أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - طفولةٌ أم جنون أم كفر؟














المزيد.....

طفولةٌ أم جنون أم كفر؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5251 - 2016 / 8 / 11 - 15:12
المحور: المجتمع المدني
    


=============

قبل عام وشهرين، كتبتُ هنا مقالاً حول بعض الأطفال في إحدى المدارس الأمريكية، طلبت منهم المعلمةُ أن يوجّهوا رسائل إلى الله، يطرحون عليه فيها أحلامهم ويعرضون أمانيهم، أو يوجهون لله أسئلةً مما يُخفق الأبوان والمعلمون في الإجابة عنها. أسئلةٌ بسيطة، وأخرى عميقة، رسائلُ ماكرة، وأخرى مازحة. براءة الأطفال وجهلهم بالحقائق العلمية، التي تعلّمناها نحن الكبار، فتحت أسئلة الأطفال على أقصى مدارج السؤال. بينما ما حصدنا نحن من خبرات ومعارف، يعطّل مساحات الدهشة لدينا، ويُحدُّ من حيرتنا؛ فتتضاءل الأسئلةُ أو تموت. فلم يعد ممكنًا أن تسأل وأنت كبير: لماذا تدورُ الأرضُ عكس اتجاه عقارب الساعة؟ ولماذا ينيرُ القمرُ ليلاً؟ ولماذا تبدو السماءُ زرقاءَ؟ ولماذا تسقطُ الثمرةُ من الشجرة بدلاً من أن تطير؟ لكن الطفل يحق له أن يسأل "مطمئنًا" عمّا يشاء وقتما يشاء وعلى النحو الذي يشاء. لأنه يمتلك شيئًا ثمينًا لم نعد نمتلكه نحن الكبار، وخسرناه مع السنوات: الدهشة. الدهشةُ أصلُ الفرح ومصدرُ الإبداع الأكبر. لذلك الأطفالُ مبدعون في أسئلتهم وفي رسومهم وفي ركضهم وراء فراشة أو ضفدع. فالطفلةُ التي سألت اللَه عن الحدود بين الدول، لا تفهم معنى كلمة احتلال، ولا إمبراطوريات، ولا مصالح، ولا طمع. ولا تعرف من هو سير مارك سايكس، أو مسيو چورج بيكو، اللذين رسما الحدود بين البلاد، ولم تسمع عن آرثر بلفور ووعوده. وبالتأكيد هي بريئة من دم الهندي الأحمر الذي تدوس قدماها رفاتِه كل يوم في طريقها إلى المدرسة.
السؤال المحزن الآن هو: هل يُسمح لأطفالنا العرب أن يطرحوا مثل هذه الأسئلة؟ أم كانوا سيُحكم عليهم بالسجن، كما يُحكم علينا نحن الكبار حين نفكّر خارج الصندوق الآمن؟! الحقًُّ أن لا قانون، حتى الآن، يُجرّم التفكير والخيال، وبالتالي لا محلّ لقانون يمنعُ الجهرَ به. لكنها الأعرافُ التعسة التي اخترعناها من أجل وأد التفكير وتكبيل العقل، لهذا ينشأ أطفالنا وقد أتقنوا ثقافة "قصّ اللسان". المعلمة الأمريكية لم تسمح للأطفال بطرح الأسئلة على الله، وحسب، بل هي التي طلبت هذا من الأطفال. ثم قاموا بنشر تلك الرسائل في الصحف. لم يُصفع الطفلُ الذي قال: "عزيزي الله، لماذا أنت مُختفٍ عن عيوننا؟ هل هذه خدعةٌ مثلا أو لعبة ما؟" ولم يُتهم بالبلاهة مَن سأل: "عزيزي الله، مَن يقوم بمهامك يوم إجازتك؟" ولم تُقم دعوى حِسبة ضد الطفلة التي سألت: "هل فعلا كنت تقصد أن تكون الزرافة هكذا، أم حدث خطأ ما وأنت تخلقها؟" ولم يُقاضَ من قال: "من فضلك يا ربُّ أرسلْ لي حصانًا صغيرًا. ولاحظ أنني لم أسألك أيّ شيء من قبل، ويمكنك التأكد من ذلك بالرجوع إلى دفاترك." ولم يُستهزأ بمن سألت: "مَن رسم هذه الخطوط حول الدول على الخريطة؟" فالبنتُ جميلةٌ بقدر جهلها بالاتفاقيات الدولية. جميلةٌ طالما لم تقرأ بعد عن الحروب والاستيطان والمصالح والمقايضات والحلول السياسية. نشكرُ الله أن أولئك الأطفال ليسوا عربًا وإلا كان آباؤهم وأمهاتُهم يزورونهم اليوم في سجونهم، حاملين معهم بعض البالونات وكراسات الرسم والأقلام الملونة وقطع الشيكولاتة.

والسؤال: هل من يسمحون لأنفسهم بأن يفكّروا، أيًّا ما كان التفكير، ثم أن يتساءلوا، أيًّا ما كان السؤال، هل هم أطفال، أم مجانين، أم كفّار، يستحقون الملاحقة بالقضايا. فيدخلون السجون حتى يتوب الكفّار عن كفرهم وراء القضبان، ويتخلص المجانين من جنونهم وراء القضبان، وحتى ينفضَ الأطفالُ وراء القضبان بقايا طفولتهم التي سمحت لهم بالتفكير، ثم السؤال؟
وللحديث بقية.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على شط القناة: الصمتُ في حرم العمل... عملٌ
- زورق
- على شط القناة: الصمتُ في حرم العمل... عمل
- خنجر في ظهر مصر
- ماذا لو ظهر ابن رشد اليوم؟
- الشيخ كريمة وخفّة ظِل المصريين
- جميلةٌ من صبايا مصر
- ماذا تفعل لو كنت البابا؟
- فاتحةُ القرآن، والصلاةُ الربانية
- كل سنة وأنت طيب يا أبا زيد
- جيشُ مصرَ شعبُ مصرَ
- البجعة
- قلادتك
- الماكينة بتطلع قماش!
- وكرُ الأشرار
- المسجد النبوي .... هل غادرَ الإرهابُ من مُتردَّم؟
- هل احترام حقوق الأقباط عداءٌ للإسلام؟
- شيءٌ من العبث لن يفسد العالم
- حقلُ الألغام
- مصرُ التي نشتاق إليها


المزيد.....




- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - طفولةٌ أم جنون أم كفر؟