أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - مقالات في التصوف















المزيد.....

مقالات في التصوف


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 4925 - 2015 / 9 / 14 - 14:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقالات في التصوف
رقم 1
التصوف هو علاقة الإنسان بعالم الخفاء المطلق. وهذه العلاقة لا تتم إلا بالعشق للوجود، والكون، والطبيعة، والحياة، والإنسان. وذلك مما لا يمكن الوصول إليه إلا بعد احتراق كل الأفكار المعطلة للذات عن درك السمو المسجون في الأشياء الموجودة بين دورتي الزمان، والمكان. وهنا، لا بد من جهد جهيد في طي عالم الحس الكثيف، لكي تشف الذات لقبول الإشراقات التي ترد على القلب من عالم البساطة المعنوية. ولذا، فالتصوف هو العودة إلى الطفولة التي تستلذ مفاهيم الأشياء الفطرية بلا أحكام القبلية، والبعدية. وهو شيء ينال بتذوق معانيه، لا بسماع حكاياته، أو بقراءة رواياته. ومن ثم ، فإن الصوفية قد عبروا عن هذا المقام بالفناء في الله، وعنوا بذلك لحظة زوال ظلال ظلمات الأوهام بين دفقة نور الحقيقة. وإذا زالت الظلال بين فسيح المدى، وبدت الأرض بارزة للعيان، اتصف العاشق بصفات الألوهية، والتف السر بسره في الكمون، والظهور، وإذ ذاك، لا أحد يرى في الكون سواه. فالصوفي غريب في جلوته، لأنه وحيد في خلوته، ووحدته من أحدية معشوقه، لا من مادية حياته. وهنا فقد السر صبيب اللغة، ثم زعم المتربصون أنه الحلول، والاتحاد، وما هو بحال في جسد، ولا متحد بذات، بل زال كل غشاء عن الأعين البصيرة، فلم يبق بين أشباح الوجود إلا نور شجرة الكلية الجامعة للفروع، والعروش، والظلال. فالتصوف على هذا يقظة، وانتباه، ودرك لمراحل المسير، وموارد المصير.
رقم 2
حيرة الإنسان، لا يزيلها اليقين، بل لا بد من شك مؤكد فيما هو حادث، وواقع، وحاصل، وبعده ينال الإنسان بدايات الإيمان بالحقيقة المطلقة. والحقيقة المطلقة تتلاشى أمامها كل الحقائق، لكي يكون عدم الإدراك لها حقيقة مثلى. وكل محطة تقف على حطيمها، فما هي إلا نهاية لمدرجة في الطريق الوعر المسالك، وبداية سير إلى ما تعتبره نهاية في قصدك. فلو طاف الوهم حول المدن، ووقف عند كل سوق، واستهدى إلى غيبه بأصوات المعابد، فإنه لن يكون موقنا بالحقيقة، ما دامت حقيقته قد زالت عن باطنه. فأنت لا تسير هنا وهناك إلا لرغبة في قصد محقق، ولكن لو كان القصد مستحيلا، فأنت لن تبرح متون المطايا، ولن تقطع طريقا من طرقك. فأول السير: أن تعتبر بأن حقيقتك في ذاتك، لا في رسوم الأشخاص المعولين بامتلاك سر الحيوات الهنية. ثانيا: أن تعلم أن ما تبحث عنه ليس منفصلا عنك، ولا منشغلا بغيرك، بل هو قائم فيك، ولا حياة لك بدون التصالح معه. ثالثا: أن تسير بهدوء، لا بجري وراء حلمك بالوصال. إنك إن فعلت ذلك، كان مرامك قريبا منك، وكان سيرك مريحا لنظرك، وإذا ما نلت جمال المناظر، كانت شجرة المعرفة بين عينيك، وإذا بلغتها، فلا تهل، فأنت قائم بها، لا هي قائمة بك، وإذا أحسنت الأدب معها، سرت بها، لا بك، لأنها روحك، وبين ما هو بداية وما هو نهاية بون شاسع، فإن لم تعرف منازل الوقوف، تعبت بين أنظار الواصفين، والمادحين، وإذا ما عرفت ذاتك، فأنت تسير في الطبيعة، ولكنك في الحقيقة واقف بين حدود دائرتك، وإذ ذاك لا تعب، ولا نصب، وهو مقام: :"لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون".
رقم 3
ليس إدراكك لماهية الأسماء والصفات إدراكا له، إذ الإدراك في هذه المرتبة بداية للسؤال، وأين أنت من الإجابة.؟ لو أجابت الكتب عن سر وجوده، فلم يتقاتل الراحلون إليه عن حقيقته.؟ لو أدركوه كما هو، لما كانت للساعين إليه وحشة، وحيرة.! لكنهم لم يدركوه، ولو تشاجروا حوله بأحكام الإيمان، والكفر. وهل ما حددوه به إلا سبب في الموت، لا في الحياة.؟ فالإدراك له بالأسماء، والصفات، ليس كالإدراك له بالوحشة، والحيرة. إذ الوحشة دلالة على عدم الرضا بما عُرف به بين الديار من معلوم المجهول. والحيرة شك في المعلوم من الإصطلاح، والاقتباس. والوحشة تبعدك عن الدوائر، لكي تبحث عن دائرة الوصل، وإذا وجدتها في غوصك بين أمواج الدنس، (لأن الدنس يطفو على البحر) وهي قريبة من صفات ذاتك، ألفيت حقيقتك في حقيقته. والحيرة تجليه في فؤادك، إذ لو كان جليا بأسمائه، وصفاته، لما غاب عنك في ماهية ذاتك. فجلاءه من حضوره معك، لا في انفصالك عنه، ولا في وثوقك بأنك قد حصرتك بمعلومك. وكيف يحصر طويل المدى، وفسيح البحر، وأنت ما أطلقت إلا عنان عين تحجزها طراوة الأشجار، وصلادة الأحجار.؟ لو حصرته بمرشد عقلك، فهل حصرته ببرهان قلبك.؟ ولو حصرته بخفق لفظك، فهل حصرته بعشق معناك.؟ فآفة الحصر التجسيم، والتشبيه، والتعطيل. وعلة التجسيم الحد، وعلة التشبيه الصور، وعلة التعطيل العجز. فهو لا حد له حتى يجسم، ولا صورة له حتى يشبه، ولا بعد له حتى يعطل. فكيف آنست به في نفسك، إذا عرفت أسماءه، وصفاته، وهو بائن عنك، وأنت غير موقن بأنك به، لا بك، بل هو أنت إذا اعتقدت أنك نسمة من روحه.؟ فبداية الطريق في أمور نجمل بعضا منها فيما يلي: أولا: لا بد لك من وحشة، وسمها غربة "أنطولوجية"، أو شكا، (أنا أحق بالشك من إبراهيم.) أو تولها، أو تعشقا، أو توحدا، أو تورعا، أو تزهدا، فكل هذا إصطلاح في معنى واحد، وغايتها أن تحس بأنك كون، وكوكب، وفلك، ومدار، وكل هذه مسميات لمعنى الذات، وغايتها أن تنفصل عن هاجس غيرك في ارتباط ظلك بأصل الشجرة، واتصال لفظك بمعاني السماء. ثانيا: إيقانك بأنك لن تعرفه من خارجك، وما لم تعرفه في باطنك، فلا رحلة، ولا ارتحال، ولا وصل، ولا اتصال، وإذا ارتحلت إليه بجناحي طائر روحك، فأنت لا تعدو مساحة دائرتك، بل ما هو إلا خروج من هبوط ماديتك إلى صعود روحيتك، ثم تعود بعدها نازلا إلى بدايتك، وأنت في غلبة المعنى لا تعرفه بالحدود، ولا بالرسوم، بل توقن بما استقر به جرمك بين الذوات، وقلبك بين القلوب، وهناك الوصل، لا الفصل، والوحدة، لا الكثرة، والأمل، لا الألم.
ثالثا: لو استدللت عليه بما رسموه من موصوف، وأوصاف، فلن تعدو دائرة اللفظ الموسوم بالمعاني المحدودة بالحس، والذهن، والخيال. ومتى سيستقيم معنى لفظ تنافى مع معناه.؟ فاللفظ محوط بالقيد، والمعنى محفوف بالإطلاق، وكيف يمكن للفظ حده العقل أن يكون معنى لما عجز الإدراك عن تحديد حقيقته.؟ وهنا بداية الوعي بأن طمأنينتك من مشاهدتك القلبية، لا من تخمة عقلك بمعارفك القبلية.
رابعا: ليس عجز الحمامة عن التحليق في هذا الباب إلا تعطيلا، إذ لو لم يكن في المحمول لنا أن ندركه بمعراج ذواتنا فيها إليه، لما طالبنا بمعرفته. لكن كيف نعرفه في تعزز لفظه، وتمنع معناه.؟ هنا رسمه كل واحد بمنهجه، ثم اختلفوا، واختلطوا، واقتتلوا، فمات الإنسان، وكان حقه أن يحيى. فهل معرفته تقودنا إلى سعير الحرب، والدمار، والخراب.؟ فمعرفته ميسرة لخلقه، وكل ميسر عسير، ولا يخوض لجة العسير إلا البسيط، وكل بسيط في تحديد حدود معرفته بين أغوار ذاته، نال الخطوة إلى الإمام، والحظوة عند أهل المقام. وهنا تنال حكمة خلود الجوالين بين المفازات من حكماء، وفلاسفة، وأولياء، وصلحاء.
رقم 4
أنا جوال بين الضراح المسكونة بوجع الحقيقة، وحامل قارورة عطر في كيسي. لكن عيون اللصوص تمنعني من شم ما فيها من زكي الرائحة الجلية. ففؤادي يصطلي بنار شك لا يدركه أقرب جزء إلى كليتي. فلم الفرار، وأنا غريب بين برية الغياب.؟ فحين أسير، وظلي يقتدي بي، لا أجد ما على الخوان من طري المآكل إلا بؤسا، ويأسا، ولا أحس بما يموج حولي من هرطقات إلا سفاسف يصخب بها المثرثرون بالفداء، والخلاص. وإذا تغرغرت عيناي بالدموع الثرة، لا أنفك عن نظر تحوطه ملامح سيد يلتهم حبات عنب من عنقود تدلى على حائط بستان مونِق الأطراف، والحواشي. لكن لو رسمت لذلك الملاك صورة فارس يمتطي صهوة فرس مطهم بالبهاء، وصرت بها حفيا، فكيف لا أقبل ما يجود به عصر هذا النهار من عطاء.؟ ذلك الملاك الذي عبَّد جوارحي، لم أشهد عليه ملامح الآدميين، بل كان رفيقي في زمن اللئام، والفدام، وهم يجرون الذيل نحو كسرة خبر نتنة، ويخبون نحو عفن يشربون صديده، وفحيحه. فحسبي أنني قبلت لقمة من فمه المترنح بنشوة الخمرة الأزلية. فهو ملاكي، ومالكي، ونور روحي، وغذاء حياتي، فكيف لا يأسرني بمنته، وقد جالسته على حصير الذكريات المنقضية قبل وجود البشر على أرض السواد الظالم، والغاشم.؟ لو لم أرض به بديلا عن غيره في عوالم خفائه، فلن يكون لي بين دنياي أمل في حياتي، ولو لم أخف سره بصمت لساني عن لاعج قلبي، لما ثنيت قصائدي عن ترداد محاسنه، ومفاتنه.



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة المجرم
- مفهوم الحقيقة
- إزالة الإبلاس عن معاني الإرجاس
- أفكار مسوقة (الجزء السادس)
- أفكار مسروقة (الجزء الخامس)
- أفكار مسروقة الجزء الرابع
- أفكار مسروقة (الجزء الثالث)
- أفكار مسروقة (الجزء الثاني)
- أفكار مسروقة (الجزء الأول)
- صرخة براءة صغير
- همم الحكماء، وذمم السفهاء
- تعدد الزوجات بين فحوى النص، وفوضى اللص.
- دموع الجمعة
- رسالة حب إلى أوشو
- تأملات في خلفية داعش


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جميل حسين عبدالله - مقالات في التصوف