أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - عين الطائر ودو كيخوتي














المزيد.....

عين الطائر ودو كيخوتي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5204 - 2016 / 6 / 25 - 19:07
المحور: المجتمع المدني
    


----


هذه عينُ الطائر. ترصدُ وتُسجّل. ترى ما لا يراه العابرون. فخذوا حذرَكم في كل ما تصنعون، ودقّقوا في كل ما تفكرّون، فعينُ الطائر قادرةٌ على قراءة الأفكار. كل ما نفعل من مُخزياتٍ ومعرّاتٍ وآثامٍ ومظالمَ وأكاذيب يرتكبُها بنو الإنسان، تحت وهم أن أحدًا لا يرقبهم، مرصودٌ في دفاتر الطير. انظروا، عين الطائر ترقب من علٍ وتسجّل في ذاكرتها كل شيء، ثم تذهبُ إلى أعالي الجبال لتدوّن في دفاترها المغروسة في شقوق رؤوس الجبال ما صنعنا من خير طوال يومِنا، وما ارتكبنا من شرور، ثم ترفعُ تقاريرَها إلى السماء. فاحذروا.
بالأمس كنت أجولُ في بريةٍ جدباء، فوقع بين يدي دفترٌ من دفاترها. سقط من إحدى قمم الجبال، فتلقّفتُه وخبأته بين ثنايا ثوبي. عندما يأتي المساء، أقرأ حكايةً كلَّ يوم، ثم أقصُّها عليكم، لتتلصّصوا مع الطير على ما تيسّر من أسرار البشر والحكايا.

(2)
دون كيخوتي الساذجُ. الغافلُ. دون كيخوتي المسكينُ الذي لم يرَ من الحياة إلا الزهورَ تتمايل على صفحة ماء النهر، فتنعكسُ صورُها في عينيه، فيظنُّ أن كلّ ما بالحياة جميلٌ ونظيفٌ وراق وطيب.
دون كيخوتى الطيب اخترقت رأسَه رصاصةٌ، فانشقَّ الرأسُ نصفين. سقطت أحلامُه في نصفٍ، وسقطت أيامُه وسنواتُه الماضياتُ في النصف الآخر. انحنى على الأرض ليلملمَ نِصفيه، فوجد الرصاصةَ ترمقه في إشفاقٍ.
"من أين أتيتِني أيتها الرصاصةُ القاسية؟ ولمَ صدعتني وشطرتِ رأسي؟" سألها. ابتسمتِ الرصاصةُ وقالت: “لم تنضج بعد يا دون كيخوته! أتيتُكَ من حيث لا تتوقع ولا تحتسب. بعد برهةٍ، حينما تلملم رُفاتِ عقلك المهدور فوق التراب، سوف توقن أنني رسولُ السماء إليك. أتيتُكَ لأشجّ رأسَك العنيد الحالم، وأنثرُ بين جنباته شيئًا من البصيرة، علّك تفهم!”
رأبَ المصدوعُ رأسَه، فانضمّ النصفان والتحما. واستقام الرأسُ من جديد سليمًا معافًى. إلا ثقبًا في منتصف الدماغ عصيًّا على البراء؛ لم يلتئم. ثقبُ الرصاصة ومكمنُ القتل. دخل شعاعُ نور من كوّة الثقب. فأنار الدنيا وقد كان المساء.
صدّقَ "دون كيخوتي دي لا ماتشا" أخيرًا أنه كان يصارع طواحين هواء، بالفعل، كما تقول الحدوتة القديمة. فيما مضى من عُمرٍ، ظلّ الرفاقُ دهورًا إثر دهور يقنعونه بالكفّ عن القتال من أجل القِيَم، حيث لا قِيَم، وبالتوقف عن الذود عن حقل الجمال، حيث لا جمال. كان يظنّ أنه يحطّمُ بسيفه رؤوس وحوشٍ ضاريات من أجل أن تحيا في سلام طيورٌ بريئة مسالمة تستحقّ الحياة. أخبره الرفاقُ أن الطيورَ المسالمة لا تسكنُ الأرض، الطيورُ، وحسب، تسكن السماء. وعلى الأرض تعيش الضواري. أخبره الرفاقُ أنه يقاتل وحوشًا ضواريَ من أجل أن تتوحش وحوشٌ ضوارٍ لا تقلّ شراسةً عن رفقائها، لكنّ الفارس الساذج لم يصدق إلا رأسه الحالمَ. على أنه حين أبصر نقطة انطلاق الرصاصة، وأدرك أنها أتت من حيث لا يجب أن تأتي؛ صدّق أخيرًا أنه كان يصارعُ طواحين هواء، من أجل سَراب طير، لا سِرب طيور. فسقط على رأسه مشجوج القلب. مصدوع الروح.
فارسُ الظل الحزين، بثقبٍ في رأسه، وصدع في قلبه، شاهد العصافير تتحول إلى حدّاءات ناهشة. فألقى بسيفه على الأرض، ودفن خوذته تحت التراب. ثم وضع الدرعَ تحت وارف شجرة ذات ظلال، وألقى رأسه فوق درعه، واستسلم للموت.
الطوفان آتٍ، لن ينجو منه أحدٌ. لأن الشرَّ ما عاد وحسب يسكن نفوسَ الأشرار كما تقول الحواديتُ القديمة التي كانت تضحك بها علينا الجدّاتُ حتى ننام. بل أن هناك أسرابًا مما كنا نظنها طيورًا طيبة، بات يسكنها الشرُّ. أو أن الشرَّ كان دائمًا هناك كامنًا في قلوب الطيور التي اتضح بعدما كبرنا وودعّنا طفولتنا، وزاد وعينا وانقشعت الغمامةُ عن العيون، أنها لم تكن طيورًا، بل حدّاءات مسعورة تخطف الزهر والثمر لتترك الأرض جدبًا موحشًا. نعم. الرصاصةُ قاسيةٌ لأنها تشج الرأسَ وتُدمي القلبَ الواهنَ. لكنها طيبةٌ لأنها تُنبؤنا بما كنا نجهل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البابا شنودة يرفض اعتبار أقباط مصر أقليلة، هل سينال سبابكم م ...
- كل سنة وأنت طيب أيها الصندوق الطيب
- جنونٌ أمْ كفر؟ 1/3
- أمّة تقرأ | ماذا تقرأ هذه الأيام؟
- لماذا يهاجمني نشاط من أقباط المهجر؟ بيان فاطمة ناعوت
- لماذا يحمل الشباب المسيحي التمرَ على النواصي؟
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟
- كلمة الكاتبة فاطمة ناعوت في مؤتمر (دعم الأقباط) بواشنطن
- رصاصةُ فرج فودة؟
- الأبكم
- يقتلون براءتَهنّ!
- فين شيوخ القبيلة يا بلد؟!
- هل الأقباطُ أقلية في مصر؟
- كونشرتو اسمه: رمضان
- سمكة وحصان ... وسجني
- بيت شاهندة مقلد
- ومات معها كل شيء!
- فتّشوا عن الصندوق الأسود داخلكم
- الضعيف والمُستضعَف
- جلباب سعاد وأُذُن أيمن


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - عين الطائر ودو كيخوتي