أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - مهاباد .. وطن من ضباب















المزيد.....

مهاباد .. وطن من ضباب


رضوى الأسود

الحوار المتمدن-العدد: 4939 - 2015 / 9 / 28 - 15:08
المحور: الادب والفن
    


مهاباد .. وطن من ضباب

إحتفظت بعنوان الرواية عنواناً لمقالى لأننى لم أجد ما هو أكثر بلاغية منه. إنها الرواية الأولى الصادرة عام 2004 للشاعر والروائى والباحث والمترجم الكردى السورى جان دوست، والمقيم بألمانيا منذ عام 2000.
مهاباد هى دولة الكرد الأولى التى تأسست عام 1964 برئاسة قاضى محمد والتى استمرت 11 شهراً، حيث قامت إيران بإسقاطها، وتخلت عنها روسيا وتآمر عليها الإنجليز، وإغتصب جزء من أرضها الآذاريون، فتبخرت كما يتبخر الضباب.
إختيار الضبابية كوصف لحالة الدولة الهش لم يتوقف فقط عند العنوان، بل إنسحب على حال كل ما بالرواية من شخوص وأماكن وعلاقات حب وصداقة، فكان إختيار بارع للكاتب الذى رأى فى الضباب كثافة تعوق/ تعمى الرؤية/ البصيرة، وليس منه فائدة ترجى بما أنه لا يمكن تحويله لماء (سنأتى على ذكر الماء لاحقاً). فنجد أن ثلاثة فقط كانوا يمتلكون ناصية البصيرة .. العرافة التى تنبأت بموت بادين البطل، والإثنان الآخران هما جد البطل أنترانيك وأميرال أغا اللذان تنبأ بموت الجمهورية الوليدة، وحتى من كانت لديهم تلك البصيرة النافذة، ما رأوا سوى الموت!
إنه الموت الذى يلاحقك فى كل زاوية من رواية الإخفاقات والإحباطات المتوالية لكل الشخوص وليس البطل وحده. ذلك البطل الذى ولد لأب كردى وأم أرمنية، تموت أمه وهى تلده، ثم يموت أبوه فى معركة نضالية من أجل الوطن، ثم جدته لأبيه، ثم جده لأمه أنترانيك الذى يعثر عليه بعد أن يصبح يافعاً.
كان الجد صوت الحكمة رغم نبرته الساخرة دوماً، تلك الشخصية المفعمة بالحيوية رغم الحزن والألم الذى عاناه هو بدوره بفقدانه لبلده وابنته، ففقد إيمانه بالرب وآمن فقط بنفسه. يقول لحفيده ملخصاً الصراع السياسى الدائر: الروس كانوا يغذون الأحقاد فى قلوبنا ليحاربوا العثمانيين بنا، والألمان كانوا يحاربون الروس بالعثمانيين، والعثمانيون كانوا يربون الكرد فى حظائرهم ويسمنونهم ليوم مثل ذلك اليوم. والحاصل أن القضية مثل الروث كلما حركته فاحت رائحته النتنة". إنه الرجل الذى عاصر مذابح الأرمن على يد العثمانيين وكثير من الأكراد، ثم حارب قسراً مع العثمانيين ضد الروس، ثم سلم نفسه إلى الروس فحارب معهم وقتل من قتل من الأكراد إنتقاماً، يقول: "أنا شاهد على وحشية الإنسان. لا أعرف لماذا الدم رخيص إلى هذا الحد؟ المسلمون، اليهود، المسيحيون، الكرد، الروس، العرب، العجم، الآذاريون، الأرمن، الترك، الخراء، الروث، كلها اسماء مجموعات لحيوانات مفترسة". كان صوت العقل وخلاصة خبرة الحياة حتى أن الراوى فى النهاية يقول: "لو كان جده على قيد الحياة، لأجابه على كثير من الأسئلة". كان وحده دليله فى الضباب الذى يغلف حياته: "يعيش المرء مرة واحدة فقط، وعليه أن يعيشها بحق، وإلا فإن وجوده فى هذه الحياة مثل عدمه"، "الحياة التى تعيشها والأحداث التى تمر عليك هى الكتب الحقيقية. أن تعيش سنة فى الغربة يقابل مائة كتاب عن الغربة"، "الزمن هو الحزب الأعظم يا ولدى. كن عضواً فى حزب الزمن دون أن تلبسه أى ثوب"، " الزواج أصلاً هو الحزب الأكثر ضيقا بين باقى الأحزاب".
الرواية كلها مسرودة بضمير المتكلم أنا، وفجأة فى آخر 14 صفحة يظهر صوت الراوى، ليتغير الضمير، فيصبح "أنت" عنواناً واضحاً لبداية تلك الصفحات الأخيرة.
يقول الراوى فى بداية روايته: "هذه الرواية تقرأ على ضوء أربعة مصابيح. فربما يقصد فصول العام الأربعة بما أن الجمهورية إقترب عمرها من العام، أو هى إشارة لساحة القناديل الأربعة فى مهاباد.
فى البداية (القنديل الأول)، يقدم الروائى الموت على أنه جرس: "الموت جرس لا صوت له. ولا يسمع رنينه إلا ذاك الذى دنت منيته. وأنا، مذ أن وطئت قدماى أرض مهاباد، لا يبارحنى هذا الرنين"، ثم فى النهاية (القنديل الرابع) يقدم الحياة على أنها جرس: " الحياة جرس مرتفع الصوت، لكن لا يُسمَع صوته، وحدهم الذين إنتهت حياتهم يسمعون، أما أنا فقد أصبحت لاصم ولم أعد اسمع أى رنين". كان الروائى منذ بداية الرواية وحتى نهايتها يصب علينا حيرته/حيرة البطل .. ضبابية المشاعر والمفاهيم وإرتباكها لنعود مرة اخرى لدلالة العنوان وربط المتن به.
بادين الأميدى بطل الرواية، المدرس والشاعر والعاشق وفارس البيشمركة، الشخصية المركبة، الحائرة "أنا حزين وسعيد أيضاً"، التائه بين حدود التاريخ والجغرافيا كما دولته، حياته إنعكاس لوطنه الضائع الصابر على الخيانات والإحباطات على أمل أن يأتى يوماً .. لم يأت! يخسر كل شىء .. الوطن، الحب، الصديق، فيقرر الإنسحاب من حياته لتتحقق نبوءة العرافة.
تغلب الشاعر على الروائى فى هذه الرواية التاريخية، فبالإضافة للغتها الشعرية، كان الشعر حاضراً وبقوة.
تدور الرواية كلها فى عام 1946، مع تقنية الفلاش باك طوال الوقت، فنعود لأعوام مثل 1939 و 1940 و 1941 وغيرهم.
الرواية بها كم كبير من الأحداث والاسماء والتواريخ المتعلقة بمهاباد، وكذلك القبائل الكردية المختلفة، والخلافات السياسية بين الدولة الوليدة ودول أخرى مثل إيران وروسيا وإنجلترا، وأماكن عدة تدور فيها الأحداث منها ما هو عراقى وتركى، هذا الزخم الهائل أربك القارىء كثيراً، فجعله يعود لقراءة العنوان الإستهلالى لكل جزء معنون بتاريخ، لكن حتى هذه العودة كانت مربكة، بما أن تلك العناوين ذاتها كانت إما تاريخاً من دون ذكر مكان، وإما تاريخاً مرتبطاً بمكان، وإما مكان مرتبط بفصل جغرافى!
فى الرواية كلمات ورد تكرارها وهى ذات دلالات هامة:
- الماء جاء كثيراً على لسان أميرال أغا، الرجل النصف مجنون الذى كان يرى أنه "إذا لم يكن هناك بحر فإن الجمهورية هراء .. وحده البحر سيحمى مهاباد وليس الحديد البارد القادم من بلاد الصقيع" قاصداً الأسلحة الروسية. المقصود بالماء هنا هو الحياة، فبدون الماء ليس هناك حياة/وطن، وأميرال أغا كان يعلم بالنهاية التعيسة والقصيرة للجمهورية حديثة المنشأ.
- شراب الفودكا الروسى والتبغ الفاخر الذى تشتهر به كردستان: "ما هو التبغ اصلاً؟ إنه أنفاس الله بلا شك." ، إنهما - بالإضافة إلى الجنس، الذى يغرق فيه الجد - تجسيداً لمعنى اللذة .. اللذة المؤقتة التى تجعل البطل وجده يغيبا فيها غالبية الوقت، فيهرب بها الجد من ماض أليم: "لذة فتح زجاجة لا تقل عن لذة فض البكارة"، "لولا الفودكا لعاديت الروس بكل ما أوتيت من قوة" ، "لو كانت الفودكا ألمانية، لكنت نازياً"، ، ويهرب بها الحفيد من واقع إحباطات واقعه: "أليست الحياة خمراً والموت سكرتها ؟!"، "رحم الله عظام ذاك الذى إخترع الخمر"، "الفودكا صنعتها دموع الله". ويتجلى المعنى الحقيقي لتلك اللذة حينما يقول البطل: "وحدها هذه الفودكا تأخذنى إلى عالم مختلف، رحب، جميل، ملون".
وعلى النقيض من مفعولها السابق نقرأ هذه العبارة: " الفودكا تحى الذكريات"، وكأنهما يهربان من وإلى الألم، حيث لا خلاص حقيقي بمعنى الكلمة. فالجد يظل يتذكر طوال الوقت زوج ابنته ووالد حفيده يونس الأميدى، الذى كشف له - على أرض المعركة - أكذوبة الجهاد باسم الدين، هو الذى جاء يجاهد "الكفار" دون أن يعلم أن أنترانيك مسيحى "يجاهد" هو الآخر معه ضد الروس! كما يظل يحذر حفيده من الروس ومن أنهم يتلاعبون بهم وبأن جمهوريتهم إلى إنهيار: "هذه الجمهورية لوحة جميلة لكن الإطار صغير". الحفيد هو الآخر يظل يتذكر - بها- حبه لجالا ومُجده وإخفاقاته معهما، بالإضافة إلى خيانة صديقه كريم الشكاكى له فى نهاية الرواية، والذى تزوج من مُجده، وبالتالى نكتشف أيضاً زيف عبارة "الفودكا تحررنا من الزمن"، بما أنها فى الواقع تأسر الزمن، فلا مهرب من وطئة ذكرياته.
- "الحبال"، تلك الكلمة التى تَرِد كثيراً على لسان بائع الحبال العجوز الذى يشبه حانوته المقبرة، هى دلالة على الموت تارة: "تصلح لأجل شنق المجرمين"، وعلى الهشاشة تارة أخرى: "يمكن للأوطان أن تُعلق بثلاثة أذرع من الحبال".
نهاية بادين تختلف عن نهاية جده، فأنترانيك، الأرمنى، الذى يتكلم الروسية حينما يكون سعيداً، والفارسية حينما يكون سكراناً، والأرمنية حينما يكون حزيناً، والكردية حينما يكون غضباناً، والذى استبدل بلده باستوديو التصوير الذى كان يستأجره، وقد تحرر من قيود البشر، فغسل نفسه من قوميته ودينه ومن حب امراة واحدة، فأصبح لا ينتمى لأى شىء/لأى أحد، فقط الفودكا رفيقه ومعبوده، مات وهو يحتسيها، غارقاً فى لذتها، وهو الموت اللذيذ الذى كان يتمناه، أما بادين فقد إتجه لجبل (خزايى) صاعدا للأعلى، عاجزاً عن التحرر من وطنه "فاجعتى الآن هو ذاك الحب" الذى كان "خمراً وخنجراً"، ظلت مهاباد تصغر أمام عينيه كلما صعد حتى غابت، وغاب هو أيضاً .. غابا هما الإثنين فى الضباب الذى لم يفارقهما .. تبخرا وكأنهما لم يكونا.
وتنتهى حياة روائية بإمتياز يصفها بادين بقوله: "تشبه حلماً طويلاً، أشعر فيها وكأننى أعيش فى رواية روسية أو فيلم أمريكى" وفى موضع آخر يقول: "حياتى فى مهاباد تشبه العيش داخل رواية وهناك الكثير من الأحداث لا يمكن حدوثها إلا فى القصص"، لكنها فى الواقع كانت مأساة إغريقية بكل المقاييس.




#رضوى_الأسود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما تصبح الكتابة فعل تعر داخلى
- أفغانستان .. هل ستشرق شمسك يوماً ؟!
- عدّاء الطائرة الورقية .. مرثية وطن كان يوماً
- تراجيم العشق
- شوق الدرويش .. الهوس الدينى مقابل الهوس بالمحبوب
- منافى الرب .. حينما يحتفى الموت بالحياة
- إن كانت ثورات -الربيع العربى- صنيعة صهيوأمريكية .. فماذا نحن ...
- عن الإخوان والإعلام وحماس ومصير الثورة
- دستور غير دستوري


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رضوى الأسود - مهاباد .. وطن من ضباب