أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - أحمد سعيد قاضي - في تناقض التناقض: الخطاب الفلسطيني المنقلب على ذاته















المزيد.....

في تناقض التناقض: الخطاب الفلسطيني المنقلب على ذاته


أحمد سعيد قاضي

الحوار المتمدن-العدد: 4961 - 2015 / 10 / 20 - 10:36
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


كثيراً ما يحدث أن تخلق وحدة المفاهيم ووحدة الخطاب تناقض جوهري أو ثانوي عند الاصطدام بالجانب العملي تحت دوافع أيديولوجية أو/و مصلحية صرفة، فينشق الخطاب وينشطر إلى قسمين أو عدة أقسام متناقضة متصارعة. ومن الناحية الأخرى نجد أحياناً أن تناقضاً كامناً بين خطابين نديّن، لأسباب أيديولوجية أو مصلحية، قد يفضي إلى وحدة خطابية ورؤيوية تدحر جانباً كل مخلفات الانقسام والاختلاف والتناقض بشكل إبداعي خلّاق، فتتغير وتتبدل الحدود والمحرمات والخطوط الحمر والتصورات والرؤى والاستراتيجيات والآليات ويمكن كذلك الأهداف بانتصار أحد الخطابين وهيمنته هيمنة تامة على الآخر، أو باندماج وتكامل الخطابين بحيث يقوم كل منهما بدور المكمّل والمساعد في صناعة وحدة وتماسك خطاب فعّال وحدوي بتطويع كافة أدواتهما في خدمة هذا الهدف.
ونقاشنا سيكون حول الثاني لدوافع ستتكشف كلما تقدمنا في المقال. ففي سياق الاستعمار من الطبيعي أن تتشكل المقاومة، وهو ما ناقشته سابقاً بشكلٍ جزئيٍ في مقالة ثنائية العقل الاستعماري، وتتوالى الهبّات والثورات ضد المُستَعمِر بحكم عمل المُستَعمِر الدؤوب ضد إرادة وحرية ومصلحة وتوجه وأيديولوجيا الأصلاني وممارسات القتل والتنكيل وغيرها من أساليب القوة في اخضاع الأصلانيين. وهو ما نتج في الحالة الفلسطينية فدائماً ما كانت المقاومة، بأي شكلٍ كانت، تصاحب وجود الاستعمار.
وفي ذات الوقت، وفي مقابل خطاب القوة والعنف والعنصرية الاستعمارية الموحّد والموجه ضد الفلسطينيين، فإن الساحة الفلسطينية اليوم تقع تحت وطأة خطابين طاغيين متصارعين في حالة استقطاب شديد جداً كلٍ منهما له مقوّماته ومبرراته وأدواته وحظوته وهيمنته على جماعته وتابعيه ولكلٍ منهما واقع مغاير يعززه، وتقوم العلاقة بين هذين الخطابين على التلاسن والتبارز والتخوين وعلى قدر كبير من الانحطاط لم تشهده الحالة الفلسطينية من قبل.
الخطاب الأول هو خطاب الانبطاح المطلق دون وجود أي إرادة سياسية وأي ثقة بقيمة الشعب وتضحياته فتغدو الحرية هِبة تُمنح من المُستَعمِر ويستجديها الفلسطيني استجداءً، يرى أن على الفلسطيني التعايش مع وجود الاستعمار وأن يتمتع بشتى فنون الرقص والغناء والحياة مسلوبة الحرية والكرامة على أن يتفنن في أساليب المقاومة، ويرى هذا الخطاب كذلك أن الحياة دون كرامة وحرية أفضل من الموت في مواجهة محسومة مسبقاً، لذلك يدعو إلى استخدام الوسائل والأدوات الدبلوماسية والسلمية والسياسية في مواجهة المُستَعمِر إلى حين تغير الأوضاع على الساحة الدولية وتغير موازين القوى وبالتالي تحل القضية الفلسطينية تلقائياً حين تسنح الظروف لذلك. فيُقدّس هذا الخطاب الشعب كجسد فوق كرامة وحرية هذا الشعب، ومن ناحية أخرى يراه عاجزاً فاقد الإرادة وضعيف بحيث لا يمكنه إحداث تغيير في مسار الأمور.
بيد أن الخطاب الآخر المنافس بقوة على الساحة الفلسطينية على النقيض تماماً من الخطاب الأول، وأسميه هاهنا بخطاب الموت. خطاب الموت يرتكز أساساً إلى تبهيت قيمة الإنسان إلى المدى الذي تصبح به "الشهادة" أو الموت هو القيمة العليا والمثلى للإنسان والهدف الأسمى دون أن يكون بالضرورة وسيلة لتحقيق استثمار سياسي معين يسترجع لو بعض الحقوق المسلوبة بل هدفه الموت لمجرد الموت. فهذا الخطاب محاط بسياج من الدماء والحل يكمن بالدماء والإبادة فقط، يمقت وجود أي مظاهر للحياة في ظل وجود احتلال، إما أن نموت أو نَقتل، على أن الحياة دون حرية وكرامة لا تعبر عن طبيعة الإنسان وإنما الموت من يمثلها في هذا السياق الكولونيالي، إنه خطاب مقاومة الحياة!
وفي ظل غياب النقاشات الفعالة والعميقة لتجاوز ضيق الأفق الذي يعم الساحة الفلسطينية، وفي ظل السجالات السطحية فقط إعلامياً وعلى وسائل التواصل الاجتماعي على المستويين الشعبي والسياسي فإن آفاق الصلح بين هذين الخطابين بعيدة المآل. فوسائل التواصل الحديثة وكذلك وجود أدوات قوية بيد كل طرف من أطراف صناعة الخطاب وكذلك وجود أسباب قوة تدعّم توجه كل طرف، ومصالح كبيرة يجثو عليها كل طرف، تجعل الالتقاء هوة سحيقة بين جبلين شامخين لا ترى بالعين المجردة رغم أن تجاوز هذه الثنائية ومحاولة التوفيق بينهما قد يؤدي إلى نمط معالجة قادر على مخاطبة الوضع الراهن والأزمة الحالية مع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ورغم كون الهوية القومية الفلسطينية والمصلحة العليا الفلسطينية وعذابات الشعب الواحدة وأرضه الواحدة وتقاليده وتاريخه الواحد وبنية عقليته الأخلاقية والفكرية وخلفيته الدينية تجعل من التشرذم في الخطاب الفلسطيني الموجه لمعالجة قضية مصيرية غير مبرر تحت أي ظرف من الظروف.

فنتيجة هذا الاستقطاب إنما هي إعادة إنتاج الموت والدمار والاستعباد والدونية للمُستَعمِر، لا حرية ولا كرامة ولا حياة إلا جسدياً يعيشها الفلسطيني في خضم ضيق الأفق وانعدام الخيارات وتطرف الخطابات، ولا نتيجة للوضع الحالي تعلو انحطاط القضية وعدم احترام التضحيات وتقديس الموت لأجل الموت. ليس فقط لأن تشظي الخطاب الواقع تحت الاستعمار يضعف الأصلاني ويعزز من قوة الاستعمار بحكم كون التشظي سلبية في هذه الحالة، بل لأن كل طرف من أطراف الخطابين يقيس كل تصرفاته ويقيّمها ويحدد نتائجها واتجاهها بناءً على صراعه مع الطرف صاحب الخطاب الآخر وليس وفقاً للمصلحة العليا للشعب الفلسطيني والمتركزة أساساً في المواجهة مع المُستَعمِر الإسرائيلي وتحدي بناء مجتمع متماسك.
الحياة دون كرامة وحرية هي حياة ينقصها أهم عناصرها، والموت لمجرد الموت هي مصيبة عظيمة فحياة الإنسان أكبر من ذلك بكثير، بل السبيل الأفضل هو السعي الدؤوب للحفاظ على حياة الإنسان والحرص على بقائه وفي ذات الوقت السعي الدؤوب للتخلص من محددات حريته وأهمها الاستعمار الإسرائيلي. ووجود خطابين موجهين لمعالجة القضية الفلسطينية منفصلين بهذه الطريقة على ساحة تخضع لاستعمار استيطاني عنيف ومتطرف وجبّار تفتح الأبواب على نتائج كارثية بسبب آليات كل خطاب غير المحسوبة عقلياً ومنطقياً ضمن مصادر القوة الموجودة وحدودها وإمكانيات الشعب والظروف المحلية والإقليمية والدولية والمؤطرة بالمصلحة القومية العليا، نتائج قد لا يستطيع تحملها الفضاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الفلسطيني. وبما أن الحياة الحرة أهم حق من حقوق الإنسان، ولأن الاستعمار والاستعباد أقبح حد للحياة الحرة فإن خطاب الحياة المقاومة مطلوب في المرحلة الراهنة؛ القبول بحياة دون حرية وكرامة ليس الحل، والقبول بالموت بديلاً للحياة ليس حلاً، فالمقاومة وجدت لتقاوم قاتل الحياة لا لتقتل الحياة فينا، والحياة دون حرية أو محاولات تحرير (المقاومة) مضبوطة استسلام مطلق يضاهي الموت. الحياة والمقاومة يجتمعان.



#أحمد_سعيد_قاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية العقل الاستعماري
- حول ماهية برنامج المقاومة المطلوب
- داعش؛ الثورة المسخ
- سعيد عقل
- الفعل الفلسطيني المقاوم..على سبيل الحصر لا الشمول!
- إنتفاضة؟
- نظام كامب ديفيد يبصق فتات الشرعية
- عَبِيدْ..!
- سوريا..النموذج النيكاراغوي هو الحل الممكن!
- جون مل والمجتمع العربي
- البرجوازيون وتشويه الحقائق في المنهاج الفلسطيني!
- الدكتاتورية الذاتية تقاوم التغيير!
- متى يمكن الحديث عن وقوع ثورة عربية؟!...في مفهوم الثورة العرب ...
- حول الهجمة الإمبريالية على سوريا
- تذكير إن نفعت الذكرى!
- -لا لعودة الفلول، لا لعودة الإخوان، يسقط يسقط حكم العسكر-
- المسار الثوري في مصر 5: المقاربات الدولية للأحداث
- المسار الثوري في مصر 4: صراع ذو أوجه وأشكال متعددة
- المسار الثوري في مصر 3: المجلس العسكري، رأس الحربة في الثورة ...
- المسار الثوري في مصر 2: ملامح خيانة الإخوان المسلمين للثورة


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - أحمد سعيد قاضي - في تناقض التناقض: الخطاب الفلسطيني المنقلب على ذاته