أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر















المزيد.....

مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5074 - 2016 / 2 / 14 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن "منشورات لندن العربية" مجموعة شعرية جديدة تحمل عنوان "حين تبكي مريم" للشاعرة البريطانية-اللبنانية مريم مشتاوي. وقد ضمّت هذه المجموعة 42 قصيدة تتوزع ثيماتها بين المنحيين الذاتي والموضوعي. اتسمت غالبية القصائد بسِمات النص الشعري الناجح لجهة اللغة المكثفة، والبناء الرصين المغلق، والصورة الشعرية المُشذبة، والنهاية التنويرية التي تعْلق في ذهن القارئ.
قبل الولوج إلى الخصائص الأربعة المُشار إليها سلفًا لابد من التنويه إلى صدق التجارب الشخصية التي عاشتها مشتاوي وكتبت عنها بأمانه مفرطة تُغبَط عليها، فالصدق بشقّيه الواقعي والفني هو الذي يمنح النص أصالته، وفرادته، ونبضه الخاص الذي ينتمي إلى خالق النص ومبدعه من دون أن تجد شذرات الثيمة وتشظياتها في نصوص شعرية سابقة، بل يمكن القول بكثير من الاطمئنان أن بعض هذه الثيمات الذاتية هي ماركة مسجّلة باسم مريم مشتاوي لجهة خصوصيتها، وطريقة معالجتها المرهفة من الناحية الفنية بلغة شعرية رشيقة خالية من الترهل والتورمات اللفظية الطنّانة التي تُثقل كاهل الصورة الشعرية وتُربك آلية التلقّي عند القارئ العضوي الذي يتفاعل مع النص وينغمس في سوْرته الإبداعية.
إنّ مهمة الشاعر هي إثارة الأسئلة، لا تقديم الإجابات فلاغرابة أن تحتفي هذه القصائد بأسئلة استفهامية كثيرة قد لا تساعد الشاعرة على فضّ الغموض، والخلاص من الحيرة، لكنها تحضُّ على التفكير، وتنشِّط المخيّلة البشرية في أقل تقدير.
يتكرّر سؤال الرحيل غير مرّة في قصائد هذه المجموعة، وهو من دون شك سؤال وجودي قد لا نجد له جوابًا مُقنعًا لأننا نعرف سلفًا أن سبب رحيل الابن، وهو في عمر الزهور، يعود لإصابته بمرض فتّاك لا تنفع معه، إلاّ في حالات نادرة، كل وسائل الدفاع الطبية المألوفة، ومع ذلك ينبثق السؤال من فم الراوية مُستفهِمًا: "لِمَ رحلتْ. . . لِمَ؟" وكأنه غصّة أبدية لا تفارق الحنجرة المُختنقة على الدوام.
لابد لفراقٍ مُفجعٍ من هذا النوع أن يُفضي إلى العُزلة والتوحّد، ومتلازمة القلب المنكسر، ولابد للطريق التي تقطعها الراوية أن تكون طويلة وصامتة وكأنها تُدرِّب القارئ على الصمت المهيب الذي يتماشى مع فكرة الرحيل المبكِّر لطفل ملائكي المعالم نلمحه، كلما أغمضنا أعيننا، وهو يعوم ويلهو في فردوس سماوية زرقاء.
تزدان غالبية هذه القصائد ببنية معمارية رصينة بحيث تبدو القصيدة وكأنها وحدة متماسكة تشدّ بعضها بعضًا ولعل القصائد القصار الأقرب إلى شكل الهايكو هي خير نموذج لما نذهب إليه في الرصانة والتماسك كما هو الحال في قصائد "حُب"، "ذاكرة"، "بكاء"و "شيء ما". تقول الراوية في قصيدة "ذاكرة": "سأضرمُ النار بذاكرتي / ما عدتُ أريدها / ولكني / سأراقب الرماد المتطاير من بعيد". هذه القصيدة وغيرها من قصائد الهايكو التي أشرنا إليها توًا تعوِّل على ثيمة مهمة، خاطفة، تُسرَد بشكل برقي، لكن نهايتها، في الأعمّ الأغلب، تستقر في الذاكرة بسبب ومضتها أو نهايتها التنويرية المُدهِشة على الرغم مما تنطوي عليه من ألم ممضّ.
يجترح الشاعر الذي يعرف لغة أجنبية أو أكثر صورًا شعرية جديدة قد لا نجد لها مثيلاً في شِعرنا العربي ومردّ ذلك يعود إلى غنى الآداب العالمية بصورٍ ومعطيات غير مألوفة للمتلقي العربي ومريم مشتاوي تتقن اللغة الإنكليزية، إضافة إلى تخصصها الدقيق في اللغة العربية، الأمر الذي يمنحها مرونة التعبير ومطواعيته الناجمة عن تلاقح لغتين عالميتين أو أكثر .
يبلغ الوجع الإنساني ذروته في باقة من القصائد الذاتية مثل "عيد الأم" الذي يُوقِظ في داخلها كل أشكال الألم فلاغرابة أن تطلب الراوية المستحيل حينما تقول: "إمّا أن تعود أو أن يكفّ العيد عن المجيء. ." وكلنا يعرف بتعذّر عودة الراحل، واستحالة توقف الأعياد التي تُترى على مدار السنة.
تأخذ مشتاوي بتلابيب القارئ في بعض قصائدها المؤثرة التي تحاور فيها الأشياء الصغيرة للمَلاك الراحل مثل ملابسه، وأحذيته، ولُعَبه المفضّلة. وقد نجحت في ترميزها تارة، وأنسنتها تارة أخرى كما في قصيدتي "ليلة الذكريات الشتوية" و "الحذاء الصغير" حيث لعبت بطريقة فنية على لون قميصه "الأزرق الصيفي" الذي اشترته من "سوق العصافير" فاستحال إلى "أحمرَ" عند الغروب، ثم انقلب في خاتمة المطاف إلى اللون الأبيض الذي يُكفِّن الطفل الراحل في أبديته.
أما قصيدة "الحذاء الصغير" فهي مشحونة بالعاطفة الإنسانية التي تفيض على القارئ وتضطرهُ لأن يحلّ محلّ الأم المفجوعة التي تعانق حذاء صغيرها في مفتتح النص وتترك الحذاء يعانقها في الخاتمة وكأنه كائن بشري مُفعم بالشوق والحنين وهو يحتضن أمهُ الملتاعة على فراقه الطويل. إنّ هذه القصيدة على وجه التحديد هي قصيدة مغلقة لا تحتمل الحذف أو الإضافة لأنها مكتفية بذاتها ومشبّعة بألم الفراق الممضّ. وهي تشبه إلى حدٍ كبير قصيدة "كيف سأحتمل مجيء العيد؟" التي تقول فيها: "سأصرخُ بوجهِ كل لعبةٍ جديدة / وكل واجهة مزيّنة / سأصفعُ كل شجرةٍ تقف أمامي / وأقتلعُ الأجراس / وأحرقُ نفسي وسط الساحات الكبيرة". ولا غرابة أن تُنهي الراوية المفجوعة نصها نهاية مؤسية مريرة تُكمل فيها دائرة القصيدة الحزينة بسؤال تعجبي إنكاري يتفجّر ألمًا وانفعالا: " كيف تركتني / أُقطِّع ثياب الأعياد القادمة؟".
تصلح قصيدة "حورية" أن تكون نموذجًا للنص الشعري السلس، المنساب بعفوية كبيرة تآزرت فيه اللغة الصافية، مع الصورة الشعرية المرهفة، والنهاية التنويرية الذكية التي تنفتح على كل أشكال الدهشة التي فجرّتها الشاعرة في خاتمة هذه القصيدة الماكرة التي يمكن أن تتناغم مع عدّة ضمائر مُخاطَبة في آن معا. "وها أنذا حورية متعددة الألوان / تداعب شعابكَ المرجانية" .
تستلف الشاعرة مريم مشتاوي في قصيدة "المقهى البحري" أصداءً من ملحمة كلكامش لكنها تتفادى التناصّ مع أي حدث معروف. وإذا كان كلكامش قد دخل المقهى وتجاذب أطراف الحديث مع سيدوري فإن راويتنا المعاصرة قد اختارت أن تجلس مع القدر أمام المقهى وتضع أمامهما كوبًا من نحاس يرمي لهما الماروّن نقودًا معدنية "تصدحُ رنّتها داخل الكوب" لتثير خيالنا السمعي قبل أن تستفز مخيلتنا البصرية وكأنها تريد أن تستحوذ على معظم حواس المتلقّين أو أكثرها أهمية على أقل تقدير.
ثمة إحالات تاريخية ودينية وحضارية وردت في متون عدد من القصائد مثل "رحلة المجوس"، "والطبل الكبير بالاق"، "بُوابة عشتار" وغيرها من المُخصِّبات النصيّة التي تمدّ القصائد الجديدة بطاقة إيجابية قد تنقلها إلى فضاء إبداعي مُغاير تمامًا لكن استثمار الأساطير القديمة وتوظيفها في النصوص الجديدة يحتاج إلى خبرات فنية تفعّل القوّة الكامنة في النسغ الأسطوري بحيث تصبح مادته جزءًا من لُحمة النص وسداته وليست جسمًا طارئًا أو فائضًا عن الحاجة، تمامًا كما فعلت مشتاوي في قصيدة "المَعبد" التي كشفت عن طول رحلة المجوس ومشقّتها من خلال الراوية التي تخشى أن تخونها قدماها.
حري بنا أن نشير في خاتمة المطاف إلى أن مريم مشتاوي شاعرة متمكنة من أدواتها الشعرية التي لا تكتمل من دون القراءات المعمقة المتواصلة، والتجارب الحياتية المتراكمة، والإفادة من الأجناس الأدبية الأخرى، والانفتاح على عناصر الطبيعة التي تمثل معينًا لا ينضب لصورها الشعرية الرقراقة كالماء الزلال.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم داعش . . من النشأة إلى إعلان الخلافة
- مراعي الصّبَّار. . . يوميات ليست بريئة من الخيال
- سافروجيت. . بطلة شعبية تغيّر وجه العالم
- خِصال دستويفسكي في قالب روائي هندي
- (حديث في الممكن) ولعبة الاشتغال في ما وراء الفضاء التراجيدي
- سمبين . . رائد السينما الأفريقية وأعظم الكُتاب الأفارقة
- لا لملاعب الغولف في الجانب المُعتم من الخُضرة
- ثنائية الشرق والغرب في غربة الياسمين
- قصة كردية تمجّد ثقافة السلام في فيلم اتبع صوتي
- قراءة نقدية في مراحل الرواية العربية المُغترِبة
- الجانب المُعتم من الخُضرة
- جوائز مسابقة يلماز غوني في مهرجان الفيلم الكردي
- التعالق النصي في قصص الرجوع الأخير لمجدولين أبو الرُّب
- بطولة المدينة وتنوّع الساردين في رواية -صنعائي- لنادية الكوك ...
- الرسالة الأخيرة بين المنحيين التاريخي والدرامي
- لماذا غاب أتاتورك في فيلم الرسالة الأخيرة لأوسان إيرين؟
- السينما أجمل شيئ في حياتي وأتمنى أن أكون راويًا للقصص
- ضفاف أخرى . . . رواية تمجّد الثقافة وتنبذ الكراهية والعنف
- قراءة نقدية لأربعة أفلام روائية قصيرة في مهرجان لندن للفيلم ...
- أفلام روائية كردية تستلهم قصصها من السجون التركية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - مريم مشتاوي ومتلازمة القلب المنكسر