكتب كل هذا في هذه الفترة القياسية المكثفة..فعادة اغلب الروايات التي تحمل فكرا وتفاصيل فلسفية وتحليل لاغوار النفس البشرية كهذه الرواية تأخذ وقتا طويلا جدا لذا هذه ايضا تعد سابقة لروائي من هذا العصر .
الاسماء:
لم يعد من الغريب إختيار اسم آدم وحواء من قبل الروائي بُرهان شاوي لأن كل ابطاله هم من الأوادم والحواءات المتشابهين بالاسم، لكن الجديد في الأمر أن أغلب الأوادم يرتدون الوجه - القناع نفسه (آدم آدم مدير فندق إستراحة مفيستو،آدم الضائع، و كل الأوادم العاملون في الفندق ) و كذلك بالنسبة للحواءات فحواء الدلو-المدفون تشبه أمه و كل الحواءات التي التقاهن لاحقا في (استراحة مفيستو) أمثال (حواء صوفي، حواء نمرود، حواء المسافر، حواء الأعمى، حواء الأبيض، حواء الأسود) هن متشابهات بالشكل حتى كأنهن حواء واحدة، و الاختلاف بينهن في العمر والملبس فقط . وهذه كناية يستخدمها الروائي للدلالة على توحد المصير البشري وتشابه الطبائع الانسانية .

لتكن قراءتنا متدرجة للرواية حيث نبدأ من العنوان

.إستراحة مفيستو
من هو( مفيستو) ليختاره الروائي عنوانا لروايته ..؟
إنه اسم من أسماء إبليس، لكننا لا نجد إبليس في هذه الرواية ليقول أنا هنا بكل قوتي وجبروتي وسمعتي السيئة في فنون الشر .
بل إننا نجد انساناً من بني البشر يدعى (آدم آدم) هو من يملك هذه (الاستراحة) التي كنا نظنها لإبليس نسبة للأسم ، لكنها إشارة عميقة إلى أن الإنسان هو من يصنع الشر، كما أنه هو نفسه من يصنع الخير، لكنه بارع في اختراع من يرمي التهم عليه وتغطية اعماله باسماء اخرى . (آدم آدم ) هو الخليفة الذي يملك الارض كما قدر له منذ خلق.

الطرفان الرئيسان في الرواية هما هما (آدم آدم) و (آدم المسكين) ، وهنا نجد حبكة يحركها الصراع الأزلي بين الشيطان والإنسان، تأخذ شكل إغراءات شراء روح الإنسان..، حيث نجد ماجرى في جحيم دانتي الذي يأخذ منه الكاتب مقطعا ليصدّر به النص السردي كواحد من موجهات القراءة المؤثرة، أو كما جرى مع (فاوست) كما قدمه (غوتة) حيث يريد الأول بقوة سلطته ومكائده شراءَ روح الثاني، الإنسان العادي المسكين، بعد موته لقاء حقيبة ملأى بالمال، وهنا في هذه الرواية المكثفة ينطلق الصراع مستندا ً لقناعات موجودة ومقدمات هي كالتالي :
- إن البشر جميعا يحملون الصفات والطبائع ذاتها، فمهما تغيرت ألوانهم وانتماءاتهم وصفتهم البشرية تظل واحدة .
- الاغلبية تستسلم لصفقة مفيستو الذي يمثله في الرواية آدم آدم الذي ورث الأرض، وصار يوزع مكائده ليوقع الاخرين في الاختيار بين القبول والرفض لبيع انفسهم .
- آدم المسكين : أكثر البشر فقراً واحتياجا للمال هو من يرفض هذه الصفقة المغرية .
- يبقى الموت هو النتيجة الحتمية مهما كانت المكائد والصفقات لكنه ايضا يمنح آدم آدم قوة اضافية للاغراء والتحكم لا توجد حتى لدى الشيطان نفسه .


(آدم):

في المقابل من (آدم آدم) نجد بطل الرواية (آدم المسكين)، الانسان الذي ينتمي للطبقة الفقيرة الوحيد لوالديه، والذي تبدأ الحكاية معه بهاتف ينبئه بوجوب تسديد قرض له مع فوائده لسيد من سادات المال المعروف في المدينة بسطوته وإجرامه المرابي (هابيل السفاح)، الذي كان قد إقترضه ليستطيع دفن والديه بعد حادث مروري جعله فجأة وحيدا يتيما في حياة مريرة لا تراعي فقر الميت وتجبر أهله الاستدانة ليدفن تحت التراب.
مع تهديد حقيقي لا رجعة فيه بأنه سيقتل لا محالة هذا اليوم تبدأ الرواية التي يمتزج بها الواقع مع الخيال، الفلسفة، ضياع الحقيقة وغلبة الوهم، الشك مع اليقين لتبدأ خطواتنا تصطدم مع البطل (آدم المسكين) بجدران غير مرئية وتقيدنا معه بحبال التسيير والتخيير ومرايا لا تعكس ما نراه ونظنه حقيقة.. لنشاهد وجوهاً عديدة تحدثنا في كل جدار يرسمه الروائي في صفحاته تنظر لواقعنا ولوجوهنا وتقول: هل انتم متأكدون مما أنتم عليه فعلا؟؟

حوارات وتساؤلات في عالم رواية مقروءة، لكنها تتنقل بنا في الزوايا و المواقع ،السماء والارض، كأنها مشاهد مصورة في فلم رعب سينمائي يبرع الكاتب فيه بحكم تخصص ودراسته السينمائية.. حيث يهرب (آدم المسكين) من منزله بعد ذلك التهديد العلني ، وتقوده خطواته للمقبرة التي لم يجد مكانا خر ليذهب اليه بدلا عنها ،هو كان كأنه يسعى للإحتماء بوالده ووالدته المتوفيين ، لكنه صادف في طريقه فندق (استراحة مفيستو) الغريب، الذي ظهر له فجأة منبثقا من اطلال كان يراها في هذا المكان .. وكان هناك شخص على باب الفندق يرتدي بدلة سوداء وحذاءا ابيض، ينصحه بالذهاب الى المقبرة حيث لا مكان آمن سوى هناك، ولن يجد له مكاناً في هذا الفندق.
حين وصوله هناك وقرب قبر والديه يجد جثة مقطوعة الرأس ، والرأس ملقى بالقرب ويشبه الرجل الذي رآه في باب الفندق قبل قليل، حتى أن الجثة المسجاة بنفس البدلة ونفس الحذاء الابيض،لكن هناك حقيبة جلدية تملؤها الدولارات تشكل مبلغاً ضخماً حتى على خياله .
من هنا تبدأ بداخله تساؤلات طبيعية هل يأخذ الحقيبة؟هل يبلغ عن هذه الجثة؟هل هناك من يراقبه؟ من هو هذا الشخص؟ و كيف كان عند الفندق و كيف قُتل هنا؟. من قطع رأسه ؟هل هناك من يراقبه الان ؟

يتجاوز كل هذا في لحظات ويقرر أن يأخذ الحقيبة الجلدية ويذهب للاستراحة والنوم في الفندق فهو مرهق ومعه الان من المال ما يكفي حتى لعدة ليال وليس ليلة واحدة .

ومن هذا الفندق الغريب تتشابك الأحداث وتتصاعد في حبكة غريبة وظهور شخصيات متعددة، أوادم وحواءات، لبحث لغز الحقيبة المفقودة..والكشف عن الشخصيات التي وجد هو هوياتها داخل الحقيبة الجلدية مع المال باسماء متعددة ومهن مختلفة لكنها بصورة واحدة تشبه كثيرا الرجل الذي قابله أول مرة والذي إتضح لاحقا انه صاحب الفندق او الاستراحة (آدم آدم) .

وفي هذه الرحلة تنطلق الرواية في مساراتها الفلسفية والنفسية والغرائبية ليأخذ السرد منحى بوليسيا ليضفي على الرواية سحراً وتشويقاً جديدا بعد تكشف حقائق هذه الوجوه والنفوس التي تمور غضبا وحبا وحنينا وكرها ، حيث يعري الكاتب كل الأوادم ويظهر صفاتهم بحيادية وقسوة، لكنه يتعاطف مع آدم واحد هو البطل حيث يطلق عليه لقب المسكين منصفا له قليلا من تراكم الاتهامات لعوالم آدم المعلنة والخفية والتي تقود الحياة رضوخا لرغباته التي لا تنتهي ..
ولا يكتفي الروائي برهان شاوي بتعرية وجوه آدم وإنما يتوجه إلى حواء أيضاً.. ويكتب عنها، ويصفها مليا ًحتى في خيانتها وضعفها، ويضع لنا طريق التبرير مفتوحا لو شئنا اختياره، فكل تصرفاتها هي نتاج عالم آدم العنيف والمسيطر على مقدراتها ، مهما كانت قوة شخصيتها أو كان جمالها وأيا كانت حدود ثقافتها .
في الاستمرار بالرواية مع الحواءات نجد انهن الحواءات هن نسخ متشابهة من حواء الدلو او حواء الابيض وحواء الأسود اللواتي يتداخلن ليصرن حواء واحدة عند اختراق الباب بين الواقع المرئي واللامرئي.

الحـــــــــــــــواء ات

-(حواء الدلو)

هي أولى الحواءات اللاتي نلتقيهن في الرواية، وهي مزيج عجيب من الأنثى ،هي الخمسينية المثيرة ، الحنونة ،التي كانت دوما تتقرب من (آدم المسكين) وتسعى لايقاعه بحبها منذ أن جاورتهم هي وزوجها.. هذه المرأة هي من يحبها بصمت آدم المسكين ويتمنى قربها وحنانها ،حتى يكون بينهما ما يكون ،ربما هي عقدة اوديب التي تجعل (آدم المسكين) يحب هذه المرأة، أو أنه فتى غرير ليس له تجارب فيقع في حبائل اول إمراة تصادفه تشفق عليه وتغمره بحنانها وثرثرتها المقصودة منها لكنها المحببة لقلبه والتي تجعله دوما يفكر بها كعنصر للامان في حياته رغم صدماته االلاحقة من حقيقتها الغريبة في التعامل مع الحياة وحبها لنفسها.

كل الحواءات هنا بعد (حواء الدلو )يتم اللقاء بهن في فندق مفيستو بعد حوادث خطف ازواجهن وهن:
-(حواء الصوفي)
هي المرأة المثقفة المشهورة جداً، والمبهرة لكل من يراها ، وهي الروائية والكاتبة ، لكن بعد لقاءه معها يجدها فقاعة اعلامية ومثالاً لكذبة أخرى من كذبات الحياة صنعتها الاموال والخيانة والأسرار ، فكل ما يحيطها من هالة القوة والسلطة تهوي أمام (آدم المسكين) عندما تكشف هي بإعترافاتها أنها ليست سوى مدعية، وأن كل كتاباتها ليست لها، بل هي لحبيبها السابق الذي تحمل زواجها من غيره لان الظروف كانت تحكمهم لكنه لم يحتمل خيانتها له مع رجل آخر ليس زوجها ، فكتب روايته التي تدينها وسلم المخطوطة إليها ليغيبه الموت بعدها للابد في حادث ما ، ولتستغل هي هذه الرواية - المخطوطة في شهرتها وجلب الاموال لها ولزوجها (آدم ذو النون )الذي يتقن صناعة المال والذي يدور الحوار حوله كيف تم خطفه وأين اختفت الحقيبة التي يقال إنه كان يحملها ؟

-(حــواء النمرود)

هي سيدة جميلة كلوحة مبهرة تحكي حكايتها مع الحب لكنها بكل قوة وجرأة تبرر الخيانة بحجة الانتقام ،سيدة لها الكثير من إسمها المرتبط بالطغيان والمزاجية القاتلة .

تقول عن نفسها :

- مغامراتي قليلة..لكنها برغم ذلك مغامرات جبارة..ومعظم مغامراتي تدور في رأسي..لكن المغامرة نفسها، أية مغامرة، حينما تعتاد عليها تتحول إلى روتي ممل وضجر قاتلوبرغم هذا فأنا لستُ سعيدة..ربماأنا لستُ تعيسة..لكني بالتأكيد لستُ سعيدة..

.وبعد استرسالها في الكشف عن عن قصة خطف زوجها المزعومة وطلب فدية عنه بمبلغ كبير هوالمحامي المعروف (آدم الطيار) الذي اختلق هذه القصة ليسرق مال التامين على حياته ويجبرهما كي تساعده هي وابنه ليحبك قصة الاختطاف المزعوم بعد اكتشافه خيانتهما له ، لندخل بعد ذلك في قصة اخرى غريبة عن علاقتها بزوجها وعلاقتها المحرمة بإبن زوجها ، فتكون المنتقمة من إهماله لها وخيانته المعلنة على الصحف والمواقع والتي تستغل فكرته الطامعة بالمال لتخطط لقتله بعد استلامهم هي وعشيقها (أبنه ) أموال التأمين.

- حواء المسافر

هي المرأة البسيطة التي تبحث عن زوجها المخطوف، ولديها طفلين صغيرين هما قابيل وهابيل،
وفي قصتها الحزينة يتجلى كل وجع الحياة ما بين حب حكم عليه بالاقصاء من اهل زوجها الى حياة تعيسة شقية كان عمود استمرارها عمل الزوج في تنظيف أوساخ العالم وقذارتهم ونتانتهم ،حتى كره نفسه ثم تحوله بعد مصائب اخرى الى العمل في بيع المخدرات التي بدأت تدر عليه اموالا تجعلهم في مصاف البشر...
كل هذه الإشارات هي تأكيد إلى أن المال يمنح الهدوء والطمأنينة المزيفة التي كلما ابتعدت عنا تجعلنا في خوف وقلق دائم، وذلك من خلال اشارات الروائي كل فترة انه يحتضن حقيبة المال فتبث الاطمئنان في نفسه لكن المرايا دوما لا تعكس وجود هذه الحقيبة ولا تعكس وجود المال ،المال هو السعادة الزائلة ،...هذه الإشارات الخفية والتي تتسم بالذكاء التام ، ففي كل سطر نجد معنى ، لكن وسط هذا الانغماس في حكايتها الحزينة نجد فجأة أنها روح والدته التي غادرته منذ عام وأنها جاءت لزيارته مع ابنيها المتوفيين فيتداخل الخيال بالواقع في زوايا هذه الرواية اينما اتجهت .وشيء من الاحاديث التي تتناقل بيننا عن زيارة الارواح لمحبيهم يظهر هنا كما كان يظهر في روايات الروائي الاخرى .

-حـــواء الاعمى
هذه السيدة التي جاءت لتعلن في لقاء صحفي عن اختطاف زوجها ، تسخر من اول لحظة من لقب (آدم المسكين)..وقد بدت أنها سيدة مشاكسة..فهي زوجة المختطف (آدم عين الحياة) المحامي االذي يعمل في وزارة ما، ولفقوا له تهمة سرقة مبلغ 600الف دولار ..هذه المرأة المعروفة اجتماعيا..فهي ناشطة مدنية ورافعه لشعارات حقوق المرأة ولها ندوات نسائية ، لكنها برغم ذلك سخرت من اسم (آدم المسكين) فكان جوابه لها بداية ليكسر شيء من عجرفتها حين قال:

" أن أكون مسكينا خير لي من أن أكون أعمى.. أليس كذلك.. أم أنّ لديك رايا آخر؟".. صعقها جوابه..لكنها حاولت محاولة اخرى لتعرف من هذا الرجل الغامض الذي يقف قبالتها ومدى ثقافته وجّهت سؤالها لآدم المسكين: من أنت.. أيها المسكين آدم ؟
فأجابها: من أنا؟..أنا ظلّ يمشي.. أنا لست أنا.. فهل أنت أنت؟

حوارات متتالية في نفس الجلسة تجعلنا نغوص في أعماق هذه المرأة التي تبدو وكأنها تواجه نفسها لأول مرة ..حتى نصل معها لنقاط الضعف فيها، فهي ككل كائن بشري له نقاط قوته وله نقاط ضعفه التي تحاول التستر عليها فتبدو رغم كل ما حولها من حياة وزحمة الاعمال ضعيفة وحيدة هشة..حيث لم تستفق أنوثتها قبل هذه المجادلة العنيفة..! لذا تظاهرها بالقوة لم يمنعها من الاعتراف انها الان فقط اكتشفت انها كانت عمياء لتنسحب من المكان ..
ما يتبقى لنا بعد هذه الحكاية ومعانيها التي تتكون لدينا ملاحظة خفية وذكية حول القصد في التسمية مع هذه السيدة واسم زوجها فنلاحظ ان (حواء الاعمى هي زوجة آدم عين الحياة) هل هو تكامل إرتآه الروائي ام سخرية من الاقدار الغريبة التي تصم الحياة بالنقص ومحاولة الكمال في آن واحد.

لغز الارقام والغاز المتاهات :

يتلاعب بنا الكاتب في توريات عجيبة لا تظهر للقاريء مباشرة وتحتاج من يكون متعمقا في عوالم الروائي السابقة ليحاول ان يكتشف ما هو سر الغرفة333 في الطابق السابع والغرفة 777 في الطابق الثالث من فندق مفيستو والتي تكررت ايضا في متاهاته بارقام متشابه لكنها مختلفة عن هذه الأرقام التي كان قد فاجئنا تتبعها والبحث فيها واسباب اختياره لها .

لكن تظهر المفارقة ان لكل شيء معنى في عوالم الراوي وان ظل سراً خفياً لسنوات يكشفه تتابع الروايات وتسلسها ... فالعنوان استراحة هنا يعني ان هذه هي استراحة للكاتب من عوالم متاهاته الكبيرة والتي جاءت كمحطة للابتعاد عنها.

أما عن الرمز الرقمي نجد أن تسلسلها هو الثالث كرواية منفصلة عن متاهاته فيما هو يكتب متاهته السابعه فكانت الاستراحة333 في عالم المتاهة السابعة 777. فيكون هذا منطلقا فهم بقية الارقام التي كنا نتوه معها في عوالمه الاخرى في المتاهات .
حيث كان أبطالها وشخصياتها يسكنون في طوابق تتناسب مع رقم وموقع المتاهة من السلسلة
ففي متاهة آدم (المتاهة الاولى)ي عيش الكاتب آدم البغدادي في شقة في (الطابق الأول)،
بينما تعيش إيفا ليسنج وآدم التائه في (الطابق الثالث) من فندقيهما في (متاهة قابيل) وهي المتاهة الثالثة في سلسلة المتاهات

- في (متاهة الأشباح) تعيش حواء صحراوي في (الطابق الرابع) بفندق في جزيرة آسكيا بإيطاليا حيث ان (متاهة الأشباح )هي الرابعة بين المتاهات.

-حواء ذو النورين وإيفا سميث تسكنان (الطابق الخامس) من الفندق في دمشق وفلورنسا،موقع (متاهة إبليس) هي الخامسة بين المتاهات.

-بينما شقة إيفا سميث تقع في (الطابق السادس) ببناية في باريس مثلا وهي ساحة لاحداث المتاهة السادسة (متاهة الارواح المنسية).

الروائي هنا في شخصياته لم ينسى أبدا انحيازه المطلق لفكرة ان الإنسان هو الكائن البايلوجي وأن الرغبة هي المحرك في هذا العالم وهي من تصنع وعيه النفسي وانحيازاته اللاشعورية .

المغزى والخلاصة

كل ما سبق يقودنا للتساؤل عن المغزى من هذه الرواية وهل نستطيع محاولة القبض على المعنى في صفقة الحياة الغير معلنة .

إذ يظهرمن رمزيتها أن (آدم آدم ) مالك الفندق هو بديل (إبليس) الحقيقي ،حيث حقيقة لا ابليس ليقودنا للشر وصفقاته وانما هو الانسان فقط هو من يملك كل الشر وهو من يملك كل الخير، و (الاستراحة) هذه رمزيا هي الأرض التي نحيا بها بمختلف تناقضاتها وعجائبها ، الجمال والحب بها، مع الكراهية والقبح ،وحيث كان كل سكان هذه الاستراحة التي تبرز من العدم هم من الاشباح الذين قبلوا بصفقة الشر وباعوا نفسهم حيث نجد كل الموظفين وموظفو الاستعلامات والصحفي كلهم نسخة من (ادم ادم).
بل حتى الضحايا في الهويات الموجودة في الحقيبة الجلدية هم نسخة من (آدم آدم).نجد انفسنا نبزغ من العدم وتقودنا الخطى لصفقات عديدة وتظل النهاية مجهولة على مر الزمن .

يمكن القول ان استراحة مفيستو للروائي برهان شاوي هي الرواية التي تحاكي سر وجودنا على الارض بسر الاستراحة ، فنجد إنّ الحياة هي فعلا هي عبارة عن صفقات، يقودها المال ومحورها الغريزة .
وتعزز سطوة الانقياد لهذه الصفقات ، المعادلة الكبرى (الجنة مقابل العبادة والشكر وجهنم مقابل الكفر والجحود).
اذ تظهر تحول الفرد بلا وعي منه وكجزء من حمايته لنفسه من ذاته الضعيفة ،منقادا لتوجهات الفكر الجمعي منتمياً للقطيع، رافضا الافكار التي تجعله مختلفا ،القلة فقط من تختار الرفض لانها تحتكم للعقل وهذا الرفض اختاره آدم المسكين ليجعله بعيدا عن ان يكون نسخة من الاخرين كما تشير الرواية ،لكن يبقى التساؤل الى متى سيصمد كل من يختار مثل هذا الموقف اللامنتمي وهل ستجعله الحياة يدفع ثمن هذا الرفض،هذا ما تركته لنا النهاية المفتوحة للرواية وتركنا الراوي في تساؤل عنه لنواجه انفسنا به .



#لنا_الفاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شوق
- مركب هجرة
- يا للسخرية...
- موت مرتشي (مرثية شهداء الكرادة)
- قراءة في روايات المتاهات للدكتور برهان شاوي
- نسيان
- بعض الحب ظن
- بين كفيك
- قلبان
- متاهتي
- الأريكة
- تهمة
- رؤيتين
- بحر
- هجرة ضوئية
- في داخلي
- كسل للبيع
- إخترت
- موجة ضوء
- حرف


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لنا الفاضل - قراءة في رواية (إستراحة مفيستو) للروائي برهان شاوي