أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - صوت وردة الجزائرية ..بين الشهوة الحسية ومسمار النجار














المزيد.....

صوت وردة الجزائرية ..بين الشهوة الحسية ومسمار النجار


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


((إلى صديق الطفولة والصبا والدراسة الفنان مازن المنصور ))

لا أدري وأنا أمتع ليلي الخريفي بلقاء جميل قدمته محطة MBC مع الفنانة الساحرة وردة الجزائرية في برنامج أسمه ( دندنة ) .
تذكرت ذلك المقال الغريب والممتلئ فنا وثقافة وسياسة الذي كتبه المفكر الفلسطيني ــ الأمريكي الجنسية إدوار سعيد عن واحدة من أساطير الفن العربي ( الراقصة تحية كاريوكا ) وكان عنوان المقال ( تحية إلى تحية كاريوكا ) وتحدث فيه عن عصر كامل من رؤى مجتمع مليء بشتى غرائب الحياة بتصنيفاتها . مجتمع مصر ، أيام الملك فاروق وبعده الرجل جمال عبد الناصر .
كان المقال مكتوب بفنتازية السريالية الواضحة . لكن قدرة النص تكمن في دهشة الربط بين فكرة الفنان حين يكون أساسيا في فعل الحياة وبين نوعية هذا الفن . فقد كانت تحية كاريوكا مجرد راقصة لكنها في هذا التعبير الجسدي ربطت ذاكرة جيل كامل إلى خصرها ونحافتها ولذة رقصها رغم أن ( الحاجة ) تحية كاريوكا توفيت ووزنها حوالي مائة وخمسين كغم .
أستعيد لذة المقالة وأنا أشاهد ( اللقاء المتعة ) الذي صورته MBC مع وردة الجزائرية وأتذكر قولا لنجار فطري وبسيط من أهالي مدينة الشطرة ( جنوب العراق ) قوله : المسمار لا يسير في الخشب جيدا إلا عندما يسمع صوت وردة .
هذا يعني أن صوت وردة بدفئه وسحره ونبرته الأيقونية الدافئة وفخامته الحنجرية المغطاة بلذة السمع ونشوة الذبذبة يمنحه قناعة عميقة إن الجمال يدفع حتى الأشياء الجامدة لتمشي جيدا وبسلاسة .
ترتبط طفولتي بصوت وردة الجزائرية في بذرة مشرقية تسمى في مصطلحات السياسية ( الوعي الوطني ) حيث يرتبط شجن المخيلة والتذكر بصبا صوتها القوي والمؤثر عندما كنا صغارا ونحضر عروض الأفلام السينمائية حيث ليس هناك في المدينة التي تحوي عشرة آلاف بيت سوى عشرة تلفزيونات في بيوت الأثرياء . وكانت لكل فيلم مقدمة لخمس دقائق ومن بين هذه المقدمات كان اوبريت محمد عبد الوهاب ( وطني حبيبي الوطن الأكبر ) الذي تهدجت بالكبرياء فيه أصوات عمالقة الغناء العربي ( عبد الحليم حافظ ، نجاة الصغيرة ، فائدة كامل ، وردة الجزائية ، وصباح ) .
يومها كانت وردة تمسك سني صباها بحنجرتها الفتية وكان بلدها الجزائر لازال يختمر في فرن الثورة ليتخلص من( الفرنسة ) الذي قال عن وضعهم كامو بعد إكمال روايته الغريب ( إنهم يأخذون الشرق إلى متاهة العدم ) ..
منذ تلك اللحظات وبراءتها الشفافة خزنت صوت وردة الجزائرية بمؤثره الروحي والرومانسي والثوري أيضا وظللت ألاحق صوتها في الحاكي الصغير الذي ملكناه بعد طول عناء لأشعر أن وجعا من لذة التشوق تسري في أعضائي كلها وأنا أتشبع مبهورا بسهراتها الطويلة وأغنياتها التي بدأت تطلق رومانس الدراما بهمس قوي ومؤثر يهيج كل ما في باطن ( أولاد الحلال ) .
ظهرت وردة وأمتعتنا ثم أختفت زمنا طويلا وقيل أنها تزوجت من رجل أعمال فرض عليها أن تسكن صوتها في صندوق النسيان . ولأن الأصوات الرائعة ليس ملك أصحابها بل ملك ( مسامع الإنسانية ) لكن أحدا لم يتجرأ ويطالبها أن تعود لشجن الفقراء والعشاق وكاد النسيان أن يلفها لولا إنها انتفضت لصوتها مرة أخرى وعادت برفقة الملحن الكبير بليغ حمدي لتقدم حداثة طربية ولتتسلق السلم مرة أخرى في مغنى جميل ولتدخل وردة دائرة الضوء بحس يورق ( المشوَقة ) ( والموسقة ) والحنان كبير .
أيام الحرب . كان الجنود يمسكون الحياة بخيوط الأغاني . كانت الأغنيات على تعدد الأذواق والمناشئ والحناجر تقربُ المدن إليهم وتجعلهم ينامون حينا في أحضان أمهاتهم وحبيباتهم ومن بين هذه الحناجر كان صوت وردة الجزائرية يطلق أثير العشب والحدائق والحب والحنان والدمعة والموت والحرب والغربة ورسائل الأهل وقبلات المراهقات الحارة والرسائل الغرامية وحرارة الجرح والرصاص والثلج وشمس الجنوب وحافلة الأجازة وصوت الينابيع ونايات الرعاة وقراءة الروايات وكل هواجس الحرب . كان صوت وردة يجمعها في آنية واحدة ونشربها جرعة واحدة وننام لنحلم بنهاية الحرب.
كنت دائما أعتقدُ أن الأغاني الجميلة تعاويذ المتفائلين . وكنت من الذين يتفاءلون بصوتها . بحدته ، وبمساحته النغمية ، بقوته ، بخامته ، وبشجنه الطربي الذي يوقع على الرأس صخرة سيزيف فلا نتألم لأن الغناء بعذوبته المشحونة برومانس الموسيقى يمنحنا قدرة التنويم المغناطيسي مادام المسمار لا يمشي في الخشب جيدا إلا عندما يسمع وردة كما يقول النجار الشطري .
بدت وردة الجزائرية في لقاء MBC مشرقة ومحتفية بجمالها روحا وجسدا رغم عمرها الذي يكاد يكون عمر مقدمة البرنامج الساحرة في الأداء والغنج بعمر إبنتها . لكنها تفوقت بجمالها وتواضعها وبساطة أجوبتها وصعدت بحنجرتها وهي ترافق اداء المايسترو الذي يجاذبها الحديث مشاركة مع مقدمة البرنامج الجميلة صعدت إلى مستويات اداء ساحر لترينا فكرة أن يكون الفنان الكبير ببساطته كبيرا وعظميا ومرتقيا على كل أضواء شهرته ونجوميته .
كان لقاء MBC مع الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية فرصة لمن يمتعه صوتها ليستعيد كل الذكريات التي فارقته بسبب مواجع الحياة ومحطاتها الملونة والكثيرة وكان صوتها يؤرخ لثقافة عصر من التذوق والإحداث وأهمها ماكان قد وقع في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي . قرن القمر والحروب الساخنة والباردة .
كان وردة صوتاً للحياة التي نتمناها . تلك التي تجعلنا ننام ونحن مطمئنين على رغيف الغد .



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصة في الكلام
- خيوط الفجر
- غيوم أكتوبر ... إلى صديقي الطيب فهد ناصر
- طغراء بن بطوطة
- دهر في بنجوين..دهر في كردمند ..دهر في دمعة أمي
- أوجلان يؤدي التحية الى عبد الله كوران
- إلى فوكنر والجنوب ..والهاجس الصعب
- هواجس قبل بيان الرؤية الشرعية لهلال العيد
- كوخ الطين وكوخ وردة عباد الشمس...نص ضد حرب انفلونزا الطيور
- ميثولوجيا الأهوار ..الأهوار وذاكرة المثقف ..بين مخيلة الأسطو ...
- قصة قصيرة جدا 12
- ميثولوجيا الأهوار..وزارة الموارد المائية والأمانة الوطنية في ...
- الماني يرطن بالكردية وياباني يتحدث بلهجة بغداد ..وانا بلغة ا ...
- قصص قصيرة جدا
- قارئ الجريدة والكشوفات الجديدة
- مندائيات
- ميثولوجيا الأهوار ... الأهوار في عيون المستشرقين والرحالة .. ...
- ثوب المسيح أكمامهُ قصيرة ..ثوب المطر أطول قليلاً
- بالرمل لا بالخيمة تلوذ الحياة
- عود الفارابي


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - صوت وردة الجزائرية ..بين الشهوة الحسية ومسمار النجار