اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 21:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا نص غير نهائي ، انه نص مفتوح لمن يريد ان يضيف اليه ، وكذلك لمن يقترح حذف بعض فقراته . النص يريد التذكير بما يجب التفكير فيه مما له علاقة بصلب أخلاقنا وبصلب ما نحن عليه من قيم ، وهي مسائل قليلاً ما تعرج عليها الكتابات السياسية الحالية لكأن السياسة علم منفصل عن قيم الناس واخلاقها ، وحتى الموروث الضخم الذي انتجته الحضارة العربية الأسلامية ، كانت الكتابات الأخلاقية فيه هامشية أو أسيرة لرؤية الفلاسفة اليونانيين ( كتاب الأخلاق لمسكويه ) ، أو لزاوية النظر الفارسية التي تبلورت في عهد مؤسس الامبراطورية : الملك أردشير او الملك كسرى أنوشران البارزة بوضوح في كتابات ابن المقفع وفي ترجماته : كليلة ودمنة والأدب الكبير والأدب الصغير ، كما هو واضح في رسائل عبد الحميد الكاتب في خلافة هشام ابن عبد الملك الأموي . وكلها تدور حول ضرورة الطاعة : طاعة السلطان ، وحول العلاقة بين الملك والدين لتبرير الأستبداد ، وتبرير تقسيم المجتمع الى خواص لهم حق التشريع والرياسة ، وعامة أو عوام عليهم الطاعة وتنفيذ ما يأمر به الخواص .
-2-
يشير الواقع الذي نصنعه بأفعالنا الى اننا لم نسترشد بالقيم التي نفتخر بأن الله حبانا بها دون العالم أجمعين : نفتخر بكوننا امة وسطاً وبأننا خير أمة أخرجت للناس ، وان الله حبانا بما لم يحب به الأمم الأخرى من دين ونبوة وأمامة ورسالة ، ولكن الواقع وهو من صناعة أيدينا ولم يتم فرضه علينا من الخارج ، يسير في اتجاه معاكس لما نفتخر به ، ويخلو تماماً من اية قيمة من القيم الأيجابية . ما سبب هذا التناقض بين ما ندعي حمله من قيم وبين الطرائق ( الغريبة العجيبة ) التي نمارسها لتأسيس قواعد حياتنا ؟ هل عموم الناس وراء هذا التناقض ؟ اذا كنا نحن السبب فما دور السلطة السياسية في رفع التناقض بين ما نقول وما نفعل ، سيما وان هذه السلطة مكلفة بالنيابة عنا ( منذ ان تم انتخابها ) لأن تشخض المرض وتجد الحل المناسب له ، واعضاؤها يتقاضون أجوراً ضخمة على ادائهم لهذا الدور الوظيفي ؟ فماذا فعلوا لجبر الكسور والرضات في قيمنا . لأتقدم بهذا الشاهد واجعله حكماً : تصر السلطة السياسية على مدى 13 عاماً على الأعتماد كلياً على واردات النفط ، وترفض الأخذ بمبدأ تنويع مصادر الواردات - فتحولت بمرور السنين الى ما يمكن تسميته بالرأسمالي الكبير والوحيد في البلاد الذي يملك وحده امكانية التوظيف ، فأصبح التدافع شديداً على ابوابها من قبل الخريجين ، واضطر هؤلاء نتيجة محدودية الوظائف الى التوسط والى دفع الرشى الى المسؤولين في الدولة .. من يتحمل مسؤولية هذا التردي في الأخلاق : سياسة الدولة الأقتصادية أم المواطن المضطر ؟
- 3 –
كل الأحزاب والحركات التي عادت الى الداخل بعد عام 2003 ، طالبت أو بالأصح حدّدت هي بنفسها الثمن الذي رأت انها تستحقه عن سنوات الغربة و ( النضال ) ، وهو ثمن باهظ كلّف ويكلف خزينة المال العام مليارات الدولارات شهرياً وليس سنوياً . هل النضال السياسي بضاعة لكي يطالب ناشطوه بثمن ؟ ولنفترض بأن جهد ( نضالهم ) سلعة ، فهل تستحق هذه السلعة كل هذه الرواتب والأمتيازات الأسطورية ؟ وماذا لو انهم فشلوا في ان يكونوا رجال دولة ، وظلوا أسرى قيمهم الحزبية الضيقة ، هل من الضروري أخلاقياً استرداد هذه المبالغ - التي لو تم فعلاً استردادها - لما اضطررننا الى طرق ابواب صندوق النقد الدولي ، واقترضنا المال منه بربح سنوي معلوم . الا يدخل ذلك في باب الربا ويثلم ثابتاً من ثوابتنا الدينية التي كلفنا أنفسنا بالدفاع عنها ؟
- 4 –
حين هبطت اسعار النفط اقترضت الحكومة مبلغاً زهيداً من صندوق النقد الدولي ، زهيداً بالمقارنة بأكثر من مائة مليار من الدولارات السنوية التي يدرها النفط لوحده والتي لم يحسن استخدامها . أما كان بالأمكان التوجه منذ البدء ، أي قبل عقد من السنوات ونيف ، الى الاستمار في الأقتصاد العراقي وتنويع الدخل لكي لا نضطر الى هذا القرض المذل . هل من الأخلاق الأقتراض باسم العراقيين وتحمبلهم مسؤولية شروط النقد الدولي ، اذ من المعروف ان هذا البنك لا يمنح قرضاً الا بشروط قاسية ، وفي مقدمتها شرط رفع يد الدولة عن تقديم الدعم والعون . اذن ، سيتحمل فقراء العراق من العاطلين عن العمل ومن الكسبة وذوي الدخول الواطئة وصغار الموظفين شرط تقليل الأنفاق العام ، ولن تتحملها رواتب الرئاسات الثلاث ولا رواتب الدوائر التي استحدثوها لأقاربهم وعشائرهم من مستشارين وخدم وسكرتاريات وجيوش جرارة من الحمايات ؟
- 5 –
اعترف جميع المسؤولين بوجود فساد ، وبأن ملفات الفاسدين تطم عين الشمس . وكلهم صرحوا بأن الأموال المنهوبة تقدر بمليارات وليس بملايين الدولارات ، فلم هذا التلكؤ في كشف هذه الملفات ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الفساد ؟ هل في هذا التلكؤ يتم بناء قضاء سليم ومؤسسات دولة شامخة بنزاهتها ، مستقلة عن تدخل السياسي في عملها ؟ والأنكى ان بعض المسؤولين يتفاخر بأنه أخفى هذه الملفات ، وحجته في ذلك واهية ففي حالة كشفها – كما يقول – ستتدحرج رؤوس . وماذا يضر العدالة لو تم تطبيق القصاص وتدحرجت رؤوس الحرامية واللصوص والفاسدين ، ألم يتذكروا ما قالته الآية الكريمة : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " ؟ فهل من المروءة التكتم عليها ، وهل تسمح أخلاق رجل الدولة بغض النظر عنها ، والبلاد بلا مدارس حديثة وبلا كهرباء ، ولم تسدد مستحقات الفلاحين ، وتعجز عن شراء بعض الآلات وقطع الغيار لتشغيل مئات المعامل المعطلة ؟ هل من الشيم ان تظل عوائل النازحين المقدرة أعدادهم بالملايين في خيم مهلهلة لا تتوفر فيها ابسط مقومات العيش السليم ، فيما يحتل الفاسدون دوائر الدولة المكيفة صيفاً والمدفئة شتاءً ؟
- 6 –
لأشاعة القيم والأخلاق الحميدة دور عظيم في بناء المجتمعات ، تقع مسؤوليته على السلطات السياسية المطالبة بأن تضرب أعظم الأمثلة في التضحية والأيثار لكي يقتدي بها الناس . ويحتوي موروثنا على الكثير من المفاهيم والقيم الأنسانية العالية كقيم المروءة ، والقيم التي تدعو الى الفضيلة والعفة والترفع عن الصغائر ، واحترام المال العام والاقتصاد في النفقات ، والعدالة . لكن المشكلة هي في هذا السلوك السياسي الذي حفر قبراً له أول وليس له آخر لمثل هذه القيم الأخلاقية الرفيعة السامية ، وأسس لقيم جديدة تقوم على الغارة على الدولة ونهب المال العام ، نتجت عنها سلوكيات : الأثراء السريع وتهريب الأموال ، وتأسيس اساطيل وشركات تجارية ، فتحوا لها كل ابواب العراق ودمروا زراعته وصناعته وقتلوا نخيله . فهل نحن على خلق عظيم كما ارادت لنا السماء ان نكون ، وهي تخاطب الرسول محمد : وانك لعلى خلق عظيم ؟
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟