أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي عبد العال - النَّصُ الافتراضيُّ: تحرير الخيال















المزيد.....

النَّصُ الافتراضيُّ: تحرير الخيال


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5183 - 2016 / 6 / 4 - 03:35
المحور: الادب والفن
    


النص الافتراضي virtual text علامات دلالية في واقع إلكتروني متعدِّد الأبعاد. هو أشبه بمرايا متقابلة، متناثرة، متشظية بحركتها الدائرية. ذلك مثلما نتابعها عبر المواقع والمدونات والصفحات والفضاءات الثقافية. إذ تعتبر خيوطاً عنكبوتية التفافية لا تنتهيnetwork . وعناصر النص تتداخل معاً لتتجاوز بعضها البعض طالما ثمة تكملة محتملة على الدوام. لن تتقابل معانيها كمترادفات معجمية خاضعة لإطار محدد. فالأعماق داخل الكتابة الافتراضية هي الآفاق القريبة والنائية للمعنى. لأنَّ ثمة نصوصاً ضمنية هي نفسها المخزون اللغوي والسيميائي الذي بالإمكان استدعائه. دوماً هي حاضرة لمجرد الاشتراك الدلالي مع الكلمات والتعبيرات والصور. وبهذا فإنَّ الشبكة العنكبوتية نصٌ واحد قادرٌ على الانزياح والتحول.
أما جوانب النصوص فهي الجيُوب الدلالية خلف كلِّ علامة. فليس هنالك إلاَّ الكثافة المتولدة من مرات المشاهدة والقراءات التفاعلية interactive readings. لنتوقع في أيَّة مرة نأتي النَّص سيكون لدينا جديد عن واقعه الافتراضي. فوجودنا الضمني جزء من انتاجه لمعانيه الآخذة في التشكُّل. بالتالي تعتبر النصوص الافتراضية مواداً متزايدة مع طاقة الوسائط والتفاعل. فـ"الفيس بوك" غداً نصوصاً بفضل التواصل عبر الفضاء المتخيل. وانتج معايير مختلفة عن التي يتعامل بها الناس خلال واقعهم المعيش. حتى وإن اعتبرها النقاد معايير ليست كافية.
الحقيقة أنَّ قارئاً إزاء ذلك يكتب بعين الوقت الذي يقرأ. لأنَّ القراءة حينئذ عمل خيالي هي الأخرى. ليصبح العالم كرؤى، ذاكرة، رغبات، غرائر، أموراً داخلنا في التو. فالنص لا يغيب، لا حدود له، لا خارج يند عنه. إنَّه يخترق مجالك المعرفي أينما كنت. لأنك بضغطة لمس- لا زر فقط- تستطيع تحويله غياباً وحضوراً وتهميشاً وتعليقاً ونقضاً وتقطيعاً وتوليفاً وتخييلاً. فهو طليق الدلالة إذ تتشكل مع اللا توقًع في فضاء ممتد. وبذلك اصبح النص ألعاباً لغوية لها شبقها وامتاعها.
ولأول مرة تصبح اللغة في حالة توحُد، تماهٍ مع طبيعتها المرغوبة لدينا مع إمكان الفكر. فليس ثمة كائن إنساني لا يتكلم، لا يكتب حتى وإنْ صمت. فاللغة تفترض سلفاً هذه القدرة على القول، الحرف، النقش، الدلالة. ذلك من جهة قدرتنا على التفكير. لماذا نتوقع من اللغة تلك الإمكانية القصوى؟
هذا الموضوع يطرح ما يلي: كيف نفكر من أقصى نقطة حول النص، أيِّ نص؟ ولماذا ستحطم صيغ النص الافتراضي المفاهيم التقليدية حول اللغة والمرجع والدلالة؟
أكبر إمكانية في النص الافتراضي سيكون الوسيط medium. حيث يلتبس بالخيال موضوعاً وفعلاً على نطاق المواد المطروحة. الوسيط في هذه الحالة ليس برانياً لكنه يسكن تصوراتنا المثيرة والمدهشة. وبخلاف النص الورقي الذي يشترط الخيال لا حقاً وبمثير ليس غيره المسؤول عنه، جاء الوسيط الافتراضي نصاً مع النص. فله هوامش تكوين المعنى من خلال عمليات التلقي.
والوسيط كخيالٍّ هو المعبر عن المجال الذي يتسم بمعالم: الإيصال، الخلفية، الآلية، الحامل، التقنية techne، الإجراء، المناورة maneuver، الاستراتيجية. جميعها لا تخلو من فن التوليف والتشابك والربط. وهذه العمليات بمثابة اكتشاف مهول لطاقة الوسائط الإلكترونية على الإنكتاب. حيث سيجيء الوسيط صفحة فضائية متخيلة وإضاءات وصوراً وأيقونات وشرائط إعداد وألواناً كتابية. كل ذلك بإمكانه تهيئة النقش الإلكتروني. لقد أزاح الوسيط ألواح الكتابة، البرديات، الأحجار، الجدران، القماش، الأوراق. وهذه المواد كانت ذات تاريخ بحسب السائد في أدوات النصوص وماهيتها وسلطتها. فالنص كان رمزاً لسلطة تراه معبراً في المقام الأول عن جوهرها. هكذا النصوص المقدسة والوثائق السياسية والعقود ذات الأهمية الاقتصادية والكتابات السرية للمذاهب والنِّحل كانت لها مادتها المخصوصة. وربما اختلفت المادة طبقاً لقوة السلطة وخطورتها في تاريخ النصوص. وهو ما يعكس كيف ستُقرأ لا حقاً؟ وما أهمية الاطلاع عليها من عدمه؟!
كان الوسيط الورقي – وهو الأكثر تطوراً- قريباً من الوسائط الأخرى. فظل في حيز مادي ملموس. جعلَّه مقيداً بالمكان والزمان؟ وإنْ كان انتشاره قد زاد إلى حدٍّ كبير. واحتمل آفاق القراءة وفقاً لضوابط وآليات شائعة. لأنَّ المادة عادة وسيط لإنتاج سلطوي. بحكم أن المؤسسات والأنظمة المعرفية لم تدعها متاحة بسهولة. فالأوراق كانت حاملة للحروف بزخم القُوى الدلالية الفاعلة اجتماعياً. وهما علامتان لنفوذ تلك السلطة الناعمة من وراء حجاب. فلم يكن الكُتَّاب رجالاً طلقاء دون مراقبة السلطة السياسية. كان الكتاب والوراقون يحظون لدى سلطة الأمراء والملوك والسلاطين في التراث العربي والاسلامي بمكانة قدرَ ما يوظفون انتاجهم المعرفي لخدمتها. كحال الشعراء والأدباء والمؤرخين والرحالة والفقهاء الذين ينامون ويستيقظون تحت ظلال الحكام. حدث ذلك مع المتنبي وأبي تمام والغزالي وابن رشد وغيرهم.
لدرجة أنَّ فيزياء النصوص، فضاء الكتابة وحركتها في التراث العربي أشياء لا تفهم بمعزل عن فيزياء السلطة. لأنَّ قوتها(النصوص) تكمن بقوى خارجها. تستطيع تدجينها وفرض قيود على انتشارها. وهذه جذور معضلة الرقابة في المجتمعات المعاصرة. وحتى بلاغتها جرت كبلاغة سلطة وعنف في المقام الأول. لقد كانت سلطة الأمراء هي المرجع الذي يسكن اللغة والخيال بحثاً عن الهيمنة على التداول اللغوي اليومي.
في النص الافتراضي تم تحرير الخيال إلى درجة بعيدة. وأية مجتمعات لا تحرر أخيلتها لن تجتر إلاَّ عبودية بغيضة. فالنص السابق يأتينا على نسيج الوسيط الإلكتروني. وهو بهذا خارج الهيمنة لعدة أسباب.
1- الفيزياء التي يحملها النص الافتراضي محددة فقط بمعناه وليس بقوة خارجية. الأداة فيها هي الخيال الفني القرائي. كما هي فيزياء لغوية إجمالاً. أي تنفتح المعاني باستمرار كلما كان انفتاحها حراً.
2- لا شيء خارج النص nothing outside the text كما يقول جاك دريدا. فهذا الوسيط بمواده يعتبر عالماً قائماً بذاته.
3- النص قابل للمقروئية readability الحرة بلا نهايةٍ.
4- النص ضد الاستهلاك لكونه غارقاً في عملية انتاج مستمر لذاته ولغيره.
5- القارئ ليس مرتبطاً بسياقه الذي أنتجه. فالعالم الافتراضي يخترق الحواجز إلى حيث الإنسان.
6- القراءة عملية مثيرة. وليس الحال كفيزياء السلطة التي تحدد سلفاً كيفية القراءة وأساليب الكتابة.
7- هناك التحور والتكيف والتفضية كأبعاد للنص. مما يعني فقدان السيطرة عليه.
8- الدلالات ليست واحدة ولا ثابتة. فالنص علامة تصويرية. والوسيط الالكتروني باستطاعته تجديد صورته من خلال الخلفيات والاعدادات.
9- هناك عمليات من التكرار والإعادة والحذف والتكوين ضمن مواد الوسيط. وبهذا لن يتقيد جسم النص بقوالب التأليف التقليدية.
المهم أنَّ ذلك أوضح تطابقاً بين الوسيط الافتراضي وعمل اللغة. فالأخيرة هي نظام دال يزودنا بما نريد من الأفكار والأخيلة والأوهام. يحضر في خلفية الكتابة والكلام مبرراً وجوده من القدرة على التدخل أثناء التواصل. فاللغة هي هذه الأسرار الصامتة وسط ضجيج الكلام اليومي. إنها التي تقوم بفرز محتويات العقل ومجالات التفكير. أليست هي -كما يذهب هيدجر- بيت الوجود language is the house of Being. وهي أيضاً صورة الحياة برأي فتجنشتين. لقد جاء النت، تلك الشبكة الخيالية، ترجمة خارج التوقع لتلك المفاهيم. ولهذا من يُرِد فهم الآلية النصية للعالم الافتراضي عليه التعمق في أبنية اللغة بكل جنونها.
الغريب أن اللغة العربية من أبرز اللغات التاريخية لكننا لم نستطع إلى الآن تحريرها من تراثها التقليدي. وهذا ما يجعلنا نفكر بذهنية سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيد وعبد القاهر الجرجاني. وحتى هؤلاء نأخذهم تقليداً واحتذاءً. فرغم التطورات المبدعة للنص الافتراضي لم نستفد من ذلك في قراءة التراث من منظور كوني خارج النِّحل والهويات القاتلة. ولم نطرح رؤى فلسفية تخاطب الإنسان كأنثروبوث(كائن ذو وجه) داخل العالم. فقط كانت لنا أقفية نكشفها للتطور الإنساني. السبب على ما يبدو أنَّ خيالنا مازال متحجراً. التقاليد قد أكسدته بعبارة الكيمياء. فالعالم الافتراضي ليس عالماً محنطاً وراء أضابير الماضي بل يتطلب تحرير العقل.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذراء الموت والنسيان
- لماذا يُفجِّر الإرهابيُّ نفسّه؟!
- الجسد في سينما داعش
- مسرحٌ بلا جمهورٍ
- آدم... والأسماء كلُّها
- عن اللامبالاة و الأنا مالية
- المِثْليّة السياسية
- ماذا وراء الاستعارات الدينية؟
- استعارات التأسيس الديني: كما لو As If
- النَّص الدينيُّ: كيف يتأسس؟
- بلا نهاية: أفيون الشعوب
- الأسئلة الملعونة في الثقافة العربية
- الإله على ورقة دولارٍ
- لماذا المرأة عورة...؟!
- الحريم في المجال العام
- الموت كفعلٍّ سياسيٍّ
- رأسمالية الوهم
- نهاية العمل أم نهاية العالم؟!
- حيوان الثقافة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي عبد العال - النَّصُ الافتراضيُّ: تحرير الخيال