أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مسعود محمد - شو يعني حريه ... هربت من حمّام الدَّم بسوريا















المزيد.....

شو يعني حريه ... هربت من حمّام الدَّم بسوريا


مسعود محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5057 - 2016 / 1 / 27 - 08:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حكايات البحر واللجوء ، هي حكايات حقيقية وليست حكايات الف ليلة وليلة، ابطالها أناس حقيقيين من لحم ودم، احلامهم تراوحت فيما بين الخبز، الأمن، والسلام، والحب، والعيش بكرامة وانسانية. بعضهم معني بثورات الحرية أراد ان يكون ريشة تضيف للوحة الوطن لوناً مميزاً يشبهه، والبعض الآخر كان مجرد مواطن صالح خنقه الوطن بفساد حكامه، وكانت وطئة الجزمة العسكرية ثقيلة على صدره، سمع صوت صرير عظامه تحت تلك الجزمة، فهرب الى حيث يمكنه ان يتنفس بحرية، بعض ابطال قصصي خافوا هناك في الوطن وحملوا خوفهم معهم، وطلبوا مني عدم نشر صورهم وأسمائهم، والبعض الآخر أراد ان يحكي قصته ويزينها باسمه وصورته التي تشبه الوطن. سأروي لكم اليوم قصة شاب سوري يدعى جمال، سألني ببداية حديثي معه شو يعني حرية أستاذ؟ وكان يتسائل اذا ما كان بوصوله الى أوروبا قد حصل على حريته!!
التقيت جمال في احد المطارات الأوروبية كان قد قضى في المطار عدة ايامٍ بلا استحمام وبلا نوم، بانتظار تحويله الى المعسكر، كان يقول ساخراً كل هذا المطار فندق لي، وكل هذه الكراسي أسرة لي، اختار في كل ليلة جناح جديد، قال لي " بتعرف شو يلي ملبكني يا أستاذ" انتظرت جوابه بذهول قال لي "الشنطه" لم افهم سألته عن قصده؟ قال لي "أخاف ان تسرق علي ان أبقيها قريباً مني" سألته ان كان فيها اي شيء ثمين قال لي نعم أغلى ما أنتجه عالمنا العربي ولم يقرأه "كتب" وفتح حقيبته وعرض كتبه وأوراقه وأقلامه متباهيًا بها". كان يحصل يومياً على قطعة بيتزا ونصف ليتر من ماء الشرب، لم تكن كافية لتغنيه عن جوع الا انه رغم ذلك كان يهب قطعة منها لمن شاركوه رحلة البحر واللجوء دون تردد. شاب في مقتبل العمر، مندفع، محب، ومعطاء يشبه بلده سوريا. قال لي انا ابن داريا، خفت من حفلات التعذيب التي كان يتعرض لها شباب منطقتنا، فإذا لم تكن تحمل السلاح مع النظام هذا يعني انك مع الحرية وضد النظام. سألني ان كنت سمعت عن "قيصر" قلت له ومن هو قيصر هذا قال لي " قيصر هو الاسم الذي أعطي لمصور في الشرطة العسكرية السورية انشق وهرب خارج البلاد ومعه 55 ألف صورة لـ11 ألف ضحية تم تعذيبها في سجون النظام السوري حتى الموت". وقال لي جمال أيضاً " وتم تحليل تفاصيل 150 صورة بواسطة الخبراء، وأشار التقرير الذي أعدوه إلى أن 62% من الجثث بدت شديدة الهزال، مما يشير إلى أنهم تعرضوا لعمليات تجويع قسرية، وأغلب الضحايا من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً". قال بلهجته الشامية " الخوف مو عيب يا أستاذ الحكي مو متل الشوف، ويلّي بياكل العصي مو متل يلي بعدها، هربت من خوفي".
سألته اذا كان ضد "النظام" ومع "الحرية" قال لي بعفوية "شو يعني حريه دخلك، انا زلمه بسيط لا افهم بالسياسة، بتعرف ليش هربت، قول للناس انا هربت من حمام الدم". وماذا عن النظام هل هو جيد قال لي "شو المنيح فيه دخلك، انشاء الله مفكر هي اول مجزره بيعملها النظام، انا كنت صغير، ولكن الأهل يخبروننا عن مجزرة حماه، حتى لا ننساها ولتنتقل معنا بذاكرتنا ونخبرها نحن لأولادنا ليعلموا ماذا فعل بنا هذا النظام" هذه ليست اول ولن تكون آخر مجزرة. اكبر صدمة كانت لي اثناء أحداث القامشلي في عام 2004 وقعت بتاريخ 12 مارس/آذار عام 2004 في مدينة القامشلي السوريّة (أقصى شمال شرق سوريا) ذات الغالبية الكردية وأدت إلى مقتل العشرات من الأكراد وأفراد الأمن إثر مباراة كرة قدم بين فريق المدينة نفسها (الجهاد) وفريق المحافظة المجاورة دير الزور (الفتوة). حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين الأكراد وبعض العشائر العربية سرعان ما تدخلت فيها قوات الأمن السوريّة، ثم امتدت الاضطرابات إلى بقية المدن التي فيها أكراد واستمرت 6 أيام. تعتبر هذه الأحداث من أسوأ الاضطرابات التي شهدتها المناطق الكردية في سوريا، وكانت حصيلة المواجهات 40 قتيلا وفق مصادر كردية، و25 قتيلا وفق حصيلة رسمية سوريّة، ومئات الجرحى، ونحو 2000 معتقل كردي وفق مصادر الأكراد مع ادعاءات عن تعرضهم للتعذيب من قبل أجهزة الأمن السوري، وما رافقها من هجمة إعلامية موجهة. اتهمت الحكومة السورية جهات كردية خارجية بتحريض من الولايات المتحدة بدعم المتظاهرين لفصل منطقة القامشلي عن سوريا. كنت حينها جندي بالخدمة الالزامية، وكنت اخدم في القامشلي بوحدة حفظ النظام، يومها قيل لنا ان نطلق الرصاص الحي على الناس لأنهم تمردوا ويريدون تقسيم سوريا لأكتشف بعد ذلك ان اكبر مطلب عند الكرد كانت اعتبارهم مواطنين سوريين واعطائهم الجنسية التي حرموا منها ظلماً، وسمعت كلام عن أراضي أخذت من الكرد وأعطيت للعرب السوريين، يومها اكتشفت ان مواطني سوريا ليسوا سواسية الا بقتل النظام لهم من يومها فهمت انو نحن شعب واحد بسوريا يوحدنا موتنا ببندقية النظام، كان المطلوب من حينها الاعتراف ببيت الأسد آلهة ممنوع علينا معارضتهم. هذا النظام يعتقد انه بحق ملكيته للأرض والبشر هو قادر على قتل السوري بغض النظر عن كونه كردي أو عربي، وهذا لا يعني انه لن يقتلك إذا كنت علوياً من ملته، أو من أحد أقليات سوريا التي يتباهى بالدفاع عنها، لا مقدس في سوريا الا "العائلة" وأقصد بذلك "عائلة الأسد".
لمن لا يعلم تعرض الكرد لظلم تاريخي في سوريا سحبت منهم فيه جنسياتهم وأعطوا لقب اجنبي وصودرت أراضيهم الزراعية واستوطن فيها مواطنين سوريين عرب وأعطوا حق زراعة واستثمار أراضي الكرد مما أسس لسياسة تعريب خلقت جرحاً قادر على ان يخلق كل يوم انتفاضة جديدة ويجعل الخصومة بين الكرد والعرب السوريين قدراً لا هروب منه. كان للتعريب والحزام العربي الذي صادف 24 حزيران 2014 الذكرى الواحدة والأربعون له اثر اجتماعي وسياسي بالغ الخطورة اذ واجه عشرات الآلاف من الفلاحين الكرد في سوريا أحداثاً مأساوية ومصيراً مجهولاً.
لم تكن سوريا يوماً أرضاً خاليةٍ من البشر، ولم تعاني أبداً من اي فجوة حضارية ليتم املاء فراغها السكاني لاحقاً. لم يتبخر في عهد من العهود سكانها، ولم يتفرق ابناؤها حسب كل المعطيات التاريخية، إنما جسد المجتمع على ارض سوريا أقصى درجات التنوع والتلاقي الثقافي.
وصلت الى مطار لبنان بعد دفع رشوة على الحدود اللبنانية السورية، ومن مطار بيروت الى الجزائر. الرحلة منسقة من قبل شبكات تهريب محترفة، تنقل البشر إما عبر زهران ووديان مغنية الى المغرب ومنها الى اسبانيا، وإما الى تونس ومنها الى ليبيا. لماذا الجزائر، لأن السوري لا يحتاج الى فيزا لدخولها بجوازه، عند الوصول اتصلت برقم هاتف أعطي لي في لبنان من قبل المهربين، قلت له أنا فلان، لديه لوائح بأسمائنا، وهو بدوره يعطيك رقم آخر ليتم ترتيب لقائك بشخص ينقلك الى نقطة التجمع الأولى، اعطانا عنوان مسجد معروف وصلنا اليه، وأعدنا الاتصال به، لم يقترب مني الدليل إلا عندما تأكد أنني لوحدي، من المسجد كان انتقالي الى فندق، بقيت فيه يومين، تدبرت فيهما معيشتي بنفسي. بعد يومين في الفندق وصلني اتصال طلب مني ان أكون جاهزاً عند الفجر لإكمال الرحلة وإكتشفت انني لست المهاجر الوحيد في الفندق، انتقلنا بسيارة مع سائق مرسل من الجماعة، الى تونس الخضراء، يوصلك ويتركك في منطقة معروفة من المهربين، حيث من جديد تتصل برقم معطى لك ويتم ترتيب اللقاء ونقلك الى منزل خاص بالمهربين، يدعونه دار ضيافة تدفع فيه مصاريف منامتك وأكلك، يومان في تونس الخضراء دون ان يتسنى لنا ان نرى خضارها، كان الخروج ممنوعاً. فجر اليوم الثالث اوقظنا من النوم دون إنذار لنبدأ رحلة موت حقيقية نحو ليبيا بسيارة دفع رباعية عبر الصحراء، كان السائق يقود السيارة بسرعة جنونية، وكنا بالكاد نمسك انفسنا من الوقوع من السيارة، وانا أجزم انه لو وقع أحدنا من السيارة لما فكر السائق بالوقوف لإنقاذه، لكان تركه هناك لتبتلعه الصحراء، كان كل همه ان يفلت من دوريات الأمن، لم يكن يفكر الا بسلامته الشخصية، المحطة الليبية الأولى كانت مصراته. بقينا فيها يوماً بعهدة المهربين، وبعد ذلك من مصراته الى المحطة الثانية في ليبيا كانت بن غازي التي مكثنا فيها 12 يوماً ليكتمل العدد المطلوب لانطلاق السفينة، حجزنا خلالها داخل أحد البيوت وكان ممنوع علينا الخروج، في اول خمسة ايام تكرم علينا مضيفنا بوجبتين عبارة عن معلبات، أما الأيام التالية فعشنا فيها من قلة الموت كان صوماً ملزماً لنا من المهرب وليس من الله، هي وجبة واحدة لا تغني عن جوع، والبكاد تبقيك حياً.

الصعود الى السفينة:
كان الصعود الى ما سمي زوراً سفينة، في الثانية فجراً، هو بالكاد يكون زورقاً، لا أريد ان أتذكر كم الإهانات التي تعرضنا لها من أولئك المهربين لحظة صعودنا للزورق، شرد قليلاً وقال هم تجار ارواح، لو نطق أحدنا بما لم يحبوا لقتل على الفور ورمي في البحر ليصبح طعاماً للأسماك، نحن بالنسبة لهم بضاعة، تنتهي صلاحيتها ويمكن الاستغناء عنها، لحظة يقبضون منك مصاريف الرحلة، ولن تصل للزورق ما لم تكن قد دفعت المبلغ كاملاً. الوجهة إيطاليا كان الزورق مهترىء، وهذا ليس بالمشكل الكبير لهم فمن يسأل عن سلامتك، طالما كل من على السفينة دفع المبلغ المطلوب منه فلا مانع من أن تغرق السفينة بمن فيها، ويتحول الركاب الى طعامٍ للسمك. مجموعة جمال كانت أولى الواصلين إلى الزورق الخشبي كما اعتقدوا، وهنا يتحدث جمال مندهشاً مما اكتشفوه على متن القارب: "بدأت المراكب المطاطية تصل تباعاً نحو المركب حتى بلغ عدد الذين على متنه نحو 300 شخص بين رجال ونساء وأطفال "سوريين وفلسطينيين سوريين"، لكن المفاجأة أن المركب يحوي طابق سفلياً، اكتشفنا لاحقاً أن فيه 300 آخرون سبقونا وجمعيهم أفارقة، ليصل العدد في المركب إلى نحو 600 شخص في مركب لا يستوعب بأقصى حالاته400 شخص"، يتذكر جمال هذه اللحظات متحدثاً عن جشع أفراد العصابة: "وزعت عصابة التهريب أقل من 100 سترة نجاة برتقالية اللون علينا قبل صعودنا للمركب، فيما بقي نحو 500 آخرون دون هذه السِتر، أصبحت الأجواء مشحونة تماماً لأن أفراد العصابة بدأوا يصرخون طالبين منا الجلوس والتزام الصمت وعدم المناقشة، في الوقت الذي لم يبق فيه سنتيمتر واحد فارغ على متن المركب، فاقتنع أفراد العصابة أن المركب لم يعد يستوعب أي شخص على الإطلاق". لاحقاً غادر جميع أفراد العصابة الزورق الخشبي عائدين نحو الشاطئ بالمراكب المطاطية الصغيرة، وأدار سائق المركب "تونسي الجنسية" المحرّك وانطلقت الرحلة عند الرابعة فجراً، وأصبح 600 شخص بين نساء ورجال وأطفال على متن مركب بدائي مهترئ، تبلغ أبعاده نحو 18 متراً طولاً، بعرض 4.5 أمتار، يخوضون البحر في مركب غير مجهز بأدنى وسائل النجاة في حال حصول طارئ. انطلق الزورق يتهادى بالبحر " على ما يقدره الله" وهل لنا نحن السوريين غير الله لا تنسى شعارنا الأشهر في الثورة " يا الله ما النا غيرك يا الله". بدأ الزورق يرقص مع موجات البحر رقصة الجنون الى ان انطفىء المحرك اللعين، كان على المركب من هو مكلف بإصلاحه اذا لزم الأمر بقي يحاول لمدة ساعةٍ كاملة الى ان نجح وعمل المحرك فانطلق فينا في البحر ساعة أخرى بهدف الخروج من المياه الإقليمية، والوصول الى المياه الدولية، لأن بوارج الحلف الأطلسي المكلفة بمساعدة زوارق التهريب المتعثرة لن تتدخل اذا كنا داخل المياه الإقليمية الليبية، الى ان توقف الزورق من جديد، الا ان هذه المرة كان من المستحيل إصلاح المحرك فلقد هبت النيران في المحرك وأطفئناه بصعوبة، تسربت المياه الى كعب الزورق وتضايق الأفارقة، واشتكوا من نقص الأوكسجين إلا انه للأسف لم يكن هناك مكان لاستيعابهم على سطح الزورق، صرنا نتعاون على إخراج المياه من كعب الزورق ونرميها في البحر من جديد في عتمة الليل الشديدة، وكأن تلك المياه كانت مياه غسلنا الأخير قبل ان يبتلعنا البحر في بطنه، كان البعض منا يقرأ القرآن والآخرين يناجون الله، والأفارقة يبتهلون بصلواتهم للسيدة العذراء والسيد المسيح ليهبوا لنجدتنا، كنا نتضرع الى الله ان نكون في المياه الدولية، حتى تعثر علينا البوارج الإيطالية، كانت ساعتان توازيان العمر ثقيلتين مرت ببطء شديد قبل ان تعثر علينا البوارج الإيطالية، كنا محظوظين، كان لنا في العمر بقية، نقضيه حصرة على وطن تركناه خلفنا يحترق كقلبنا. قال لي جمال قد اقضي بقية عمري شوقاً لوطن لن اراه ثانيةً، كان موقناً ان نهاية الأزمة ليست قريبة، وأن الشر متحكم بسوريا. التفت البارجة الإيطالية حولنا وحاول القبطان الفكاك من قبضة رجال الأمن الإيطاليين بالدخول بيننا والتصرف كراكب، فشل بذلك كان لدى الإيطاليين معلومات عن القبطان، ويملكون صورة له. ويعرفون انه من تونس، سألته وكيف ذلك؟ قال لي يبدو ان هذا القبطان قد اصبح يعرف الكثير وبالتالي كان لا بد من التخلص منه إما بقتله، إو بتسريب معلومات عنه ليتم اعتقاله، في هذا البحر الهائج بالحكايات والمهاجرين لكل منا تاريخ صلاحية ينتهي عندما تنتهي مهمته. عن كلفة الرحلة قال لي جمال، انه دفع 2000 دولار ليعبر الحدود السورية الى لبنان، و500 دولار ثمن التذكرة الى الجزائر، و200 دولار كلفة الإقامة يومين في الجزائر، و300 دولار كلفة النقل الى تونس و600 دولار كلفة الانتقال عبر الصحراء من تونس الى مصراته، و1000 دولار كلفة الانتقال من مصراته الى بن غازي، و2000 دولار كلفة الصعود الى الزورق، لتصبح اجمالي كلفة رحلة الموت 6600 دولار.
أرسلت البارجة زورقين صغيرين على متن كل منها ثلاثة بحّارة، وبدأوا بنقل الأطفال والنساء أولاً، ثم الرجال إلى البارجة، التي توقفت بعيداً عن المركب مسافة تقدر بكيلومتر، واستمر إخلاء الناس نحو ساعتين من المركب البدائي إلى البارجة، التي بقينا على متنها 3 أيام اذ صادف ان عثر علينا في عطلة نهاية الأسبوع، حيث يستريح البحَّارة يوم الأحد كما استراح الرب في اليوم السابع، بعد ذلك أبحرت بنا البارجة يومين الإثنين والثلاثاء، لتصل بنا يوم الأربعاء إلى الشواطئ الإيطالية، كانوا بحاجة لتلك الأيام على ما أعتقد للتحضير لاستقبالنا، عند الوصول كان هناك عشرات رجال الشرطة وسيارات الإسعاف بانتظار 600 شخص كانوا على شفا حفرة من الهلاك، وعانوا ما عانوه، ليصلوا إلى الحرية أرض أوروبا. عند الوصول الى المرفأ ركبنا الباصات وأخذنا الى مركز لأخذ بصماتنا، وبقينا يومين في منطقة تجمعٍ تفتقر الى لكل ما يمت الى الانسانية، لا مراحيض ولا مكان للاستحمام، ولا طعام، ولا ماء للشرب. وصلت لعندنا بعثة الصليب الأحمر، فرق قلب رئيس البعثة وأمر باحضار الماء والطعام، فكادت ان تحصل معركة بين الركاب الجياع للحصول على بعض الطعام الذي لا يكفي لسد الرمق. كنا نقضي حاجاتنا في مراحيض محطات القطار وما تكاد تدخل الحمام حتى يقرع الباب عليك لتسرع بالخروج فهناك من ينتظر بالصف لإستخدام الحمام من بعدك. يومان يساويان سنتان، كنت اذكر فيهما أمي وحنانها في كل لحظة، كان وجه أمي في لحظات الشدة هو وسيلتي للصبر. بعد ذلك تركنا الطليان لقدرنا، دون تأمين أي مسكّن أو أي مساعدة، همنا على وجهنا، وسمعت بعض الشباب يتحدثون عن الذهاب الى ألمانيا، سألتهم كيف السبيل قالوا لي بالقطار، اشترينا التذاكر، وركبنا القطار باتجاه ألمانيا، برحلة استمرت ثماني ساعات أوصلتنا الى ميونخ. كان البوليص الألماني يراقب مداخل القطار، ويطلب الأوراق الثبوتية من كل من يشك انه لاجىء، لم أعطهم الفرصة تقدمت منهم وقلت لهم أنا لاجىء من سوريا، تم أخذي لمركز الشرطة لأبدأ رحلة جديدة دخلت فيها بصراع مع المحكمة لمدة ستة شهور، حتى لا أعود لإيطاليا، فحسب قانون دبلن، عليك تقديم لجوئك السياسي في اول بلد أوروبي تطىء فيه قدماك اليابسة، خسرت القضية وتم ترحيلي الى إيطاليا التي وافقت على استعادتي وإعطائي حقوقي كلاجىء، نمت في المطار عشرة أيام ايام على الكرسي بانتظار ان تجد لي الحكومة الإيطالية معسكراً اسكن فيه لحين النظر بقضيتي. خلال هذه العشرة أيام لم أحصل في اليوم الواحد سوى على قطعة بيتزا ونصف ليتر من الماء. لم يحصل لا هو ولا أي لاجىء آخر على حقوقه أو المساعدة القانونية، لا بل قيل له بالمطار بعد كل ذلك الشقاء، يمكنك الخروج والعودة من حيث أتيت، لم يكن ما يحصل هو لسان حال كل إيطاليا، كان هناك صراع والشارع مقسوم، قامت منظمات جماهيرية إيطالية، بحملة دعم لحقوق اللاجئين رفعت شعار " عليك ان تقرر أين تقف مع حق اللاجىء أم مع النظام الذي يدعي حقوق الانسان ويحرم اللاجىء من صفته كإنسان"، كان المعسكر الذي نقلت اليه بعد عشرة أيام بمنطقة جبلية نائية على الحدود السويسرية، كان معسكرا مؤقتاً يعتبر كدار ضيافة مؤقت لحين انتقالنا الى معسكر رسمي، استقبلتنا مالكة الفندق الذي حول الى معسكر مؤقت وقرأت علينا حقوقنا وكأننا سجناء ندخل معسكر توقيف. الفطور في التاسعة صباحا ملعقتين من اللبن وثلاث قطع خبز صغيرة وكوب قهوة، أما الغداء فهو صحن صغير من الباستا، وسلطة هي عبارة عن قطع من الملفوف الناشف، العشاء كان خفيف ظريف صحن آخر من الباستا وقطعة خبز وقليل من السلطة وكانوا أحياناً يكتفون بإعطائنا قليل من الجبن المر، وقطعة خبز. قالت لنا تلك العجوز عندما قلت لها ان الطعام قليل " أنتم ميتون من الجوع في وطنكم وهنا تتذمرون من الطعام الذي تحصلون عليه" قال لي جمال بلهجته الشامية المحببة " المسكينه ما بتعرفنا عينها تشوف شلون كان جمال وأخوه ياكلوا نص خاروف، الله يلعن يلي شردنا وجابنا لهيك بلاد، هاي هي الحرية أستاذ، ما بتصور، هاي مو حريه"، هرب جمال من إيطاليا قاسماً ان لا يأكل الباستا ما دام حياً وحصل على اللجوء في بلد أوروبي آخر أقل قسوة. كان مقتنعاً ان المعايير الأوروبية مزدوجة، وان اولاد الشرق لا تنطبق عليهم معايير حقوق الانسان بالنسبة للغرب، هم بأحسن الحالات فئة ارقى من الحيوانات الا انها لا ترتقي الى مصاف الانسان.



#مسعود_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كربلاء باكستان ... قصص البحر واللجوء
- ميشال سماحة ... مرشح الاسد للرئاسة اللبنانية
- لعمل جبهوي واسع ... طهران مقابل مضايا
- 2015 خطوة الى الأمام خطوتين الى الوراء
- مطران الانسانية ... غريغوار حداد
- ايران تعيش بثروات الأهواز ... انا عربي ولست فارسي
- جبران ... قتله قسم الوحدة
- المستقبل والقوات ... تفريط بالسيادة والاستقلال
- بيار امين الجميل .... كلنا للوطن
- ايران تعدم معارضيها ... والغرب يتجاهل
- حسين همداني ... مجرم باعتراف النظام
- دواعش الكرد
- روحاني روح النظام ... إعدامات بالجملة
- سيدي هاني فحص ... طال ارتحالك ما عودتنا سفرا
- حزب الله سرق الإنجاز ولكنه لن يسرق التاريخ .... جمول
- أمريكا كروسيا وايران ... لا تريد إسقاط داعش
- بيجاك ... الكونفيدرالية والديمقراطية لإيران
- علاقة PKK بايران بعد كوباني ليست مثل قبل كوباني
- بالاني القيادي في كومله الكردستاني ايران الدول العربيه انبطح ...
- خامنئي أمر باغتيال د.قاسملو ... حزبه باق والنضال مستمر


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مسعود محمد - شو يعني حريه ... هربت من حمّام الدَّم بسوريا